ثلاث عقود على اختفاء د. صفاء الحافظ

ثلاث عقود على اختفاء د. صفاء الحافظ

زيد عبد الصمد نعمان
في شباط القادم تمر 35 عاما" على اختفاء العديد من العراقببن الوطنيين و الدبمقراطببن عندما بدأ الطاغية المنبوذ يهيأ لحربه مع ايران.
لا بد من شكر الاستاذ ابراهيم الحريري لمبادرته القيمة باثارة الجريمة النكراء بتصفية الشخصيتين الاجتماعيتين و الآختصاصيين د. صفاء الحافظ و د. صباح الدرة على صفحات الانترنت، تلك الجريمة التي لم تنل ما تستحق من اهتمام خلال العقدين المنصرمين.

ما اسعى اليه هو تسليط الضوء على فترة اعتقالهما عام 1979 و ما عرفت عنهما منذ ذلك الوقت.
كان اسما الشهيدين معروفين لدي من كتاب د.صفاء الحافظ عن اصلاح النظام القانوني في العراق الذي وصفه خا لي الراحل د.غازي عبد الهادي الذي صار فيما بعد عضو مجلس التدوين القانوني بانه من خيرة ما صدر في مجاله و كذلك كتاب القطاع العام للشهيد د.صباح الدرة.
تعود رؤيتي للشهيدين للمرة الاولى الى أيار 1979 في مديرية الامن العامة ببغداد. بعد اعتقالي في 13 أيار وضعوني في مبنى الاستعلامات ثم نقلت في نهاية أيار الى المشتمل حيث كان التحقيق و التعذيب يجريان في حديقته. بعد انتهاء وجبة التحقيق 3م.X الشديد حسب مصطلح الأمن العامة، نقلوني الى غرفة لا تزيد ابعادها عن 3م كانت هذه الغرفة تفضي الى غرفة اخرى مماثلة بالحجم. بعد ان انصرف الحرس رفعت العصّابة عن عينيي و تطلعت في الموقوفين فشاهدت جمعا" من الموقوفين يفترشون ارض الغرفة و قد اتخذ رجلان بملابس انيقة احدى الزوايا و تجمع حولهما عدد من الموقوفين في نقاش هامس. عرفت انهما د.صفاء الحافظ و د.صباح الدرة و انهما كانا يحللان الوضع السياسي للموقوفين و يشدون من عزيمتهم لتقليل خسائر التنظيم و سلامة الرفاق الاخرين. ثم التقيتهما مرة أخرى بعد وجبة تحقيق عنيفة فقدت فيها وعيي ثم افقت لأرى الشهيدين في غرفة اصغر من سابقتها في نهاية الممر الوسطي في المبنى الرئيس. في منتصف حزيران نقلونا الى المشتمل و بعدها ببضعة ايام دخل احد الحرس عند المساء و نادى "منو دكتور صفاء؟" و طلب منه جلب ممتلكاته و اللحاق به.
تزامن اطلاق سراح د.صفاء الحافظ مع انتهاء الانذار في مديريات الامن و
هـدأت وجبات التعذيب فصار لدينا مجال للنقاش بالاخص في فترة الليل. فتعرفت على د.صباح و كذلك الدكتور حسّان عاكف حمودي الذي أعتقل في مستشفى الطوارئ عقب انهائه عملية جراحية لآحد المطاردين من قبل الامن العامة.
في احدى الليالي حدثنا عن علاقته بالحزب عندما كان يدرس خارج العراق و عند وقوع انقلاب 8 شباط 1963 الفاشي، قررت منظمةالحزب غلق فرعها و العودة الى الوطن للمشالركة في المقاومة و اعادة بناء تنظيمات الحزب المضروبة. و بالفعل تجمع الرفاق و استدانوا مبالغ السفر و وصلوا اسطنبول حيث التقوا برفيق (لم تحتفظ ذاكرتي باسم ذلك الرفيق) قادم لتوه من العراق و ابلغهم بتوجيه الحزب بالتأني بالعودة. و ساق لنا هذه الواقعة في مجرى الحديث عن امكان أعادة بناء الحزب و آفاق العمل بعد الهجمة الشرسة.
المؤتمر الثالث: التحالف و خطة الطوارئ
حظي المؤتمر الثالث بقسط كبير من احاديثنا و بالاخص ما كان يدور داخل صفوف القواعد عن تفضيل عناصر مؤيدة لنهج اللجنة المركزية لا سيما في مجال التحالف مع البعث كما اكد ذلك احد الموقوفين (ابو باسل من الدغّارة). ايّد د.صباح ما قاله ابو باسل مبينا ان اكثر الاحزاب تسعى لتوكيد نهجها بتشجيع العناصرالتي تؤيد سياساتها و مع ذلك فان احدالمندوبين الى المؤتمر تحدث لأكثر من 17 مرة ضد التحالف مع البعث و لكن القرارات اتخذت بالتصويت. و بين ان المؤتمر كرّس نهج اللجنة المركزية و أبقى على التوازنات داخله و ضرب مثلا" عامر عبد الله و باقر ابراهيم كرمزين للاتجاه اليميني داخل المكتب السياسي. و تطرق الى تنزيل مكرم الطالباني الى عضو احتياط للجنة المركزية بسبب ضعف كفاءته حزبيا". و لم يخف تذمره من انجراف كثير من اعضاء الحزب و قياديه في التحالف مع البعث الى الدرجة التي فقدوا فيها استقلالهم الفكري و السياسي الامر الذي شجّع البعثيين على الايغال في معاداة الحزب وروى نكتة لتوضيح مرامه.
و عن مآل العلاقة مع البعث ذكر الشهيد أن الحزب تجاهل الاخبار من خارج بغداد عن اشتداد الحملة ضد الحزب باعتبارها تطيّر او تطرف من يساري من قبل رفاق الحزب أو تجاوزات فردبة من جانب السلطة و الحزب الحليف حتى صيف 1977 عندما باشر الحزب حملة اشرافات تهيئة لاجتماع اللجنة المركزية واحه المشرفون شكاوى و ردود قاسية من القاعديات و المحليات في المحافظات فكان ان صدر بيان اللجنة المركزية في شباط 1978 الذي بيّن ضرورة اجراء الانتخابات للمجلس الوطني و انتقد تأخر اصدار دستور دائم يضمن الحريات الاساسية.
وعن "اجتماع الصورة" للجبهة الوطنية – لجنة بغداد (نشرت صحف السلطة صورة لاجتماع لجنة بغداد في تموز 1978 ) ذكر ان ممثلي الحزب تفاجأوا بالتقاط صورة قبل بداية الاجتماع و عندما اقترح نعيم حداد ان يكرّس الاجتماع لمناقشة برنامج اللجنة للاحتفال بـ 17 تموز أعترض ممثلو الحزب مطالبين بمناقشة المطاردات لاعضائه و اقترحوا ان يلتقي نعيم حداد باحد ضحايا التعذيب الذي أجبر على الجلوس على بطل (قنينة) فرفض بشدة و امر سكرتير مكتبه بمنع دخول اي فرد اليه.
و كان طبيعيا ان نسأل عن خطة الطوارئ و ذكر الشهيد ان المؤتمر الثالث اقر خطة طوارئ لم تلبث ان طواها النسيان في غمرة العمل اليومي (لم يؤيد مندوبون آخرون للمؤتمر هذا الخبر)

الاشتراكية و" الاختراقات"
و التطور اللارأسمالي
في احدى المرات جرى التطرق الى الاشتراكية و معناها و امكان قيامها في العراق و قد تفاجأت بطرح د.صباح بان المستقبل سيشهد اختراقات "اشتراكية" في مجالات الاقتصاد او الرعاية الاجتماعية (السكن، التعليم، الصحة، التقاعد،..) وان مديات هذه الاختراقات ستقررها موازين القوى الاجتماعية لذلك البلد، اذ كان هذا كلام غير مألوف داخل الحزب. عندما قدمت الى بريطانيا حضرت ندوة عامة لعامر عبد الله عن النظام العالمي الجديد في فاعة همرسمث بلندن في كانون الثاني 1993 ردد المفاهيم ذاتها فاستغربت الفارق الزمني و لماذا لم يفتح الحزب مجال أوسع للنقاش لانضاج الآراء.
اما عن التطور اللارأسمالي فقال هذه بدعة جاء بها السوفيت تملقا" لانظمة ناشئة مثل عبد الناصر و منغستو مريام و سياد بري و البعثين السوري و العراقي. اما الواقع فان هذه الانظمة هي تجسيد لرأسمالية الدولة الاحتكارية في مجتمعات تكون فيها الدولة الرأسمالي الاكبر.

زيارة شكر
بعد اطلاق سراحنا بعد 16 آب 1979 زارنا د.صفاء الحافظ و زوجته و د.صباح للاعراب عن شكرهما لموقفنا في فترة التوقيف. و عرفنا خلال تلك الزيارة ان د.صباح قد رزق بابن في تموز 1979 و أسمته امه بشّار املا" باطلاق سراح والده!
اخبرنا د.صفاء عن ظروف الافراج عنه و عن المذكرة التي بعثها صلاح خالص محذرا" من مغبة محاربة الديمقراطيين داعيا الى الافراج عن الكفاءات الوطنية. و ذكر ان الراحل عزيز شريف نجح في مقابلة أحمد حسن البكر و كان صدام حاضرا" فاشتكى الراحل من اعتقال د.صفاء و د.صباح بالاخص انهما اخصائيين في مجالهما و العراق بحاجة لامثالهما و طلب اطلاق سراحهما مذكرا البكر بعمله في الحكومة في اوائل السبعينات فاستجاب البكر و لكن صدام تدخّل قائلا" ان عزيز شريف جاء بمفرده و بذلك "لا يحق له ان يخرج باكثر من واحد"! فنظر البكر الى الراحل عزيز شريف كمن يقول " القضية طلعت من أيدي"! فاختار الراحل عزيز شريف د.صفاء.
كانت تلك المرة الاخيرة التي رأيت فيها د.صباح الدرّة.

الفاتحة و د.صفاء
في نهاية أيلول 1979 توفي جدي نعمان محمد الأعظمي و نظمت له فاتحة في جامع المرادية قبالة وزارة الدفاع و في أحدى الاماسي حضر د.صفاء و مكث وقتا" قصيرا" و حين همّ بالانصراف تمكنت من الحديث معه لوقت قصير استفسرت فيه عن د.صباح و اخبرني انه بخير و لحظت انه لم يرغب بالبقاء لفترة اطول فلم امنعه من ذلك.

زيارة الى الدكتور صفاء هاشم
في منتصف الثمانينات (1985-1986) زرت الدكتور صفاء هاشم في الحلة لتهنئته على سلامة خروجه من الاعتقال الذي دام اكثرمن سنة. و بعد ان حدثّنا عن ظروف اعتقاله شد انتباهي ما قاله عن ظروف الافراج عنه، اذ قال انه كان ضمن ما يقرب من 40 موقوفا" مع عوائلهم عندما دخل القاعة في مديرية الامن العامة فاضل البرّا ك و صار يحدثهم عن كرم القائد و حدبه على العراقيين و ذكّرهم ان كان بامكان السلطة في هذه اللحظة تفجير القاعة بمن فيها كما حدث مع معتقلين آخرين. لقد شدّت انتباهي تلك الجملة و ذكّرتني بانفجار وقع بمديرية الامن العامةعند الفجر في شباط 1982 في فترة اتخذ فيها صدام قرار الانسحاب من الاراضي التي احتلها في ايران. يدأ تنفيذ القرار في الربيع و اكمل الانسحاب في حزيران 1982 بعد اشتداد الازمة التموينية و بالاخص المعدات العسكرية.
ربما قرر الطاغية المجرم اخلاء السجون و المعتقلات قبل الانسحاب و تهيأ" لانتقال المعارك الحربية داخل الاراضي العراقية.
عن موقع الحوار المتمدن