الآثاري د. بهنام أبو الصوف:حضارتنا عراقية وليست سومرية!

الآثاري د. بهنام أبو الصوف:حضارتنا عراقية وليست سومرية!

عادل كامل
ناقد فني
عندما كتبت قصتي (الاثاري) وأهديتها إلى المؤرخ بهنام أبو الصوف، قال لي: يا عادل، أنت تحفر في المناطق التي أهملت تماما ً، فإذا كنا ننبش الأرض لاستخراج كنوز أسلافنا، فأنت تعيد الحفر في لغز الإنسان، وهذا يجعل صداقتي معك دائمة.

هذا الإنسان المنحدر من سلالات سومر وأكد ونينوى وبابل وأشور، والجوال في البراري، والمرتفعات، والجبال، لم يكن يبحث عن الماضي، كمهنة، أو حتى كولع، بل كمعرفة خالصة. وعندما عرفني بالاثاري الياباني (هيدويؤو فوجيئي) ـ وإمبراطور اليابان هو خاله ـ في أعالي الفرات، وكنت اصطحبه في رحلات التنقيب، قال لي: انظر إلى هذا الإنسان...، انه ترك طوكيو، واليابان، والعالم كله، ليسهم بكتابة تاريخ حضارتنا العظيمة.
هذه المعرفة التي عمل على صياغتها البرفسيور أبو الصوف، أراد لها ان تكمل مسيرة الرعيل الأول من الاثاريين العراقيين، فؤاد سفر وطه باقر وباقي العلماء الكبار، وان يعيد للشخصية العراقية، في عالمنا المعاصر، موقعها في البحث، والصبر، عبر جسور تمتد عبر دورات الزمن..
رحل أبو الصوف، فجأة(19/9/2012) بعيدا ً عن الوطن الذي عشقه، وهو يتمتع بذاكرة ستتحول ـ عبر سلسلة من الحلقات أجرتها معه فضائية الرافدين ـ إلى مادة ستدخل في صناعة التاريخ: ليس صناعة الأثر، بل صناعة حياة لا تغيب عنها الشمس، ولا يغيب عنها الإنسان] 20/9/ 2012
[2] في أوائل الخمسينيات، جاء شاب طموح من مدينة الموصل إلى بغداد (والكلام للدكتور طارق مظلوم زميله منذ ذلك الوقت) حاملا ً معه طبائع إنسان امتزجت مشاعره بأساطير عراقية أصيلة. وذلك الرجل، الآن، لم يتغير كثيرا ً. فهو شخصية مرحة في اغلب الأحيان..إلا انه ينطوي على حب للعزلة والوحدة.. وأضاف: انه سريع التأثر بالأفراح والأحزان، وأنا طالما انتقده على هذا قائلا ً ان أجدادنا في حضارة وادي الرافدين كانوا لا يتأثرون سريعا ً بالأفراح والأحزان، لأنها تظهر عندهم بشكل متوازن! ولكنني أقول: ان في أعماقه يكمن مخلوق بسيط، طبيعي، عفوي..، ولكنه مازال يحب ان تقرن به أعمال كبيرة ..إجمالا ً: انه أحب المدينة كما أحب الهواء الطلق. والدكتور أبو الصوف متخصص بالعصور القديمة، التي تعود إلى العصر الحجري الحديث استمرارا ً إلى بداية العصور التي نشأت فيها القرى الأولى.. كما أكمل دراسته في جامعة (كمبردج) بانكلترا.. واسهم باكتشاف آثار عديدة، لعل أبرزها اكتشافه لأثار حضارة "تل الصوان" التي تعود إلى الآلف السادس.. وهو اكتشاف آثاري مهم. كما نشر دراسات كثيرة في مجلة "سومر" وغيرها. وله أبحاث وكتب في اختصاصه الاثاري باللغتين العربية والانكليزية. والآن يشغل منصب مدير عام آثار ومتاحف المنطقة الشمالية، وله حضور، مع رفاقه الاثاريين، في الأبحاث التي تؤكد على دراسة آثارنا، بعقل عراقي، وتعميق الوعي بشموخ حضارة الماضي في الحلقات الجديدة لبلاد ما بين النهرين. في هذا الحوار، يكشف د. بهنام أبو الصوف، عن جوانب شخصية ارتبطت عميقا ً بمجمل حياته الطويلة بعلم الآثار..
* أود ان تعود بنا إلى أقدم ذكرى لك مع الآثار...؟
ـ بيت متهدم (خرابة) قرب بيتنا في محلة (باب النبي) في الموصل حيث كنا نلعب.
ك ..؟
*وبعد ذلك ..؟
ـ نينوى.. وتل قوينجق.. اللتان كانتا مغامرة لنا نحن صبيان الموصل ان نصل إليهما، بل كان الذهاب إليهما مخاطرة.
* وذهبت ..؟
ـ نعم، ذهبت إليها وكانت تدور في ذهني حكايات وأساطير عنها، حين كانوا يقولون لنا: ان البشر التصقوا بالجدران باعتبارهم خطاة الرب، فكنت أتلمس خطواتي بحذر وأنا انحدر إلى خنادق التنقيبات حيث بقايا المنحوتات التي سرق معظم أجزائها لصوص الآثار، من أجانب ومحلين في القرن الماضي.
* وما الذي كان يدهشك في تلك الآثار...؟
ـ كنت أدهش لصور الرجال والنساء، وكنت أتألم لمرأى فتاة جميلة قد تحولت إلى حجر! فكنت أتلمس وجنتيها الجميلتين وشفتيها، وكنت اقرب إلى البكاء لأنني كنت اعتقد أنهم بشر مثلنا، وكم كنت أتمنى ان يكلموني.
* وهل حدث حوار بينك وبينهم، وأنت مشغول قرابة نصف القرن في الآثار ...؟
ـ نعم. يحدث كثيرا ً، أني أحس بقربهم إلى روحي، وكثيرا ً ما أتبادل معهم الأحاديث الصامتة!
* ماذا سيحدث لك لو شاهدت سنحاريب يجلس معنا ...؟
ـ سوف لا يكون غريبا ً علي ّ، لأنني عندما أتفرس في سحنته أجده قريبا ً مني.
* ما الذي يشغلك باستمرار ...؟
ـ أفكر بالعملية الاثارية دائما، هذه حياتي منذ ربع قرن، ليس كوظيفة إنما كحياة.
* ليس لها روافد أخرى ...؟
ـ طبعا ً، فانا عندما أتجول في المدن التي فيها حفريات، مثلا ً، تراني أتأمل عميقا ً هذه المناطق التي اعتقد ان فيها بقايا اثارية، ولا أكتمك: لدي ّ هواية تأمل وجوه الناس..!
* هذا له علاقة بدراستك الأولى ..؟
ـ دراستي الأولى اعتمدت، في بعضها، على الأجناس البشرية المنقرضة بشكل خاص، والتي لا تزال تعيش بيننا.
* والى ماذا توصلت ..؟
ـ في الحياة اليومية ترى بشرا ً ينحدرون من سلالات بشرية كانت تغطي مناطق واسعة من الكرة الأرضية، ان الإنسان المنقرض (النياندرتال) الذي عاش في العراق حوالي 40 ألف سنة قبل الآن، وفي أماكن أخرى مثل الهند، ووسط أوربا (منذ 150 ألف سنة) وغيرها، ان هذا يعني ان العراق، كغيره من بقاع العالم، قد استوطنه هذا الإنسان منذ العصور الحجرية السحيقة. وهذا يعني ان هناك دليلا ً على وجود (طفرة) في قانون الوراثة، ومن المفيد ان يعرف قاريء "ألف باء" بان انتقال الإنسان من الحالة البدائية إلى إنسان عاقل حصلت في المنطقة العربية، دون غيرها من العالم القديم.
* كيف ..؟
ـ لأن لدينا أدلة تتمثل في بقايا عظمية من جمجمة وفكوك هذا الإنسان، وجدت في العراق، وعلى وجه الدقة في كهف (شايندار) ومغارة (الصخول) في جبل الكرمل في فلسطين.
* أنا اقصد العوامل الأساسية لوجود هذا الإنسان في هذه البقعة بالذات..؟
ـ المنطقة العربية تضافرت فيها عدة عوامل طبيعية أدت ليس فقط إلى تطور هذا الإنسان، بشكله البيولوجي، وإنما إلى تغييرات خطيرة وجوهرية في حياته الاقتصادية حصلت في هذه البقعة من العالم دون غيرها، كما هو معروف لدي علماء الأجناس. ان الإنسان (النياندرتالي) كان يعيش في مساحة واسعة من العالم تمتد من جنوب آسيا وحتى غرب أوربا، في الفترات الجليدية، في الأزمان الجيولوجية، قبل العصر الحديث، إلا ان التغيير حدث في منطقتنا بالذات وليسببن: العامل البيئي بما فيه المناخ والعمل البيولوجي الخاص بالإنسان نفسه.
* أرجو ان نتوقف عند العامل الثاني..
ـ ان نوع النياندرتال الذي كان يطوف في مرتفعات المنطقة العربية وسفوح جبالها ويلتجيء إلى مغاراتها عند اشتداد البرد القارص وتراكم الثلوج (بين 70 وحتى ما بعد 40 ألف سنة قبل الآن) كان يختلف قليلا ً عن أنواع إنسان النياندرتال الأخرى في أجزاء من العالم. فإنسان منطقتنا العربية كان من النوع الذي أطلق عليه الانثروبولوجيون إنسان (النياندرتال) الكلاسيكي الذي يحمل صفات بيولوجية أكثر تطورا ً ومهيأ للتحول أو التطور، فحدثت الطفرة النوعية الأولى لهذا الجنس في منطقتنا بين 40 ـ 30 ألف سنة قبل الآن..
* ولكن ماذا عن الذين رسموا فوق جدران كهوف فرنسا واسبانيا، الذي يرجح ان يرقى تاريخهم إلى 20 ألف سنة... ومن هم هؤلاء...؟
ـ أنت تقصد نوع الإنسان العاقل الذي خلف لنا روائع رسوم العصر الحجري القديم الأعلى على جدران كهوف فرنسا واسبانيا، وأبرزها كهف التاميرا، بحيواناته الضخمة الوحشية وحالات الصيد، هذا إنسان (الكرومانيون) وهو من أوائل الجنس العاقل.
* وماذا عن إنسان منطقتنا العربية ...؟
ـ إنسان منطقتنا بعد ان تطور بشكله وعقله بدا يغير من حياته الاقتصادية فاخذ قبل أكثر من عشرة آلاف سنة يتحول من حياة الصيد والقنص إلى حياة الاستقرار والزراعة. فبدأ بتدجين الحيوان والنبات محققا ً بذلك اكبر تحول اقتصادي عاشته البشرية في عمرها الطويل، والذي يدعوه علماء الحضارات القديمة بثورة إنتاج القوت، أعقب هذا التحول الخطير الاستقرار في الأكواخ الأولى، نواة القرى البكر في منطقتنا، وفي هذه القرى تبلورت مهارات الإنسان العربي.
* في أي مجال..؟
ـ في العمارة، والصناعات الضرورية للحياة اليومية كعمل الفخار والأدوات المختلفة، وحياكة الملابس وخياطتها من جلود الحيوانات أو الأنسجة الصوفية.. وفي قراه الأولى هذه حقق أول معرفته بالدين والمعتقدات والحياة الاجتماعية.
* وماذا أعقبها ..؟
ـ أعقبها، بعد ثلاثة آلاف عام تقريبا ً، تعلمه نظام الري، أي في الألف السادس ق.م، وانتقاله إلى حياة اجتماعية واقتصادية أكثر تعقيدا ً احتاجت إلى توصله لوسائل متميزة عن سكان العالم القديم وهي التدوين والكتابة والفن والقوانين والعدالة، وهذه هي مقومات الحضارة .
* يقودنا الموضوع السابق إلى إشكال مازال يثير الجدل: ترى أيهما أقدم، الحضارة السومرية أم المصرية ...؟
ـ إنني لا أقول الحضارة السومرية، ولا أفضل استعمال هذا المصطلح الذي كثيرا ً ما قاد بعض المشتغلين بالحضارات القديمة إلى استغلال هذا الجانب من جوانب مسار حضارتنا العظيمة في محاولة حجب مكوناتها وعناصرها عن وادينا وعن إنساننا العراقي. إنني أقول الحضارة العربية الأصيلة الأولى في تاريخ البشرية لكونها تشير إلى نضوج أبناء هذا الوادي بمهارتهم المتراكمة وبخبراتهم المتنامية خلال الحقب السابقة التي وجدنا جذورها في قرانا الأولى في شمال ووسط وجنوب الوادي. هؤلاء هم بناة حضارة العراق الأولى في الألف الرابع ق.م، وهي من ابرز وأقدم الحضارات الإنسانية الأولى في العالم.
* ماذا تعني بالحضارات الأولى، غير العراقية..؟
ـ اعني بها الحضارة المصرية العظيمة الأخت الأصغر للحضارة العراقية العظيمة وحضارة وادي السند (خرابة/ وموهنجادارو) والتي أعقبت حضارتي الوطن العربي بأكثر من ألف سنة، ثم الحضارة الصينية، وأخيرا ً هناك حضارات اصغر واحدث كثيرا ً وفيها شيء من الاصالة المحلية التي عرفناها، بعد عدد من القرون؛ في المكسيك، وأمريكا الوسطى (المايا/ الاستيك).
* ألا ترى ان أسلوب التحنيط عند المصرين القدماء يدل على تقدم كبير يفوق خبرة السومريين أو العراقيين القدماء ...؟
ـ مع ان المجال لا يسمح بالإطالة في هذا اللقاء، إلا أنني أقول باختصار: بقدر ما اهتم قدماء العراقيين بحاضر الإنسان اهتم الأجداد المصريون بحياته الثانية. فشيدوا له الأهرامات والصروح وزودوها بكل متطلبات الحياة اليومية، كما اهتموا بجسد الإنسان الفاني وإبقائه على شكله لاعتقادهم الجازم بان الروح ستعود إليه وستسكنه، مرة أخرى. بالتأكيد ان فن التحنيط معرفة طبية متقدمة إلا ان قدامى العراقيين في هذا الزمن نفسه وربما قبله عرفوا الكثير عن جسم الإنسان وتشريحه، غير أنهم، وبسبب عقيدتهم حول الموت والحياة الأخرى، لم يحتاجوا للحفاظ على جسده كما هو ..
* إلا أنهم حققوا الخلود عبر الأساطير والملاحم وتشييد المدن العظيمة والفن (كما نجد ذلك على لسان جلجامش) في آخر ملحمته...؟
ـ ألا يكفي هذا ..
* اليوم، كيف تنظر إلى الماضي، والحاضر...؟
ـ حضارة الأمس قاعدة، وخلفية لحضارة اليوم، فنحن استمرار لهؤلاء الأجداد في كل نواحي حياتهم ومهاراتهم وتقنياتهم؛ الخبرة والفطنة كامنة فينا، وليس علينا إلا ان نجلي عنها الصدأ، ونعود لاستعمالها مرة أخرى، وقد بدأنا فعلا ً باستعادة أنفسنا في جوانب كثيرة من الحياة..
* مثلا ً..؟
ـ في العلوم، الآداب، الطب، الفنون، الصناعات، والعمارة، ودون مبالغة أو مجاملة أقول إننا استعدنا أنفسنا وليست المسالة إلا مسألة زمن..ودعني أقول (وأنا لا أحب ان أتحدث في السياسة في هذا المجال) ان العراق الآن ينهض....، وليس علينا إلا ان نتذكر الماضي: إذ يجب ان تكون هناك قيادة حكيمة ودولية قوية. وأنت تتذكر سرجون الاكدي، الذي أسس أول إمبراطورية في التاريخ، ثم حمورابي، والقادة الأشوريين الكبار.
* لو لم تكن اثريا ً، ماذا كنت ستختار ..؟
ـ (يبتسم) كنت سأتمنى ان أكون اثارياً..!
* الآثار، هل هي وظيفة فقط ..؟
ـ مطلقا ً، إنها حياة ومهنة وهواية.
* لو عدت، الآن، إلى مدينة سومرية قديمة، فماذا تقول ..؟
ـ أنا اشتهي كثيرا ً ان أعيش في مدينة سومرية لأمتع حواسي ونظري بحياتها الاجتماعية العظيمة وعمارتها الفخمة والحياة الأدبية التي سأجدها على دكات معابدها، والعربات العريضة متجهة إلى قلب المدينة حيث المعبد والزقورة وقصر الأمير، ثم سأستمع إلى تراتيل الجوقات..
* هل جلجامش حقيقة..؟
ـ نعم.
* لو التقيته، هنا، أو هناك، فأي سؤال ستسأله ..؟
ـ (ابتسم): عن صداقته العظيمة لانكيدو..
* وانكيدو .. ماذا ستسأله؟
ـ (يصمت): لماذا ضحى بنفسه من اجل جلجامش؟
* هل تحب عشتار..؟
ـ كثيرا ً.
* وماذا سيدور بينكما من حوار، لو التقيتها ..؟
ـ ماذا وجدت في العالم السفلي ..؟
* وماذا وجدت أنت في عالمنا ..؟
ـ الحب والصداقة.
* ابرز ذكرى تحتفظ بها ولم تبح بها لأحد عن سرجون الاكدي ..؟
ـ (صمت طويلا ً): أشياء كثيرة تدور في ذهني، كان سرجون عاهلا ً عظيما ً في تاريخ البشرية. انه أول مؤسس لإمبراطورية عربية قديمة، وهو يذكرنا بأمنيتنا في وحدة الأمة العربية اليوم..
* ماذا تقول عن: طه باقر..
ـ من أفضل مؤرخي الحضارات القديمة
* فؤاد سفر..
ـ من أدق منقبي القرن الحالي..
* طارق مظلوم..
ـ اا ه ه ه ، دجلة في ايام فيضانه!
* فوزي رشيد ..؟
ـ هدوء المعبد!
* وليد الجادر
ـ فلاح بابلي!
[ أثناء حواري جاء القاص موسى كريدي، فطلبت منه، ان يسأل د. بهنام .. فسأله حلا ً:
* عندما تدخل كهفا ً اثاريا ً قديما ً، فبماذا تحس ..؟
ـ يتبادر إلى ذهني مباشرة كيف كانت تعيش العوائل المحدودة في هذا الكهف.
* هل تتمنى ان تعيش في كهف بعيدا ً عن صخب المدينة...؟
ـ نعم. الاثاري يحتاج إلى هذا ..
* هل تحس بأنك مثل الصوفي ...؟
ـ الاثاري، في الواقع، صوفي في وحدته، وعزلته ..
* وتصيبه الرعشة، والإحساس بالتاريخ..؟
ـ انه يعيش الماضي.
* هناك من يعتقد ان هذا الماضي أصبح جامدا ً مثل الحجر ..؟
ـ نحن نستنطق الماضين فالماضي يتكلم، وعلينا ان ننقل الماضي الى الحاضر.
* شيء مضى أو ضاع منك إلى الأبد ..؟
ـ (يهز يديه، يضحك) صعب، انك تكشف خفايا الشخص، أنا اعتقد ان هناك شيئا ً ضاع مني، حياتي مملوءة جدا ً!
* أمنية..؟
ـ ان أكون اثاريا ً أفضل مما أنا عليه، في السينيات كنت احلم ان أكون اثاريا ً، الآن، أود ان أكون أكثر ...
* سؤال يتكرر في ذهنك ..؟
ـ كثيرة، ليس الموت أو الحياة (أصبحا مشكلة اعتيادية) عندما كنت طفلا ً كنت أتساءل: أين يذهب الإنسان بعد الموت؟ عندما يتقدم الإنسان في تجاربه تصبح هذه المشكلة اعتيادية، أو مسلم بها.
* سؤال لا تستطيع الاجابه عنه ..؟
ـ نادرا ً ما يحصل هذا ..
* ماذا تشعر والعمر يتقدم بك ..؟
ـ نضج في التجارب، والرغبة بإعطاء الخير للآخرين من الجيل الذي يلي.
* لو بدأت بهذا الوعي، شابا ًن فماذا ستعمل..؟
ـ لا يمكن، مستحيل، لا يمكن ان ابدأ بهذا الوعي!
* هل تراودك أحلام لا منطقية ..؟
ـ أحيانا ً..
* ابرز رياضاتك ..؟
ـ الرياضة الفردية الصباحية، مثل التمارين السويدية..
* لاعب كرة قدم تحبه..؟
ـ لا أحب ان أتطلع إلى كرة القدم.
* والشطرنج؟
ـ كنت العب في صباي.
* هل تحب الملاكمة؟
ـ كلا، لكنني مارستها.
* ترسم؟
ـ نعم، وجوه بشرية، وخاصة في ملي الاثاري.
* والشعر..؟
ـ أتمنى، وفي القصة حاولت، ولا أجرؤ ان انشرها..
* هل تكتب اليوميات؟
ـ آ ...ه، كنت أتمنى ان افعل ذلك، إلا أنها مخزونة في ذاكرتي. في هذه الأيام أفكر بتدوينها كسيرة ذاتية.
* ولداك، الأول طبيب، والثاني يستعد لانجاز الماجستير.. بماذا تحس...؟
ـ مثل انجاز، ترك شيء، فهناك عاطفة الأبوة التي تمنح للآخرين.
* اعتقد انك تود ان تصبح أستاذا ً في الجامعة..؟
ـ أقدس مهنة هي التعليم الاثاري، وله سبب: أحس ان لدي ّ ثروة من المعلومات أحب ان انقلها للشباب، ثم ان التعليم في الآثار جزء من مهنة الاثاري.
* وماذا تود ان تقول للاثاريين الشباب..؟
ـ أريدهم ان يقرأوا بعمق حضارتنا العربية، بوعي، ومحبة، ويعيشوا التجربة الاثارية في المتاحف ومواطن الآثار والحضارة أثناء الدرس أو العمل بجدية تامة، وباعتزاز كبير لهذا الحقل الحضاري الذي يخص الأزمنة كلها: الماضي، الحاضر، والرؤية المستقبلية.
* ما الذي، أخيرا ً، تود ان تراه تحقق لمدننا التاريخية القديمة..؟
ـ أحب ان أجد مدننا التاريخية، مثل بابل، سامراء، نينوى، آشور، الاخيضر، قصر العاشق، وغيرها كثير قد استعادت صلتها وأمجادها القديمة، بشكل عقلاني علمي مدروس، وأن تعاد لها الحياة .. باختصار أود ان أرى مدننا قد استعيدت بحكمة، فانا من الاثاريين الذين لا يحبون ان تبقى مواطن آثارنا خرائب!، وان أجدها قد استعادت صلتها القديمة ورونقها الذي يليق بها بين حضارات الإنسان الأصيلة.

مجلة ألف باء ـ 1984