بماذا تميز موليير عن أبناء جيله من كتاب الكلاسيكية؟

بماذا تميز موليير عن أبناء جيله من كتاب الكلاسيكية؟

سعد السعدون
شهد الأدب الفرنسي ولادة العديد من المدارس والاتجاهات الفنية والفكرية، ولا شك أن المسرح الفرنسي بنشاطه الأدبي والفني نال بفلسفاته وأفكاره وتياراته العديدة ومسرحييه مساحة واسعة في مهمة وضع الأسس العلمية للمسرح العالمي، وعلى سبيل المثال برزت المسرحية الكلاسيكية بوصفها أبلغ تعبير للكلاسيكية الفرنسية

وكان أساتذتها هم الأدباء بيير كورنييه، جان راسين، موليير، وقد عرف الأخير بأنه أشهر كتاب الملهاة في المسرحية الكلاسيكية، وكانت أشهر مسرحياته تتسم بالسخرية وتظهر شخصيات قوية في نزاع التقاليد الاجتماعية، وألٌف موليير أشهر مسرحياته الهزلية نحو عام 1665 وكان من بين تلك المسرحيات الهزلية مسرحية (طرطوف)،
(دون جوان)، (مبغض الشر)، ولم تأت تجربة موليير بمحض الصدفة فمنذ صغره كان يتردد برفقة أصدقائه على خشبات المسرح لمشاهدة العروض المسرحية الأمر الذي ساهم في بناء ذائقته الفنية فضلا ً عن إعجابه بالممثلين والممثلات لا سيما أولئك الذين يقدمون أدوارا ً كوميدية، حتى أنه كان يحلم في أن يصبح ذات يوم ممثلا ً، وما كان يميز موليير في أنه كلن قارئا ً جيدا ً لمفردات وحاجات عصره، كما أن دراسته في مجال الفلسفة أعانته كثيرا ً في تبلور الأفكار وتصور بناء الشخصيات، وإذا تحدثنا عن اسلوب موليير فلا يكفي أن نعرف خصائص الأسلوب لديه، بل ينبغي أن نقوم بتفسيرها وأهم مايميز أسلوبه أنه كان يكتب أعماله بسرعة كبيرة مما يعرض الأسلوب للإصابة ببعض الأخطاء وحينما سئل عن هذه الجزئية أجاب معلقا ً أن عامل الزمن لا يمكنه فعل شيء، ويقصد بذلك أنه لو كتب نصه المسرحي بسرعة أو ببط ء فلن يتغير العمل فالأمر سيان لديه بيد إننا في عرضنا لبعض الاسباب العميقة لتلك السمة الفريدة التي ربما تكون هي السمة الوحيدة التي تميز بها موليير عن بقية أبناء جيله من الأدباء الذين خاضوا في ذات اللون الأدبي والأسباب تبعا ً لا ستنتاجها تكمن في:
أن فترة القرن السابع عشر عموما ً كان يتميز بأنه أسلوب كتابة فيه لم يكن يكتب ليُقرأ، بل كان يكتب ليعبر عنه بشكل شفاهي، وهو أسلوب ليس هدفه التعبير والتفسير لأفكار معدة سابقا ً بل أسلوب يجعلنا نشاهد الأفكار تجسيدا ً على خشبة المسرح، وقد تميز أسلوب فترة السابع عشر أيضا ً بإستخدام الإستعارات والمجازات وقد تجلى ذلك في مسرحية (نساء عالمات) التي كانت تشكل إشارة واضحة للحذلقة ورغم أن موليير نفسه حارب التصنع والتكلف إلى إنه كتب بإسلوب تميز بالإستعارات والمتناسقة والمتماسكة التي لا تزال تبهرنا حتى اليوم، كما أن أسلوب المسرح لديه ليس أسلوبا ً منقحا ً وهو عبارة عن كلمات وعبارات لامعة وحية تبهر الجمهور الذي يأتي خصيصا ً ويدفع النقود ليشاهد عرضا ً مسرحيا ً لموليير الذي أتقن مهنته ككاتب وروائي برع في إختيار التعبيرات التي تصلح للعرض على المسرح فقد كتب وفق آلية ليست للقراءة ولكنها أقرب للمشاهدة، حيث بدت أعماله كما لو كانت لوحة فنية يأتي إليها الجمهور ليشاهد براعة الفنان الذي أبدعها، وتعد هذه أبرز الاسباب التي ساهمت في تميز موليير عن غيره من كتاب الكلاسيكية الفرنسية، ويرجع إنتماء موليير للأدب عموما ً وللمسرح خصوصا ً لبواكير حياته حيث تلقى تعليمه في مدرسة أرستقراطية أودعه بها والده بولان وتعلم فيها اللغة اللاتينية، وكان له أصدقاء مثل برينيه وشابيل، وبعد إكمال دراسته تردد كثيرا ً في إمكانية رحيله إلأى مدينة (أورليان) وهكذا بعد أن أيقن أن المسرح أصبح كل شيء في حياته إنضم لفرقة (المسرح الشهير) التي أدخلته السجن بسبب الديون التي تراكمت عليه، وظل موليير مواظبا ً على حضوره المسرحي من خلال نافذة الكوميديا التي يعتبرها الفضاء الأنسب للتعبير عن هموم الناس اليومية وهواجسهم إزاء مختلف القضايا.