في حوار مع بين كافكا ..مقاربات التاريخ و التحليل النفسي في     عفريت الكتابة

في حوار مع بين كافكا ..مقاربات التاريخ و التحليل النفسي في عفريت الكتابة

ترجمة / عادل العامل
يتناول الناقد و المؤرخ و المحلل النفسي بين كافكا BEN KAFKA في كتابه الصادر حديثاً (عفريت الكتابة Demon of Writing: قوى و إخفاقات العمل الكتابي) موضوعة الكتابة و العمل الكتابي بدءاً من ظهور هذا الأخير كحاجة ماسة لتنظيم أمور الدولة و الناس بعد الثورة الفرنسية.

و قد عنى ذلك أن سلطة الحكم لم تعد تستقر مع الملك وحده، بل يجب توزيعها عبر كادر مهني من ممثلي الشعب و الكتَبة الذين يخدمون العامة. و قد أجرى أليس كراب حواراً مع الكاتب حول كتابه هذا و عمله المتعدد الاهتمامات في ثلاثة أقسام: صوت القوة، ماضي العمل الكتابي و مستقبله، و التاريخ و التحليل النفسي. و ننشر هنا ما يتعلق بالتاريخ و التحليل النفسي من هذا الحوار، الذي نُشر في Los Angeles Review:
س / لقد بدأتَ مؤرخاً، و الآن قررتَ أن تبدأ التدريب لتصبح محللاً نفسياً. و يبدو أحياناً أن هذين المجالين يمكن أن يقدّما لا طريقتين مختلفتين فقط للقراءة، بل طريقتان مختلفتان كلياً للانتساب إلى العالم. ما الذي تبحث عنه عند مقاربتك شيئاً ما كمؤرخ، للافتقار إلى طريقة أفضل للتعبير عنه، في مقابل عند مقاربتك شيئاً ما كمحلل؟
ج / أرى أن العمل التاريخي، من كل نوع، هو أقرب في الواقع إلى التحليل النفسي، و الطرق التحليلية النفسية للتفكير، مما نعتقد به في العادة. و للمؤرخ جون سكوت قطعة رائعة عن استخدامات التحليل النفسي من قِبل مؤرخي التيار السائد، و الذي يبدأ مع رئيس الجمعية التاريخية الأميركية في أربعينات القرن الماضي، قائلاً إنه يعتقد بأن في إمكانه أن يتخيل اليوم الذي يكون فيه على كل مؤرخ شاب أن يجتاز تدريباً في التحليل النفسي... فأنت لا يمكنك على الدوام التظاهر فقط بأن ليس هناك من شيء آخر يجري، لمجرد أن لديك ما لديك، أو أن كل ذلك قد تم تبيانه. و أنا أرى أن هناك شيئاً ما بشأن محاولة فهم الدافع الذي يشترك فيه معظم المؤرخين و معظم المحللين النفسيين، حتى حين لا يكون الدافع واضحاً تماماً. لكن هناك بعض الأمور فيما يتعلق بالمشروع التحليلي النفسي التي تُعد غير تاريخيةً في الأساس. و هناك أمور معينة تتعلق بالمشروع التاريخي التي يقول عنها التحليل النفسي أنها غير ممكنة.
س / هل ترى أن التاريخ و التحليل النفسي يشتركان في الأهداف نفسها؟
ج / لا. إن التحليل النفسي، في أحسن أحواله، يتعلق في الواقع بمساعدة الناس. و العلاج ليس الجزء الوحيد من التحليل النفسي بأية حال. فهناك عدة نظريات لا تُصدَّق، و هلمَّ جرا. و التاريخيون بالتأكيد يمكن أن يكونوا نافعين. لكنك لا تكتب التاريخ لأنه سيساعد الناس، يجعلهم يشعرون بشكلٍ أفضل. و أنا أعتقد حقاً بأن التحليل النفسي يتعلق بذلك.
س / و لماذا قررتَ القيام بالتدرّب لتكون محللاً نفسياً؟
ج / لا أعتقد بأن هناك أية طريقة أخرى لفهم اللاشعور، في الواقع. إن لديَّ صديقةً عزيزةً جداً، مؤرخة تحليل نفسي، تغضب كثيراً مني حين أؤكد أن المحللين النفسيين لديهم رؤية أعمق و أوسع بشأن اللاشعور من غيرهم من
الناس، من الدارسين. و هي تدعو ذلك"جوهر essentializing المواجهة العيادية"(جعلها أمراً جوهرياً)، أو شيئاً من هذا القبيل. و أنا، كما تعرف، معها في ذلك. فاللاشعور يتكلم كل الوقت. فأنت لا تحتاج لأن تكون في عيادة، في غرفة استشارة، لتسمع اللاشعور يتكلم. و لا تحتاج لأن تكون محللاً نفسياً لتفهمه. ذلك أن هناك شيئاً ما بشأن جو العيادة يجعل اللاشعور شعورياً، إذا ما كنتَ تقوم به بشكل سليم. إنها تجربة مذهلة، تجعل ذلك يبدو دينياً. كما أنني أحب أن أتعلم الأشياء. و لم أكن لأفعل ذلك قليلاً. فقد كان علي أن أفعل الشيء كله. أعني أنني كنت مهتماً بالتحليل النفسي لوقت طويل. ثم نحّيت هذا جانباً، و رجعت إلى القرن الثامن عشر و اشتغلت مؤرخاً. ثم صرت في التحليل النفسي لأسباب شخصية، و عند الرجوع إلى فرويد من ذلك المنظور، وجدتُ فرويداً مختلفاً جداً.
س / فرويد.. لم تكن تعرفه حين كنتَ تقرأه كمؤرخ؟
ج / تماماً. أو واحداً كنت أعرفه بشكل باهت.. واحداً مثيراً و جميلاً في الواقع. و هو فرويد الذي اكتشف، رغم كل عيوبه و أهوائه، طريقةً راديكالية حقاً للعناية بأنفسنا، للعناية بالآخرين. لكنني لا أقوم بهذا فقط من أجل فرويد. هناك تقليد ــ عمره أكثر من 100 سنة، و أرى أنه جدير بالمحافظة عليه.
دعني أعبر عن ذلك بهذه الطريقة. أود أن تكون لدي قصة متماسكة. و لا أود. و أعتقد أن سبب ترددي ربما أني أريد أن أقدمها لك مرتبة، أو كسلسلة من قرارات محسوبة اتخذتُها. و لم تكن بالتأكيد مجرد سلسلة حوادث، لكن لم تكن هناك خطة رئيسة، تعرف؟ لم تكن هناك، و لا الآن، قصة متماسكة. إن لدى المحلل النفسي آدم فيليبس هذه المقالة المدهشة حول المغازلة حيث يتحدث عن المغازلة كإنتاج للتردد أو عدم اليقين.uncertainty ثم أن هناك كلمة اعتراضية: مدروس deliberate أو غير مدروس. ثم هناك شيء ما يقال عن المغازلة بالفِكَر، أيضاً، و نوع التردد الذي تنتجه. ففي أسوأ أحوالها تُصبح نوعاً من روح الهواية، لكنها في أفضل أحوالها طريقة لجعل كل شيء أقل ثباتاً قليلاً و أقل يقيناً قليلاً.
س / كيف يؤثر ذلك في كيفية تدريسك؟
ج / أعتقد ربما أن الاختلاف الأكبر أنني أكثر ارتياحاً مع الصمت. الصمت المطوَّل في قاعة التدريس. و الطلاب يمكنهم أن يكونوا هادئين بقدر ما يريدون؛ و أنا يمكنني أن أهدأ. فأنا فرويدي جيد حقاً هكذا. أوه أجل، هل تريدون أن تجربوا الصمت؟ سأريكم الصمت!
س / يا إلهي، يبدو ذلك فظيعاً.
ج / لهم، و ليس لي!
س / و هل سيغير ذلك أيضاً المشاريع التي تشتغل بها مستقبلاً، أو الأخرى التي تعمل بها الآن؟
ج / أعمل الآن بهذا الكتاب عن دراسة الخط، عن تحليل كتابة اليد. و هنا مرة أخرى نوع من الجمع بين الدوافع التاريخية و دوافعي التحليلية ــ و السؤال هو كيف يتأتّى أن يطوّر الناس تكهناتٍ، أو حدوساً، أن يكون لعلاماتٍ على صفحةٍ معنى؟
إن دراسة الخط graphology هي علم الشخصية من خلال كتابة اليد. و لقد ظل الناس، طوال 500 سنة، يفحصون أقل نوع من الانحرافات في ميلان الحروف أو في التحلقات، و في امتدادات الحروف للأسفل، ليحصلوا على إدراكاً متعمقاً لشخصية الواحد من الناس. و الفكرة هي أنهم بهذا العمل الاتصالي يفشون شيئاً ما عن أنفسهم لا ينوون الكشف عنه، صحيح؟ و هو أحد تعريفات اللاشعور.
س / إن الصوت الذي اتخذته في المقالات التي كتبتَها لجمهور التحليل النفسي يبدو مختلفاً عن ذلك الذي في المقالات التاريخية ــ إنك تسمح لنفسك بوضع فروض prescriptions أكثر. عندما تقوم بوضع تلك الفروض الكتابة أكثر بضمير الشخص الأول، فهل تفعل ذلك و أنت تفترض أن القراء سيكونون متماثلي العقلية؟ أم أنت تفعل ذلك لتبدأ محادثةً حيث سيكون القراء آتين من منظور مختلف؟
ج / أعتقد الأخير. لكن هناك وجهاً آخر لكوني محللاً نفسياً هو أنني أصبحت متشككاً جداً بشأن فعل الإقناع عموماً. و أرى أن هناك أيضاً شيئاً ما يتعلق بأن كيفية عدم استعمال ضمير الشخص الأول بصيغة الجمع كانت واحدة من حزمة قواعد دمجتها معي بإفراط و أنا شاب، طفل. و الآن فإني أستمتع بتجربة شيء ما مختلف.
س / إنني أكثر تآلفاً مع قواعد الكتابة التاريخية و ذلك النوع من الأشياء يمكن أن يرفع بعض رايات التحذير في مقالة تاريخية بشكل أكثر تقليديةً. هل تعتقد بأن هذا سينتقل إلى عملك التاريخي المستقبلي أيضاً؟
ج / أعتقد بأنني ربما سأفعل ذلك في كل عملي. و من الواضح أن هناك قَدْراً مني في كتابي (عفريت الكتابة). و الكثير من العروض النقدية التي تناولت الكتاب شخصية بصورة مدهشة ــ كانت عن الكتاب أقل مما عني، عن مهنتي، عن اسمي الأخير. و أظن أن هناك شيئاً ما عن الكتاب يشجّع ذلك النوع من الاستجابة. لكن حين أقول للناس إن تلك ليست هي الفكرة حقاً، لا يصدقونني. و هناك كما هو واضح نوع من المتعة يدخل في إبداء الكثير من الانتباه ــ إنه نوع نرجسي جداً من الرضا. و الكتاب لا يدعي أنه من تأليف لا أحد. هناك عدد من الكتب الأكاديمية تفعل ذلك.

عن / Los Angeles Review