المدرسة الجعفرية في بغداد

المدرسة الجعفرية في بغداد

د. نجاح هادي كبة
من منّا لا يتذكر أسماء لمدارس لامعة حفظتها ذاكرة بغداد، كانت مراكز للتعليم أسهمت في تخريج وإعداد شخصيات وطنية لامعة ومرموقة، تبوأت أماكن بارزة في الحياة العراقية، وأقصد بها المدرسة الجعفرية الأهلية التي تأسست عام 1908، والمدرسة المركزية التي تأسست عام 1918 ومدرسة التفيّض الأهلية التي تأسست عام 1919، ومن المعلوم أن التعليم في العراق في العهد العثماني كان يعتمد على الكتاتيب والتعليم الديني،

إلا أن الدولة العثمانية بعد أن أدركت حاجتها لموظفين يديرون مصالح البلاد والعباد في دوائرها تتوسع كما كانت تدرك الحاجة الى تأسيس جيش قوي يقف بوجه أعدائها المتربصين من الأوربيين الطامعين في غزو واسقاط الدولة العثمانية. من هذا المنطلق اتجهت الدولة العثمانية أواسط القرن التاسع عشر وأواخره الى انشاء مدارس عسكرية في الاستانة يلتحق بها الشبان العراقيون الذين ينالون الثانوية أو المتوسطة لتخريجهم ضباطاً في الجيش العثماني.
إلا ان الاهتمام كان مقصوداً في أول الأمر أيضاً على العاصمة التي شهدت سنة 1847م الشروع بتأسيس عدد من المدارس المدنية الحديثة التي كانت تسمى بالمدارس الرشادية، نسبة لمحمد رشاد، وهي المدارس التي تتوسط المراحل الثلاث للدراسة المدنية التي تسبق الدراسة الجامعية.
وحين احتلت بريطانيا العراق 1914 -1918 أدرك الانكليز حاجة البلاد الى مدارس متطورة للتعليم لتخريج من يصلحون لمسك الوظائف العامة والمناصب العسكرية.
وكانت الإدارة الإنكليزية للعراق تواجه مشكلة قلة عدد الطلبة أو الراغبين في الدخول للمدارس للتعليم ولم تجد سوى عدد قليل من الطلبة الذين تمكنوا من استئناف دروس الصفوف العليا ، فضلا عن مشكلة استبدال لغة التعليم من التركية إلى العربية
ــ أوائل المدارس التي تأسست في بغداد في العصر الحديث وهي ثلاث مدارس كالآتي:
أ ــ المدرسة الجعفرية الأهلية عام 1908م.
بـ ـ المدرسة المركزية عام 1918 م.
ج ــ مدرسة التفيض الأهلية عام 1919م.

لمحات عن تأسيس مدرسة الجعفرية في بغداد
كانت لمجموعة متنورة من محلة صبابيغ الآل وما جاورها في بغداد نظرة سديدة وسعة تفكير إلى آفاق الارتشاف من مناهل العلم والمعرفة، وكان في مقدمة هؤلاء جعفر أبو التمن، علي البارزكان، مهدي الخياط، علي العينه ي، واستطاعت هذه المجموعة أن تقنع الحاج سلمان أبو التمن الذي أقنع بدوره والده الحاج داود أبو التمن بتأسيس مدرسة لتعليم الأولاد .
وهناك قصة يرويها علي البازركان عن خيانة أحد اليهود الذي كان يعمل عند أحد التجار المسلمين، الحاج جعفر أبو التمن، مما دعا البازركان الذي كان صديقاً لهذا التاجر أن يطرح عليه فكرة، إنشاء مدرسة للمسلمين يحلّ خريجوها محل هؤلاء اليهود في إدارة أعمال المسلمين..
وبعد موافقة السلطات العثمانية ممثلة بوالي الولاية تم فتح المدرسة عام 1908م وكان كادرها الإداري مؤلفاً من الشيخ شكر الله مديراً للمدرسة وعلى البازركان معاونا ورؤوف القطان مفتشاً .. وقد توسع كادرها الإداري عام 1909م، وصارت بعد ذلك مدرسة مسائية لتعليم الأميين، وكانت تدعى في العهد العثماني مدرسة الترقي الجعفري العثماني..
وقد أيّد فكرة تأسيس المدرسة الجعفرية الشاعر محمد سعيد الحبوبي .
بعد أن أخذت مشورته و ألتحق بالمدرسة 300 طالب عند افتتاحها توزّعوا على الصفيبن الأولين لمرحلة الدراسة الابتدائية والرشدية، التي كانت تضمهما معاً، وهذه المدرسة حين شروعها بدأت بالعمل، وقد توسعت المدرسة وأصبحت تحتوي بعد أربعة أعوام من افتتاحها على مرحلة الدراسة الإعدادية علاوة على المرحلتين السابقتين النجار، ص 387 ، وكان للمدرسة الجعفرية والتفيض هيئتان إداريتان الأولى تمارس التخطيط الإداري عن بعد والثانية تنسق الأعمال الإدارية فيما يخص شؤون المدرسة كالطلاب والدروس وتنظيم الدوام … الخ، ولابد من الإشارة إلى ان المدرسة الجعفرية الأهلية منذ افتتاحها قد فتحت ذراعيها للطلاب والمدرسين من مختلف القوميات والأديان والمذاهب وإنما سميت بالجعفرية ليس نسبة إلى طائفة الجعفرية الإسلامية وإنما نسبة إلى الإمام جعفر الصادق ع الذي أسس جامعة إسلامية علمية في بغداد أبان العصر العباسي وهذا ماوضّحه القائمون للعثمانيين حين تقدموا بالطلب لفتحها . وضع العثمانيون علامة استفهام على اسم المدرسة، لكن سرعان ما وافقوا على التسمية وفتح المدرسة وكان النظام المعمول به في مدرسة الجعفرية الأهلية هو النظام الذي وضعته الهيأة التأسيسية للمدرسة سنة 1922، وظل معمولا به حتى سنة 1929م، حيث قررت الهيأة التأسيسية لهذه السنة وضع نظام خاص تصادق عليه وزارة الداخلية، وقد وافقت الوزارة عليه وطبع بمطبعة المعارف سنة 1930م .

من النشاط الوطني للمدرسة في عهد الاحتلال البريطاني
امتدّ نشاط المدرسة الوطني طوال الحكم الملكي 1920ــ 1958 ، ومن نشاط هذه المدرسة قصيدة أعدها الشاعر محمد مهدي البصير بمناسبة إقامة المدرسة الجعفرية حفلة لتوزيع الجوائز على المتفوقين عام 1920م وقد عدت الأوساط الوطنية هذه القصيدة في حينها جواباً على تصريحات حاكم بغداد العسكري الذي كان استدعى البصير وثلاثة من رفاقه، بينهم المرحوم جعفر جلبي أبو التمن إلى مكتبه وقال لهم أنه يعدهم مسؤولين عن حوادث الليلة الماضية يريد تظاهرة 7 رمضان سنة 1920م … ان هذه القصيدة كانت بين المستمسكات التي أبرزها القاضي البريطاني المنفرد الذي تولّى مقاضاة البصير في ربيع سنة 1920م الذي كان يتمتع بسلطة مدع عام وقاضٍ في وقت واحد، وقد حكم هذا القاضي على البصير بالحبس الشديد لمدة سنتين، وبدفع غرامه قدرها ثلاث آلاف روبية .. إلاّ أن المندوب السامي الذي أحيل إليه هذا الحكم للمصادقة استبدل به بالحبس الشديد مدة سنة واحدة، ومما جاء في قصيدة البصير
إن عُدْتَ غربياً فلعلّك ذاكرٌ
فيَّأتَ أهلَ الغربِ ظِلَّ حضارةٍ
لكنهم كفرُوا بنعمتكِ التي
عهداً نَعِمْتَ به وأنتَ عراقي
ضَرَبَتْ على العيّوقِ أيَّ رواقِ
جلّتْ فلحُّوا في عمى وشقاق

ــ من الأساتذة المربين الرواد في المدرسة الجعفرية
منهم على البازركان الباحث والشخصية الوطنية والمربي الشهير، وصادق الملائكة والد رائدة الشعر العربي الحر الحديث نازك الملائكة ويوسف سلمان كبه باحث وأديب وحقوقي وإداري له كتاب الحياة في لندن سنة 1950م، ونوري ثابت صاحب جريدة حبزبوز الفكاهية وكان ناقدا اجتماعيا وسياسياً من طراز متفرد، وغيرهم كثير كثير.
شكر الله بن احمد أول مدير للمدرسة الجعفرية عام 1918م
هو الشيخ شكر الله بن احمد بن شكر البغدادي من علماء الإمامية الأجلاء بالكرخ ولد عام 1856م، وأتم دراسته العلمية على علماء الكاظمية والنجف، وعاش على موارد أمواله الواسعة، ولمّا أُسّست المدرسة الجعفرية في بغداد 1908م في العهد العثماني بهمة الغيارى وفي مقدمتهم علي البازركان كان الشيخ شكر أول مدير لإدارتها ومدرس فيها، والبازركان معاونه لها، تولّى الشيخ شكر هيأتها المؤسسة لها سنة 1918، إذ اختاره الحاكم الملكي العام أرنولد ويلسون لتولي القضاء الجعفري ببغداد بجانبيه الرصافة والكرخ بصفة النائب الأول لقاضي بغداد وكان خير من نهض بها، وكان موضع ثقة واعتماد على الانضمام لهيئتها التدريسية المسائية، وفي أول نيسان عام 1920م تبرع بالتدريس في المدرسة مجاناً وبكل اعتزاز توفى عام 1938م.

من الإعلام الذين درسوا في المدرسة الجعفرية او تخرجوا فيها
ومن أبرز مدرسيها:
المدرسون: محمدرضا الفتال، ملا مصطفى، عبد الستار الشيخلي، صادق الملائكة، سامي خونده، نوري ثابت، الشيخ جواد الزنجاني، كاظم شكاوه. عزيز البغدادي، احمد مدحت، ناصر عوني.
من الإعلام الذين دَرَسوا في المدرسة الجعفرية او تخرّجوا فيها
1 ــ أحمد فياض المفرجي
كاتب مسرحي، أديب، من مؤلفاته الحركة المسرحية في العراق صدر عام 1965 والمرأة في الشعر الحديث، صدر في بغداد عام 1985م، أسس وأدار المسرح الوثائقي للمسرح في بغداد، عمل في التمثيل .
2 ــ أحمد زكي الخياط
أديب، حقوقي، من مؤلفاته، تاريخ المحاماة في العراق، صدر في بغداد، 1973م، تقلّد منصب متصرف لواء الكوت، الحلة، كربلاء من مؤلفاته تاريخ المحاماة في العراق 1900ــ1972، .
3 ــ جعفر الخياط
باحث ومترجم وماجستير علوم، كان مدير التعليم الثانوي المهني العام، من أشهر ما ترجم كتاب أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث للمسترهمسلي ستيفنسن لونكريك
4. جعفر حمندي
حقوقي ، متصرف، استورز للمعارف والشؤون الاجتماعية من مؤسسي جمعية الشبيبة السرية العراقية 1908م، وكان نائبا لعدة مرات. .
5 ــ جليل شعبان
شاعر، حقوقي، مصرفي له ديوان مطبوع بين الأرز والنخيل ، وهو من روّاد المجالس الثقافية البغدادية حالياً.
6 ــ عبد الحميد مهدي
حقوقي، مفتش عدلي، حقق في المعلومات بأمر مجلس الوزراء ، في اطلاق النار على المتظاهرين في وثبة كانون 1948م لحصر المسؤولية.
7 ــ حسين المؤمن
درس الابتدائية والمتوسطة في الجعفرية واتم الثانوية في المركزية، كاتب، حقوقي، تقلّد عدة مناصب، ومن مؤلفاته القواعد العامة والإقرار واليمين، ج1، ونظرية الإثبات،
8 ــ ذيبان الغبان
ناشط سياسي، نائب في مجلس النواب، وقّع نصوص الإصلاح الوطني لمطالبة الحكومة بالإصلاح، إنتمى إلى جمعية الشبيبة السرية العراقية عام 1908م.
9 ــ رؤوف البحراني
حقوقي ومن وزراء المالية البارزين في عام 1935م، امتهن التجارة، درّس في المدرسة الجعفرية مساء تطوعاً .
10ــ صادق البصام
من مؤسسي جمعية الشبيبة السرية، أسهم في تأليب الرأي العام ضد الاحتلال البريطاني، نائب لعدة دورات، شغل وزارات عديدة منها المعارف، وله دور مؤثر في الجمعيات السياسية.
11ــ صالح جبر
رئيس وزراء العراق، بدأت دراسته بالجعفرية وهو قاضٍ نائب عين، وزير داخلية عقد معاهدة بورتسمورث التي أثارت ضجة في أواسط الشعب العراقي عام 1948م، مما ادّى إلى استقالته.
12ــ عباس مهدي
ناشط سياسي، تولّى وزارات عديدة منها المعارف ، الاقتصاد، المواصلات، المالية، الخارجية، تولّى رئاسة الديوان الملكي، أول وزير مفوض عراقي في الإتحاد السوفيتي سابقاً، من مؤسسي جمعية الشبيبة السرية العراقية.
13ــ عبد الرزاق الأزري
عضو في جمعية حرس الاستقلال، حقوقي، نائب لعدة مرات وكان عيناً في مجلس الأعيان.
14ــ عبد الأمير علاوي
رائد من رواد طب الاسنان في العراق، استاذ في الكلية الطبية، وزير للصحة عام 1953م، أسهم في وضع خطط مدينة الطب، ساعد في تشريع قانون التدرج الطبي، له كتاب منهجي بالاشتراك مع د. عبد الله القصير بعنوان دليل الطفل .
15ــ عبود زلزلة
تربوي مصرفي، شغل منصب مدير مصارف في الحلة، مدير التعليم العام، وفي الستينات نقل إلى مفتش المعارف العام.
16ــ علي الحيدري
شاعر عامودي شهير طرق أبواب الشعر كافة، موسوعي بالأنساب والتراث له موسوعة الغراف وكتاب الإمام جعفر الصادق ع ، وغيرهما عنه رسالة ماجستير من حسن كاظم محمد شعرالسيدعلي الحيدري من الناحيتين المضمونية والنقدية، .
17ــ محمد حسن سلمان
أكمل دراسته الإبتدائية بالجعفرية والمتوسطة في التفيض والثانوية في المركزية، طبيب متخصص في الأمراض السارية والصدرية، من أعضاء حزب الشعب عام 1941م، وزير للمعارف عام 1941م،
18ــ مصطفى جواد
العلامة اللغوي والأديب والمؤرخ الموسوعي والأستاذ بجامعة بغداد، له مؤلفات عديدة ابتدأ الدراسة الابتدائية بالجعفرية، حقق الكثير من المعاجم العربية كلسان العرب والقاموس المحيط … واهتم بالتصحيح اللغوي لاسيما كتابه قل ولا تقل.
عن موقع الحوار المتمدن