أنــور شـــاؤول والريادة الأدبية والصحفية

أنــور شـــاؤول والريادة الأدبية والصحفية

قراءة / قحطان جاسم جواد
من الكتب الجديدة لدار ميزو بوتاميا كتاب بعنوان (انور شاؤول.. الريادة في الأدب والصحافة) للزميل محمد جبير وقام بمراجعته أ. د. سامي موريه ويقع في 100 صفحة من القطع الصغير.

الكتاب يتناول شخصية ثقافية مهمة من اليهود العراقيين هو انور شاؤول ذلك اليهودي العصامي الذي تمسك بعراقيته حتى بعد مغادرته العراق. فهو شاعر وقاص وصحفي في آن واحد ومؤسس لصحف ومجلات ومطبعة ايضاً.
يبدأ الكتاب بتمهيد تناول دور اليهود في الدولة العراقية الحديثة التي تأسست في عام 1921, وهوعام بداية انطلاق مشروع مدني جديد يحترم حقوق الانسان، والمشاركة الإبداعية الخلاقة في بناء حياة مجتمعية معاصرة تتجاوز الموروث المتداول بما فيه من افكار وافدة ارادت ان تؤسس للفرقة والتنابذ والتشرذم والتباعد بين مكونات المجتمع العراقي، الذي يتمسك بوحدته وتماسكه، وتؤشر دلالات ذلك التميز في الهوية العراقية الوطنية. وكان من ابرز من مثل الهوية العراقية تلك وزير المالية ساسون حسقيل ذلك الوزير الذي اصر في مفاوضاته مع بريطانيا حول النفط بأن يكون الدفع بالباون الذهب وليس الباون الورقي حتى يضمن حق العراقيين.. وكذلك الحال مع الكثير من اليهود العراقيين الذين خدموا الوطن.
في عام 1864 اسست جمعية الاليانس الاسرائيلية في باريس مدرسة لها في بغداد ما فتح المجال للاجيال الناشئة آفاقاً رحبة هيأت للشباب تعلم اللغات الاجنبية مثل (الانكليزية والفرنسية والتركية). وبذلك تم تأمين نخبة من طلبة العلم كانوا يتفوقون على زملائهم من المسلمين والمسيحيين.. واستطاع كل من هؤلاء ان يتبوأ مكانة مرموقة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
ومن أولئك الرجالات انور شاؤول الذي ولد في عام 1904 في الحلة واسمه الكامل (انور بن شاؤول بن هارون بن يهود بن يوسف بن ساسون).وينتمي الى اسرة بغدادية قديمة تحدرت من الشيخ صالح داود يعقوب المعروف بأبي روبين رئيس صيارفة ولاية بغداد على عهد الوالي سعيد باشا. ولأنه عاش حياة منفتحة على الاخرين، عكس بقية اليهود ، تمكن من ان يقيم علاقات اجتماعية وثقافية مع الكثير من شرائح المجتمع المختلفة زادت من تعلقه بهويته الوطنية العراقية.
واستطاع انور ان يكمل دراسته القانونية عام 1927 وانتمى الى كلية الحقوق ببغداد فنال شهادتها عام 1931 ودرس في المدارس الاهلية ثم اصدر مجلته (الحاصد) الأدبية الأسبوعية في 4 شباط 1929 ثم أغلقت بعد صدور 16 عدداً منها , ثم عاود صدورها عام 1930 واستمرت الى عام 1938.
كتب لاول مرة في الصحافة عندما كان عمره يقارب العشرين عاماً لكنه استخدم اسماً مستعاراً (ابن السموأل) في مجلة المصباح لصاحبها سلمان شينه. ما أعانه مادياً لتخطى الصعوبات التي يمر بها. ثم اعانه الشاعر الرصافي في ايجاد فرصة عمل كتدريسي للغة العربية، وقد فتحت له الوظيفة آفاقاً رحبة من العلاقات الاجتماعية والثقافية. وفي عام 1929 اصدر اول مجلة له (الحاصد) الأسبوعية وتنوعت فيها مواهبة بين المقال الافتتاحي والخبر والتحقيق الصحفي وكتابة القصيدة والقصة. وتوقفت المجلة في عام 1938 وكانت تجربة صحفية وادبية ثرة.
كان اول مقال له في المجلة موجه الى (فخامة السر جلبرت كلاتين) الذي يحاكيه بلغة أدبية لكن بأمر سياسي عن قضية الحرية ورفع القيود عن العراقيين كي يعيشوا حياة حرة كريمة.
وقد كتب انور مقاله بلغة أدبية عالية.. في حين كتب مقاله الثاني يتناول فيه لائحة قانون العقوبات الجديد وطالب فيه ان يتم التفريق بين المجرم السياسي والمجرم الاعتيادي. وكان انور في المقالين يناقش قضايا عامة تهم الشعب العراقي مما يدل على روحه الوطنية وهويته العراقية بالرغم من ان مجلته هي مجلة ادبية وليست سياسية. بالاضافة الى كتابته للمقالة كتب انور شاؤول في مجال التحقيقات الصحفية , وتناول المؤلف محمد جبير تحقيق (الشيرخانة) وهي دار في علاوي الحلة يتناول فيه البعض المخدرات والمشروبات الروحية، وقام بلقاء الكثير من المدنيين في هذه الدار ووصف حالتهم السيئة. ويطالب انور الدولة بأن ترتق الخرق قبل اتساعه وابادة جرثومة المخدرات قبل انتشارها. وفي تحقيق اخر زار انور سجن بغداد وقابل به سجين الصحافة روفائيل بطي.
وفي مجال القصة يذكر المؤلف ان انور شاؤول هو ثاني اثنين مهدا لكتابة القصة الحديثة في العراق حسب احمد حسن الزيات.. وكان الاول في عالم كتابة القصة هو محمود احمد السيد.. وكان انور قد نشر اول قصة له في عام 1924 في مجلة"الصباح"وكان مايزال طالبا في الثانوية . وقد اكد على ريادته للقصة مير بصري وكذلك جعفر الخليلي في كتابه "القصة العراقية قديماً وحديثاً".. ولم يكن كقاص حسب بل فتح مجلته الخاصة امام جميع الأدباء العراقيين للكتابة فيها. من ابرز قصصه (العاشق المغدور) ثم نشر مجموعته القصصية (الحصاد الاول) وتضم 31 قصة. وضم الكتاب بعض قصص انور منها قصة (في زحام المدينة).
في مجال الشعر نشر انور العديد من قصائده في ديوانه (همسات الزمن) الصادر عام.1956 ويقول انور عن الشعر (انه بدأ خطواته الاولى في الشعر عام 1921 عندما كان طالباً وكتب خمسة ابيات تحية للامير فيصل بن الحسين الذي صار ملكاً فيما بعد. والمحطة الثانية عام 1925 بعد لقائه مع الشاعر جميل صدقي الزهاوي اذ قرأ أمامه قصيدة من ثلاثين بيتاً فرحب به وأعطاه ملاحظات عنها وشجعه على مواصلة كتابة الشعر. والمحطة الثالثة عام 1925 عندما كتب قصيدة مسرح الصبا التي يقول مطلعها:ـ

يادياراً حبها يتمني
لك في قلبي غرام ابدي
يانسيماً هب ابان الضحى
نت جددت الهوى في كبدي

وانور لايؤمن بوجود مدارس شعرية بل هناك شعر يؤثر بالناس سواء كان عمودياً او قافية او موشحاً او رباعيات. المهم ان يكون شعراً مشرفاً يلامس شغاف القلب. شعراً فصيحاً لكنه واضحاً لاغموض يكتنفه.. سلساً سائغاً لايحتاج الرجوع الى المعجم لتفسيره.
بالاضافة الى ذلك مارس أنور شاؤول قضية نشر المطبوعات من خلال استيراد مطبعة خاصة يطبع فيها الكتب الدراسية والأدبية يسهل فيها أمور الأدباء في طبع كتبهم بشكل ميسر. وقد تحولت دار الطباعة الى مكان يلتقي فيه الأدباء من شتى اتجاهاتهم الفكرية.
خلاصة الكتاب تقول ان اليهود اسهموا في نهضة الحركة الأدبية والاجتماعية وظلوا يعملون من اجل الهم الوطني والنضال من اجل الاستقلال.. كما اسهوا في مجال نقل المعرفة باللغات الأجنبية الى اللغة العربية واسهموا في رفد الفكر
العراقي بالكثير من العلوم. لكن في عام 1950 حدث شرخ كبير في مجال علاقة اليهود بالوطن بعد ان لعبت السياسة دورها في تخريب وشائج العلاقة الاجتماعية والثقافية والانسانية مع تلك الطائفة حيث حدثت تواطأت حكومية من اجل تهجير اليهود الى اسرائيل بسبب الضغط البريطاني على الدول التي كان يحتلها ومنها العراق.
وقد ظل شاؤول في العراق الى حد السبعينات يقاوم الضغوطات لكنه نفذ صبره بعد ان زادت معاناة اليهود من اضطهاد وتضييق عليهم فغادر العراق وهو بعمر السبعين عاماً من دون ان يعود لوطنه الذي احبه واخلص له.