أوراق ابدايك الخاصة تكشف حياته ِ

أوراق ابدايك الخاصة تكشف حياته ِ

ترجمة : ابتسام عبدالله
عندما توفي جون ابدايك عام 2009 ، إثر َ اصابته ِ بسرطان الرئة ( 56 سنة) بدا ان هناك القليل
المتبقي من المعلومات عن حياته ِ ، غير َ المعروفة للناس وهو لم يكن واحداً من الكتاب البارزين في
عصره، بل كان الأكثر بينهم كتابة عن حياته وسيرته الذاتية المتداخلة مع رواياته او مقالاته او


قصائده والتي نشرت باستمرار في النيويوركر او في كتب عنه، كانت تظهر سنوياً ولمدة نصف قرن.
ومع كل ذلك، كان ابدايك منعزلاً ، إن لم يكن ناسكاً مثل سالينجر. رجل يراه الناس عن بعد في حين
ان حياته الخاصه سرية ومتوحدة تماماً.
إختار ابدايك هذا النمط من الحياة منذ بداية عمله وهو في سن الـ 25 ( ترك عمله في النيويوركر) وأنتقل الى شواطئ ماساشوستز، على مسافة ساعة عن بوسطن، حيث عاش هناك خمسة عقود من الزمن، في مزرعة له ( 11 فدانا) مع زوجته الثانية.
وهناك بدأ أبدايك حياته الادبيه، في غرفة مكتبه المطلة على الاطلسي، مع جولتين اسبوعيتين الى نادي موبيا للصيد للعب الغولف.
كان يتجنب الناس، ويحتفظ لنفسه بأرشيف ضخم، لعبادات وجمل يكتبها ، يعتبره سجلا للزمن الذي عاش فيه.
ويقول ادام بيغلي، الناقد الذي يعد ّ سيرة عن حياة ابدايك، أنه أثر مهم . وفي ذلك الارشيف، يجد كل من يريد التعرف على اساليب الكتاب الكبار في الكتابة ، تفسيراً متكاملاً لتلك الاساليب علماً ان
الارشيف المذكور موضوع في 170 صندوقاً، يقبع اليوم في احدى مكتبات جامعة هارفرد.
وعلى الرغم مما يشاع عن ابدايك في سرعة كتاباته وسهولة اقباله عليها ، سمعة شجعها شخصياً، فأن ارشيفه يوضح مدى معاناته في خلال الكتابة وعنايته في اختيار اسلوبه وأجواء رواياته.
ومن المسوّدات التي يتضمنها الارشيف، تلك الخاصة بروايته الشهيرة التي نال عنها جائزة البوليتزر" رابت في راحة " حيث يشاهد المرء على تلك الاوراق خطوطا واشارات جذف او احاطة كلمات معينة بين سطر وآخر وفيها ايضا ً ندرك ان ابدايك اجرى تعديلات كثيرة وفي اوقات متباينة على رواياته .
واضافة الى التعرف على اساليب الكاتب في الكتابة نجد ايضا ً مقتطفات مما قرأ ، او بحوثا ًُ حول موضوعات معينة عن بيئة الأمكنة التي يختارها مواقع في رواياته او بيئة لأبطاله ولكن ابرز
الوثائق التي يتضمنها الارشيف هي تلك التي حرض ابدايك على حمايتها طوال حياته وهي
مراسلاته عبر الاعوام ، ومنها رسائله الى والديه وهي تعد بالمئات .
كان والده ويسلي ابدايك مدرس ثانوية للرياضيات ووالدته ليندا هوير ابدايك تواقه للكتابة ، وربما اورثت تلك الموهبة في ابنها الوحيد .
إن هذه المراسلات تغطي الفترة الممتدة من عام 1950 ، تاريخ دخوله الكلية وحتى عام 1967 ،عندما اصبح كاتبا ً ينال الجوائز عن افضل الاعمال الروائية .
ولأن الرسائل في الغالب مطبوعة ، فإنها تقدم مايشبه اليوميات عن تقدم ابدايك من ولد يعيش في
مزرعة الى كاتب جاد يعيش في مجتمع معقد .
عندما وصل ابدايك الى هارفرد كان شابا ً نحيلا ً وهو خوفا من ان يفقد المنحة الدراسية ، كان
يعيش في حالة مضطربة قبل كل امتحان ويكتب عن ذلك في رسائله الى والديه .
ونظرا ً لتصميمه على ان يكون كاتبا ً ركزّ على دراسة الادب الانكليزي وعلى الرغم من رغبته في تعلم
الفرنسية بشكل جيد فقد ترك دراستها بعد حين لعدم تواصله معها .
كان الصف الدراسي ميدانا ً واحدا ً للتنافس وهو عندما بدأ كتابة روايته الاولى ، رغب في الدراسة مع الروائي البرت غويرارد والشاعر ارشيبالد واكليش، ولكنهما رفضا ذلك، ويقول في احدى رسائله " عندما اعطيت غويرارد جزءا مما كتبته رفض انضمامي الى الحلقة الدراسية التي كان مشرفا ً عليها".
ومع ذلك الرفض آمن ابدايك بان الكتاب الامريكيين اصبحوا مفتونين بالحداثة الاوربية وكان عليهم بدلا ً من ذلك الاهتمام بزمانهم ومكانهم " نحن لانريد رجالا ً مثل بروست اوجويس . ان ذلك ترف " .
وكتب ابدايك بعد ذلك لوالديه " إن هذه المرحلة في حاجة الى كتاب مثل شيكسبير او ميلتون او بوب ، رجال مليئون بقوة ثقافتهم ولايتجاوزون حدود عصرهم، بل يعملون مع الزمن يحبون بيئتهم بشدة ويعبرون عنها " .
وعبر ذلك الاسلوب اختار ابدايك زمنه وبيئته وبدأ كتابة سلسلة روايته " رابت " وقصصه القصيرة البلسلفانية : " ومهما يكن فشل اعمالي دعها تبقى سجلا لحبي للزمن الذي ولدت فيه"
وقد عانى جون ابدايك من شكوكه الذاتيه حول قدراته الادبية والفنية،" مهما تكن قدراتي فإن عددا من الناس سيستمتعون بما اكتب".
ومما تكشفه الرسائل ايضا ً ان طالبا متميزا ً مثل ابدايك ، تجاوزته الحرب الكورية، التي قتل فيها الالوف من الشباب من سنهِ، في حين كان هو في خلال تلك الاعوام يؤسس مستقبله .
ولكن السياسة بالنسبة اليه ِ كما للكثيرين من الذين وصلوا سن الشباب في الخمسينيات شكلت خلفية عمله وكتاباته ِ وزواجه ِ واسرته.
وفي خلال اعوام الجامعة تزوج من زميلة له وهي ماري بينينغتون، وعندما تخرج في هارفرد ، بدأ العمل في النيويوركر، حيث حقق حلمه في الكتابة في عمود،" اخبار المدينة" وايضا القصص والقصائد.
اما المشكلة الاولى التي واجهته ُ كروائي فهو اصرار ناشره ِ على حذف المشاهد الجنسية من رواية " اركض رابت " ، خاصة ً ان َ المحاكم الامريكية في ذلك َ الوقت كانت ْ ستقرر فيما إن ْ كانت ستسمح ْ بطبع عشيق " الليدي تشاترلي " ام ْ لا ، وهي رواية د . هـ . لورنس الشهيرة .
وعلى الرغم من موافقة القضاء على السماح لرواية " تشاترلي " فإن الناشر اصر َ على حذف فقرات ْ من رواية ابدايك ، الذي وافق َ في النهاية على ذلك َ الطلب ْ وفي خلال بضعة َ اعوام تراخت ْ القيود الخاصة َ بالنشر ْ .
وأعاد َ ابدايك ما كان َ قد حُذِف ْ من اعماله، خاصة ً وانها كانت ْ تسجل بدء ثورة جنسية وسياسية في امريكا في تلك الاعوام.

عن النيويورك تايمز