لم يتخل السنباطي في عمله في المعهد الموسيقي كمدرس لآلة العود ، كذلك لم يتخل عن الحفلات الشهرية والغناء فيها بدافع إرضاء ميوله الموسيقية من جهة ، و مدير المعهد مصطفى بك رضا (17) وأستاذه حسن أفندي أنور من جهة ثانية . وكان يقدم في إحدى الحفلات فاصلاً على العود قبل البدء بالغناء ، وفي إحدى هذه الحفلات وبينما كان يؤدي على عوده بعض التقاسيم سرت همهمة بين الحضور وتوجهت الأنظار نحو الرجل الخطير الذي دخل القاعة مع حاشيته ،
قبل أن يتوجه مع مصطفى بك رضا نحو المقعد المخصص له ، لم يكن هذا الرجل الخطير سوى إسماعيل صدقي باشا رئيس وزراء مصر آنذاك و جلادها ، والرجل الذي وقف وحده مع الإنكليز و الملك ضد شعب مصر العربي و أمانيه القومية في الحرية و الإستقلال ، وهو الذي قمع المظاهرات الشعبية و الإظرابات الطلابية بالرصاص ، و إعتقل وزج المئات بالسجون ، وكان مكروهاً من الشعب ، ليس بسبب ولائه للإنكليز فحسب ، وإنما لعدائه السافر لحزب الوفد الذي يقف وراءه الشعب المصري بأسره. مصطفى بك رضا ، عازف شهير على القانون ، ومدير المعهد الموسيقي ، و المسؤول الأول في إذاعة ماركوني ، و المقرب جداً من الملك فؤاد الأول.
لقد رأى السنباطي خلال لحظات لم تستمر طويلاً في صورة هذا الرجل آلام الشعب كلها و كراهيته له ... رأى فيه الرصاص الذي صرع مئات المواطنين ، و المظاهرات الدامية و الظلم و الإستبداد فلم يستطع الإستمرار في العزف ، إذ ما كاد إسماعيل صدقي يتخذ مكانه في الصف الأمامي من القاعة و من حوله حاشيته و المتزلفون له ، حتى قطع العزف ، و نهض حاملاً عوده بيمينه ، ثم قفز من على خشبة المسرح إلى القاعة ، وأمام دهشة الحضور غادر القاعة و هو يتمتم بكلمات مبتورة وغاضبة :
" .... ده كلام ....أعزف للرجل ده ...."
و لحق به (مصطفى بك رضا) و (حسن أفندي أنور) في محاولة منهما لإقناعه بالعودة ، ولكنه رفض و أصر على موقفه .
وفي إلىوم التإلى غدت الحادثة وإسم رياض السنباطي الموسيقي الشاب حديث الناس و الصحافة . و أفردت له مجلة روز إلىوسف مكاناً بارزاً . لقد إستطاع السنباطي عن طريق هذه الحادثة العفوية الغاضبة أن يعبّر عن ضمير الجماهير ، ولكن.! هل مرت هذه الحادثة بسلام ؟! الذين عايشوا تلك الفترة يقولون : أن المسئولين حاولوا الضغط على شركات الإسطوانات و الإذاعة بعدم التعامل معه ، فمنهم من إنصاع ، ومنهم من تعلل ، و منهم من إعتذر للسنباطي بالذات عن واقع الحال .
الصحافة الموالية لإسماعيل صدقي باشا شنت عليه حملة مسعورة ، وخاصة مجلة الصباح التي كتب صاحبها (مصطفى القشاشي) وأخوه رئيس تحريرها عدة مقالات جرحت السنباطي في الأعماق ، ولكنها لم تستطع أن تذل كبرياءه و إعتزازه بنفسه . ويروي السنباطي هذه الحادثة بألم كلما تذكرها فيقول :
"......ليس هناك إبن آدم لم تمر عليه الظروف ... ظروف سعيدة و عصيبة ، توفيق و عدم توفيق ، فلوس و قلة فلوس ، فشل في الحب و سعادة في الحب ...لازم ... بس أنا مشيت مشوار قاسي ..تعبت.. تعبت لحد ما ربنا وفقني ووصلت إلى ما وصلت إلىه ..تعبت تماماً ، وهُوجمت ، وحُوربت ، وشُتمت في الجرائد و المجلات . كانوا يحاربونني محاربة كبيرة ، لأني إتخذت موقفاً من قضية لا مساومة فيها ... كانوا يحاربونني محاربة كبيرة ، حتى في رزقي ، كتبوا : إيه الفلاح ده ...كانوا يقولون عني فلاح .. وماله ، ما أنا فلاح ..قالوا : فلاح جه يزاحم العمالقة أو العباقرة ، حاجه زي كده ..في القاهرة ... وقالوا : إرجع البلد اللي جيت منه يا فلاح ....."
ويكمل السنباطي :
"كانت وقتها مجلة قاهرية إسمها الصباح .. كان صاحبها إسمة (مصطفى القشاشي) ..هو و أخوه رحمهما الله ..سامحهما الله ..كانا يتقاضيان من جهات معينة ..كانا يتقاضيان لطمس إسم رياض السنباطي وهو يصعد السلم الذي ينشده لتأخيرة ...لعرقلته .. يرونني طلعت سلمة ، يحاولون إنزإلى سلمتين ..... كانت أيام صعبة للغاية ، و لكنني و الحمد لله لم أتراجع ...".
كانت حادثة (إسماعيل صدقي باشا) من الأسباب التي حجبت و منعت عنه المجال الذي ينشط فيه فنياً ، فإبتعد عنه جميع المطربين و المطربات بإستثناء أم كلثوم و عبد الغني السيد ، وفي تلك الأوقات العصبية كلفته أم كلثوم بتلحين قصيدة (عيد الدهر) لأحمد شوقي ، ولحن لعبد الغني السيد مونولوج (غاب بدري عن عيوني) .
بعد مضي عام وبعض العام على تلك الحادثة ، سقطت وزارة (صدقي باشا) أمام مد الجماهير العارم ، وفاز حزب الوفد بأغلبية ساحقة في البرلمان ، وجاءت وزارة وفدية جديدة من حياته الفنية بعيداً عن الأهواء السياسية.
لم تكن قصيدة (عيد الدهر) ومونولوج (غاب بدري) العملين الوحيدين اللذين أعطاهما السنباطي في تلك الفترة ، فقد ذكر في إحدى المقابلات الإذاعية مايلي(19) :
" في تلك الأيام كنت بشتغل بقصيدة (سلوا كؤوس الطلا) وهي قصيدة صعبة جداً .. تفرغت لها تماماً و عملت فيها سنة كاملة ، و لهذه القصيدة قصة ..كانت أم كلثوم في قصر البشوات تحيي ليلة ساهرة لأصدقاء هذا الباشا ، وفي تلك السهرة التي ضمت فيما ضمت الشاعر العظيم أحمد شوقي ، تقدم منها أحد البشاوات و قدّم لها كأساً من الويسكي .. و بما أن أم كلثوم لا تقارع الخمر ، فقد وضعت الكأس على فمها و لم تمسه بشفتيها ...
ويتابع السنباطي حديثه فيقول : في إلىوم التإلى تلقت أم كلثوم من أمير الشعراء رسالة ، تتضمن قصيدة ، فإحتفظت بها بعض الوقت ، وعندما نعى الناعي أحمد شوقي ، تأثرت ، ولا أدري ما الذي جعلها تتصل بي في ذاك إلىوم الحزين لتطلب إلى الحضورفوراً ، وما كدت أصل لبيتها (كانت تقيم يومذاك في شقة عمارة بهلر بالزمالك) حتى قدمت لي رسالة شوقي وقالت : إقرأها .!
فقرأتها ، لاتضم سوى قصيدة شوقي سلوا كؤوس الطلا الت تروي الحادثة إياها :
سلوا كؤوس الطلا هل لامســــت فاها واستخبروا الراح هل مست ثناياها
بانت على الروض تسقيني بصافيــــة لا للسلاف ولا للورد رياهـــــــــــا
ما ضرّ لو جعلت كأسي حراشفهــــــا ولو سقتني بصافٍ من حمايــــــاها
هيفاء كالبان يلتف النسيم بهـــــــــــــا ويلفت الطير تحت الوشي عطفاهـا
حديثها السحر إلا أنه نغــــــــــــــــــم جرت على فم داود فغنـــــــــــــاها
حمامة الأيك من بالشجو طارحــــــها ومن وراء الدجى بالشوق ناجــاها
القت إلى الليل جيداً نافراً و رمــــــت إلىه أذناً وصارت فيه عيناهـــــــــا
وعادها الشوق للأحباب فإنبعـثــــــت تبكي وتهتف أحياناً بشكـــــــــواها
يا جارة الأيك أيام الهوى ذهبــــــــت كالحلم ،آها ،لأيام الهوى آهـــــــــا
قلت لها قصيدة رائعة ، فروت لي الحادثة ، والدموع تترقرق من عينيها ، لأعيش الشعر الذي نظمه شوقي فيها ، ثم طلبت إلى تلحينها.
استغرق تلحين هذه القصيدة زمناً طويلاً ، فقد إستلمها السنباطي في العام 1932 ولم ينهي تلحينها إلا بعد سنوات . و لما كانت أم كلثوم منهمكة آنذاك بالإستعداد لفيلمها الثاني (نشيد الأمل) فقد أرجأت غناء القصيدة حتى نهاية الفيلم ، على أن رواية السنباطي تحتاج إلى تأمل ، إذ من المعروف بأنه بدأ يلحن لها في العام 1932 ، و بعض الباحثين يقولون في العام 1934، فكيف إتصلت به أم كلثوم في يوم وفاة شوقي في العام 1932؟!
أرادت أم كلثوم أن يلحن أغاني فيلم (نشيد الأمل) كل من زكريا و القصبجي و السنباطي ، غير أن القصبجي ارتأى إبعاد زكريا أحمد لأن قصة الفيلم حديثة ، وتتطلب ألحاناً جديدة لا تدخل في نطاق زكريا أحمد المتشبث باللون القديم ، و إقتنعت أم كلثوم وتوزعت أغاني الفيلم بين القصبجي و السنباطي ، فكان من نصيب القصبجي أغاني (منيت شبابي) (يا اللي صنعت الجميل) (نامي يا ملاكي) و (يا مجد) ومن نصيب السنباطي أغاني (نشيد الجامعة) (افرح يا قلبي) و (قضيت حياتي) ، وقبل أن نخوض في أغاني نشيد الأمل ينبغي الوقوف أمام قصيدة (عيد الدهر) و مونولوج (غاب بدري عن عيوني).
نظم شوقي قصيدة (عيد الدهر) قبل و فاته في مديح الأمير فاروق ، وعندما بدأت الإستعدادات لتولي الأمير فاروق سلطته الدستورية بعد بلوغه السن القانونية خلفاً لأبيه الملك فؤاد الأول طُلب من أم كلثوم أن تقدم شيئاً بهذه المناسبة ، فدفعت بهذه القصيدة إلى السنباطي الذي وجد فيها متنفساً بعد حادثة إسماعيل صدقي باشا ، فلحنها بحماسة آملاً من ورائها أن يتخلص من الضغط الذي يتعرض له ، وكان تلحينه لها قوياً ، وغنتها أم كلثوم في حفل كبير ، بمناسبة تسلم الملك فاروق سلطاته الدستورية كافة ، وكان ذلك في العام 1935 . وتقول أبيات القصيدة :
المُلك بين يديك في إقبالـــــــــــــه عوذت ملكك بالنبي و آلــــــــــــــه
حر ، وأنت الحر في تاريخـــــــه سمح ، وأنت السمح في إقبالـــــــه
يفديك نصرانيه بصليبـــــــــــــــه و المنتمي (لـ محمد) بهلالـــــــــــه
يجدون دولتك التي سعدوا بهــــــا من رحمة المولى ومن أفضالــــــه
ملك تشاطره ميامن حالـــــــــــــه وترى بإذن الحســن مآلــــــــــــــه
فكأنك الفاروق في كرسيــــــــــــه نعمت شعوب الأرض تحت ظلاله
يا جنة الوادي و نزهة روحــــــــه ونعيم مهجته وراحة بالـــــــــــــــه
الله صاغك جنتين لخلقـــــــــــــــه محفوفتين بأنعم لعيالـــــــــــــــــــه
فاروق جملها وزان ضفافهـــــــــا عرش يلوذ الشعب تحت ظلالــــــه
فكأن عيدك عيدها لما مشـــــــــى فيها البشير ببشره و جمالــــــــــــه
تهني بعيدك في الممالك و اسلمى في السلم للآلاف من أمثالــــــــــــــه
أما مونولوج (غاب بدري) فهو من الشعر الغنائي الرومانسي الذي راج في الثلاثينيات ، وسيطر على أنواع الطرب الأخرى حتى نهاية الخمسينيات تقريباً ، لحن السنباطي هذا المونولوج في الفترة نفسها التي لحن فيها (النوم يداعب) وعرضه على أم كلثوم فتحمست له في البداية ، ثم نفضت يدها منه بدعوى أنه يخاطب و يتغزل بإمراة ، مع أنها غنت الكثير من الأغنيات المماثلة .
السنباطي أعطى هذه الأغنية الشاعرية فيما بعد ، إلى المطرب عبد الغني السيد ، الذي خرج بها إلى الناس قبل ظهور أغنية عيد الدهر و بعد النوم يداعب ، ويعتبر هذا المونولوج من الروائع التي لم تتكرر و ظاهرة تلحينية إنفرد بها السنباطي في تلحين الشعر الغنائي حتى غدا مدرسة قائمة بذاتها ، نحى نحوها حتى محمد عبد الوهاب في قصيدة (مهيار الديلمي) العمودية (أعجبت بي) و التي ظهرت بعد (غاب بدري) .
اعتمد السنباطي في تلحين هذه القصيدة ، قبل أن يتخذها أسلوباً له ، على عفوية موهبته ، وتبدأ الأغنية بمقدمة طويلة نوعاً ما ، ينفرد بها العود في مقاطع سريعة موزونة ، لتشاركة الفرقة الموسيقية في ضرب الإيقاع بإنفعال أخاذ ، حتى إذا بدأ الغناء بدأ معه الإنبهار بالمد الصوتي الذي إستغل فيه الأحرف الصوتيه الثلاثة من خلال إندماج المعاني بالأداء المعبر الذي كانت تقطعه الجمل الموسيقية الرشيقة ، و اللوازم الخصبة مفصلة بين عجز البيت و صدره ، حتى إذا أشرفت على نهايتها تمنى المرء لو يظل في الأجواء الشاعرية التي غدا فيها الشعر موسيقى ، والغناء شعراً ، ونداء النجم و الليل والحبيب سحراً و شجناً و فرحاً
غاب بدري عن عيوني بعد أن ذقت رضـــاه
لست أدري خبرونــــي كيف ينساني هواه
يوم قالت : يا حبيب القلب ودع لفراقــــي
قلت : ما أقساك يا دهر و ما أقسى شقائي
ووقفنا نذكر العهد و أيام الوصـــــــال
وبكينا و جرى الدمع على الخد و سال
ودعتني قلبها يهفو و قد رق لقلبي وغدا إلىوم حنونـا
قبلتني ثغرها البسام قد أثبت حبي بعد أن كان ضنينا
اسكنتني ريحها راح المنى و به كل الأمل
إنما وقت الهناء عند إهداء القبـــــــــــــــل
هذه الروضة كانت مرتعاً وقت صبانا
هذه الزهرة فاحت ريحها يحكي هوانا
ذلك البدر نديمي في الدجى عند الظلام
ذلك النجم عليمي طول ليلي لا أنـــــــام
عندما ظهرت هذه الأغنية (المونولوج) كانت تتطلب مستمعاً خاصاً غير المستمع العادي الذي ألف الصوت الجميل و الأداء الجيد و اللحن البسيط .... كان التلحين هو السيد في هذه الأغنية ، و هو وحده الذي إرتفع بها إلى مشارف لم يبلغها أي مونولوج عند ظهوره ، اللهم إلا إذا إستثنينا بعض أعمال القصبجي الخارقة ، كما في مونولوج (يا نجم) و مونولوج (فين العيون) و كل هذه الأغنيات من الزجليات بخلاف (غاب بدري ) التي كانت من الشعر الغنائي ، وهي تشبه في هذا المضمار مونولوج (يا غائباً عن عيوني) لرامي و القصبجي ، في تعدد قوافيها و تفعيلاتها ، وذلك لإتاحة مزيد من الخيال الموسيقي في استخدام الإيقاعات و الإنتقالات المقامية . ومن هنا كان تفرد هذا المونولوج ، نظماً و لحناً و أداءً ، كظاهرة لها خصوصية لم ينتبه لها النقاد في حديثهم عن الشعر الغنائي ، ولم يدركوا أنها كانت المفتاح الحقيقي لكل ألحان الشعر الغنائي الذي جاء فيما بعد .
لم يقتصر إنتاج السنباطي في العام ، 1936 و هو العام الذي سبق ظهور فيلم (نشيد الأمل) على أغاني (غاب بدري) و (سلوا كؤوس الطلا) التي تأخر ظهورها ، إذ أعطى في أواخر هذا العام أغنية ثانية لعبد الغني السيد ، هي أغنية (شفت الأمل) التي راجت كثيراً بفضل لحنها المتقدم على سواها و إيقاعاتها الحديثة، و إستخدامات (الكاستنييت) في الإيقاع الراقص المرح للازمتها الوحيدة ،و تقول كلمات الأغنية :
شفت الأمل و الهنــــــا وجف دمعي و نوحــــــــــي
من يوم ما قلت أنـــــــا كمان بحبك يا روحـــــــــي
نسيت مرار الهــــــوان و راح عذابي و أنينـــــــــي
و ذقت شهد الحنــــــان و الدنيا حليت في عينـــــــي
من يوم ما قلت أنـــــــا كمان بحبك يا روحــــــــــي
تعإلى بعد الشجـــــــون نعيش في جو الأمانــــــــي
بين الطيور و الغصون و نبني عش التبانــــــــــــي
لا في عذول يعذلنــــــا و لا حسود يحسدنـــــــــــــا
من يوم ما قلت أنـــــــا كمان بحبك يا روحـــــــــي
يا ريت يدوم الزمـــان من بعد قرب الحبيــــــــــب
إلا الزمان مهما كـــان طويل في وصله قريـــــــب
شفت الأمل و الهنـــــا و جف دمعي و نوحــــــــي
من يوم ما قلت أنــــــا كمان بحبك يا روحــــــــــي
كذلك ظهرت له مقطوعة موسيقية قصيرة بعنوان (رقصة شنغهاي) ذات طابع مرح ، و لا تصلح للرقص الشرقي ، أو أي رقص آخر من أنواع الرقص ، و لا تعبر لا من قريب و لا من بعيد عن مدينة (شنغهاي) الصينية ، أو أي شيء صيني آخر ، و هي أقرب من أنغامها ووزنها إلى اللونغا منها إلى الرقصة و لا أدري لما أسماها بهذا الإسم.
في العام نفسه ظهر له عمل آخر هام هو قصيدة (همسات) للشاعر أحمد فتحي و قد غناها السنباطي بنفسه ، عدداً من المرات في وصلاته الإذاعية الشهرية ، القصيدة تنهل من تأثيرات (غاب بدري) ولكنها تمتاز عنها بتأثيرات رفيعة ، سيغرف منها السنباطي طويلاً ، قبل أن تتوقف عنده الكلاسيكية الجديدة في التلحين ، مبتعداً مرة واحدة عن الإتجاة الرومانسي الذي أوغل فيه هادفاً إلى التفوق على القصبجي أكثر من مجاراته ، دون أن يهتم بإبداعات محمد عبد الوهاب ، لأنه كان يرى العلم الحقيقي و المستقبل الوضاء في المعلم الصامت محمد القصبجي .
إمتدت تأثيرات همسات إلى أكثر أعمال السنباطي التي جاءت فيما بعد ، ولم ينجو منها حتى محمد عبد الوهاب الذي عرف كيف يسخّر موهبة الآخرين لموهبته ، فهو بخلاف سائر الملحنين يملك صوتاً ذهبياً نادراً ، و مقدرة تلحينية كبيرة ، و تفوقاً في إقتباس الدرر ، وكانت (همسات) واحدة من تلك الدرر التي لعبت دوراً في إنتقاله من المنحى التقليدي في تلحين القصائد إلى المنحى الجديد الذي إشتهر به .