مفارقات وذكريات عن الكرة العراقية

مفارقات وذكريات عن الكرة العراقية

■ سيف الدين الآلوسي
دخلت كرة القدم العراق بعد دخول القوات الأنكليزية , حيث كان يلعبها بعض الضباط والمراتب الانكليز في المعسكرات الواقعة في الالوية العراقية .
انتشرت كرة القدم بين أبناء العاملين والمستخدمين العراقيين في تلك القواعد , وخصوصا في الحبانية والشعيبة وكركوك. وقد برز عدد كبير من هؤلاء اللاعبين من الجيل الاول ومنهم ناصر جكو,عمو سمسم, ويورا وغيرهم ومن أواخرهم هو المرحوم اللاعب والمدرب الكبير الأسطورة عمو بابا .

بدأت كرة القدم بالأنتشار السريع في مدن العراق عامة , وفي بغداد والبصرة بصورة خاصة , وقد مورست على نطاق بطولات التربية للمدارس في الالوية , والكليات في جامعة بغداد بداية ثم بقية جامعات القطر .
أنشأت في العهد الملكي عدد من ملاعب الأدارات المحلية في مختلف الألوية, وهي ملاعب متوسطة الحجم ,تتراوح الطاقة الأستيعابية لها بين الخمسة والعشرة الاف متفرج , في تلك الفترة كانت هذه الملاعب تفي بالغرض الذي شيدت من أجله.
تلك مقدمة بسيطة جدا عن تأريخ نشوء كرة القدم في العراق .
نعود الى كرة القدم في بغداد , فقد أنتشرت بصورة سريعة بين أوساط الشباب والطلاب وخصوصا من فترة الأربعينيات ولحد يومنا هذا .
بدأت كرة القدم تنتشر بين الصبية والشباب في مختلف الشوارع الفرعية والأزقة في بغداد, وخصوصا في العطلة الصيفية وكانت الكرة المطاطية ,( طوبة أم ثلاث دراهم) , هي سيدة الكرات كافة .
ولتعريف الكرة أم ثلاث دراهم للجيل الجديد , هي كرة مطاطية صغيرة بحجم كرة اليد المستعملة حاليا , لونها أصفر خاكي مائل الى البني , كانت تباع بسعر ثلاثة دراهم في وقتها أي ما يعادل نصف دولار حاليا .
هذه الكرة العجيبة خرجت أجيال عدة من لاعبي كرة القدم العراقيين.
بدأ بتأسيس عدة أندية لفرق كرة القدم في العراق , وكان من أشهرها فريق القوة الجوية, والحرس الملكي, والفرقة الثالثة, ومصلحة نقل الركاب, والشرطة وغيرها .
أذا ذكرنا كرة القدم العراقية فيجب أن نذكر رائدها ,كلاعب ومدرب ومعلق , وهو الأستاذ المرحوم أسماعيل محمد , والأستاذ أسماعيل محمد ولد في الكرخ سنة 1922, وهو صحفي بارز, ومؤرخ ,ومعلق, وأداري وأكاديمي, ومدرب ولاعب .
كان كابتن فريق المعارف ( المنتخب المدرسي العراقي ) في دورتي 1951 و1954 في القاهرة وبيروت .ومدرب فريق الحرس الملكي في موسم 1954- 1955 , ثم مدرب النادي الاثوري , ومدرب فريق المصلحة (مصلحة نقل الركاب) سنة 1956 . تولى تدريب المنتخب العراقي في دورة بيروت سنة 1957 .
حاز رحمه الله على شهادة التحكيم من أنكلترا سنة 1948 . علق على أول مباراة بين منتخبي العراق ومصر العسكريين سنة 1955 , وفسح المجال للاستاذ مؤيد البدري للتعليق سنة 1963 ولفترة , وليترك التعليق نهائيا سنة 1967, وبعد أن أصبح الأستاذ مؤيد البدري علما ورمزا للتعليق الكروي العراقي ,وعلى مستوى العالم العربي .
وعلى ذكر التعليق , فقد أنجب العراق عدد من المعلقين بالأضافة الى الأستاذ الكبير مؤيد البدري, ومن أهمهم المرحوم طارق حسن(حرامي بغداد )وكان معروف بشطحاته اللطيفة العفوية البغدادية , وبصمته الخاصة, ومن أشهر الشطحات عند تعليقه مرة على ضربات الجزاء(أعتقد مع قطر حسبما أتذكر), وعندما أضاع اللاعب ناظم شاكر الضربة قال ( هي , هي , لا هواية رح نغلب و من ! رح نصعد) , ثم عاد وفاز المنتخب العراقي في تلك المباراة ...... رحم الله ذلك القلب الأبيض المرحوم طارق حسن .......
وكذلك المرحوم المعلق حسين علي النوح وهو من مدينة الموصل الحدباء, وكان يعلق باللهجة المصلاوية (ضغبا جدا ممتازا ) يعني ضربة جدا ممتازة , رحمه الله تعالى , فقد كانت له طريقته وأسلوبه المميز المحبب .
كذلك من المعلقين السادة حسين حافظ, ومحمود السعدي ,وشدراك يوسف , ولو أن الأخير كان لاعبا أفضل مما هو معلقا وهذا رأي شخصي .
كانت الطوبة ( كريكر) أم الممية , هي كرة الهواة في الملاعب الشعبية مثل الكسرة, والعوينةو والزوية وغيرها ..
كانت هنالك ساحة لكرة القدم في الحارثية, ومقابل قصر الرحاب مباشرة , لا يفصلها عنه سوى شارع من ممرين, أصبح الان شارع عريض جدا وله جزرة وسطية, هذه الرواية سمعتها من الأخ محي السامرائي , كانت الحارثية في بداية أنشائها سنة 1956 , حيث تم تشكيل فريقين لكرة القدم من شباب المحلة الجديدة , وكانوا يلعبون الكرة يوميا في وقت الظهيرة والعصر في تلك الساحة , ويتعالى الصراخ والسباب وغيرها أثناء اللعب , والساحة تلك لاتبعد ,عن غرف نوم الملك , والوصي, والعائلة المالكة رحمهم الله وأدخلهم فسيح جناته جميعا , غير أمتار معدودة,في أحد الأيام ترجاهم الوصي رحمه الله بعدم الصياح, كون الملك فيصل رحمه الله مريض ويحتاج الى راحة , التزم الشباب بعدم الصياح والصراخ والسباب, و بعد أيام خرج المغفور له الملك فيصل الثاني ومعه أطقم من ملابس الرياضة الخاصة بكرة القدم, وكرة كريكر جديدة ليقدمها هدية للشباب وليشكرهم , وحتى أنه شاركهم بلعب الكرة.. ومن ثم تم تعديل الارض وتحسينها , وأخذ مراتب وضباط الحرس الملكي الشباب يشاركون أهل الحارثية في لعب الكرة , تلك هي واقعة حقيقية من شاهد عيان أطال الله في عمره .
كانت أحذية اللعب ( اللابجينات) , مصنوعة من الجلد مع البسامير الجلدية , لتساعد على اللعب في الملاعب الترابية الشعبية .
في 10 نيسان 1966 كان نهائي بطولة كأس العرب بين منتخبي العراق وسوريا وفي ملعب الكشافة,تم تقديم موعد المباراة يوما واحدا لأرتباط رئيس الجمهورية المرحوم عبد السلام عارف بسفرة الى البصرة , وكانت سفرته تلك هي التي سببت وفاته رحمه الله في حادثة سقوط الطائرة المعروف يوم 13 نيسان 1966.
أنتهت مباراة النهائي بفوز العراق بهدفين مقابل هذف واحد , سجلهما اللاعب كوركيس أسماعيل, أستلم كأس البطولة اللاعب الشهير والضابط الطيار وكابتن منتخب العراق أنذاك هشام عطا عجاج , وخرج جمهور الكرة فرحا وهو يهزج هذا الكاس يلمع والسلطجي يدمع..
(السلطجي هو حارس مرمى المنتخب السوري), كان رئيس الجمهورية ومسؤولي الدولة ومشرفي الرياضة مسرورين جدا بأنجاز مدرب المنتخب الوطني المرحوم عادل بشير .
من أشهر لاعبوا المنتخب أنذاك وأذا لم تخني الذاكرة , هم حامد فوزي لحماية الهدف , واللاعبين نوري ذياب وجبار رشك وصاحب خزعل ومحمود أسد وشدراك يوسف وباسل مهدي وشامل فليح وكوركيس أسماعيل وهشام عطا عجاج وقاسم زوية , وغيرهم ممن لم تسعفني الذاكرة لكتابة أسماؤهم .
بعد فترة تم أفتتاح ملعب الشعب الدولي والذي تبرعت بأنشائه مؤسسة كولبنكيان , وفي نفس السنة , وجرت مباراة الافتتاح بين المنتخب العراقي ونادي بنفيكا البرتغالي الذي كان يلعب فيه المهاجم الشهير أوزيبيو وهو هداف كأس العالم في سنة 1966 ,. أنتهت المباراة بفوز بنفيكا بهدفين مقابل هدف واحد.
كانت ملابس حراس المرمى والى منتصف السبعينيات سوداء كاملة , الى أن تم تغييرها الى الوان مختلفة .
من أشهر حراس المرمى محمد ثامر (القط الطائر ) , ولطيف شندل ,ومن ثم ستار خلف وجلال عبد الرحمن وأحسان بهية وغيرهم.
أستمر تطور الكرة العراقية وأنجبت الكثير من اللاعبين المتميزين والى اليوم , مع الأسف لم نرى تشييد أي ملعب جديد في بغداد العاصمة ومنذ أكثر من سبعة وأربعين عاما.