المرأة الجميلة خارج سلطة المخرج..فللينــي: أرســم النســاء السـمينات

المرأة الجميلة خارج سلطة المخرج..فللينــي: أرســم النســاء السـمينات

عواد ناصر
فيديريكو فلـلّـيني (ولد في 20 يناير/ كانون الثاني 1920 بمدينة ريميني بإيطاليا، وتوفي بروما، في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 1993) بعد إصابته بنوبة قلبية. فلليني أخرج أجمل أفلام الدراما الكوميدية بعنوان (الدولشه فيتا – الحياة الحلوة) بطولة مارشيلو ماستروياني وإنيتو أكبيرغ.أغرم الفتى فيلليني بعروض السيرك ومؤدي المسرحيات الهزلية التي كانت تعرض في مدينته،

وتقمص أدواراً عدة لا تبدأ بالمهرج الملون من طاقيته حتى حذائه ولا تنتهي بمروض الأسود، الساحر الذي يروّض وحوش الغابة ويجعلها ترقص على إيقاع الطبول.
تعرف على الممثلة جوليتا ماسينا وتزوجها في العام 1943، حضرت هذه المرأة في أحلامه الرومانسية، كحبيبة وممثلة وظهرت لاحقاً في عدد من أفلامه، ووصفها بأنها المرأة الأكثر إلهاماً لأعماله. وحقق في العام 1945 نجاحه السينمائي الأول حين دُعي للمشاركة في كتابة سيناريو فيلم (مدينة مفتوحة)، وهو من أهم أعمال المخرج روبيرتو روسيليني وفق أفلام الواقعية الجديدة، المثقلة بأسئلة الحرب العالمية الثانية وآثامها وآلامها التي خرج، إثرها، للعالم ثلاثة من أعظم مخرجي فن السينما الإيطالية والعالمية: لوتشينو فيسكونتي ومايكل آنجلو أنطونيوني و فيديريكو فيلليني، لكن كلاً من الثلاثة وضع بصمته السينمائية الخاصة في الاخراج والأخير، الحائز على أربع جوائز أوسكار، أسس مدرسة فنية في السينما أطلق عليها (المدرسة الفللينية).
جوليتا مقياس الحب والفن
جوليتا صارت هي المرأة والممثلة والملهمة وامرأة الحوارات الحارة والمتوترة حول الحب والسينما والجمال، بل هي كل شيء مثل مدار كامل في حياة هذا المخرج اللامع.
ليس من صفحة في مذاكراته، بعد التعرف عليها، تخلو من صورة لها أو حوار ساخن أو مشاكسة أو غزل، وأكثر من هذا صارت هذه المرأة مقياساً لجمال النساء وعبقريتهن عنده "كانت تتقبل ما أقول وطيبة المزاج وتعطي كل ما عندها للدور، وتحتفظ بكل ما فكرت فيه خلال النهار وخصوصاً أخطاء العمل وتفضي به إليّ عندما نرجع إلى البيت ليلاً... جوليتا كانت ممثلة وستبقى ممثلة، ووجهت لي انتقادات عنيدة.. أردت أن أن أحمي مفهومي عن الشخصية وأرادت هي أن تحمي شخصيتها".
بين الزوجة والحبيبة والممثلة تنقل فلليني مفاهيمياً، لا جسدياً، فبقي مخلصاً لهذه المرأة التي لبت حاجاته الفنية والعاطفية والثقافية، من دون أن يمنعه هذا من إبداء رأيه، أو ذوقه بالنساء الأخريات فناناً حراً، فلا غيرة ولا مشاحنات، وهو الرجل الذي بدأت المرأة في حياته، منذ الطفولة، على هيأة ملاك يتبعه ويشير إليه بسبابته: أن اتبعني "إنه ملاك طفولتي ملاكي الحارس الذي لا يفارقني أبداً.. لم أستطع أن أتصور هذا الملاك إلا امرأة".
فلليني الخجول
فلليني الرجل الخجول، لكن الوقح في السينما، لم يمارس سلطته ونفوذه على النساء "خصوصاً مع امرأة جميلة".
يقول في مذكراته (*):
"أنا دائماً خجول مع النساء. لم أرغب في امرأة عشاقها كثار يمكنها أن تجري مقارنة بيني وبينهم ولو في خيالها فقط. لم أكن منافساً في السرير.. أحب النساء الخجولات لولا أن التقاء شخصين خجولين أمر محرج".
نصائح المخرج للممثلات لا تتحد بالدور والحوار ولون العينين والشفتين، إنها تتوجه إلى المرأة الممثلة على أنها امرأة تعرف ما تريد من جمالها وحضورها وشخصيتها، إذ الجمال عنصر أساس، على أن يكون المخرج "صديق" الممثلة الذي يصارحها ويثني على جمالها مثل أي صديقين حميمين. يقول فلليني: "أثناء عملنا في فيلم "جولييت والأشباح" قلت للمثلة ساندرا ميلو: يجب أن تؤمني بجمالك.. عليك أن تقفي أمام المرآة بطولك الكامل وأنت وحيدة، ومن المفضل أن تكوني عارية وتقولي بصوت عالٍ: أنا أجمل امرأة في العالم".
ثمة مشكلة عويصة بين فلليني الرجل وفلليني الفنان بشأن النساء، على أن طفولة الفتى غير حرفية المخرج الناضج الذي يرى في المرأة عطاء لا ينضب في الفن والحياة، حتى أنه يعترف بأنه "يجلّ النساء" على خلاف النظرة التي أبداها بعض نقاده الفنيين الذين اتهموه بأنه يحط من قدر المرأة ويستعملها مادة فنية أو "وسيلة انتاج".
فلليني، في مذكراته، يبحث عن البراءة في المرأة جزءاً من براءته الشخصية، كما يقول، رغم خشيته من النساء، لكنها خشية تتلاءم مع تقديسه لهن، فهن لسن في متناول أي شيء عدا الحب والفن، وربما على شكل دعابة.
أما أثناء العمل فيبوح فلليني: " قد أقول، أحياناً، لامرأة في موقع العمل: هل مارست الحب في الليلة الفائتة؟ ترتبك ثم تجيب عادة بالنفي حتى لو أنها ربما مارست ذلك، وأقول أنا ما معناه: إذن، ضاعت ليلتك سدى".
ماستروياني معبود النساء
مارشيلو ماستروياني صديق فلليني ونجمه المفضل كان ساحر النساء عدا كونه نجماً لامعاً في السينما الإيطالية والعالمية فهو النجم في أفلام فلليني ورأيناه في أفلام عدة منها عرض في دور العرض البغدادية أيام زمان، خصوصاً في السبعينات.
يذكر فلليني: "كانت النساء تترامى على مارشيلو ماستروياني، دائماً،. قلت له: "أنت محظوظ. فأجاب: إنهن يترامين عليك، ولكنك لا تقبض عليهن، بل إنك لا ترى ذلك فتفلت منك الأمور".
مخرج، مثل فلليني، ولا بد مثل أي مخرج حرفي آخر، عليه أن يعزل نزواته عن عمله، فالعري النسائي ينبغي أن يدخل في الأفلمة وليس في الشهوة الخاصة للمخرج "كنت أجد نفسي منهمكاً في العمل جداً بحيث أكون في الغالب غافلاً، تقريباً، عن الممثلات العاريات قربي".
أما النساء السمينات فهن في رسوم فلليني، خصوصاً تلك التي تشكل مخططات الأفلام على الورق، لكن بطلاته لم يكن سمينات، ربما الأمر يعود إلى أخيلة الطفولة فهو، كما يقول، يقتصر على الظاهر حيث كان يعي اختلافهن عنه:
"عند توزيع الأدوار، أو الكتابة، أو في الفترة السابقة للانتاج، يبدو أن يدي ترسم وحدها أحياناً.. في تلك اللحظات أرسم صدوراً أنثوية ضخمة على الأرجح (بالمناسبة فلليني رسام أيضاً)، والشيء الآخر الذي أعبث في رسمه، عادة، هو مؤخرات نسوة بالغات الضخامة.. إن معظم النساء اللواتي أرسمهن في كراسة الرسم الأولى يظهرن كأن ثيابهن تتمزق عنهن.. إن كن يرتدين أي ثياب".

(*)أنا فلليني – إعداد: ش. شاندلر،
ترجمة عارف حديفة، منشورات دار المدى.