عندما غنت ام كلثوم في عيد ميلاد الملك فيصل الثاني

عندما غنت ام كلثوم في عيد ميلاد الملك فيصل الثاني

في عام 1946 زارت بغداد ام كلثوم وغنت في عيد ميلاد الملك فيصل الثاني. محرر مجلة الراديو المصرية الذي كان حاضرا في الحفل تذكر ليالي الرشيد.وفي ما يأتي نص مقالته التي كتبها مغطيا تلك الحفلة .

" شهدت بغداد ليلتين من ازهى ليالي الرشيد حينما استقلت نفحة الله للشرق ام كلثوم متن الطائرة في صباح يوم الخميس الموافق 2 ايار قاصدة الى ارض ليلى لاحياء ليلة عيد ميلاد الملك الحبيب فيصل الثاني صاحب عرش العراق وقد كانت الحفاوة بام كلثوم في العراق احتفاء بمصر وبسيدة الفن في مصر كما كان سفر ام كلثوم لاحياء عيد ملك العراق رسالة عاطفية من القاهرة الى بغداد حملتها اكرم سفيرة للفن المصري .
وقد نزلت الطائرة بام كلثوم بمطار الحبانية قبيل الظهر فوجدت في استقبالها ياور الوصي على عرش العراق الذي حياها باسم سموه الكريم ورافقها الى العاصمة في احدى السيارات الملكية حيث قصدت راسا الى القصر الملكي تقيد اسمها بدفتر التشريفات وهناك تشرفت بمقابلة جلالة الملكة الوالدة وصاحبات السمو الاميرات شقيقات جلالتها وشقيقاها سمو الامير عبد الاله الوصي على العرش الذين غمروها بعطفهم ورعايتهم . ثم ذهبت الانسة ام كلثوم الى فندق ريجينت الذي نزلت به ضيفة على الحكومة العراقية وفي المساء ذهبت الى الحفلة الساهرة الكبرى التي اقيمت بحديقة قصر الرحاب وهو مقر سمو الوصي على العرش وقد لبست الحديقة حللا زاهرة من الزينات ونسقت المصابيح الكهربائية حتى بدت كما تصفها ام كلثوم كانها قطوف دانية من فاكهة الربيع . وكانت الحفلة رسمية دُعي اليها كبراء الدولة ورجال السلك السياسي وقد تفضل سمو الامير عبد الاله بتقديم الانسة ام كلثوم بنفسه الى كبار المدعوين ثم غنت ام كلثوم فارهفت لها الاسماع . غنت فسهر العراق كله ليسمعها اذ كانت الحفلة مذاعة في ارجاء العراق فكانت الوصلة الاولى (ياليلة العيد) وقد ختمتها بقول :
يادجلة ميتك عنبر وزرعك عالعراق نور يعيش فيصل ويتهنى ونحي له ليالي العيد فدوت الاكف بالتصفيق ودمعت العيون فرحا وابتهاجا وتاثيرا وهتف العراق كله لام كلثوم . وغنت بعد ذلك ثلاث وصلات كانت كلها استجابة لرغبات المدعوين انشدت فيها (شوي شوي) (كل الاحب اثنين اثنين) وقصيدة شوقي العذبة الخالدة التي مطلعها : سلو كؤوس الطلا هل لامست فاها واستخبروا الراح هل مست ثناياها .
ومما هو جدير بالذكر بكل فخر ان هذه الوصلة وحدها دامت ساعتين بين الاجادة والاستعادة وكانت ام كلثوم وحدها نجمة الحفلة من اول الليل الى اخره وقد لاحظ بعض المدعوين ان سمو الوصي تخلف قليلا اثناء الحفلة ومعه جلالة الملك الصغير اذ خرجا يطوفان ارجاء بغداد ليشهدا فرحة الناس بام كلثوم فلما عادا قال الامير الوصي : لو اني وزعت على كل عراقي كيسا مملوءا بالذهب لما استطعت ان ادخل السرور على قلوب اهل العراق كما فعلت بهم الليلة ام كلثوم . وانتهت اللية بل اوشك ان ينتهي الليل والناس سكارى بسحر ام كلثوم والتحيات حولها تتناثر كالورد فهذا دولة السيد توفيق السويدي يقول لها ( يا انسة من حقنا ان نقبض عليك الليلة بتهمة سرقة قلوبنا ) وهذا السفير البريطاني انها مثل عظيم للسيدة وهذه الانسة نادية الشبيبي الشاعرة العراقية وابنة أخ شاعر العراق ووزير معارفها الاسبق السيد رضا الشبيبي تقول : لم اكن اشعر بانني يقظة استمع الى ام كلثوم بل كنت احس انني مستغرقة في حلم جميل من احلام الفردوس المنشود وقد قدمت لها الشاعرة في اليوم التالي قصيدة من نظمها جاء فيها :
ياربة الفن في دنيا الترانيم/ ويا حديث الملاء يا ام كلثوم/ غنى الخلائق فالاذان صاغية/ وخففي هم محزون ومهموم غني لنسمع بنت الدوح صادحة والدوح لولاك شوك جد مذموم ورتلي نغما تصبو النفوس له/ فالنفس يطربها عذب الاناغيم .
واصبح الصباح على ام كلثوم في فندق ريجينت فاذا هي مليكة الفن وجموع الشعب والهيئات الفنية والمعاهد باعلامها تهتف لها ولمصر في طرقات بغداد والكبراء والعظماء ورجال الصحافة يتوافدون على الفندق لتحيتها . وقبيل الظهر اتصل بها القصر الملكي (تليفونيا) يكيلون لها الثناء ويقول له جلالة الملك (نحن ف انتظارك على الغداء) !
وتناولت الغداء على الطاولة الملكية حيث قال لها جلالة الملك انت كنت الليلة زينة اكثر مما سمعتك في الاسكندرية وبعد ظهر اليوم نفسه دعتها السيدة حرم دولة نوري السعيد باشا الى حفلة استقبال في دارها حضرتها صفوة سيدات العراق فما ان دخلت عليهن حتى قوبلت بعاصفة من التصفيق وكانت بلبلة الشرق موضع الحفاوة والتكريم حتى اذن ببدء الحفلة الساهرة التي اقامتها حضرة صاحب العزة وزير مصر المفوض في العراق بدار المفوضية المصرية وشرفها صاحب السمو الملكي الوصي عبد الاله وامراء البيت المالك والوزراء ورجال السلك السياسي ووجوه القوم وقد اعد بدار المفوضية جناح خاص لجلالة الملكة الوالدة وصاحبات السمو اميرات العراق وكرائم العقيلات . ذهبت ام كلثوم الى دار المفوضية المصرية مدعوة ولكنها ما لبثت ان اصبحت داعية فقد كانت السيدة حرم الوزير المصري متغيبة في القاهرة فقامت ام كلثوم باستقبال المدعوين وتحيتهم وظلت تتنقل بين جناحي الرجال والسيدات . ثم كانت خير تحية لضيوف مصر ان غنت لهم (سلوا قلبي) ثم (اهل الهوى ) فابدعت ما شاء لها الابداع .
وفي ختام الحفلة تقدم حضرة صاحب السمو الملكي الامير عبد الاله فقلدها بيده الكريمة وسام الرافدين كما قدم لها باسم جلالة الملكة عقدا فاخرا من اللؤلؤ بين تصفيق الحاضرين وهتافاتهم للملكين فاروق وفيصل فتقبلتها بيد الشكر والدعاء للعراق ومليكها والملكة الوالدة والوصي . وعزفت فرقة ام كلثوم السلام الملكي العراقي ثم السلام الملكي المصري وكان الفرح يفيض على وجه الوزير المصري الذي قال لام كلثوم : انها اولت بلادها شرفا عظيما . اذ ان هذه اول مرة تشرف فيها جلالة الملكة الوالدة دار المفوضية من مفوضيات الدول ومما هو خليق بالذكر ان وسام الرافدين لايمنح الا للرجال حسبما تنص عليه قوانين العراق ولهذا عدل القانون ومنحته لأم كلثوم لاول مرة في تاريخ العراق انه شرف واي شرف لام كلثوم ان تتقلد بعد نيشان الفاروق والاستحقاق السوري وسام العراق الشقيق وشرف واي شرف لمصر ان ترفع ام كلثوم راس مصر عاليا في ربوع الشرق ."
مجلة راديو المصري 18/5/1946