حياة مليئة بالشعر والمؤلفات

حياة مليئة بالشعر والمؤلفات

عبد الحميد الرشودي
قد كنت أؤثر أن تقول رثائي
يا منصف الموتى من الاحياء
لكن ستبقى وكل طول سلامة
قدر وكل منية بقضـــــــــــــاء
الحق نادى فاستجبت ولم تزل
بالحق تحفل عند كل نــــــــداء


روعت الأوساط الأدبية عصر يوم السبت 15/12/2012 برحيل علم من أعلام الأدب والشعر ورائد من رواد الندوات الأدبية ذلكم هو المرحوم المبرور محمد جواد الغبان وبرحيل هذه الشخصية يكون قد إنفرط عقد الرواد الذين كانوا يحملون مشاعل النهضة الأدبية في ربوع العراق في منتصف القرن المنصرم إلى يوم الناس هذا لقد إستطاع الغبان أن يقيم جسوراً وقناطراً بين أدباء العراق وأدباء سوريا ولبنان ومصر فقد كان الغبان حفياً بأدباء البلاد العربية الذين يفدون إلى العراق في المناسبات والمؤتمرات ويدعوهم إلى ندوته ويكرم وفادتهم فيخرجون وهم بكامل الغبطة والسعادة حاملين جميل الذكريات إلى أوطانهم . كانت ندوة الغبان تقام في منزله بشارع فلسطين مساء الاحد من كل أسبوع فكان والحق يقال منتدى أدبياً راقياً يلتقي فيه الأدباء والشعراء وأساتذة الجامعة وكان مثالاً حياً للوحدة الوطنية يلتقي فيها إبن الكاظمية وإبن الأعظمية وإبن الكرخ وإبن الرصافة وأبن بغداد وإبن النجف والناصرية والشطرة وسوق الشيوخ فكانوا يجلسون إخواناً على سرر متقابلين يسودهم الود والأحترام والتفاضل عندهم بالفضل والخلق الرضي لا بالمال والثراء والنسب والنسب وكأنما عناهم أبو تمام بقوله:

ان يكد مطرف الاخاء فاننا
نغدو ونسري في إخاء تالد
أو يختلف ماء الوصال فماؤنا
عذب تحدر من غمام واحد
أو يفترق نسب يؤلف بيننا
أدب أقمناه مقام الوالـــــــد
لقد استمرت ندوة الغبان تستقبل ضيوفها وزوارها وقد فتح باب داره وقلبه لهم إلى عام 2003 وبسبب اضطراب حبل الأمن إضطر إلى غلقها ولكنه في الأعوام الأخيرة عاوده الحنين ففتحها ولكن جعلها يوماً واحداً في الشهر وهو أول يوم أحد من كل شهر. وقد كان لي شرف إرتياد هذه الندوة منذ أوائل ثمانينات القرن المنصرم إلى سنة تعطليها في الزمن الوغد زمن الرعب والهلع فكم كانت لنا حافلة في هذه الندوة مساجلات ومطارحات بحضور نخبة من رجال العلم والادب أعد منهم ولا أعددهم د.علي الوردي ود.حسين علي محفوظ وإبراهيم الوائلي ود. عبد المجيد القصاب والشيخ جلال الحنفي وسالم الالوسي وعلي الحيدري وعبد الغفار وعبد الغني الحبوبي ومحمد صادق القاموسي ود. تحية الخطيب وزوجها عبد الكريم الخطيب وحميد المحل وشيخ المذيعين محمد علي كريم وشاكر العادلي وهادي محيي الخفاجي ومحرر هذه السطور.
وقد قامت الندوة بإحياء حفل تأبيني للمرحومين إبراهيم الوائلي ومحمد صادق القاموسي وكان المرحوم الغبان يكلفني بقراءة بعض قصائد المتنبي فيصغي الجميع مأخوذين بهذا الشعر العبقري الذي لايدانيه شعر، وكان الشيخ جلال الحنفي ينقل أصداء مما يدور في هذه الندوة من مناقشات ومطارحات في كلمته الاسبوعية " رؤوس اقلام" .
رحم الله الراحلين من رواد الندوة الغبانية ومد في أعمار المنتظرين تلك الليالي التي أحييناها واحيتنا في ندوة الغبان والتي كانت تمتد إلى موهن من الليل فيذهب كل إلى داره من حيث أتى محمولاً مع الاخوان الذين عندهم وسائط نقل .
كم أردنا ذاك الزمان بمدح
فشغلنا بذم هـذا الزمان
وقبل ان أختم كلمتي هذه الثكلى أرى لزاما على ان أُعرف القارئ الكريم بنشأة فقيدنا ودراسته ومؤلفاته:
ولد الفقيد محمد جواد الغبان في النجف الأشرف في أسرة علمية سنة 1928 ونشأ في كنف والده الشيخ عبد الكاظم الغبــان فأخذ منه العلوم الشرعية والنحوية ثم صحب خاله الخطيب الشاعر محمد علي اليعقوبي وكان يرافقه في حله وترحاله فكان كاتب وحيه والهامه ومدون أشعاره فقد كان اليعقوبي يملي عليه ما يعن له من أبيات ومقطوعات وقد أثمرت هذه الصحبة في الشاب فأخذ ينسج على منوال خاله وتفتحت موهبته الشعرية منذ صباه الباكر وقد التحق بكلية " منتدى النشر " وتخرج بها سنة 1949 فبدأ يزاول التعليم في المدارس الاهلية ثم قاده طموحه إلى الإلتحاق بمعهد الدراسات الإسلامية في القاهرة وهو يذكر من أساتذتها الشيخ أحمد حسن الباقوري الذي لقي منه الرعاية والعناية وكان يناديه " يا شيخ العراق" وبعد عودته عين مدرساً في المدرسة الجعفرية الأهلية لتدريس قواعد اللغة العربية وكان خلال هذه المدة ينظم الشعر وينشده في الحفلات ويؤلف الكتب ثم أختير عضواً في جمعية رابطة الأدب الحديث في القاهرة وعضواً في إتحاد الأدباء وقد مارس الصحافة فأصدر مجلة الفكر في النصف الثاني من عام 1958 وكان يضطلع بجميع شؤونها الثقافية والأدبية والمالية وأستمرت في الصدور حتى سنة 1961 وقد أصدر عدة دواوين شعرية فاز واحد منها يحمل عنوان " أنت أحلى "بجائزة التفوق الشعري من " مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري في سنتها الأولى سنة 1990" .

مؤلفاته المطبوعة
1-جعفر بن أبي طالب تقديم الشيخ محمد الحسين ال كاشف الغطاء ، طبع أولا في النجف سنة 1954 وأعيد ثانية في بيروت 1979
2-على هامش السقيفة النجف 1954 وأعيد ثانية في بيروت عام 1990
3-لمحات من حياة الشيخ اليعقوبي النجف 1965
4-العروج في ملكوت المتنبي وزارة الثقافة دار الشؤون الثقافية 2004 .
5-المعارك الأدبية حول تحرير المرأة في الشعر العراقي المعاصر الشؤون الثقافية 2006
6-الجواهري فارس حلبة الأدب مؤسسة المدى للاعلام والثقافة والفنون 2006
7-فن الرباعيات الشعرية ، دراسة ، مطابع الأديب ، عمان/الأردن 20117
دواوينه:
1-الأمل، النجف 1953.
2-وهج الشوق، النجف 1955.
3-المتنبي بعد الف عام وهي قصيدة عدتها مئة بيت، مطبعة الوسام، بغداد 1984.
4-وأنت أحلى، بغداد 1984.
5-وأنت أغلى، عمان/الأردن 1998.
6-من نفحات الأمامين علي والحسين، بيروت 2000.
7-على مرفأ الجراح، دار الشؤون الثقافية بغداد 2001.
8-قصائد المدن، مطابع الأديب، عمان/الأردن 2010.
9-وأنت بيت القصيد، مطابع الأديب، عمان/الأردن 2010.
10-جمرات من جحيم العراق، مطابع الأديب، عمان/الأردن 2011.
11_ما بعد الطوفان، مطابع الأديب، عمان/الأردن 2011.
12-رباعيات الغبان، مطابع الأديب، عمان/الأردن 2011.
هذا وله مؤلفات أخرى منها الجاهز للطبع ومنها ما هو في طور الإعداد عسى أن تساعف الأيام على طبعها وتيسيرها لجمهور القراء.

نموذج من شعره
لعل خير ما نختم به هذه الكلمة المتواضعة مقتطفات من قصيدته بل معلقته المتنبي بعد ألف عام وقد أوحاها له المهرجان الألفي المنعقد في بغداد إحياء لذكرى شاعر العربية الخالد أبي الطيب المتنبي، بين 5- 10/11/1977 وقد نشرت في حينه مقاطع منها في عدة مجلات عراقية وعربية.
هـيهـات يبلغ شأوك الاطراءُ
ويزيد مجدك في الحياة ثناء
أنى وقد حلقت فوق ذرى العلا
فبلغت ما لا تبلغ الشعراءُ
***
إيهاً نبي الشعر وكم لك من يد
عندي وهل تنسى اليد البيضاء
رويت بموردك القريحة مثلما
يروي قلوب الظامئين المــــاء
وتفتحـــت منه الزهور ندية
فكانما هـي جنة غنــــــــــــــاء
***
أيهـاً نبي الشعر جاوزت المدى
لما سما بطموحك الاسراء
اوحى لك الاعجاز من أياته
سورا فبورك ذلك الايحاء
***
من الف عام لا يزال يشدهم
فكر له مثل الضحى وضاء
وبكل جيل ظل يخفق عاليا
بيديه للشعر الاصيل لواء
ما زال صنوا للخلود مماله
في الدهر اشباه ولا نظراء
***
لازلت تنشرك القرون فتنجلي
لك في الخلود صحائف بيضاء