الانتخابات النيابية الاخيرة في العهد الملكي

الانتخابات النيابية الاخيرة في العهد الملكي

■ د. فاضل محمد رضا
اثار قيام الجمهورية العربية المتحدة عام 1958 استياء الفئة الحاكمة في العراق، وقد كانت مفاجأة مذهلة للبلاط, حتى ان عبد الإله أغرورقت عيناه بالدموع حين سماعه الخبر على حد قول خليل كنه, فسارعت وزارة الخارجية بأستدعاء سفيري العراق في القاهرة, ودمشق خشية تقديم أوراق اعتماد جديدة ممّا يعدّ اعترافاً رسمياً بالوضع الجديد للبلدين،

ولم تكتفِ بذلك, فقد صرّح وزير الخارجية برهان الدين باش أعيان في اثناء وجوده في عمان بأن العراق غير مرتاح لهذه الوحدة, وكتب فاضل الجمالي مقالاً في جريدة العمل بعنوان (( تحدٍ أم اتحاد)) ذكر فيه الروابط المشتركة بين البلدين مشيراً الى أن إبعاد سوريا من العراق مناف للمصلحة القومية, وأن تأصيل الشيوعية فيها يهدّد سلامة العراق، وأُبلغ نوري السعيد الذي كان يترأس الوفد العراقي في اجتماع أنقرة دول الميثاق بخطوة الوحدة المصريّة السورية؛ لأنّها حركة شيوعية تهدّد الأمن الأُردني واللبناني داعياً الى عرقلة هذا المشروع، وقد اكدّ ممثلو دول الميثاق مخاوف نوري السعيد
وأيدّ وزير الخارجية البريطاني سلوين لويد وجهة نظر نوري السعيد, داعياً الى إقامة اتحاد بين العراق, والاردن, والسعودية في مقابل الاتحاد المصري السوري، وتشجيع المقاومة السوريّة وبثّ الدعاية بأن الوحدة جاءت ضد مصالح الشعب السوري، والقيام بعمل عسكري إذا اقتضى الأمر لافشال مشروع الوحدة.
ولمّا شعرت الفئة الحاكمة بأتساع التأييد الجماهيري للوحدة منعت ارسال البرقيات التي كانت الاذاعات المصرية والسورية تبثّها، وبعثت رسائل تهديد بالاغتيال، واتخذت اجراءاتها للحيلولة دون قيام التظاهرات،إلا انه على الرغم من ذلك اقيمت الاحتفالات في بعض الكليات, ورفعت الشعارات المطالبة بالنظام الجمهوري والمندده بعزل العراق عن الركب العربي، وخرجت بعض التظاهرات الطلابية بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي, وهتفوا بحياة جمال عبد الناصر, وسقوط حلف بغداد وقد مارس حزب البعث العربي الاشتراكي دوراً كبيراً بتنظيماته الطلابية لتأييد الوحدة العربية.
يبدو أن قيام الجمهورية العربية المتحدة في 1 شباط 1958 أمر أقلق الاسرة الملكية الهاشمية في كل من العراق والأردن, فأملت عليها خطورة الظروف اتخاذ خطوة مقابلة تحفظ لها وجودها وتساعدها على النهوض والاستمرار، ولاعتبارات شخصية وسياسية، تقدم ملك الاردن بأقتراح إلى ملك العراق يدعوه فيه الى الاتحاد فقوبل هذا العرض بترحاب شديد مع شيء من مظاهر الابتهاج.
بدأت المفاوضات التمهيدية بتبادل الوفود بين العراق والاردن, وفي 11 شباط توجه الملك فيصل على رأس وفد ضم كل من توفيق السويدي, وبرهان الدين باشا أعيان وزير الخارجية, ونديم الباججي وزير المالية, وعبد الرسول الخالصي وزير العدلية, والتحق بالوفد يوم 13 شباط 1958 عبد الاله ولي العهد.
وفي 14 شباط 1958 أُعلن عن اتفاق الجانبين على إقامة (الاتحاد العربي) برئاسة الملك فيصل الثاني, ونظرت الاوساط السياسية, والشعبية في العراق الى الاتحاد العربي بالمعارضة واللامبالاة، ولاسيّما انها تعلم ان هذا الاتحاد أملته المصالح الشخصية, والرغبة الاستعمارية، فأعلنت جبهة الاتحاد الوطني انها ستكافح أي مشروع تقوم به بريطانيا واعوانها لتوريط العراق في الاتحاد مع شرق الاردن تنفيذاً لمخططاتها المبيتة.
نتيجة لتوتر الوضع السياسي على اثر قيام الاتحاد بين العراق, والاردن, وما يحتاج إليه الوضع الجديد من تشريعات تدعم كيان الاتحاد, وترصين وحدته, والقضاء على المعارضة الشعبية التي بدأت بوادرها منذ اعلان الاتحاد، لتكون له القدرة على الوقوف بوجه التحَدّيات الخارجية التي تمثلت بقيام الجمهورية العربية المتحدة، من خلال دعم المعارضة السورية, والتفكير بالعمل العسكري إذا اقتضى الامر، وقد رأى البلاط أن هذا العمل يحتاج الى رجل قوي يقوم بأعباء المهام الجديدة ، وبعد ان اعتذر عبد الوهاب مرجان من القيام بها وقدّم استقالته بتاريخ 2 أذار 1958. اسندت المهمة الى نوري السعيد في 3 أذار 1958، بعد ان اشترط عليه عبد الاله إدخال العناصر الموالية للبلاط في وزارته، وتحدث نوري السعيد عن إجراءات وزارته التي استهدفت دعم الاتحاد بجميع الوسائل وإعداد دستور الاتحاد الجديد, ثم تعديل الدستور العراقي لايجاد التناسق بينه وبين دستور الاتحاد, والاخذ بالمبادئ الجديدة التي يقتضيها تطور العراق السياسي والاجتماعي بمنح المرأة الحقوق السياسية وفقاً للأسس والمؤهلات التي تلائم وحالة البلاد الاجتماعية والثقافية ، وما يترتب على ذلك التعديل من حلّ المجلس الحالي وإجراء انتخابات جديدة على أن يتم ذلك قبل انتهاء المدة التي حددها اتفاق الاتحاد.
اختتمت مباحثات دستور الاتحاد العربي وأعلن عن الاتحاد يوم 19 اذار 1958 بعد ان وضعت صيغته النهائية في قصر الزهور صباح يوم الاثنين المصادف 17 آذار 1958. وقد تلقت القوى الوطنية خبر إعلان دستور الاتحاد العربي ببرود، ويبدو أن القوى الوطنية آمنت بالرأي القائل أن لا أمل يرتجى من هذا النظام الذي ربط مصيره بمصائر الامبرياليين، وان لا طريق امام الشعب وقواه الوطنية سوى العمل على ازاحته بالقوة .
شرع مجلس النواب بتعديل لائحة القانون الاساسي العراقي, وقد تضمت اللائحة مادتين فقط، ثم صوّت عليهما، وبتعيين الأسماء ظهر أنّ عدد المصوتين (125) وقد صوتوا بالاجماع مؤيدين لها، وبعد ذلك أحيلت الى مجلس الاعيان لأقرارها. فصادق عليها, وبموجب المادة (119) من القانون الاساسي العراقي التي تنص على ان كل (( تعديل في القانون المذكور – يجب ان يوافق عليه كل من مجلسي النواب والاعيان بأكثرية مؤلفة من ثلثي اعضاء كلا المجلسين المذكورين، وبعد الموافقة عليه، يحلّ مجلس النواب، وينتخب المجلس الجديد فيعرض عليه، وعلى مجلس الاعيان، التعديل المتّخذ من المجلس المنحلّ مرة ثانية، فإذا اقترن بموافقة المجلسين بأكثرية مؤلفة من ثلثي اعضاء كليهما أيضاً، يعرض على الملك ليصدق وينشر)) ولمّا كان قيام الاتحاد العربي اقتضى تعديل الدستور كما قدمنا، صدرت الإرادة الملكية في 27 أذار 1958 بحلّ مجلس النواب ولزوم اجراء انتخاب مجلس جديد.

موقف القوى الوطنية والاحزاب السياسية من الانتخابات

توقّع ساسة المعارضة أن الانتخابات الجديدة ستشهد مداخلات نوري السعيد السافرة كدأبه في الوزارات السابقة, فدعوا الى مقاطعتها, ووجهوا بياناً أشاروا فيه الى معاناة العراق التي تكمن في الحكم الدكتاتوري الذي يهدف الى إزالة البقية الباقية من مقومات الحياة الدستورية، واستعرضوا سياسة السعيد في ضرب الحركة الوطنية وألامعان في انتهاك حريات الشعب الدستورية, وفي مثل هذا الجو لا يجد المواطن سبباً للمشاركة في انتخابات عرفت نتائجها مسبقاً, لا تستهدف سوى الاتيان بشهود زور على السياسة المرسومة، ولم يبق امام الشعب الا مقاطعتها وعدم الاعتراف بالمجلس الذي نتج منها.
اعلن الشيوعيون مقاطعة الانتخابات الجديدة وعملوا على كشف المخطط الاستعماري, وفضح أعوانه وحثّوا الشعب على عدم إعطاء الفئة الحاكمة ذريعة ادعاء موافقة الشعب على سياستهم، ونشطت تنظيماتهم الطلابية في توزيع المنشورات التي كتب ((عليها تسقط الانتخابات السعيدية المزيفة، الانتخابات والحريات سليبة حبيسة، شعبنا يقاطع الانتخابات المزيفة))، واصدر الحزب توجيهات الى أعضاءه بتعبئة الجماهير لمواجهة التطورات المقبلة، وعدم الدخول في معارك جانبية فاشلة والابتعاد من المواجهة المكشوفة والاحتكاك المباشر مع السلطة، وكتبت جريدة اتحاد الشعب السريّة مقالاً بعنوان (( لا انتخابات حرّة، ولاحريات ديمقراطية شرعية على يد عميل الاستعمار نوري السعيد، قاطعوا يا أبناء شعبنا العراقي الانتخابات المزيّفة )) أوضح الحزب فيها سياسة نوري السعيد في إجراء الانتخابات لايجاد مجلس لا يمثّل إرادة الشعب وغير نابع من معاناة الأُمة، ممثلاً لمصالح الغرب وموالٍ للفئة الرجعّية الحاكمة.
بدأت الحركة الوطنية تحشد كوادرها لإعلان الإضراب العام، فأصدرت جبهة الاتحاد الوطني, وتشكيلاتها السياسية بياناً حثت فيه الجماهير على الإضراب ومقاطعة الانتخابات، وانتشرت فكرة الدعوة الى الإضراب العام بين طبقات الشعب، فاتخذت السلطة التدابير اللازمة للحيلولة دون وقوع الاضراب فراقبت أعضاء الحركة الوطنية واعتقلت اعداداً كبيرة من الطلبة بحجة التحريض على الإضراب، وشهدت مراكز الانتخابات انتشاراً أمنياً واسعاً بحجة حماية صناديق الانتخابات،

سير الانتخابات ونتائجها

باشرت الحكومة وضع الخطط اللازمة لاجراء الانتخابات بعد أن صدرت الإرادة الملكية ذات العدد (160) في 27 أذار 1958 القاضية بحل المجلس وإجراء انتخابات جديدة استنادا الى المادة(33 ) من قانون انتخاب مجلس النواب رقم 53 لسنة 1956 , تقرر إجراء الانتخابات العامة في جميع المناطق الانتخابية في العراق يوم 5 أيار 1958، وقد أصدرت وزارة الداخلية أوامرها الى جميع متصرفي الالوية للشروع بالمستلزمات الاولية استعداداً لاجراء الانتخابات، ولمّا كانت نتائج احصاء النفوس الذي جرى في 12 تشرين الأول 1957 أظهرت زيادة كبيرة في عدد نفوس سكان العراق اقتضى ان يكون عدد النواب (148) نائباً بدلاً من (137) نائباً، إلا أنّ الجهات الحكومة تذّرعت بأن نتائج احصاء النفوس الذي جرى لا يمكن أن تظهر بصورة واضحة, وصحيحة الا بعد عامين في الاقل، لذا تقرر ان يكون عدد نواب المجلس الجديد لا يزيد على (145) نائباً ومع هذا وعدت بزيادة منتظرة وذلك حينما يصادق المجلس الجديد على دستور الاتحاد العربي حيث سيختار (15) نائباً من بينهم لمجلس الاتحاد وتجري انتخابات فرعية لملء المقاعد الشاغرة، وبهذا سيكون للعراق 160 نائباً (145) منهم في المجلس النيابي و 15 نائباً في مجلس الاتحاد، وبعد ان تداول نوري السعيد رئيس الوزراء مع ولي العهد عبد الاله بشأن شكل المجلس الجديد وانتقاء اعضائه، اتفقوا على المجيء بمجلس نيابي موالٍ الى عبد الاله شخصياً على عكس المجلس السابق الذي كان الأغلبية فيه من انصار نوري السعيد، وقد أعلنت الحكومة على لسان رئيس الوزراء حيادها وعدم تدخلها في الانتخابات, وعلى من يريد ان يرشح للنيابة علية ان يتبع السبل القانونية، وفي الوقت الذي كانت بغداد تضج بالوجهاء والشخصيات الوافدة من الالوية والاقضية كافة الذين جاءوا لمقابلة رئيس الوزراء نوري السعيد, ووزير الداخلية سعيد قزاز طالبين النيابية، طامعين بتزكية الحكومة لهم.
أعمّت وزارة الداخلية على متصرفيات الالوية كافة البيان الذي اصدرته الحكومة بتعيين يوم 5 أيار موعداً للانتخابات، وقد طلبت منهم التهيؤ لاعداد القوائم باسماء الذين يحق لهم الانتخابات, وتدقيقها وتعليقها في غضون عشرين يوماً من صدور بيان وزارة الداخلية، واصدر محمد محمود القشطيني رئيس محكمة استئناف بغداد امراً ادارياً بتعيين حكام المناطق الانتخابية التي تقع ضمن ألوية بغداد, والدليم, وديالى, والكوت وهي الالوية التي تقع ضمن صلاحيات رئاسة استئناف منطقة بغداد، واصدر كذلك شاكر الهلالي رئيس محكمة استئناف المنطقة الجنوبية في البصرة بياناً بتعيين حكام المناطق الانتخابية في ألوية البصرة والعمارة والمنتفك, وأصدر ياسين الكيلاني رئيس محكمة استئناف المنطقة الوسطى بياناً بتعيين حكام المناطق الانتخابية في ألوية الديوانية والحلة وكربلاء.
وقد بدأ الراغبون في الترشيح للانتخابات من اعضاء المجلس المنحلّ, وغيرهم في الاتصال بوجوه محلات المناطق التي يرغبون الترشيح فيها، وكانت هذه الاتصالات من قبيل جس النبض، ولمّا كانت المادة (25) من قانون انتخاب مجلس النواب رقم 53 لسنة 1956 تنص على وجوب تقديم استمارة الترشيح للنيابة في مدة لا تقل عن 15 يوم قبل التاريخ المعين للانتخابات فسوف يكون اخر موعد لقبول الترشيحات يوم الاحد الموافق 20 نيسان 1958، وعلى هذا بدأ المرشحون للانتخابات بدفع التأمينات القانونية, وفي اليوم الأول دفع في بغداد ستة مرشحين التأمينات القانونية منهم عبد الجبار الراوي مدير الشرطة العام سابقا عن عانه, وعارف السويدي من المنطقة الثالثة في بغداد، وعبد المحسن الدوري عن المنطقة السابعة في بغداد، ويوسف كتو عن المسيحيين في بغداد.
بعد غياب طويل دام اربع سنوات مدة المجلس السابق عاد نواب البصرة الى لوائهم لخوض المعركة الانتخابية، وترددت في احاديث المجالس اسماء بعض المرشحين كعبد السلام باش أعيان, وعبد الكريم الخضري, وسالم أغا جعفر, وعبد القادر السياب, وعبد الباقي طه السلمان, ونوري جعفر, وعن المسيحيين جميل صادق, وذهني سعيد, وحسين الفايز عن البصرة، وأخرون، اما بشأن الإجراءات الادارية في البصرة فقد تقرر تعيين حسن علو القيسي قائمقام المركز موظفاً ادارياً للمنطقة الانتخابية الأولى) واجتمع اعضاء المجلس البلدي والاعضاء المنتخبون من مجلس الإدارة في ديوان المتصرفية برئاسة الموظف الاداري للمنطقة الانتخابية الاولى وقرروا انتخاب اعضاء هيئة الاقتراع, التي ضمّت كل من عبد القادر الزهير واحمد الفيصل الخزعلي, وكاظم بريج، واجتمع اعضاء مجلس بلدية الزبير والاعضاء المنتخبون من المجلس الإداري برئاسة الموظف الاداري للمنطقة الانتخابية الثانية وهو مدير ناحية الزبير, وقرروا انتخاب اعضاء هيئة الاقتراع التي تألفت من عبد الرحمن العودة, وناضر المجموعي, وناصر المطير, ودخلت المعركة الانتخابية في البصرة المرحلة الثانية إذ جرى انتخاب الهيئات التفتيشية، ففي المنطقة الانتخابية الاولى انتخب اعضاء الهيئة التفتيشية بحضور حاكم المنطقة ادريس محسن ابي طبيخ والموظف الاداري حسن علو القيسي، وبعد ان انتخبت الهيئة التفتيشية ادى اعضاؤها اليمين القانوني أمام حاكم المنطقة ثم عقدت الهيئة اجتماعاً في ديوان المتصرفية انتخبت فيه عبد القادر الزهير رئيساً لها.
بدأ المرشحون من مناطق العراق المختلفة يتوافدون على مكتب رئيس الوزراء نوري السعيد, ووزير الداخلية سعيد قزاز لضمان ترشيحهم ضمن قائمة الحكومة، في حين دفع التأمينات القانونية يوم 15 نيسان الى محكمة استئناف بغداد عشرة من المرشيحن بينهم ثلاثة من اعضاء الوزارة, وهم برهان الدين باشا اعيان وزير الدولة لشؤون الانباء والتوجيه عن المنطقة الثانية في البصرة, والدكتور عبد الامير علاوي وزير الصحة عن مركز قضاء الكوت, ومحمد مشحن الحردان وزير الزراعة عن قضاء الرمادي، وبهذا يكون عشرة من اعضاء الوزارة قد رشحوا أنفسهم للانتخابات الجديدة، وقد سبق ان دفع التأمينات القانونية كل من سعيد قزاز وزير الداخلية, وجميل عبد الوهاب وزير العدلية, والدكتور ضياء الدين جعفر وزير الاقتصاد, وعبد الكريم الازري وزير المالية, وسامي فتاح وزير الشؤون الاجتماعية, ورشدي الجلبي وزير المواصلات والاشغال, ومحمود بابان وزير الدولة، وبهذا يكون قد اشترك جميع اعضاء الحكومة في المعركة الانتخابية وهذا مما يعطي مؤشرا الى عدم حيادية الحكومة.
وفي بغداد دفع التأمينات القانونية كل من حسام الدين جمعة عن المنطقة الثانية، وشاكر العاني عن المنطقة السابعة, ومحمد صالح معتصم المشهداني عن الكاظمية, وعبد الامير السعدي عن الدورة, وعزت مراد, ونوئيل رسام, وكامل نعمت نازو عن المسيحيين، وآخرين، حيث وتوالي المرشحون تباعاً لدفع التأمينات القانونية استعداداً للاشتراك في المعركة الانتخابية، بدأ النشاط الانتخابي في العاصمة بالاتصالات والاجتماعات التي جرت هنا وهناك في معظم المحلات, وبشكل ضيق، استقبل المرشحون الضيوف من أبناء مناطقهم واخذو يجرون معهم المشاورات التي تسبق الانتخابات، وقد اتخذ المرشحون شكلا أخر في الدعاية الانتخابية فقد حضر بعضهم المباريات الرياضية التي وجدوا فيها خير مجال للدعاية الانتخابية، فأخذوا يكثرون من حضورها ويهتمون بتنظيمها، إذ رعى الدكتور نديم الباجه جي مباراة الملاكمة في مقر نادي الفيلية الرياضي الذي يقع في منطقته الانتخابية, وقد حضر هذه المباريات مرشحا المنطقة الآخران, وهما عبد الكريم الأًزري وعبد المجيد القصاب، ورعى حسام الدين جمعة في محلة الشيخ عمر احدى محلات المنطقة الانتخابية الثانية في بغداد مباراة كرة الريشة في مقر نادي الشباب الرياضي..
وفي يوم 7 نيسان اكتمل انتخاب الهيئات التفتيشية لجميع المناطق الانتخابية في لواء بغداد البالغ عددها (16) منطقة، وباشرت بتدقيق القوائم الموحّدة التي قدمتها إليها لجان تنظيم القوائم على وفق المادة السادسة عشر من قانون انتخاب النواب رقم 53 لسنة 1956 التي اوجبت تدقيقها في غضون خمسة أيام من تاريخ ايداع القوائم الموحدة اليها، ويتحتم بعد ذلك ان تنظم القوائم بأسماء الناخبين لكل شعبة انتخابية وترسل الى لجنة الانتخاب لتعليقها في أماكن مناسبة في مراكز الشعب الانتخابية.
تزامن عيد الفطر مع موعد انتهاء مدة الترشيحات ، لذلك استفتى ديوان التدوين القانوني بشأن الموضوع، فأفتى بأنه اذا صادف العيد يوم 20 نيسان، وهو اليوم المحدد لقفل باب الترشيح للنيابة فسيكون موعد انتهاء الترشيحات نهاية الدوام الرسمي من يوم الاربعاء الموافق 23 نيسان، أما اذا صادف العيد يوم 21 نيسان فسيظل الموعد ثابتاً أي 20 نيسان.
شهدت المعركة الانتخابية في الموصل فتورا واضحاً منذُ بدايتها فقد قدمت قوائم المرشحين, ودفعت التأمينات القانونية وجرى انتخاب الهيئات التفتيشية، من غير ان تشهد مناطقها الانتخابية نشاطاً ملحوظاً للمرشحين. فلا توجد سيارات تطوف في الشوارع, ولا مكبرات صوت تحث الناخبين على الانتخاب، ولم تلقَ الخطب ولم يحدث أي اجتماع انتخابي، ولم تقسم الوعود والعهود من المرشحين، وقد انسحب عدد كبير من المرشحين بعد ان تأكدوا من عدم جدوى مشاركتهم لأن الامور معدة مسبقاً لفوز مرشحين معينين.
وشهدت المعركة الانتخابية انسحاب الكثير من المرشحين, فقد انسحب كل من عبد الرزاق الازري، وعطشان الفرحان من عانة, وميخائيل كنو ويوسف كنو عن المسيحيين, وعبد الحميد الهلالي من بغداد وجابر السرحان من الديوانية, وكامل عارف الناصري من تكريت، وعبد الغفار المعتوق من ابي الخصيب، وثامر الحموده من سوق الشيوخ, ومحمد حسن سلمان من العمارة, وخليل كوان الجبوري من سامراء واخرين وكان انسحابهم لصالح مرشحي الحكومة الذين ضمنوا تأييد الادارات المحلية في الترويج لهم ودعمهم بكل الوسائل المتاحة وغير المتاحة.
وشهدت المعركة الانتخابية أفضع أنواع التزييف والتلاعب, ولم تدخر السلطات الادارية وسعاً الا وبذلته, وقد اعترض المرشح عبد اللطيف محمد علي عن منطقة الاعظمية متهماً مدير ناحية الاعظمية بالترويج الى مقاطعة الانتخابات، وقد استفسر المرشح عن سبب هذه الدعوة, وهل تأتي على وفق خطة الحكومة، في الوقت الذي يحظى فيه بتأييد كبير من أهالي المنطقة، وطالب وضع الأُمور في نصابها، فأجاب مدير الناحية على اعتراض المرشح بأنّه لا يحظى بتأييد أبناء المنطقة بعد خسارته أمام خصمه طالب مدير الناحية بأقامة الدعوى عليه على وفق المادة (159) من قانون العقوبات البغدادية، وقدم المرشح قاسم محمد الخاصكي عن المنطقة الرابعة في بغداد اعتراضاً لعدم تطبق المواد (46، 47، 48) من قانون انتخاب النواب، إلا أنّ حاكم المنطقة الانتخابية الرابعة رفض الاعتراض, مع ان التزييف بحسب ما افاد المرشح المعترض وقع مرتين، المرة الأولى مسك الصندوق مفتوحاً بيد معاون الشرطة بعد ان اخرج لجنة الانتخاب قسراً، والمرة الثانية حين انتهاء عملية الانتخاب وارغامه على ترك المركز الانتخابي قبل التصنيف بقوة الشرطة. في حين اعترض كامل القصاب المرشح عن منطقة الكاظمية لدى حكام المنطقة احمد المطيري على عدم توفير الشروط القانونية لاحد المرشحين المنافسين له.
وبعد انتهاء المدة القانونية للترشيح بلغ عدد المرشحين في أنحاء العراق كافة (300) مرشح تنافسوا على المقاعد النيابية، وأعلن وزير الداخلية سعيد قزاز في المؤتمر الصحفي الذي عقده في قاعة الصحافة بدار الاذاعة يوم 5 أيار 1958 وتحدث فيه عن الدعايات المغرضة الصادرة من الخارج والتي زعمت بأن هناك ضغط على الناخبين مستدلاًّ على ذلك (ان بعض الفائزين بالتزكية كانوا نوابها منذ ما لا يقل عن 15 سنة وقد خرجوا في كل مرة بالتزكية لمكانتهم في مناطقهم الانتخابية) ، ولدى مقابلته الى مراسل الاسوشيتدبريس ويونايتدبريس، اعلن ان عدد الفائزين بالتزكية بلغ (118) نائباً وان الانتخابات جرت في 6 ألوية لملء 27 مقعداً من مجموع 145 مقعداً، وسُئل عما اذا تبين للحكومة بوجود معارضة، فأجاب ان المعارضة اذا وجدت سوف تتبين بعد انعقاد مجلس النواب الجديد, وزعم في الاجابة بتوفير حرية الانتخابات, والدعاية الانتخابية, وحرية الرأي وأن المرشحين مارسوا كل ما ضمن لهم القانون من حرية، وقد سُئل عن احتمال قيام احزاب, اجاب ان الحكومة ستدرس الموضوع وتنظر اليه بانعام ودقّة.
صدرت الارادة الملكية بدعوة مجلس النواب لعقد اجتماعه غير الاعتيادي في 10 أيار 1958، في الوقت الذي عقد مجلس الوزراء جلسة استثنائية برئاسة رئيس الوزراء نوري السعيد لبحث صيغة خطاب العرش الذي سيلقيه الملك في افتتاح المجلس وقد افتتحت الجلسة الاولى للدورة السادسة عشر في 10 أيار 1958 بخطاب العرش الذي اشار فيه الى السياسة القومية التي تبناها العراق والتي تمثلت في قيام الاتحاد العربي, ولتحقيق الوحدة العربية لابد من تعديل القانون الأساسي، وبعد ان قدمت الحكومة لائحة التعديل وافق عليها مجلس النواب وحلّ وجرى انتخاب المجلس الحالي, وأن أهم اعماله اتمام تشريع لائحة التعديل الثالث للقانون الاساسي.
بدأ مجلس النواب انتخاب اعضاء ديوان الرئاسة فأحرز عبد الوهاب مرجان (134) صوتاً ليكون رئيساً للمجلس, ثم انتخب عز الدين ملا نائباً اول وقد احرز (125) صوتا، اما النائب الثاني كان من نصيب فوزي الخضري والذي صوت له (112) نائب.