عاتكة الخزرجي شاعرة الشوق والحنين والألم

عاتكة الخزرجي شاعرة الشوق والحنين والألم

محمد عيد الخربوطلي
باحث سعودي
ولدت الدكتورة عاتكة وهبي الخزرجي في بغداد عام 1924 وهي شاعرة وكاتبة مسرحية وأستاذة جامعية عراقية معروفة.
بعد ولادتها بستة أشهر توفي والدها الذي ينتسب للخزرج،فربتها أمها أحسن تربية وأرضعتها الحنان العظيم وأدخلتها المدرسة،وأثناء تحصيلها للعلم انبجس نهر الشعر متدفقاً

من قلبها،فخرج على لسانها شعراً عذباً رقراقاً بأنغام ساحرة، درست اللغة العربية بدار المعلمين العالية فنالت الليسانس في الآداب عام 1945 وصارت مدرسة للأدب العربي في ثانويات بغداد، وفي عام 1950 دخلت كلية الآداب في جامعة السوربون في باريس فنالت الدكتوراه في الآداب عام 1955 بأطروحة قدمتها عن الشاعر العباسي(العباس بن الأحنف).
وفي غربتها هذه عن بلدها وأمها وحبيبها اتسم شعرها بالواقعية،وعادت مدرسة في قسم اللغة العربية بدار المعلمين العالية، ثم أستاذة للأدب الحديث في كلية التربية بجامعة بغداد، وبقيت في عملها حتى أحيلت على التقاعد في أواخر الثمانينيات،ووافاها الأجل عام1988 عن أربعة وسبعين عاماً.
في شعرها نزعة تقليدية وتأثر واضح بالمتنبي والعباس بن الأحنف، قالت عنها روز غريب:مع أن عاتكة نهلت من ثقافات مختلفة، فقد رأت أن تحصر منابع وحيها من الأدب العربي، وبشكل خاص القديم منه.
قالت عاتكة الشعر ونشرت بعضه في الصحف وهي في الرابعة عشرة من العمر، وقد قال عنها الأستاذ عيسى فتوح: يغلب على شعرها الحنين والشوق إلى الحبيب والوطن والأم ولا سيما في غربتها الباريسية،فلم تجد باريس بلد الحضارة والفتنة والجمال،بل رأتها صحراء قاحلة لم تعوضها عن مرأى العراق وفراته الساحر فتقول:
أواه لو تدرين كم ضـــا قت بها سبل الحيــاه
وبدت لها بنت الحضـــا رة وهي أقفر من فلاه
وتشوقت تبغي الفـــرا ت فلم تجد إلا صداه
وتذكرت أمها التي تركتها في العراق وهي بعيدة عنها،وحيدة، ولعب شوقها إليها فقالت:
أمّا هواك فلست من أنساه يوماً إذا نسي المحب هواه
أواه ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! لوتدرين مافعل الجوى بحشاشة عزت عليها الآه
يدري الهوى خيري ولا من لائم فهواك مايدعو إليه اللـه
ولما تركها الحبيب وهجرها كاد أن يقضي هذا الهجر على توهج الحب الكامن في قلبها،فتقول بعد زيارته لها قبل الهجر:
ألم بنا ما كان أحلى وأجملا فما ضر لو دارى وداوى وعللا
وما هي إلا غمضة وانتباهة أمرت علينا كل ما كان قد حلا
لقاء وشيك ثم بين على المدى فيا للنوى للقلب ما كان أقتلا
وتستعطف الحبيب الذي بذلت له النفس رخيصة ومع ذلك غدر بها وهجرها فكابدت آلام الهجر،ومرارة البعد،فقالت:
أمولاي فيم الهجر فيم التباعد وحتام أقصى في الهوى وأكابد
أمن بعد بذل النفس فيك رخيصة تشكك حتى أعوزتك الشواهد
وتسأل حبيبها لماذا ردها خائبة،دون ذنب منها مع أن روحها تشتعل بحرارة الحب،فتتمنى لو يرحمها،فتقول:
ما كان ذنبي سيدي إنا بلا ذنب نرد
مولاي هذه مهجتي من حر ما فيها تقد
رحماك لو آسيتها وجميل عطفك لا يحد
وبعد أن عانت كثيرا من الهجر وأقعدها المرض في السرير تمنت زيارته ولو مرة واحدة،فهاهي تناجيه قائلة:
هذي فتاتك في السرير تذوب من وجد وحسره
تهفو إلى لقياك ظمأى تستقي غاديك قطــره
ماذا عليك إذا عطفت وزرتنا في العمر مــره
ولما تركها وبعد عنها من غير رجعة،أنذرته بأنها ستنأى عنه وتذهب إلى غير رجعة كما يذهب الطيف في لمح البصر، وسيبقى هو وحده يعتصره الألم:
سأنأى سأذهب لا رجعه ترجى لحبي ولا أي عوده
سأذهب كالطيف في لمحه سأنأى ويبقى حبيبي وحده
مع أن عاتكة لم يقتصر شعرها على الحب ووصف تباريحه فحسب، بل كان للشعر الصوفي مساحة في دواوينها، ففي قصيدتها- بين يدي الله-تعترف أن لغتها وبيانها أعجز من أن يصف حبها لله فهي تقول:
أحبك لو صح أن الهوى تترجمه أحرف أو معــان
أحبك للحب لو أعربت عن الحب قافية أو بيــان
أحبك رباه فوق الهوى أيا من به كنت والحب كان
جمالك يارب عم الوجود فليس لقبح به من مكــان
كذلك كان للشعر القومي مساحة جيدة في دواوينها،وتأتي قضية فلسطين في الصدارة، ففي قصيدتها -سيروا إلى الحرب- تستثير نخوة العرب وحميتهم وحاستهم مذكرة إياهم بأمجادهم الغابرة:
آن الجهاد بساح المجد يا عرب فذي فلسطين تدعوكم وتنتحب
أليس عاراً علينا أن نفرّ وذي ديارنا في يد الشذّاذ تنتهــب
خلفت عاتكة الخزرجي أكثر من عشرة كتب ما بين شعر وقصة ومسرحية ودراسة وتحقيق،وطبع شعرها في مجموعة كاملة بلغت سبعة أجزاء عام 1986.
عن موقع ادب ونقد الالكتروني