مقدمة كرومويل..بيان الرومانتيكية

مقدمة كرومويل..بيان الرومانتيكية

عبد الستار اسماعيل
مع نهايات القرن الثامن عشر ولد جنس مسرحي جديد يخلط الكوميديا بالتراجيديا هو الميلودراما التي كانت تعرض في الشوارع أمام الناس. ويرجح الدارسون أنها، على خلوها من أي قيمة أدبية، إلا أنها شكلت مقدمة هامة لولادة نظرية الدراما البرجوازية،

وبالتالي لولادة الدراما الرومانتيكية التي أعلن هيجو مبادئها في مقدمته عام 7281، فبقدر ما توجهت الرومانتيكية الى الذات الإنسانية وتلون دواخلها، وتحولات أشكال الواقع المحيط بها، جعلت المعطيات الفردية كالخيال والحلم والعاطفة متقدمة على معطيات الظروف الموضوعية. وبذلك صار الذوق الشخصي سيد الموقف، كما صار الأدب الناتج عنه أدباً جذاباً يبحث عن جمهوره وسط قوى جديدة أدت الى رواجه كما حدت من شطحاته. وكان أبرز هذه القوى النقد، والصحافة أي النقد الذي مارس سلطته على الأدب في المجلات والجرائد... فمقدمة كرومويل تستقي نموذجها الدرامي الأول وهو شكسبير من إنكلترا، ومسرحيته نفسها تجسيد درامي لشخصية سياسية إنكليزية أيضا. فهيجو قد تسربت إليه جملة من التصورات التي كونها عن الطرق الإبداعية الشكسبيرية الى شخصية كروميل، وما أضافه الى صفات الرجل حتى غدا بطلاً رومانتيكياً.. أما المفارقة فتبدو عند انتقاد هيجو في مقدمته للأسلوب الشكسبيري بأنه يعاب عليه إفراطه الغيبي، والفكري، ومشاهده الزائدة،والفواحش،واستخدام صيغ اسطورية بالية في عصره وإفراطه في الغرابة والغموض،والذوق الرديء،وتفخيم الأسلوب وخشونته.. فالشخصية الرومانتيكية في كونها المسرحي غير الصالح للعرض أمام الجمهور يحصرها بالنص، ويجعل الأمل بديمومة حياتها الجمالية إلى جانب أبطال شكسبير، وكورنيه، وراسين مرهوناً بمدى صلاحية الأدب الدرامي للقراءة بمعزل عن التمثيل. تتكون مسرحية كروميل من خمسة فصول تستغرق الفترة المشرقة من حياة رجل الثورة الإنكليزي« أولفييه كرومويل» (1599 - 1698)،الذي تزعم حركة المعارضة لسلطة الملك تشارلز الأول. وللأسقفية الآنكليكانية مستخدماً نفوذه في البرلمان.وقاد ثورة مهد لها بحنكة وبراعة،وانتصر على جيش الملك، وحكم عليه بالإعدام سنة 1694.وأظهر أثناء الحرب الأهلية قدرات استثنائية عسكرياً وسياسياً،يرجح أنها وراء انشداد هيجو إليه، والى انتصاراته في أسبانيا وأوروبا،وإخضاعه ايرلندا وايقوسيا، حيث صارت إنكلترا القوة الاقتصادية والبحرية الأولى.. ما أن ننتقل إلى المسرحية حتى نصادف بطلاً تصعب الاحاطة بتعرجاته النفسية المتنافرة الى حد أن كرومويل يفقد كامل جانبه الإنساني ليتحول الى مفهوم ذهني مجرد، أو إلى انموذج ممتاز للشخصية الرومانتيكية وفق ما أراد لها هيجو أن تكون ، فصورة كرومويل مزيج من النور والظل. والقسوة والحنان إنسان مبارك وأحياناً إنسان وقح. انه طهري متزمت وشجاع، يسيطر عليه الطموح البارد، والخوف، ولا حلم لديه إلا تحطيم التاج الملكي. ويحطمه، وساعة تشاور البرلمان في نقل وصاية التاج، يتخوف من المعارضة، فينسى مثله العليا الطهرية ويستعين بالفساد لتخفيف حدتها، والتخلص من خصومه.... يتوسل إليه البرلمان الوديع كي يصعد الى العرش، لكن كرومويل، يتخلى عن الحلم لحظة تحققه، ويرفض التاج وهو يرى الخناجر تلتمع، وكأنه خارج من حلم، ويظل الهوس لابساً ذاته وتظل عيناه تائهتين، ويخاطب نفسه متمتعاً:« إذاً متى أصبح ملكاً؟» كان للمفهوم الذي قدمه هيجو عن سيرورة التاريخ ومعناه وخصه لكل عصر بصيغة تعبيرية محددة صدى إيجابي في عصره لذلك سميت مقدمة كرومويل المجسدة له بـ« بيان الرومانتيكية». فهي في نظر النقاد تعد بياناً للدراما الرومانتيكية ونظريتها التي أحدثت ثورة على مفهومات المسرح التقليدي، وتحديداً على مفهوم الوحدات الثلاث. وفيها يوضح فيكتور هيجو الاستخدام الجيد لقواعد الفن المسرحي بقوله« اذا جاز لنا أن نبين رأينا فيما يمكن أن يكون لأسلوب المسرحية، فنحن إنما نتوخى شعراً حراً، وصادقاً ووفياً جريئاً على قول كل شيء من دون تحشم، وعلى التعبير عن كل شيء من دون تصنع ينتقل بشكل طبيعي من الكوميديا الى التراجيديا، ومن الجليل الى المتنافز- المضحك، فهو بالتناوب إيجابي وشعري، وفي الوقت نفسه حاذق و مداهم، عميق ومفاجىء واسع وحقيقي..» ويبرهن هيجو على آرائه من خلال عقد ضرب من المقارنة بين القديم والحديث في الفن المسرحي بدءاً بالعصور البدائية التي راج فيها الشعر الغنائي، مروراً بعصر المسيحية والدراما، وانتهاء بشكسبير الذي يمثل، في نظره، الدراما الحديثة التي تتداخل فيها الأجناس الأدبية والمقولات الجمالية من كل لون.