ساعة مع مؤرخ العراق عباس العزاوي

ساعة مع مؤرخ العراق عباس العزاوي

حميد رشيد
غرفة في خان ليس بينها وبين الاناقة والترتيب أي سبب أو نسب... فهناك ((قنفة)) عليها سجادة سجادة ايرانية... وبجانبها تلفون. وهناك مجموعة من الكتب غطت الارض والمكتب والمقاعد. وفوق هذا ((الاثاث)) اكوام من الغبار.
هذا هو مكتب الاستاذ عباس العزاوي المحامي... مؤرخ العراق.

من اجل الانسان
قصدته في هذا المكتب.. لم يكن هناك عملاء، ولا اصحاب دعاوي، وانما رجل من السادة، كاظمي، يحسن الخط. ومهمته نقل كتابات العزاوي بخط جميل، ولعل الاستاذ العزاوي هو الوحيد بين رجال العلم والأدب والتاريخ في الوقت الحاضر، الذي يستخدم خطاطاً بدلاً من كاتب او كاتبة طابعة مثلاً...
ولست ادري سبب هذا الاصرار على العودة الى عصر النساخ في عصر الالة هذا.. ما علينا...
قلت له: اريد موجزاً لسيرتك، على حد تعبير المؤرخين، فقل ببطء وهو يزن كلماته وزن الرجل الضجر: (السيرة المقبولة هي عمل الانسان لنفع الانسان، انفاس الانسان معدودة ويبقى العمل وسيرتي موجودة في كتاباتي. لقد بحثت في المجتمع الاسلامي وفي القضاء وفي التاريخ – وخير الناس منْ نفع الناس)).
مدارس وجوامع
ولد الاستاذ عباس العزاوي، كما قال لي هو عام 1309 هجرية (1891 ميلادية) أي انه الان في العام السابع والستين من عمره المديد او نحو ذلك.. وكان والده مزارعاً في بادية (العظيم). وبعد وفاة والده جاء به عمه الى بغداد واستقر به وبأخيه المرحوم... في محلة سراج الدين ودخل المدرسة الابتدائية، وكانت تدعى مكتب الابتدائية، والدراسة فيها ثلاث سنوات. ثم دخل الرشدية. ويذكر من مدرسيه المرحوم محمد افندي والد السيد عبدالجبار فهمي متصرف بغداد الحالي، وعارف البرزنجي، وكان من زملائه في الرشدية حسن غصيبة المحامي ولما انهى دراسته الرسمية دخل جامع مرجان طالباً للعلم على يد الحاج علي افندي الالوسي (قاضي بغداد بعد الاحتلال الانكليزي مباشرة) ودرس في الجامع اللغة واصول الفقه والتفسير، اما الحديث فتلقاه على يد السيد محمود شكري الالوسي، وكذلك المنطق والوضع والاستعمارات.
وتخرج من الجامع باجازة (شهادة) عالم.
كان ذلك عام 1908. وفي هذا العام اعلن الدستور العثماني وفيه كذلك فتحت مدرسة الحقوق في بغداد. فاراد العزاوي الدخول اليها ولكنه لم يكن قد اكمل الدراسة الاعدادية الرشدية، فاكملها وقبل في الكلية.. وكان من زملائه الاستاذ محمد علي محمود..
دراسة الحقوق
وكانت مدة الدراسة في الحقوق ثلاث سنوات. وقبل ان تنتهي هذه السنوات قامت الحرب العالمية الاولى – واعلن الاتراك النفير العام ((السفر بر)) فانقطع طلاب مدرسة الحقوق عن الدراسة..
وقد اكمل الطلاب دراستهم عام 1919 وتخرجوا عام 1921 وكان من الخريجين السادة حسن سامي تاتار ومصطفى العمري واحمد نيازي. وهكذا قدر للعزاوي ان يستغرق في دراسته الحقوق اكثر من اثنتي عشرة سنة.
ويقول الاستاذ العزاوي: ((ومنذ عام 1921 حتى الآن وانا اعمل في المحاماة)).
20 ألف كتاب
قلت له: متى بدأ ولعكم بالتأريخ؟
قال: منذ ايام الاحتلال البريطاني.
اما كتبه فيقدرها بعشرين ألفاً بين مخطوط ومطبوع. ولكنها للأسف غير مرتبة ولم توضع لها فهارس. ولكنه يعمل الآن على ترتيبها بعد ان ابتنى لنفسه داراً جديدة في الكرادة الشرقية.
سألته عن الكتب النادرة المخطوطة التي يعتز بها فذكر لي منها كتاب ((الوجازة في الاجازة)) من تأليف رجل اندلسي ورد العراق في القرن الرابع للهجرة وأخذ اجازة من علمائها. وفيه يصف طريقة التعلم والتخرج في ذلك الزمن.
وكتاب (المصادر في اللغة) وهو قاموس عربي فارسي وضع سنة 667 هجرية من تأليف الزوزني. وكتاب الاهرام لعبدالقادر البقدادي.
قلت له: ما هي اللغات التي تجيدها.
قال: 3 لغات فقط.. العربية والتركية والفارسية، وقد حاولت ان أتعلم الفرنسية والانكليزية ولكن حالت حوائل.
والاستاذ العزاوي الآن مراسل للمجمع العلمي العربي بدمشق ومراسل لجمعية الدراسات التاريخية في مصر وعضو في المجمع العلمي العراقي وله مراسلات مع عدد من المستشرقين بينهم المستشرق الفرنسي ماسينيون.
مصادر المخطوطات
ما هي مصادر مخطوطات الاستاذ العزاوي؟
بغداد والنجف وكربلاء والشام واستانبول. وقد قال لي بهذا الصدد: ((أنني احضر مزادات الكتب واشتري الكتاب الذي ارغب فيه. والمعروف عني انني لا اجاري في المزايدة، فما اردت شراء كتاب وذهب مني، بل كنت ازيد في سعره مهما بلغ حتى يرسو مزاده عليَّ)).
ومن الكتب المخطوطة التي اشتراها بهذه الطريقة من استانبول كتاب ((سياحة نامة)) باللغة التركية وقد كتب قبل 110 سنوات بخط جميل وتزيين بالذهب. وهو يتعلق بالعراق وتحديد حدوده.
النقود والخطوط
نأتي الآن على هواياته.
يقول الاستاذ العزاوي: ان هواياته هي جمع النقود وجمع الخطوط، وخاصة العراقية منها. فلديه مجموعة من النقود متسلسلة من عصور الاسلام الاولى حتى اليوم. واقدم نموذج خطي عنده اوراق من جلد مكتوبة بالخط الكوفي في المائة الاولى للهجرة. وقد استعمل الكاتب نقاطاً بدلاً من الحركات المعروفة وهي الفتحة والكسرة والضمة.
ولدى الاستاذ العزاوي كذلك مجموعة من الاحجار الكريمة المكتوبة، وجزء كبير منها مكتوب بالخط النسخي. وهذه الكتابات تتضمن ايات قرآنية في الغالب أو أسماء اشخاص كانوا يتخذون منها اختاماً. ولديه مجموعة من اختام الدوائر والاشخاص يعود تاريخها الى ما قبل مائة سنة. ومنها مجموعة بقلم الخطاط والحكاك (أي الذي يحك الاحجار الثمينة) حسني وكان يسكن الكاظمية. ولديه كذلك مجموعة من اختام الخطاط سرى استاذ حسني المذكور.
النقل...
وطريقة الاستاذ العزاوي في تدوين التاريخ هي النقل المجرد. واذكر ان السيدة عائشة عبدالرحمن بنت الشاطيء سألتني عن العزاوي عند وجودها ببغداد فقلت لها: انه ينقل التاريخ فقالت: حسناً يفعل اننا بحاجة الى الناقل حاجتنا الى الناقد.
ومؤلفات العزاوي كثيرة تزيد عن العشرة ولكن اهمها كتاب ((تاريخ العراق بين احتلالين)) الذي جلا فيه فترة غامضة من تاريخ العراق وفضله في ذلك كبير. لانه اعتمد على مصادر تركية وعربية وفارسية ليست متيسرة للباحثين. لا سيما وان باحثينا المعاصرين يندر ان تجد بينهم من يحسن اللغة التركية لكي يغترف من هذه مصادر تاريخ الفترة المظلمة.
ويعيب الكثيرون على الاستاذ العزاوي اسلوبه الجاف. ولكن الواقع ان اسلوب المؤرخين جاف في الغالب. واذكر ان المؤرخ الانكليزي رنسمان عالج مشكلة الاسلوب في كتابة التاريخ في محاضرة القاها ببغداد قبل عامين. وقارن فيها بين الاسلوب الادبي في كتابة التاريخ والاسلوب الجاف. وأود من الامثلة على الاسلوب الادبي كتابات كارليل المؤرخ الانكليزي العظيم.
كتاب وشعراء
سألته اخيراً: منْ هو أحسن كاتب معاصر في رأيك؟
فقال: أحب الزيات.
* وأحسن شاعر؟
- أحب عدداً من الشعراء هم الرصافي والزهاوي والجواهري وباقر الشبيبي وآخرين.
* ورأيك في شوقي؟
- أفضله على الجميع.
* منْ تفضل من الشعراء والكتاب القدامى؟
- المتنبي والجاحظ.
السينما
وأخيراً سألته عن السينما. فقال انه شهدها في عهديها الصامت والناطق. وكان في شبابه يختلف الى سينما رويال وهو اليوم يشهد السينما مرات معدودات في السنة.
وقد شهد مرة فلماً عراقياً فاعجب به وكتب كلمة في نقده. وهي الكلمة الوحيدة التي كتبها عن السينما.
سؤال وجواب
س: هل لك ولع بالغناء والموسيقى؟
ج: لي ولع بتأريخهما.
س: هل أحببت في حياتك؟
ج: لا تدخلني في هذا المأزق انا تزوجت في زمن مبكر.
س: كم لديك من الولد؟
ج: ولدان وأربع بنات.
س: هل اشتغلت في السياسة؟
ج: كلا، واكره الاشتغال فيها.
س: رأيك في الاحزاب؟
ج: ليس لي رأي.
س: رأيك في مساواة المرأة بالرجل؟
ج: ((ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)) – آية كريمة. وأرغب كل الرغبة في تعليم البنات.

مجلة الوقت العدد (35) السنة الرابعة عشرة
28 كانون الاول عام 1957