زعماء العرب تعلموا في مصر

زعماء العرب تعلموا في مصر

في مصر الان نحو 3500 شاب عربي يدرسون في الجامعات والمدارس المصرية والى جانب هؤلاء نحو خمسة الاف من الطلبة الفلسطينيين اللاجئيين.. ومن بين كل هؤلاء سيبرز بلا شك عدد من الشبان ليحتلوا مراكز الصدارة والزعامة في بلادهم..

ومن قبلهم جاءت الى مصر الاف اخرى.. وذهبت هذه الالاف.
وكان هذا يعني ان الثقافة المصرية بدأت تزحت في البلاد العربية.
***
واليوم.. بدأ بعض العناصر التي درست في المدارس المصرية تحتل مراكز رئيسة في بلادها..
ولكن هذه العناصر ماتزال للاسف تعد على اصابع اليد..
ويقول السيد احمد الشقيري امين الجامعة العربية المساعد في ذلك.. ان اتجاه الشباب العربي الى مدارس وجامعات القاهرة سبيل عملي لتحقيق الوحدة بين البلاد العربية..
وفي اعتقاده.. ان هذه المدارس تؤدي بجمعها الطلبة العرب في مكان واحد خدمة جليلة يمكن ان يصفها بانها اجمل بكثير مما يمكن ان تؤديه جميع ادارات الجامعة العربية في سبيل تحقيق الوحدة بين العرب.
*** وعلى رأس هؤلاء الذين درسوا في مصر جلالة الملك فيصل عاهل العراق والامير عبد الاله ولي عهده. وكلاهما درس في كلية فكتوريا بالاسكندرية.
وكان الملك فيصل عندما التحق بهذه الكلية لم يتجاوز السابعة من عمره.. وكان الامير عبد الاله قد بعث معه الى الاسكندرية حاشية ضخمة من المرافقين العسكريين ليعملوا على راحة الملك الصغير.
ولم يعجب ذلك عميد الكلية وطلب اليهم ان ينسوا ان التلميذ الجديد ملك للعراق..
وقال لهم.. انه لن يكون في المدرسة اكثر من فيصل.. وان زملاءه سينادونه بهذا الاسم مجردا من كل القاب الجلالة التي يحملها.و
ولم يذهب الملك الى بغداد في اول عطلة صيفية بعد التحاقه بكلية فيكتوريا.. فقد جاء خاله الى الاسكندرية ليمضي معه فصل الصيف.
وفي هذا الصيف وقع الاختيار على عصام الابن الاصغر للاستاذ عبد الرحمن عزام ليلعب مع الملك الصغير في بلاج سيدي بشر رقم 3.
ويقول عصام.. انه يذكر انه كان ينافس الملك في بناء بيوت الرمل على الشاطئ.
ومرت الايام. ولم ير عصام صديق طفولته صاحب الجلالة الا في العام الماضي عندما ذهب مع والده لاستقبال الملك فيصل عند مروره بالاسكندرية.
وكانت مفاجأة للملك ان يعرف ان عصام ما يزال طالبا بكلية الحقوق..
***
والملك حسين عاهل الاردن.. لقد درس هو الآخر في كلية فكتوريا.. وكان والده الملك طلال قد قدم بنفسه لالحاقه بهذه الكلية في شتاء عام 1959 ولكن الملك حسين لم يبق في مدرسته طويلا.. فقد استدعاه جده الملك عبد الله قبل نهاية العام الدراسي بشهرين.
وكان الملك طلال قد أصيب باولى ازمات مرضه وسافر الى سويسرا ليعالج فيها.
والتف الطلبة حول "حسين طلال" كما كانوا ينادونه ليسألوه عما يعرفه عن مرض والده.
ولم يقل حسين شيئا. فقد كان صائما في رمضان وصعد الى حجرته حيث كتب رسالة طويلة الى والدته يطلب اليها ان تطمئنه على صحة والده ويقولون في كلية فكتوريا ان الملك حسين كان تلميذا هادئاً.. وكان يحاول دائما ان يتجنب زملاءه الطلبة ويتحاشى اللعب معهم. وكان صديقه الوحيد في المدرسة هو حسان الابن الاكبر للرئيس شكري القوللي.
وقبل ان يرحل الى عمان فاز حسين طلال ببطولة كليته في لعبة الشيش.. وكانت جائزته كأساً صغيرا ما يزال يحتفظ بها حتى الان في قصره في عمان.
***
والسلطان علي عبد الكريم سلطان لحج في جنوب الجزيرة العربية.. لقد تعلم من الاخر في كلية فكتوريا. وكانت مشكلته بين الطلبة انه اسود اللون.
وعندما عاد الى الحج.. وكان شابا لم يتجاوز الرابعة والعشرين من عمره عينه اخوه السلطان السابق وزيرا للمعارف.
وبدا علي عبد الكريم برنامجا ضخما لنشر التعليم في السلطة فانشأ فيها عدة مدارس ابتدائية ومدرسة ثانوية.. ثم جاء الى مصر بنفسه حيث استعار من وزارة المعارف المصرية ثمانية من المدرسين المصريين.
ولكن فجأة توترت العلاقات بين السلطان واخيه وزير المعارف.
وكان ان طرد السلطان السابق علي عبد الكريم هو وجميع الامراء من عائلته فذهبوا الى عدن ليعيشوا فيها.
وعرف الانجليز بالقصة فاوعز واصدر علي عبد الكريم ضد اخيه فعمل على خلعه.
واستعان بقوات الانجليز ودباباته في طرد السلطان السابق والذي هرب الى اليمن.
اما علي عبد الكريم فسرعان ما دفع الثمن.. وكان معاهدة حماية مع الانجليز.. ومستشارا سياسيا فرضه الانجليز ليكون وصيا على السلطان نفسه!
*** ومن بين هؤلاء الذين درسوا في كلية فكتوريا الشيخ محمد علي رضا وزير التجارة والصناعة في المملكة العربية السعودية.
وكان للشيخ رضا "شلة" من الطلبة ابناء الذوات وكان لكل طالب في هذه "الشلة" اسم يناديه به زملاؤه.
اما اسم الشيخ رضا فقد كان "دميس" ويقول زملاؤه انه كان معروفاً بشقاوته وكثرة مشاجراته مع الطلبة.. وانه في اقل من شهرين استطاع ان يتزعم "شلته".. وان هذه الزعامة كانت تتطلب منه دائماً ان يقضي طوال الاسبوع في وضع خطط التهريج اثناء عطلة نهاية الاسبوع.
وفي الكلية.. توقع عميده انه سيصبح شيئاً هاما في بلاده.. فقد كان الشيخ رضا يمتاز بخيال خصب واراء جريئة ويبدو ان هذه النبوءة بدأت تتحقق فقد استهل الشيخ رضا او "دميس" كما كان معروفا، عهده في وزارة التجارة فناب عن الملك سعود في تدشين اولى ناقلات الزيت السعودية الضخمة التي اشترتها حكومته.
ويقول احد زملاء "دميس" انه متأكد ان مشروع ناقلات الزيت.. كان فكرة خيالية طرأت على تفكير الوزير السعودي ولكنه استطاع ان يقنع حكومته بتنفيذها.. فقد كانت هذه طريقته يضع الخطة اولا.. ثم يقنع زملاءه بتنفيذها.ز وكان يفوز دائماً باقناعهم.
***
والشيخ حافظ وهبة سفير المملكة السعودية في لندن.. مصري الاصل وقد ولد في مديرية الشرقية..
والمعروف عنه انه تخرج من مدرسة القضاء الشرعي بالقاهرة ثم ذهب الى الحجاز ليمثل فيها مدرسا لاصول الدين. وكان المرحومان حمد الباسل وعبد العزيز جاويش قد بعثا معه بتوصياتها الى الملك عبد العزيز ال سعود..
وتألف نجم الشيخ حافظ وهبة كمدرس.. وكان الملك عبد العزيز يرتاح كثيرا الى احاديثه الدينية.
وفجأة تقرر ايفاده الى لندن.. وكانت المشكلة ان مدرس الدين لا يعرف الانجليزية.. ولم يمنع ذلك من ايفاده الى بعثة الى القاهرة ليتعلم الانجليزية بسرعة في اقل من شهرين.. ثم سافر بعدها الى لندن.
ثم هناك الشيخ يوسف ياسين وزير الدولة للشؤون الخارجية.. في المملكة السعودية وكان في شبابه قد قدم من لبنان الى مصر حيث درس اصول الدين في مدرسة كانت معروفة باسم دار الارشاد.. وذهب الشيخ يوسف ياسين الى المملكة السعودية حيث تدرج في مناصبها حتى اصبح وزير الدولة.
***
وفي لبنان لايمثل الثقافة المصرية سوى السيد رشيد كرامة وزير الاقتصاد القومي في الحكومة اللبنانية.
وهو شاب لم يتجاوز الخامسة والثلاثين من عمره وقد حصل على ليسانس الحلوي في جامعة القاهرة.
وبعد عودته الى لبنان خير مرة اخرة وزيرا للعدل ومرتين وزيرا للاقتصاد.. وكان اصغر وزير تولى الوزارة في لبنان فلم تكن سنه تتجاوز التاسعة والعشرين.. والسيد رشيد كرامي بن الزعيم اللبناني المرحوم عبد الحميد كرامي.. وقد عمل بوصية ابيه فشق لنفسه طريقا سياسيا مستقلا.
وتتناسى الكتلتان الدستورية والوطنية في لبنان على ضمه الى احداها.. ولكنه يرفض مفضلا ان يبقى كما هو مستقيلا.
***
والسيد مصطفى بن حليم رئيس حكومة ليبيا الاتحادية.. لقد تعلم هو الاخر في المدارس المصرية..
ولايعرف كثيرون انه تخرج من كلية الهندسة بجامعة القاهرة.
وبعد اعلان استقلال ليبيا عين وزيرا في حكومة برقة..
وهو صديق للسيد ابراهيم الشلجي ناظر الخاصة الملكية في ديوان الملك ادريس سنوسي.. والمعروف عن السيد الشلجي انه المحرك الفعلي وراء المسائل السياسية في ليبيا وكان هو الذي رشح السيد مصطفى بن حليم رئيسا للحكومة.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا اي ليبيا قد اصدرت قرار نص على عدم شرعية حل المجلس التشريعي في طرابلس وقد اثار هذا القرار ازمة انتهت باستقالة وزارة السافرلي.. وكان من رأيه ضرورة احترام قرار حل هذا المجلي ولما وقع الاختيار على السيد مصطفى بن حليم ليكون رئيسا للحكومة الاتحادية همس بعضهم في اذن الملك ادريس السنوسي بان هذا الاختيار قد يثير ضجة.
فمصطفى بن حليم برقاوي.. وقد جرى العرف على ان يكون رئيس الحكومة الاتحادية من طرابلس.
ولكن الملك ادريس السنوسي كان يعرف ان مصطفى بن حليم هو البرقاوي الوحيد الذي لن يعترض عليه اهالي طرابلس.. وكان ان اصدر مرسومه بتكليفه تشكيل الحكومة الليبية.
***
وفي حكومة برقة وزير شاب لم يتجاوز الخامسة والثلاثين من عمره هو السيد علي الساحل.
والوزير الشاب متعلم في مصر.. تخرج من كلية الحقوق.. وبعد تعيينه وزيرا للعدل في حكومة برقة بدأ برنامجا ضخما لتحضير القضاء الليبي.. واثار هذا الاتجاه ثائرة الانجليز في ليبيا.. والشيء المؤكد انهم حاولوا عرقلة مشروعات الوزير للتوسع في استعارة رجال القضاء المصري للعمل في المحاكم الليبية.
وقد ساعد الوزير الشاب في التغلب على مناورات الدوائر الانجليزية توفيقه في حل مشكلة الممتلكات الايطالية في برقة.. فقد وجد في القانون حلا يعيد هذه الممتلكات على اصحابها من اهل برقة..
***
وفي العراق.. السيد عبد الرحمن الجليلي عضو مجلس الاعمار العراقي.. والسيد الجليلي متخرج من كلية الحقوق المصرية هو الاخر.. وكان وزيرا للاقتصاد الوطني في وزارة الدكتور فاضل الجمالي.. ولكنه لم يبق وزيرا لمدة طويلة فقد استقال على اثر الازمة التي اثارتها الجبهة الشعبية بسبب اعلان الاحكام العرفية في البصرة.
وكان من رأي الجبهة الشعبية عن الاضطرابات التي وقعت في البصرة في شهر يناير الماضي لايمكن ان تكون مبررا لاعلان الاحكام العرفية ثم انذرت الحكومة بان ينسحب وزراؤها في حالة عدم رفع هذه الاحكام خلال ثلاثين يوما.. ولكن حكومة الدكتور الجمالي رفضت هذا الانذار فاستقال وزراء الجبهة الشعبية ومن بينهم السيد عبد الرحمن الجليلي.. وبعد استقالته زار مصر حيث القى عدة محاضرات في معهد الدراسات العربية عن اقتصاديات العراق..
***
والى جانب كل هؤلاء يوجد عدد كبير من الشبان في مختلف انحاء البلاد العربية.. وكلهم درسوا في مصر وتعلموا فيها. وقد عادوا الى بلادهم حاملين معهم شهاداتهم المصرية.. وبعضهم لم يصل بعد الى المراكز الرئيسية ولكنهم حتما سيصلون اليها في يوم ما..
وفي الاونة الاخيرة فتحت مصر ابوابها لبعثات كثيرة من اليمن وليبيا والمملكة العربية السعودية للتتعلم في مدارسها وجامعاتها. ومع كل هؤلاء ستزحف الثقافة المصرية الى قلب الامة العربية.. ومع انتشار هذه الثقافة يمكن ان تتوحد الآراء والافكار وبالتالي يمكن ان تتحقق فكرة الوحدة العربية..