طرائف رافقت صدور صحيفة الزوراء

طرائف رافقت صدور صحيفة الزوراء

هاشم النعيمي
في يوم الثلاثاء الخامس من ربيع الاول 1286هـ الموافق 15حزيران 1869م صدرت في بغداد اول صحيفة عراقية تحمل اسم الزوراء احد اسماء عاصمتها العتيدة ويعتبر هذا اليوم تاريخ ميلاد الصحافة العراقية . واليوم نحن نلمس في صحفنا امكانات فنية متطورة وفي صحفيينا دابا وجهدا في خدمة الاهداف التي من اجلها وجدت الصحافة يجدر بنا تسجيل بعض السطور عن تاريخ اول جريدة ولدت بميلادها صحافتنا العراقية

تعريفا لابناء هذا الجيل بما نهض به صحفيونا الاوائل من اعباء جسيمة وما تحملوه من متاعب في طريق انشائها وبنائها وتقدمها وتقديرا لما قدمه زملاؤنا في المهنة وما وضعوه من لبنات اساسية في صرح تاريخنا الصحفي واعترافا بما تركته افكارهم الطيبة وايديهم البيض صدقا في التعبير وجراة في القول وايمانا بالعقيدة عبر السنين الطويلة من عمر صحافة هذا الوطن

اصلاحات مدحت باشا في العراق
وحقيق بنا ان نعطي للقارئ بعض اللمحات عن اصلاحات مدحت باشا الذي يقترن باسمه تأسيس الزوراء اول صحيفة عراقية تثمينا لما خلفه هذا الرجل من جلائل الاعمال في بلادنا في حين عبث اقرانه الولاة العثمانيون الاخرون بمقدراتنا واساؤا الينا كثيرا.ً
كان مدحت باشا رجلا عصاميا وصل الى اعلى مراتب الدولة بجده وخلقه وصدقه وصلابة عقيدته وجرأته في الرأي شغف باللغة العربية وادبها ودرس بها البلاغة والمنطق والفقه والحكمة على يدي استاذه عارف بك المشهور بشيخ الاسلام المعروف بانه من الزعماء المصلحين الميالين الى المبادئ الدستورية الحرة.
قام مدحت باشا بجولات في مدن اوروبية كثيرة رأى فيها رأي العين ماكان قد قرأه من نظم دستورية وما سمع به من تقدم حضاري وقارن بين هذا النظام وما تتخبط به بلاده والبلاد الاسلامية عامة في ظلمات الجهل والجور والفقر كان مشبعا بالافكار الاصلاحية عمل جاهدا طوال مدة خدمته للدولة بالمساواة بين الناس والضرب على ايدي المستبدين الذين ينهبون الاموال الاميرية ويعتدون على حقوق الرعية وفي بغداد حيث وصلها بادر الى توطيد دعائم الامن واصلح ادارة الحكومة وعاقب الحكام الظالمين وفتح ابوابه للمتظلمين وقام بالكثير من المشاريع العمرانية بعد ان وجد العراق وقد نضبت موارده وساء حال ساكنيه وتعطلت طرقه وكثرت فيه الثورات وبادر الى بناء السدود وردم المستنقعات وتحويل الاراضي المهملة الى اراض زراعية واهتم بتبليط الطرق العامة والشوارع وتنظيم الحدائق والمتنزهات وانشأ مدرسة صناعية ومستشفى للغرباء ودارا للاصلاح الاجتماعي ومدرسة وجدية مدنية وعسكرية ومعملا للحديد ومعملا لتصفية النفط في مندلي ومعملا للنسيج كما انشأ ترامواي الكاظمية وبنى مدينة الناصرية وبنى العشار في البصرة ومشاريع عديدة لسنا في مجال ذكراها الان ...
كيف اصدر مدحت باشا الزوراء ؟
اثر صدور الفرمان الهمايوني بتعيين مدحت باشا واليا على بغداد عزم هذا الوالي الجديد على القيام باول عمل اصلاحي وهو انشاء جريدة يستطيع من خلالها ان ينشر افكاره الاصلاحية بين الناس كما يستطيع ان يفهم مايرجوه الناس من الاصلاحات وما يعرضونه من مطاليب وفي باريس حيث كان عندما عين واليا على بغداد اشترى مطبعة الية حديثة نقلها معه الى بغداد كما احضر معه في نفس الوقت مهندسا للطباعة ومديرا للطباعة وكان بمعيته الكاتب الصحفي التركي احمد مدحت افندي جاء به مدحت باشا كاول رئيس لتحرير جريدة الزوراء واحمد مدحت افندي كما عرفنا كان مرافقا لمدحت باشا اينما حل وارتحل وكان من البارزين في حزب تركيا الفتاة الا انه خان مدحت باشا عندما صدم بالسلطان عبد الحميد وانظم هذا الصحفي النهاز الى زمرة عبد الحميد عدو الحرية ليسب بعد بضع سنوات ابا الاحرار مدحت باشا ولي نعمته وذلك في جريدته ترجوان حقيقة التي تولى تحريرها الاستان وصدر العدد الاول من الزوراء كما قلنا في 15 حزيران 1869 بثماني صفحات اربع منها باللغة التركية واربع باللغة العربية وفي صدر الجريدة كتبت العبارة الاتية ( هذه الفزته ) تطبع في الاسبوع مرة يوم الثلاثاء وهي حاوية لكل نوع من الاخبار والحوادث الداخلية والخارجية كما نشر في هذا العدد نص الفرمان العالي لتعيين مدحت باشا واليا على بغداد وكذلك نشر خطاب الوالي مدحت باشا الذي القاه في الاحتفال بقراءة ذلك الفرمان وفيه يعلم رايه الاداري ويذكر الاهلين بحالة اوروبا وتقدمها .
واشارت الزوراء في عددها الاول وفي الاعداد التي تلته الى شؤون (اللاين) واحوالها والقوانين والانباء الرسمية والبراءات السلطانية ونصوص المعاهدات والوثائق واخبار السلطنة والدول الاخرى كما كانت الزوراء إضافة الى ذلك تنشر الرسائل التي يبعث بها مراسلوها الدائميون في مختلف انحاء الولاية واوضحت هذه الرسائل اسباب تدني العراق ورسائل ترقيته والاصلاحات التي تطالب الامة بتحقيقها ورأى بعض المؤرخين ان الزوراء بادارة مدحت باشا كانت صريحة اللهجة تدون الواقع بحرية وتصدع بالحق ولكن بعد ذهابه عاشت خلفه خمسة واربعين عاما تغيرت لهجتها واصابها ما اصاب الصحافة العثمانية في العهد الحميدي من الضغط والتشديد عليها وخنق حريتها وعلى كل ففي سنواتها الاربع الاولى احتوت صفحاتها من اخبار البلاد العراقية وسكانها مالايعثر عليه او على اكثره في اي مرجع تاريخي اخر وفي السنوات الثلاث الاولى سجلت الزوراء بدقة ماقام به مدحت باشا من اعمال واصلاحات بحيث تعد خير مرجع لتاريخه في العراق .

مدحت باشا يحترم حرية الصحافة
من خلال قراءاتي لتاريخ واعمال مدحت باشا عرفت انه كان مشبعا بلافكار الاشتراكية كما كان متحمسا للميول الجمهورية في الحكم .. كان يقول سوف يأتي زمن تيسر الدولة فيه ان تعادل بين العمل والاجرة اما الان فالاجحاف ظاهر كاننا نحن انفسنا ناذن بالرشوة لذوي الرواتب الزهيدة بل نأمرهم امرا وكان كثير الصلة بالشعب يتحسس مطاليب الناس عن كثب وكان يعنى بالتنظيمات الادارية والشعبية كثيرا وكان الى جانب ذلك نظيفا نزيها حتى ذكر انه لما ترك منصبه في بغداد في اوائل عام 1872 باع ساعته لدفع نفقات سفره الى الاستانة وكان يحترم الصحافة ويعمل جهده على تلبية طلباتها ويعارض فكرة تقليص حريتها يؤيد هذا ماذكره المؤرخون من انه عندما عين صدرا اعظم اي رئيساً للوزراء في 19 تشرين الاول 1876 راح يعمل لاسناد الصحف الصادرة انذاك في الاستانة مثل الاستقبال وبصيرت وحقيقت ووقت وهي من الصحف الحرة التي بدأت في حينها على نشر الافكار التحررية وعملت لتحقيق النظام الدستوري كان يدعم هذه الصحف ماديا ومعنويا برغم ان هذا الدعم وما كانت تكتبه هذه الصحف يثير حفيظة السلطان عبد الحميد وكان مدحت باشا ابو الاحرار كما كان يطلق عليه لايعير لشكاوى السلطان، الدستور خول الصحافة حتى الكتابة في المواضيع التي تريدها وانتقاد ما ترى انتقاده من شؤون الحكومة والدولة فهي ممثلة الرأي العام ولسانه المعبر عن حقوقه ورغباته
تدني الزوراء بعدنقل
مدحت باشا

فقدت الزوراء بعد نقل مدحت باشا من ولاية بغداد كثيرا من حريتها وتبدلت لهجتها ولاسيما عندما شدد العهد الحميدي الخناق على الصحف واخرس السنتها وحطم اقلام الكتاب وفرض الحظر على نشر الظلامات التي يرفعها الناس للحكومة كما حرم نشر الانتقادات التي توجهها الصحف للمسوؤلين الحكام وبدت في هذه الجريدة الركاكة الفاضحة واضحة تعج بالاغلاط المزرية بعد ان تولى ادارتها اشخاص لايحسنون العربية فضلا عن الكتابة الفصيحة بها ... والمتتبع لاعداد الزوراء في خلال عدة سنوات يجد التباين في الاسلوب واللغة صعودا وهبوطا مما يدلل على اهمال الولاة لهذه الجريدة حتى قال فيها الاب انستاس ماري الكرملي ( واما مواضيع الزوراء فلا تستحق الذكر وآسفا على ولاية بغداد ان تكون جريدتها الرسمية بهذه الصورة الدنيئة).
الغاء القسم العربي
وفي عام 1908 عندما اعلن الدستور وظهرت في بغداد صحف شعبية مثل بغداد لصاحبها مراد سليمان والرقيب لصاحبها عبد اللطيف ثنيان وصدى بابل للمعلم داود صليوة الغى الوالي التركي نجم الدين ملا القسم العربي في الزوراء بحجة وجود صحف عربية بينما كان واقعاً هو منع نشر الرسائل والمطاليب الشعبية على صفحات الزوراء الجريدة الرسمية وفعلا فقد اكتفى الوالي المذكور بالقسم التركي من الجريدة وهذا سبب احتجاج فريق من الاهلين من ذوي النزعة القومية حيث طالبوا بعودة القسم العربي وفعلا عادت الزوراء لتنشر باللغتين العربية والتركية اعتبارا من عددها 2418 الصادر في 7 شعبان 1331 الموافق ليوم السبت 12 تموز 1913 في عهد الوالي محمد زكي باشا .
محررو الزوراء
قلنا ان مدحت باشا عندما نقل الى ولاية بغداد اصطحب معه الصحفي التركي احمد مدحت افندي ليشغل رئاسة تحرير الزوراء وبقي احمد مدحت في منصبه هذا مدة ولاية مدحت باشا ( 1869- 1872) في بغداد ومما يؤسف له ان القيود القديمة لجريدة الزوراء قد احرقت ولهذا لم يستطع المؤرخون معرفة محرري الزوراء الا انه عرف من بين مسؤولي تحرير القسم العربي في هذه الجريدة حسن ازوم 1294- 1299 هـ وزهيد أفندي 1296- 1313 هـ واسماعيل افندي 1313- 1317 هـ واحمد فهمي 1317- 1319 هـ وفهمي افندي 1319- 1321 هـ وعباس حمدي 1321-1323 هـ وفهمي افندي 1323- 1326 هـ وعبد الوهاب افندي 1326 وتولى تحرير هذا القسم وحتى توقف الزوراء نهائيا في 11 اذار 1917 عند انسحاب الجيش العثماني من بغداد عدد من الكتاب والادباء والصحفيين العراقيين ذكر من بينهم الشاعر احمد عزت باشا محمود العمري الموصلي واخوه علي رضا محمود العمري كما حرر فيه الشاعران الشاويان عبد الحميد واحمد ثم طه الشواف فمحمود شكري الالوسي وكان اخر من عمل في الزوراء الصحفي المعروف محمود المدرس وذكر ان الرصافي والزهاوي عملا فترة في هذه الجريدة الرسمية .
الزوراء تصدر 48 عاما
ومنذ صدور عددها الاول في 15 حزيران وحتى صدور عددها الاخير في 11 اذار 1917 تكون جريدة الزوراء قد ثابرت على الصدور مدة 48 عاما ظهر منها 2626 عددا كانت خلال سنتها الاولى كما قلت يوم الثلاثاء من كل اسبوع بينما ظهرت اعدادها في السنة الثالثة انها تصدر في الاسبوع مرتين ففي صدر أحد أعدادها الصادرة في 1289 هـ قرأنا مايلي ( هذه الجريدة تصدر في الاسبوع مرتين يوم السبت ويوم الثلاثاء وهي حاوية لكل نوع من الاخبار والحوادث الداخلية والخارجية وثمنها عن سنة 100 غرشا وعن ستة اشهر 55 غرشا وكل نسخة منها 50 بارة ويضم على قيمة الجرائد التي تنقل للخارج 25 غرشا اجرة البوستة فالذي يرغب في اخذها وشرائها فليراجع مركز الولاية).
أين توجد جريدة الزوراء؟
تضم مكتبة المتحف العراقي في الوقت الحاضر ثلاثة مجلدات من جريدة الزوراء اهديت لها من المكتبة الشرقية للادباء المرسلين الكرمليين في بغداد في 1918 وتحوي هذه المجلدات مايلي : المجلد الاول في العدد 126- 248 في الفترة 21 ذي الحجة 1287 اول ربيع الاول 1289 هـ والمجلد الثاني من العدد 426 - 521 هـ في الفترة 26 محرم 1219 - 2 صفر 1292 هـ والمجلد الثالث من العدد 522- 608 في الفترة من 6 صفر 1292- 11 صفر 1293 هـ والعدد 2207 اما المكتبة المركزية لجامعة بغداد ففيها مجلد واحد يضم الاعداد 56-152 في الفترة من ربيع الاخر 1287 - 27 ربيع الاول 1289 هـ ولدى المؤرخ عباس العزاوي مؤلف تاريخ العراق بين احتلالين قرابة 750 عددا من اعداد سني الفترة الاخيرة لصدور الزوراء وفي مكتبة ال باش اعيان في البصرة ومكتبة هاشم الالوسي مفتش المعارف العام السابق في بغداد اعداد غير قليلة من هذه الجريدة وفي مكتبة محمد اسعد العينتباوي بحلب وجدت اعداد الزوراء التالية 146 و 1200 و 1450 و 1516 و 2187 و 2194 وفي مكتبة جامعة الحكمة مجلد لسنة كاملة اهديت لها ضمن مجموعة كتب البحاث العراقي يعقوب سركيس.
ومن خلال ملاحظتنا لاعداد الزوراء الموجودة حاليا ندرك اي تاخير فني وطباعي كانت تعيشه الصحافة في ذلك الوقت فالجريدة وهي بقياس 43×28 وهو حجم متوسط وتضم صفحة الجريدة ثلاثة اعمدة عرض العمود 8 سم ولم نشهد في هذه الجريدة عملا من اعمال الزنكوغرا غير ( الزوراء) اسم الجريدة كما لم نشهد فيها صورة او خطا او حرفا متباينة الاشكال والاحجام او اعمالاً فنية صحفية اخرى مما نشهده في ايامنا الحاضرة.
وطبيعي اننا لم ننس ونحن نتحدث عن الزوراء ان واقع الصحافة في البلاد العربية كان في وقت ظهور الزوراء واقعا متأخرا الا ان الجرائد العربية التي صدرت قبل وفي ايام جريدة الزوراء كانت اقدر منها نسبيا على متابعة التطور الصحفي .
صور من كتابات جريدة الزوراء
ومن اجل ان نعرف المستوى الفني واسلوب الكتابة الذي مارسه محررو الزوراء نورد هنا بعض الفقرات من الكتابات التي ظهرت في الجريدة :
ضمن اخبارها المحلية كتبت الزوراء في 13 ربع الاول 1289 مايلي ( على العادة الجارية المستحسنة من قراءة المولد الشريف النبوي في جامع رئيس مذاهب اهل السنة والجماعة حضرة الامام الاعظم والهمام الاقدم في كل شهر ربيع الاول من كل سنة فكذلك نهار امس وهو يوم الاثنين دعيت كافة مأموري الملكية والعسكرية وتعطلت الدواير في اليوم المذكور وقد قرأ المولد الشريف بكمال الادب والاحترام فتنورت قلوب الناس المجتمعة وانجلت مرايا ابصارها وبعد القراة اجريت الضيافة المكتملة من دائرة الاوقاف على المعتاد).
ومن الاخبار الخارجية ماجاء في عدد الزوراء 145 في 8 مايس 187م قولها ( نظرا للاخبار المأخوذة بواسطة التلغراف ان الماسكين طرف الحكومة في باريس قد غلبوا على الجمعية الاشتراكية والنفوس التي قبض عليها منهم اليوم وهم في السجن مغلولين يتجاوز عددهم عن ستين الف نفس فاذا كانت هذه الاخبار صحيحة فيكون امن فرنسا قد عاد الاحتلال الظاهر قد اندفع وارتفع)
وبمناسبة ظهور الكوليرا في العراق كتبت الزوراء في العدد 158 في 22 حزيران مايلي: (بمناسبة ظهور القوليرا - الكوليرا- في بندر ابو شهر كانت قد اتخذت التدابير المقتضية حسب القاعدة التحفظية بحق من ياتي من هناك الى البصرة لكنها كيف ما كان ظهرت احيانا في المحل المسمى القورنة وبعد الدوام بها - مكافحتها - كم يوم زالت واندفعت فقط مقتضى ما اخذناه من الاشعارات التلغرافية انه بهذا الدفعة ظهرت ايضا في البصرة بصورة شديدة حتى ان يوم الاثنين من شهر مارت توفي من الذين عرض لهم هذا الداء اربعة عشر نفرا وثتاني يوم سبعة عشر نفرا وهؤلاء الذين قد توفوا اكثرهم من الاعجام .. بناء على ذلك فقد لزم ... اجراء التدابير الاحتياطية واعطيت الاوامر المقتضية من جانب الحكومة الى المامورين بان على القوليرا هذه ما دامت باقية ان لا يدعوا وابورا وسفينة تمر لذلك الطرف وكل من ياتي يوقفونه في القورنة لاجل اجراء القرنتينة )ومما جاء في اخبارها المحلية ايضا قولها في العدد 130 في 16 اذار 1870م ( لايخفى ان تنظيف محلات مدينة بغداد هو محول الى بعض الخدمة والمامورين والمعاش الذي يعطي لهم في كل شهر يبلغ الى ستة او سبعة الاف غرشا ومع ذلك فالنظافة المطلوبة غير صالحة وهذا الامر انما هو حاصل من عدم دقة المامورين).
مطبعة جريدة الزوراء
مطبعة الزوراء او مطبعة الولاية كما هو اسمها المثبت في صدر جريدة الزوراء جلبها من باريس كما قلنا مدحت باشا كما استصحب معها مهندسا فنيا لادامتها باعتبار ان العراقيين لم يكونوا قد شهدوا في ذلك الوقت مطبعة البتة بل كان الكثيرون في بغداد في اواسط القرن التاسع عشر لا يعرفون شيئا عن المطابع وفن الطباعة وكان العراقي لايصدق مايقال له عن طباعة الكتاب في يوم او بعض يوم ويعتبر هذا عملا مستحيلا كما اعتبره البعض من فنون السحر ولم يجرأ احد على جلب مطبعة الى بغداد الا بعد ان شهد البغداديون مطبعة الولاية هذا الامر الذي دفعهم بعد ذلك الى التهافت على شراء المطابع .كانت مطبعة الولاية راقية جدا بل اعجوبة زمنها وفريدة اوانها كانت تدار بالبخار وبقيت هذه المطبعة قوية نشطة حتى عام 1323 هـ ( 1950) عندما جاء الى بغداد وال جديد هو حازم بك حيث جلب معه مطبعة جديدة كما قام باصلاح مطبعة الزوراء الى جانب ذلك وبسبب الاهمال وعدم وجود فنيين لتصليحها فقد تركت هذه المطبعة وانتهى امرها كمطبعة تطبع بعض المنشورات وبيانات واوامر الوالي وكان اخر من تولى ادارتها محمود فهمي المدرس
هل ظهرت صحيفة عراقية قبل الزوراء؟يقول روفائيل بطي في كتابه الصحافة في العراق : ان الثابت ان الوالي مدحت باشا هو مؤسس اول مطبعة بالحروف في بغداد ومنشيء اول جريدة باسم الزوراء سنة 1869 وقد ظلت الجريدة الرسمية لولاية بغداد الى يوم احتل الجيش البريطاني بغداد سنة 1917 غير ان باحثا عراقيا هو رزوق عيسى صاحب مجلة المؤرخ كتب مقالة في مجلة النجم الموصلية (1934) تعليقا على ماورد في تاريخ الصحافة العربية الذي لمحت اليه من ان جريدة الزوراء اول جريدة عراقية ورد فيها بقوله ( بيد انه وردت في بعض اسفار رجال الافرنج ومنهم الانجليز تلميحات واشارات الى ان اول صحيفة ظهرت في بغداد كانت تعرف باسم جرنال العراق انشأها داود باشا الكرجي الوالي الشهير عندما تسلم منصب الولاية سنة 1816 وكانت تطبع في مطبعة حجرية وتنشر بلغتين العربية والتركية وتذاع منها وقائع القبائل وانباء القطر العراقي واخبار الدولة العثمانية وقوانين البلاد واوامر الوالي ونواهيه والاصلاحات الواجب اجراؤها واسماء الموظفين مع غيرها من الحوادث الخارجية وكانت توزع على قواد الجيش وكبار الموظفين واعيان المدينة واشرافها وتعلق منها نسخ على جدران دار اجمارة ليطلع عليها من يهمه امر الوقوف على اخبار الدولة وتقدمنها هذا ماعثرت عليه في كتب الرحالين ومنهم غروفس وفريزر وتيلر وزاد عليهم سجل اليوت المخطوط وحشر معهم اسفار رتش وبنكنهام وبورتر وروسو ) فاذا صح هذا النبأ الذي اورد هنا اسماء جانب منها املا العودة الى كتابة بحث خاص عن هذه الصحف والصحافة العربية