خشيت مقابلة أم كلثوم فضاعت مني فرصة العمر؟!

خشيت مقابلة أم كلثوم فضاعت مني فرصة العمر؟!

عصام الخطاط
الاذاعي العراقي سعاد العرمزي من الاذاعيين الاوائل في القطر، مضى عليه في العمل الاذاعي اكثر من ثلاثين عاما، وهو من ادق الاذاعيين صياغة ونطقا، في المبدء نسأله عن الملامح الاساسية التي يتشكل منها الفن الاذاعي، الذي تحمل مسؤوليته خلال ثلاثين عاما فيجيب قائلا:

* ان الفن الاذاعي اشبه بلوحة متكاملة فنيا، لسيت اللوحة وحدها، بل الاطار معها ايضا، وان اعظم برنامج اذاعي ممكن ان يخفق بسبب صوت غير مؤهل، او اصوات غير مؤهلة، كما تستطيع موسيقى غير متجانسة ان تؤدي الى فشل برنامج جيد. ومن ناحية اخرى فان اعظم صوت اذاعي لا يستطيع ان يرفع من شأن برنامج تافه المضمون، وان البرنامج الاذاعي الناجح هو الذي يجمع بين الصوت المعبر، والموسيقى المعبرة، والنص المكتمل المضمون.
* لقد اتاحت ظروف السيد سعاد الهرمزي، بحكم موقعه الاذاعي المتقدم، الفرص العديدة، في الالتقاء بنخبة من كبار الفنانين العرب، ونساله عن هذه الفرص وانطباعاته عنها فيقول: لقد شببت على حب المذياع، فعشقت الموسيقى والغناء ثمة صوتان لعبا دورا كبيرا في صقل احساسي الموسيقي والغنائي، هما: الموسيقار محمد عبد الوهاب والسيدة ام كلثوم، بل ان هذا الدور دفعني الى تعلم العزف على عدد من الالات الموسيقية، بينها العود. كما تعرفت على المقامات الشرقية كلها، الموسيقار عبد الوهاب علمني ان اكون قادرا على التمييز بين الاصوات، وتقييمها علميا، وام كلثوم علمتني ان اصغي جيدا وباحترام.
* لقد تعرفت على الموسيقار عبد الوهاب في العام (1959) ، وكنت متهيبا مقابلته في مسكنه بحي الزمالك بالقاهرة، لكن طلعة عبد الوهاب الباشة، ازالت عني التهيب، وعبد الوهاب ودود متواضع مؤدب ويصل ادبه الى الحد الذي يجعله يختار كلماته بدقة متناهية.
قلت لموسيقار الجيل: يتصور الناس ان اغاني عبد الوهاب القديمة اكثر التصاقا بنفوسهم! فيجيبني ان عبد الوهاب الان هو امتداد لعبد الوهاب القديم الذي تتحدث عنه "فهل تقصد الملحن ام الصوت؟ الملحن هو نفسه، لكن الصوت تغير، اليس هذا طبيعيا؟ كيف تريد مني ان احتفظ بصوتي القديم؟ اليس هذا الذي تريده، هو ضد طبيعة الاشياء؟
* ويضيف السيد الهرمزي: ثم حدثني عبد الوهاب عن نفسه في (الليل لما خلي) ونفسه في (اسمح وقوللي يا نور العين) وصورة كبيرة من فيلم (يحيا الحب) تصر السيدة نهلة القدسي زوجة الموسيقار عبد الوهاب، على وضعها في صدر غرفة الاستقبال، كما حدثني عن سيد درويش، وانه تأثر به واستمع اليه طويلا، ولا يعترض ابدا لو قيل عنه، انه امتداد للسيد درويش.
* وينتقل السيد الهرمزي للحديث عن الفنان الكبير رياض السنباطي، حيث يقول: هذا الفنان لا وقت له حقيقة، هو خليط من تناقضات غريبة، انه يلحن قصيدة (نهج البردة) في ساعتين ويلحن قصيدة (الاطلال) في ثلاثة اعوام، قابلته، وبعد ان اجلسني على كرسي هزاز قال: ما الذي تعرفه عني انت القادم من بغداد؟ قلت له: كنت اتمنى ان يكون سؤالك: ما الذي لا تعرفه عني؟، ثم حدثته عن اغنية (على بلد المحبوب وديني) بصوته، فنفى ذلك، فاسمعته الشريط بصوته، فسألني الفنان السنباطي عن مصدر الشريط، فقلت: هذا سر المهنة!
ثم حدثني عن والده محمد السنباطي، الذي علمه الغناء، اما التلحين فلم يعلمه اياه احد، انها الموهبة وحدها خلقت منه ملحنا، وبخصوص العود تأثر بالقصبجي، وهو فارس عظيم، وعبد الوهاب يسبقه في العمر، وايضا تأثر به، وان صوت عبد الوهاب مدهش، اما صوته (السنباطي) فلم يقتنع به، ولهذا انصرف الى التلحين، واضاف انه اعطى عمره لصوت ام كلثوم، الذي هو معجزة، وتحدث السنباطي عن اعظم الحانه للسيدة ام كلثوم في نظره، وهو لحن قصيدة (نهج البردة).
* ويسأل السيد الهرمزي الموسيقار السنباطي عن اغنية (صحيح يا دنيا) التي غناها فيما بعد بصوته المطرب الراحل عبد الغني السيد، فيدعي انها غابت عن ذاكرته، فيخرجها الهرمزي من حقيبته، ويقدمها هدية له، فيرد عليه قائلا: (انت شخص خطير وتستحق ان يهتم بك السنباطي) وفعلا التقيا في اليوم التالي في مقهى (رويال) وتحدثا كثيرا.
* اما الموسيقار الكبير محمد القصبجي فقد التقيت به صدفة في المعهد العالي للموسيقى العربية في القاهرة عام (1962) وكنت شديد التهيب وانا اتجه اليه بصحبة المطرب محمد عبد المطلب، كان جسده النحيل لا يقوى على حمله!. دعاني القصبجي للجلوس الى جانبه، سألته عن سر ابتعاده وسكوته الطويل، الذي امتد حوالي عشرين عاما، فكان جوابه محصورا بعوامل ذاتية ونفسية خاصة، يضيف السيد الهرمزي ، ولما سألته عن العود، وهو من اعظم فرسان العزف عليه اجابني بانه يعزف لنفسه فقط، وقد يعزف لبعض الاصدقاء ، وادعى ان انامله تكاد تخونه في بعض الانتقالات الصعبة.
* وينتقل بنا السيد الهرمزي، في سلسلة لقاءاته بكبار الفنانين العرب الى الموسيقار الراحل فريد الاطرش، الذي يقول انه احبه وهو في العاشرة من العمر، وحفظ معظم اغانيه، ويضيف قائلا: سوف تمضي وقت طويل قبل ان يظهر فنان كبير، وموهو على شاكلة فريد الاطرش، ويقول السيد سعاد: عرفت فريد الاطرش في العام (1962) بالقاهرة، واول ما لفت نظري فيه، ادبه الجم ورقته وتواضعه الشديد، حيث بادرني قائلا: انك قادم من بغداد.. فاهلا بك.
* وعندما سأله السيد الهرمزي عن الاوقات التييضع فيها الحانه، كان رده انه يلحن وهو سهران، او وهو خارج، او وهو مسافر، ولقد وضع لحن اغنية (اول همسة) وهو يشاهد فيلما باحدى دور العرض!، ولحن اغنية (يا زهرة في خيالي) وهو في القطار من القاهرة الى الاسكندرية، ان الوقت عنده ليس مشكلة، وقال عن مبادئ العزف، انه تعلمها من والدته، ثم درس العود في المعهد العالي للموسيقى العربية، وتأثر بالاساتذة (القصبجي، السنباطي، عبد الوهاب) ومع هذا ينطوي عزفه على خاصية ذاتية ربما لا تجد لها شبيها عند كل العازفين العرب! وعندما سأله السيد الهرمزي عد رأيه بعبد الوهاب قال:
ان عبد الوهاب هو استاذنا جميعا، ونكون مكابرين لو قلنا خلاف ذلك، ان عبد الوهاب كان له الفضل الكبير في اغناء الموسيقى العربية وتطويرها ونشرها، على اوسع نطاق، وعبد الوهاب صوتا وتلحينا واداء لا نظيرله في الوطن العربي.
* ولما سأل الاطرشي عن عدم تعاونه مع ام كلثوم قال: لماذا لا يسأل عبد الوهاب نفس السؤال؟ (الف باء: رحل الموسيقار الاطرش ولم يلحن للسيدة ام كلثوم) التي دخلت بعده باربعين يوما، ويضيف السيد الهرمزي: ولم ار فريد الاطرش بعد هذا اللقاء الا في العام 1970 ببيروت.
* وبخصوص السيدة ام كلثوم يقول المذيع الهرمزي: حصلت منها على موعد في الساعة السابعة من مساء يوم (27) كانون الثاني، من عام (1965) بعد ان شاهدتها على المسرح، ومع ذلك لم اذهب اليها في الموعد المحدد، لاني كنت اتهيب الوقوف امام هذه المطربة المعجزة، ففات الموعد ، ورحلت المطربة العظيمة، وخسرت انا لقاء تاريخيا كبيرا.

مجلة الف باء 1984