خانات كربلاء المقدسة... منازل حسينية وآثار تأريخية

خانات كربلاء المقدسة... منازل حسينية وآثار تأريخية

يقع العراق في منطقة بالغة الأهمية من الناحيتين الجغرافية والتاريخية فإلى جانب كونه يمثل مركز الحضارات الانسانية الاولى وموطن الأقوام ودول البابليين والآشوريين وغيرهم فأنه أيضا يقع في قلب منطقة العالم الإسلامي وحضارة امة الإسلام العظيمة حيث شكل في فترات عدة من مراحل التاريخ الإسلامي عاصمة الدولة الإسلامية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية وكان في ذلك مهد لولادة وقيام الأحداث التاريخية الكبرى.

وإضافة إلى ما ذكر فأن للعراق مكانته وموقعه الحضاري الحافل بالقداسة والعظمة من خلال وجود الكثير من الديار والمراقد والمزارات المقدسة لجملة من الانبياء والصالحين والأئمة الأطهار من آل الرسول الأعظم محمد صلوات الله وسلامه عليهم فمدينة النجف الاشرف تحتضن الجسد الطاهر لمولى المتقين أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وكذا ارض الطف كربلاء المقدسة حيث مدفن الجسد الطاهر للإمام الحسين عليه السلام وجسد أخيه ابي الفضل العباس وأجساد النخبة الطاهرة من آله وصحبه الميامين عليهم السلام وكذا مدينتا الكاظمية وسامراء المقدستين وسائر مدن وسط العراق وجنوبه وشماله.
وميزة وجود المزارات الدينية والعتبات المقدسة ومختلف آثار وأماكن السياحة الدينية جعلت من العراق محط رحال الملايين من أبناء سائر الدول الإسلامية والعالم بأسرة عند كل مناسبة وموسم وسنة وكربلاء لوحدها يؤمها سنويا أكثر من 20 مليون زائر سنويا من داخل العراق وخارجه بهدف زيارة قبر سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام وهذه الحالة ليست وليده اليوم أو سَني التاريخ الحديث وإنما نشأت من بعد استشهاده عليه السلام وتحولت إلى عقيدة وسنة ثابتة لدى سائر إتباع أهل البيت عليهم السلام وهذه سرت لكافة مراقد الأئمة الأطهار.
وإزاء ما تستلزمه هذه الحالة من متطلبات وأمور خدمية ضرورية لهذه الأعداد البشرية الهائلة الزاحفة مع كل موسم وعام إلى عراق المقدسات وكربلاء الحسين بالذات فكر أصحاب الهمم العالمية والأيادي السخية من علماء ومراجع إعلام (قدست أرواحهم) ومحسنين كرام بالأمر مليا فقرروا إنشاء منازل حصينة مأمونة تكون وقفا لأبي عبد الله الحسين عليه السلام ينزل بها الزائر ليجد المأوى والمأكل والمشرب إضافة لما يبغيه من خدمات.
ويرتاحون فيها فكر أصحاب الهمم العالية والأيادي السخية من علماء أعلام (قدست أرواحهم) ومحسنين كرام بالامر مليا فقررا انشاء منازل حصينة مأمونة تكون وقفا لأبي عبد الله الحسين عليه السلام ينزل بها الزائر ليكون المأوى والمأكل والمشرب إضافة لما يبتغيه من خدمات، زرناها ووقفنا على معالمها التي تركتها يد الزمر إطلالا وصيرتها بعد العمران بلاقعا الا ما أدركتها حصيلة الترميم أو تلك التي صمدت بوجه العاتيات.
نقلب صفحة الماضي بما يخصها وهي جديرة بالاهتمام والاحترام كيف لا وقد آوت زائري الإمام الحسين عليه السلام.
مصطلح الخان:
الخان هو حانوت أو محل نزول المسافرين، وقال في المنجد (الخان) كلمة دخيلة أعجمية أدخلت في كلام العرب والجمع خانات أما ابن منظور فيقول يعني بكلمة الحانوت او صاحب الحانوت وهو اي الخان فارسي معرب وبالرغم من أعجمية كلمة الخان الا ان لها تاريخا مؤغلا في القدم في استعمالات العرب وعند تصفحنا لبعض الكتب نجد أنها وردت في كتاب الطبري وغيره من مؤرخي تلك الفترات ولعل استعمالها ابعد من ذلك بكثير إذ أن الطبري يوردها دون تفسير لمعناها وهذا يدل على أن الملتقى يعرف بديهيا معنى الخان دونما تعريف لهذه الكلمة وحتى عند الانكليز
(inm) وهو يعني الفندق أو المنزل الذي يأوي إليه المسافرون.
انتشار الخانات
بما أن الخان كان يعد بمثابة الفندق اليوم فقد ازدحمت المدن بالخانات التي تأوي المسافرين وتوفر لهم وسائل الراحة وخصوصا في الحواضر في الإسلامية فضلا عن انتشارها في الطرق المؤدية الى هذه الحواضر وغيرها من المدن الإسلامية.
هنالك خبر يقول إن الخانات ممتدة في العراق من مدينة البصرة مرورا بالديوانية ووصولا إلى النجف ثم كربلاء والى الإسكندرية ثم بغداد إلى خان بني سعد ومنه باتجاه الأراضي الإيرانية وما يؤكد هذا الخبر كثرة الزوار الإيرانيين الذين يقصدون العتبات المقدسة في العراق والذين لابد لهم من مأوى الذي يستريحون فيه من عناء الطريق استعدادا لرحلة جديدة تواصل الدرب باتجاه كربلاء الحسين عليه السلام.
طريق النجف..كربلاء:
لم يشهد طريق حدثنا به التاريخ حركة مستمرة مثلما شهده طريق النجف. كربلاء الذي ازدحم بالزائرين فهم يتنقلون بين وادي السلام حيث حامي الحمى وصي المصطفى صلى الله عليه وآله ووادي الطفوف كربلاء الشهادة والبطولة والتضحية عموما فقد كان استخدام هذا الطريق يتم بواسطتين:
أولهما: الدواب قبل ظهور وسائل النقل السريعة.
ثانيهما: المشي على الأقدام وكان لهذا الاستخدام وقعا خاصا بالنفوس حتى أصبحت هذه الحالة من مراسم زيارة الأربعين التي من خلالها تزحف الناس نحو كربلاء المقدسة.
ولما حاز هذا الطريق مثل هذه الحركة النشيطة والفضل الجسيم فقد استقرت الفكرة على بناء منازل فيه وكما ذكرنا وتشير الدراسات التاريخية إلى ان اول الخانات كان يدعى بـ(خان جذعان)، وهو يقع الى الشرق من خان المصلى على يسار الذاهب من النجف الى كربلاء ذكره الرحالة (الو اموسيل) عام 1912م واشار اليه بقوله: (تقع شرقي خان المصلى قلعة درويش وهو موقع غير بعيد عن خان جذعان وتليل الذيب).والظاهر أن خان جذعان كان وحده بين المدينتين(عندما بنيت الخانات الثلاثة هجر وقد زحفت إليه رمال الصحراء فصار رابيه).
وقد زرناه فلم نلحظ أي اثر دال عليه سوى تل ترابي بل لم نستدل على أطلال باقية اليوم واما استدلالنا عليه فقد تم عن طريق مزارع يعمل بالقرب منه أكد لنا موقعه والذي رآه مثبتا في دائرة الزراعة يقع بالقرب من المشتل الخاص بشركة صناعة الإطارات.
وجذعان هو عبد مملوك لأمير هندي يدعى (الراجا) كان قد بعثه في تجارة له في العراق والراجا هذا معروف بولائه لآل البيت عليهم السلام كما أن عبده جذعان أيضا من الموالين وعندما حصل جذعان على مبلغ ضخم من تجارته زار كربلاء ثم النجف ولما رأى بعد الطريق وحاجة المسافر للراحة فكر مليا في الأمر وعزم على بناء خان اثناء الطريق وكان له ما أراده ثم بني في صحن الإمام الحسين عليه السلام منارة مشهورة تدعى (منارة العبد) والتي اندرست معالمها هي الأخرى.
خان المصُُلى (الربع):
يبعد (خان المصلى) عن مركز مدينة النجف الاشرف بمسافة اثني عشر ميلا حسب تحديد الرحالة (ليدي دراور) كما حدده الطريحي بقوله (خان المصلى الذي يبعد عن النجف عشرين كيلومترا) ويقع على يمين الذاهب من النجف الى كربلاء أما تاريخ بنائه ففيه أقوال فقد أشار الدكتور حسن الحكيم بقوله: (وقد تولى بناءه الحاج حسن بن الحاج احمد مرزة المتوفى عام( 1305هـ \\1888م) وكان بدء البناء عام (1304هـ) أي قبل وفاته بعام واحد وقد خصصت ثلث أمواله لبناء الخان فقد بلغت تكاليفه اثنتا عشرة ألف ليرة ذهبية عدا ثمن الأرض المحيطة بالخان على أساس تحوليها إلى مزارع لتأمين حاجة الساكنين هنالك وإطعام المسافرين من خضارها).
هذا الخان هو الأحدث حيث تظهر بعض الاواوين بصورة جيدة تبلغ مساحة الخانين معاً عشرة دونمات واربعة اولك، المدخل الى الخان الثاني يقابل المدخل الرئيسي يحيط بالخان الثاني اواوين واسعة يتخللها ايوان كبير نصف دائري على الجهات الاربعة كما نلاحظ ابراجا اربعة عند كل زاوية من زوايا السور المحيط بالخان.
الاواوين المطلة على ساحة الخان يفصل بينهما حائط سميك بعرض متر واحد وفي اعلاه يتزايد سمكه ويتداخل مع الاخر لان الاواوين مقوسة كما يوجد على كل حائط محمل خشبي والظاهر ان هذا المحمل كان للمشعل الذي يضيء الخان ليلاً.
في كل جهة توجد تسعة اواوين يتوسط كل التسعة ايوان كبير ومتميز.
خان الحماد:
خان الحماد يقع في منتصف الطريق بين كربلاء والنجف هو اكبر الخانات واتقنها وقد بنتها اسرة آل اكبر البغدادية وعلى يد الحاج محمد صالح بن الحاج مصطفى كبة المتوفى سنة (1287هـ\\ 1870م) كما بنى الحاج محمد صالح خاناً في منطقة الاسكندية يدعى خان الوقف أوقفه لزائري العتبات المقدسة في العراق ثم زاد عليه العلامة الكبير الشيخ مرتضى الانصاري المتوفى عام( 1281هـ - 1864م) ومما يقارب هذا النص (خان الحماد بناه الحاج محمد صالح كبة البغدادي وبنى بجانبه الشيخ مرتضى الانصاري خانا ويحيط بالاثنين سور واحد وكل يدعى خان الحماد(.
مما تقدم يتبين لنا ان الخان هو عبارة هن مجمع من الخانات وكل خان سعى ببنائه محسن من المحسنين فالسيد بحر العلوم قدس سره والشيخ الانصاري قدس سره والحاج محمد صالح رحمه الله كل منهم بنى خانا يلتصق مع الخان الاخر اضافة الى ذلك وبعد رجوعنا الى الاشارة الاولى يبرز لدينا انه (انشأ في عهد الوالي العثماني سليمان 1189هـ) ويمكن ان يكون هذا الخان هو اول الخانات هكذا توالت الخانات في هذا المجمع على التعمير والترميم يطال الخانات السابقة عندما تستقر الفكرة على بناء خان جديد وهذا البناء يقرر نتيجة لزيادة في عدد الزائرين.
خان الربع:
ويمكن القول ان المنطقة التي تقع فيها هذا الخان بالقرب من البساتين الموصلة بين النجف وكربلاء كما يقع بالقرب منها فرع من نهر الفرات.
يطلق على خان النخيلة اسم خان الربع بالنسبة لأهالي كربلاء حيث ان موقعه يمثل ربع المسافة المقطوعة من كربلاء إلى النجف (حيث يبعد خان النخيلة عن كربلاء واحد وعشرين كيلومتراً).
خان النخيلة الذي يتألف من ثلاثة خانات وست مقاه وآبار عذبة للماء وعدد من الأكواخ البسيطة من دون ان تكون فيه بيوت، اما عن الشخص الذي تبرع ببنائه فلدينا رأيان:
الرأي الاول:(شيد خان النخيلة احد الهنود).
الرأي الثاني: (خان النخيلة يسمى خان الربع بنسبة القادم من كربلاء وقد بنته أسرة آل شمسة النجفية وتولت الإشراف عليه وترميمه وقد تعرض الآن للهدم).
عن موسوعة تاريخ كربلاء