حديث عن الزوخانة

حديث عن الزوخانة

عبد الجبار محمود
كانت مقابلة العدد الثامن عشر من مجلة بغداد مع شيخ المصارعين العراقيين الاستاذ الحاج عباس الديك وعلى الرغم من انه يناهز السبعين من عمره اطال الله بقاءه ويشكو من بعض العلل والامراض الا ان مظاهر الشباب والقوة مازالت بادية عليه بوضوح.

اتصلنا به تلفونيا في بيته لتحديد موعد، وقد آثر ان يكون اللقاء في ادارة المجلة، وحضر في الموعد المحدد وامارات الانزعاج بادية عليه وقد القى علينا سؤالا بلهجة لا تخلو من استنكار حال دخوله.
ماذا تريديون مني؟ ثم اردف بنفس اللهجة قاطعا الطريق لاغلاق موضوع يعرف طبيعته مقدما.. "انا على استعداد لكل شيء ولكنني لا اجيب عن اي سؤال يتعلق بالرياضة، لقد تركت كل شيء".
واسررت في خاطري "انك مغرم بالرياضة ايها العزيز ولكنه دلال المحبة" على كل حال سنرى، كان الله في عوننا معك.. والحقيقة ان تمنع الاستاذ الحاج عباس الديك مالبث ان تلاشى فقد تحدث الينا عن الزورخانات في العراق ثلاث ساعات متوالية بشغف زائد وكان اول سؤال القيناه عليه.
- من اين جاء لقب "الديك" الذي يرد بعد اسمك؟..
- كان جدي الرابع عضوا في مجلس ادارة ولاية بغداد وقد جاء من بشره في غرفة الوالي بان زوجه قد ولدت تواما فدعاهما "فالح" و"فليح" وبعد عدة سنوات سأل الوالي عنهما واراد ان يراهما وحينما حضرا مجلسه وكانا صبيين حرضهما على المصارعة وكان الوالي يردد عليهما "يا هو الجاجة او ياهو الديج" فصرع فالح فليحا فقال له الوالي "انت الديك" وقد بقى اللقب منذئذ الى يومنا هذا.. اما والدي فاسمه عبد الله.
- وسألناه متى دخلت الزورخانات العراق؟..
- الزورخانة كما هو واضح من اسمها ايرانية المنشأ وهي تعني "محل القوة" وقد سمعت قبل خمس واربعين سنة من معمرين بغداديين ناهز بعضهم المائة عام. ان الزوار الايرانيين كانوا يفدون الى العراق ويطلبون مصارعة العراقيين وكان الايرانيون يتدربون في بلادهم على جميع فنون المصارعة وعلى الرغم من ذلك فقد كان نصيبهم الفشل ازاء القوة الجسمية التي يتمتع بها العراقيون وعند مجيء "ناصر الدين شاه" قبل 130 سنة احضر معه بطل ايران في المصارعة وطلب منازلة المصارعين العراقيين.. وكان البطل يلبس كسوة طويلة من الجلد وقد وضع على كل ركبة من ركبتيه مرآة وزعم ان كل من يستطيع ان يرميه ارضا ويكسر المرآتين يكون قد تغلب عليه. كان مخيم ناصر الدين شاه في مكان المستشفى الجمهوري عند باب المعظم – المجيدية سابقا – وقد هيأ له احد العرب العراقيين ويقال انه كان يصارع فحل الجاموس الهائج فيرميه على الارض ودخل حلبة المصارعة مع البطل الايراني .. بدأ الاخير يصول ويجول في الحلبة وقام ببعض الحركات مظهرا فيها قوة عضله ومتانة جسمه ليرهب خصمه ولكن صاحبنا العراقي لم يكترث للامر وطلب ان تكون المصارعة "ابطا لكتف" والذي "يموت من كيسه" وقد استطاع العربي ان يتغلب على خصمه الايراني، تغلب عليه قوة وليس فنا، وبعدئذ تبادل العراقيون والايرانيون الزيارات وتأسست الزورخانات في بغداد.

- كيف تقام الزورخانات؟..
-- تكون الجفرة عادة مستديرة او مثمنة الاركان ويبدأون انشاءها بحفر حفرة في الارض عمقها ثلاث قامات، ثم يوضع فيها سبوس بارتفاع متر ونصف المتر وفوق السبوس يضعون حزام شوك وتكون هيئة حزم الشوك (رأسا لكعب) ثم يفرش الشوك بيواري وتغطى البواري بزميج طين احمد ورمل يحدم لمدة يومين او ثلاثة ايام حتى يشبه الطين الصناعي في قوامه.. يصنعون كل ذلك كي لا تتأثر الارجل او تؤذي الاجسام.
- وسألناه: هل هناك اداب او تقاليد خالصة بالجفرة؟..
- على كل رياضي ينزل الى الجفرة ان يتوضأ وان لا يكون مجنبا لان الرياضيين يتشاؤمون من تارك الصلاة والمجنب وينسبون كل اذى يصيبهم في الجفرة الى وجود احد هذين الاثنين بينهم لذا نجد الاستاذ يكرر دائما وبصوت مرتفع "برهرجي جنب وتارك الصلاة لعنت" .. فيجيب الشواغيل "زار دفعت"..
والمعتقد ان شخصا باسم (بورياي ولي) هو الذي اسس الجفرة فعلى كل من ينزل اليها ان يقرأ سورة الفاتحة على روحه وهذا ايضا من تقاليد الزورخانة في العراق.
سبق ان ذكرت لكم ان الزورخانة دخلت العراق من ايران لذا نجد اكثر مصطلحاتها والتعابير التي تدور فيها ايرانية..
- ما هي "الاشغال" التي يقوم بها الرياضيون في الزورخانة؟.
- ينزل الشواغيل الى الجفرة ويحدد عددهم حسب اتساعها، ثم يكونون حلقة يتوسطهم فيها الاستاذ ويبدأون العمل على ايقاع "المرشدة" الذي يجلس على "دكة" ارتفاعها متر واحد ويشرع بالنقر على "الدنيك" ويسمى "ضرب كير" وللدنبك اسم آخر هو "زرب" ثم يغني بعض المقامات الخاصة لاثارة الهمة وتجديد النشاط وغرس الفضيلة وبث مكارم الاخلاق واهم المقامات التي تقرأ هي "الرست، السيكاه، البنجكاه، اوشار والدشت، وهذا نموذج من الشعر المغنى:
بورياي ولي كفت
كسيدم بكمندس
از همة داود نبي
بخت بلنذس
افشاد كي اموز
اكر نشينة فيضي
هركي نخرت آب
زميني كي بولندس
يبدأ "الشواغيل" في الجفرة بلعبة الشناو، وتختة الشناو يجب ان لا تزيد على الذراع ولها قاعدتان توضع على الارض فيفتح اللاعب يديه ورجليه على الخشبة ويأخذ من "الشناو" قدر ما يأمر به الاستاذ.
وهنا سألنا الحاج عباس عن اعلى عدد من الدفعات وصلها في الشناو
- فقال "لقد وصلت الى الالف وكنت مخطئا في ذلك فان هذا العدد الكبير يورث امراضا في القلب".
وبعد الشناو تأتي لعبة (الاميال) وتسمى ايضا "كبركة" ولعب الاميال يتم هو الآخر على ضرب المرشد الايقاعي باشارة من الاستاذ ثم تأتي لعبة (الجرح) وتسمى "الفرة" والاستاذ لا يتدخل في تحديد وقت للفرة لانه يكون حسب استطاعة "الشاغول" وبعد الفرة تمارس لعبة "الشلنك" والشخص في الشلنك يقفز من ركن من اركان الجفرة الى الركن المقابل له على رجل واحدة وقفزة واحدة ذهابا وايابا وهناك لعبات اخرى كالجفت وهو (الفرة) ولكن يضرب الرجل اليمنى بالارض ورفع اليسرى وبالعكس.
و"البحث" ويتم على طريقة ركض الواقف (او المراوحة السريعة).
كل تلك الالعاب تمارس في جميع ايام الاسبوع في الزورخانة وتزاد المصارعة عليها في يومي الثلاثاء والجمعة الا اذا سقط احد اللاعبين على الارض اثناء اللعب وخرج الدم منه عندئذ يتوقف اللعب بامر الاستاذ الذي يعزى سبب الحادثة الى وجود مجنب او آخر بغير وضوء بين المتفرجين او في الجفرة.

الزورخانات في بغداد:
المصارعة تتم بين "شواغيل" الزورخانة الواحدة، كما تتم بين زورخانة واخرى وذلك باتفاق استاذي الزورخانتين، والزورخانة التي تتم فيها المصارة تقوم بتهيئة الفطور والغذاء وجميع ما يحتاجه الضيوف المنافسون، وامثال هذه الدعوات كانت تتكرر وبصورة مستمرة بين محلات بغداد القديمة مثل الفشل والدهانة وقنبر علي والفضل والكرخ والكاظمية وسوق العطارين (خان الدجاج) وبني سعيد اما ابرز الزورخنجية البغداديين الذين عاشوا بين القرنين التاسع عشر والعشرين فهم : سيد ابراهيم كليدار ابي يوسف (الكاظمية) ، حجي محمد ابريسم (الفضل) وكان يشتغل في زورخانة الدهانة، شاكر افندي الشيخلي (باب الشيخ)، عيسى الصكار (صبابيغ الال)، الحاج حسن القارئ (الدهانة).
محمد الخياط (الخشالات)، الحاج حسن كردي ويعتبر من الطبقة الثانية واكثر اولئك كانوا من ابطال المصارعة.
كانت الزورخانات منتشرة في بغداد انتشارا واسعا وقد تفوق العراقيون في العابها وبرعوا وظهروا حتى على معلميهم الايرانيين.
وفي اثناء (السفر بر) اقفرت (الزورخانات) واهملت جفرها لان اكثر العراقيين جندوا للاشتراك في الحروب وقتئذ وكادت الحركة الرياضية العظيمة تصبح في خبر كان ولكنها ما لبثت ان انتعشت عند الاحتلال البريطاني لبغداد فقد قدم كثير من الهنود مع الحملة الانكليزية واخذوا يتصارعون فيما بينهم في "ألسنك" المقابلة (لسقة خانة النقيب) وقد تتلمذت على يدهم مدة من الزمن، ثم فتحت زورخانة خاصة وأثثتها على نفقتي وعندما عاد الجنود من الحرب انتعشت الحركة الرياضية مرة اخرى ونشطت الزورخانات التي كانت قد خلت من (شواغيلها) واسست عدة محلات جديدة وكان ابطالها من العراقيين والايرانيين والهنود وبعض اسرى الاتراك وفي هذه الفترة نشأ جيل من الشباب قدر له ان يحمل لواء قوة الجسم في العراق ومن ابرزهم:
اسطة غني وصبري الخطاط ومهدي الزنو ومجيد لولو.
والذي يؤسف له ان الزورخانات بدأت تنقرض في العراق وذلك حينما اخذت وزارة (التربية) على عاتقها رعاية الحركة الرياضية في العراق فقد قصرتها على العاب الساحة والميدان والتمارين السويدية، لقد حاولت ادخال المصارعة الى المدارس فدرست في كلية الشرطة والجيش والاعدادية المركزية مجانا وقد وفقت الى اعداد الكثير من التلامذة النجباء امثال الشهيد ناظم الطبقجلي وشاكر محمود شكري وطه عبد الجليل ومنير عبد الجبار من الجيش وسعيد واصف وزكي محمد جميل من الشرطة.
- لقد اشتهرت مصارعتك للهر كريمر فهل لك ان تحدثنا عنها؟.
- لقد صارعت من هم اهم من الهر كريمر وتغلبت عليهم امثال محمد علي ولي وحسن بنية من الايرانيين وغلام حسين ومدة من الهنود واسكندر دوبرج البلغاري وبعض الاتراك الذين لا اتذكر اسماؤهم الان ولكن صرعي للهر كريمر اشتهر لانه مكث مدة طويلة في العراق وقد صارع وصرع كثيرا من العراقيين.
انني لا اتذكر تفاصيل مصارعتي له الان ولكن تستطيعون الرجوع الى العدد 1 السنة الثانية من مجلة الفتوة الصادر بتاريخ 1 شباط 1936 فلي حديث مفصل على الموضوع فيه. وقد اثرت مجلة بغداد ان تنقل نص الحديث الذي ادلى به الحاج عباس للمجلة المذكورة لانه صورة دقيقة للرياضة في الثلاثينات ولم تحذف منه الا جزءا يسيرا ليس له صلة بتحقيقنا هذا.
قدم العراق المصارع الالماني الهر كريمر طالبا على صفحات الجرائد اليومية المصارعة مع المصارعين العراقيين فسررت لقدموه وتألمت لانه قدم العراق في وقت لم يكن فيه مصارعو العراق متأهبين لمصارعته، وقد ترك المصارعة خيرة المصارعين منذ خمس سنوات، وقد تركتها انا شخصيا بسبب عملية جراحية استأصلت مني الزائدة الدودية وعلى اثرها منعت من المصارعة بامر من الطبيب.
تعارفت مع الهر كريمر في وليمة اولمها مدير التربية البدنية يومئذ للمصارعين العراقيين وقد وجدت في هياة الالماني قابلية تدل على مهارة فائقة وبطولة عظمى، فاخبرت يومئذ الهر كريمر بان المصارعين العراقيين في حاجة الى تمرين لا تقل مدته عن شهرين ولم تتوصل في حديثنا ذاك الى نتيجة ما.
وفي اليوم الثاني اجتمعنا سوية في مسبح "كرد الباشا" فطلب الهر كريمر ان يتمرن مع بعض المصارعين العراقيين فتصارع معه بعض المبتدئين في المصارعة فصرعهم على الطريقة الرومانية، وكنت ضد هذا التمرين لانه يمكن الالماني من معرفة اصول المصارعة المتبعة عند العراقيين فيستفيد من هذه المعلومات عند مصارعته مع ابطال المصارعة في بغداد. وفي اجتماع ثان في مسبح كرد الباشا ايضا اجتمع الرأي على ان يتصارع مع الالماني المصارع الشهير "مجيد لولو" لانه كان وحده على استعداد تام لمصارعة خصمه وقد تنازلا في حفلة اقيمت في دار "سينما الرافدين" حضرها مئات من الناس ولقد شاهدت فيها المصارع العراقي يبدي مهارة فائقة تجاه خصمه وانتهت المصارعة بينهما وحكم الحكم الاستاذ اكرم فهمي بالتعادل فسررت شخصيا للفوز الذي ناله مصارعنا العراقي (مجيد لولو ) ولم يكن سرور الشعب على اختلاف طبقاته باقل من سرور وكل من قرأ الصحف يومئذ لاشك يتذكر كلمات التشجيع والاطراء في مدح الرياضيين العراقيين مما تبتهج له النفوس ويرتاح اليه الفؤاد. وبعد المصارعة سافرت الى مقر وظيفتي في بعقوبة لاعتقادي ان كل شيء قد تم بنتيجة المصارعة مع "مجيد لولو" اذ ان العرف يقضي ان اذا تعادل اجنبي مع وطني في المصارعة فما على الاجنبي الا ان يرحل عن تلك البلاد لعدم تغلبه وكان التعادل معناه الخسارة الادبية للاجنبي والفوز للوطني.
وفي يوم من ايام الاسبوع جاءني الهر كريمر الى بعقوبة وطلب المصارعة معي فلبيت طلبه ولكن حصل اختلاف بيني وبينه على الشروط فعاد الى بغداد لعدم حصول الموافقة بيننا. ثم قدمت الى بغداد فسمعت الاقتراحات الكثيرة عن ضرورة مصارعتي مع المصارع الالماني فتم الاتفاق بيننا على ان تكون المصارعة في الساعة الثالثة من يوم الجمعة 15/11/935 وفقا للشروط الاتية:
1- المصارعة الحرة على الطريقة العراقية.
2- ان يلبس كلانا الجسوة.
3- ان يخصص بالمائة اربعون لفقراء المدارس المتوسطة واربعون بالمائة للغالب وعشرون بالمائة للخسران وذلك بعد اخراج كافة مصاريف الحفلة.
وقد اخذت في المدة التي سبقت الحفلة اتمرن مع اخواني المصارعين العراقيين وكنت القى التشجيع والعون من جميعهم وفي ساعة النزال تقدمت والهر كريمر الى حلقة الصراع بحضور الحكام (الحاج محمد ابريسم والحاج حسن كرد واسطة غني) لقد كانت حقا ساعة رهيبة فلا هي ساعة حياة ولا هي ساعة موت، لانني ان خسرت فقد اسأت الى سمعة بلادي وعادت جموع الشعب حزينة كئيبة، وان انا تغلبت على خصمي فقد رفعت اسم بلادي عاليا بين الامم وعاد الشعب يهتف بحياة العراق ورياضييه.
جلست امام خصمي مدة ثلاث دقائق.. صفر الحكم بعدها معلنا بدء المصارعة فتصافحت مع خصمي واشتبكت معه وفضلت ان اكون في مصارعتي معه مدافعا لا مهاجما وصرت ادافع وانتهز الفرص وقد حكم في خصمي الفن المسمى "مسكة اليد" واخذ يضغط على يدي اليمنى ولكنه لم ينجح فيه اذ تخلصت منه، وبعد ذلك مسكني الفن المسمى (مسك الرقبة من الامام) فمسكت احدى ساقيه وحكمت فيه الفن المسمى (مسك الساقين) ورميته على الارض وصرعته ولكن احد المحكمين وهو الحاج محمد ابريسم اعترض قائلا بعدم قبول هذه الصرعة، فقرروا اعادة المصارعة ثانية، فاجبت طلبهم وتماسكنا ثانية وقد حكمت على خصمي الفن المسمى (حزام امامي) فاخذ هو بدوره يحكم علي الفن المسمى (القفز الى الوراء) فلم يفلح وبقينا متماسكين مقدار دقيقة واحدة وكل منا يريد النجاح والتغلب ولكني صرت اسبق منه وحكمت عليه الفن المسمى (الضرب على يده والدوران خلفه) فذهب خصمي الى الارض ووقع على ركبتيه اي جلس على الارض منتظرا ما ساعمل فمسكته من رقبته ومن وسطه باليد الاخرى محاولا رميه على ظهره فتخلص مني بمهارة وقام، فتماسكنا ثانية ايضا فحكم علي الفن المسمى (القفز الى الوراء) فمسكته ايضا (حزام خلفي) وبقينا متماسكين مدة انتهزت فرصتها وحكمت عليه الفن المسمى (الضرب عل الصدر باليد والقبض باحدى الساقين على ساق الخصم من الخلف) فصرعته على الارض ملقى على ظهره، فحكم المحكمون بخسراته وبفوزي واعترف بدوره هو بخسارته امام الجميع المحتشد وخرجت محمولا على اعناق الجماهير.
- هل تعرضت للمكائد في حياتك الرياضية؟.
- في الحقيقة ان الزورخانات كانت تضم انماطا شتى من الناس، منهم الذي يتحلى بالروح الرياضية العالية ومنهم الذي يروم الفوز من اي طريق وباية صورة كانت.
دعيت ذات يوم الىالمصارعة في كربلاء فسافرت اليها وكان معي في سفري ذلك الحاج شاكر الخياط وسيد عزيز وقد وصلنا قبل بدء النزال بيوم واحد، وفي مساء نفس اليوم اقاموا لنا دعوة عشاء وما ان انتهيت من طعامي واويت الى فراشي حتى شعرت بمغص الم في بطني جعلني اتلوى، اعقبه اسهال شديد.. كانوا قد وضعوا لي (حبة عافية) في طعامي. ولم استطع ليلتها النوم.. لقد انهك جسمي وعلاني الشحوب واصابني التعب وكانت المصارعة مستحيلة بالنسب لي واصبحت بموقف حرج، اذا نزلت للمصارعة كنت الخاسر حتما، واذا انسحبت اتهمت بالجبن والفرار من الخسم .. وشرحت موقفي لرفيقي الحاج شاكر الخياط وسيد عزيز ونظر احدهما الى الاخر وقد بينا امرا ثم طلبا مني ان لا انسحب من النزال وفي الوقت المعين ذهبنا الى الزورخانة.. كان الجمع محتشدا وقد اعد كل شيء حسب الاصول لتتم المنازلة وشعرب بالم للطرق الملتوية التي يطلب بها بعضهم النجاح، اتجهت الى المسؤولين عن المصارعة لاعد نفسي للبدء، بينما اندس صاحباي بين المتفرجين وما هي الا لحظات حتى كانت الكراسي تعلو وتهبط والقبضات ترتطم بالصدور والرؤوس وساد الهرج وعمت الفوضى وتدخلت الشرطة لفض النزاع بعد ان قررت الغاء الحفلة.. وهكذا انقذني صاحباي من الموقف الحرج بنفس الاسلوب الذي وضعت به، كانا قد اثارا شجارا شخصيا مع بعض المتفرجين واتسع الشجار حتى عم الجميع بينما كنت امام المحكمين مظهرا لهم كل الاستعداد للشروع بالمصارعة.
نعم .. لم تكن الروح الرياضية العالية التي تتقبل الخسارة بنفس الابتسامة التي تتقبل بها الفوز سائدة في الربع الاول من هذا القرن بل كانت الخسارة ولاسيما في المصارعة تعني بالنسبة الى بعضهم المس برجولتهم والنيل من كرامتهم.. وقد اصابني كثير من الاذى من جراء انتصاري على بعض المصارعين فقد كانوا يرسلون لي رسائل التهديد بوجوب الانخذال امامهم في الحلبة ولما كنت لا انصاع الى امثال هذه الرسائل الظالمة فقد كان بعضهم ينفذ التهديد فعلا وفي جسمي الان اثار طلقات وخناجر. ان الروح الرياضية العالية التي تعمر صدر شبابنا الطالع الان تبشر بكل الخير والازدهار.
- من هو الرياضي الذي تأثرت به في حياتك؟..
- المرحوم السيد ابراهيم كليدار "جامع ابي يوسف" واني وان لم اتتلمذ عليه بصورة مباشرة فقد كان الرجل شيخ الزورخانات في مطلع حياتي والحكم الذي لا يرد له قول بالاضافة الى ما يتمتع به من قوة جمسية خارقة وخلق عال وروح طيبة وقد كان يرعانا بتوجيهاته القيمة وارائه السديدة بعد ان تقدمت به السن.
- لقد اخبرتنا في اول المقابلة بانك لا تريد الاجابة عن اي سؤال يتعلق بالرياضة فهل لذلك سبب؟.
- للجحود الذي الاقيه من الرياضيين الان، انهم ينسون دعوتي لاحتفالاتهم وقد قضيت كل عمري في خدمة الرياضة ورفع شانها في العراق.
للتاريخ...
- انه مطلب بسيط نسجله هنا ضد النسيان وليس ضد الجحود، وبعد، فقد علم ان الحاج عباس سافر بعد هذه المقابلة بمدة وجيزة الى البصرة وفي الطريق بين البصرة والزبير شاهد شبابا يتصارعون في حفرة الى جانب الشارع العام فنزل من السيارة ليراقب المصارعة وحدث ان اصدر الحكم حكما خاطئا حول نقطة من نقاط المصارعة فلم يتحمل الحاج عباس الموقف فاعترض على الحكم وشرح له الموقف الصحيح فما كان الا ان قال له:
- دمشي.. انت هم حجي عباس الديك..
عن مجلة بغداد 1964