النشيد الموصلي

النشيد الموصلي

باسم حنا بطرس
لكون (النشيد الموصلي) من تلحين الوالد، حنا بطرس، وحيث لم تتوفر بين أوراقه التي أحتفظ بها في مكتبتي، ما يوثِّق هذا النشيد، سوى الخبر المنشور في الصحف آنذاك عن تكريم الملك فيصل الأول للوالد بساعةً ذهبية . وبعد أنْ قمتُ بتسجيل مقطع يسير من النشيد بصوت عمَّتي (مرتا بطرس)، وبحسب ما أسعفتها ذاكرتها قبيل وفاتها بسنتين، فاستذكرت منها ما كنت أسمعه في صغري من الوالد الملحن.

هكذا تابعت استقصاء المسألة، فاجـتمعت لديَّ المعلومات الكافية عـن النشيد:
* الكلام للشاعر الشيخ إسماعيل أحمد فرج الكبير، مدرس اللغة العربية والدين في إعدادية الموصل.
كيف لي أنْ أحصل على النص الكامل للنشيد؟ طرقتُ أكثر من باب، وأجريتُ عدداً من الاتصالات، حتى توفر لي اسم نجل الشاعر المذكور، وهو عبد المنعم إسماعيل مقدَّم طيار متقاعد ، فاتصلتُ به مستعلماً منه شيئاً ، فأفادني مشكوراً بوثيقة مهمة جداً تتضمن معلومة مختصرة لكنها وافية عن النشيد ؛ هذا نصَّها الكامـل :

* النشيد الموصلي:
* نظم / إسماعيل أحمد فرج
* لحن / حنا بطرس
*التاريخ :5/1/1925.
*هذا النشيد يعبر عن رأي الموصليين في انضمامهم إلى العراق بعد معاهدة لوزان, ولغاية الآن يعد الموصليون من أشد المدافعين عن وحدة العراق واستقلاله. كما أنهم اغنوا العراق بذخائر المعرفة والعلم والأدب والثقافة من شخصيات ونتاجات كثيرة .

ـ نص النشيد ـ
لستِ يا موصُل إلاّ دارَ عــزٍّ وكرامهْ
أنتِ فردوسُ العراق حبَّذا فيكِ الإقامة
أنتِ منه خـير جزءٍ خابَ مَن رامَ انقسامهْ
وعماد المجـدِ أنتِ فيهِ بكِ أقوى دعامة
أنتِ روحٌ هو جسمٌ أنـــتِ تاجُ هو هامة
أنتِ شمسٌ هو بدرٌ منكِ قد لاقى تمامه
إنَّ مَنْ يدنو حِماكِ فلقد أدنــــى حِمامة
كيف يدنوكِ وأنتِ غابُ أبطال الشهامة
دونكِ شعبٌ غيورٌ باذلٌ فيكِ إهتمامة
أقعدَ الكونَ قديـــماً بالقـــــنا تمَّ إقامة
كم أبى فيكِ حبّاً قد نضى العِضبُ حسامة
يلتقي الموتَ ببِشرٍ وسرورٍ وابتسامة
نحن شوسُ الحرب قُدُماً ولنا فيها الزعامة
كيف نولي مَن أتاكِ طامعاً غيرِ النداما
سوف نُصليها ضِراماً حرُّها يصلي عظاما
ويسح الدمُ منهم مثل ما سحت غمامه
بلدي الموصل دومي في آمانٍ وســلامه
لن ينالَ الغـيرُ منكِ قطّ، مِن ظِفرٍ قلامة
*ويختم عبد المنعم إسماعيل هذه الوثيقة بعبارة ) كُرِّمَ الشاعر بـ (100) رُبيَّة ذهب من قبل المغفور له الملك فيصل الأول لنظمه هذا الشعر وكُرِّمَ الملحن بـ ساعة ذهبية)
أما آن الأوان أن يعود النشيد؟
أجل!
* سيرة الموسيقار الراحل حنا بطرس (الموصل 1896 ـ 1958 ميلادية)
ولد الفنان الموسيقار حنا بطرس في الموصل عام 1896 م وتخرج في المدرسة الإعدادية عام 1914، وبدأ دراسة الموسيقى على يد ضابط عثماني لمدة أربع سنوات، وفي عام 1918 دخل موسيقى الجيش العثماني، ثم رُفِّع إلى رتبة رئيس عرفاء لنبوغه في الموسيقى. وفي 11 تشرين ثاني 1918 سُرِّح من الجيش العثماني وعُيِّن معلماً، وفي عام 1921 أقيمت أول دورة كشافية ترأسها جميل الراوي فعُيِّن حنا بطرس مراقباً للكشافة ومدربّاً لموسيقاها في مدينة الموصل.
وفي عام 1924 كُلِّف بتأسيس موسيقى الجيش العراقي في الموصل، وبعدها انتقل إلى دار المعلمين الابتدائية كمدرس للموسيقى، فعكف على دراسة الموسيقى وأدائها من المراسلات الدولية في لندن حيث اجتاز الامتحان وتخرج بدرجة – بروفيسور – ، وفي عام 1936 كلف بتأسيس معهد الموسيقى في بغداد قبل مجيءالشريف محي الدين– ثم عُيَِن مديراًُ لإدارته ومعاونا للعميد فيه.
ألَّف كثيراً من القطع الموسيقية، كما لحن مجموعة من الأناشيد الوطنية، وطبع الجزء الأول من مؤلَّفه – نظريات الموسيقى – ، كما أكمل الأجزاء الباقية. وله مؤلفان آخران هما: (حياة الموسيقيين العالميين) و (تأملات في الحياة) في خمس أنغام عراقية، ومؤلفات للكمان والبيانو عُزفت في إذاعات وحفلات موسيقية عالمية، وشغل وظيفة معاون عميد معهد الموسيقى ثم معاوناً لمعهد الفنون الجميلة – بغداد، وقام بتدريس الموسيقى الهوائية والخشبية فيه. توفي في خريف 1958 .
كان رائدا بارزا من رواد الموسيقى في العراق. وعلما من أعلامها ولا يمكن كتابة تأريخ الموسيقى في العراق الحديث دون المرور على مكانة و ريادة الموسيقار حنا بطرس. فهو يُعتبر المؤسِّس الأول للتربية الموسيقية في العراق الحديث، كانت له الريادة في مجالات عمله الفني والوظيفي لخمس وثلاثين عاماً، كما نتابع ذلك فيما يأتي:
** تلحين وتدريب وتقديم (النشيد الموصلي - 1921) شعر الشيخ إسماعيل فرج الكبير، في الحشد الجماهيري المتصدي للمطالب التركية بولاية الموصل (نال تكريم من الملك فيصل الأول).
** إدارة وتدريب وقيادة أول جوق لموسيقى الجيش (الموصل 1923).
** إدارة أجواق الموسيقى الخاصة بالحركة الكشفية في الموصل وبغداد (حصل على أوسمة رفيعة المستوى من مؤسس الحركة الكشفية في العالم) سر بادن باول.
** تلحين ونشر الأناشيد الوطنية والقومية.
** تدريس الموسيقى في دار المعلمين الابتدائية ببغداد منذ 1925.
** تأسيس المعهد الموسيقي (معهد الفنون الجميلة فيما بعد) بوزارة المعارف عام 1936، فكان أول مدير له، مدرساً للموسيقى الهوائية، ثم معاوناً للعميد حتى تقاعده وظيفياً في العام 1952.
** عمل مشرفاً على الموسيقى والنشيد في إذاعة قصر الزهور، منذ تأسيسها من قبل الملك غازي الأول، عام 1936 (نال تكريماً من الملك غازي).
** تخرج في المدرسة الدولية البريطانية في العام 1931، حاصلاً على دبلوم بدرجة امتياز (بروفيسيانس) في علوم الموسيقى والتأليف والقيادة الموسيقية.
** شَكَّلَ وقادَ أول فرقة سمفونية عراقية ضمن معهد الفنون الجميلة، قدمت حفلتها عام 1941 على حدائق (الكلية الطبية الملكية) في بغداد.
** ضليعٌ باللغات العربية والآرامية والفرنسية والتركية ثم الإنجليزية.
** تدرَّج في رتب الخدمة الكنسية بدرجة (شماس إنجيلي) مؤدياً قديراً لتراتيل الطقس الكنسي الكلداني، سجل فيها أول اسطوانتين فونوغرافيتين لشركة (صوت سيِّدِه – His Master’s Voice) بمصاحبة الكمان (أمير الكمان سامي الشوا – من حلب) والقانون (نوبار ملهاسيان – أرمني من تركيا) والعود (داؤد الكويتي موسيقار يهودي من العراق)، ضمَّنها أربع تراتيل، منها (كاروزوثا دحشّا – قوم شبير باللحن الخاص بالجمعة العظيمة)، وقصة (كيّاسا).
** خدمته الشماسية ما كانت حصر كنيسته الكلدانية، بل شهدت له الكنائس الشقيقة، من كاثوليكية وشرقية وأرثوذكسية، حضوراً متميزاً في خدمتها.
** مؤلفاته الموسيقية:
أولا: الكتب:
1. كتاب (مبادئ الموسيقى النظرية – بغداد 1931).
2. كتاب مجموعة الأناشيد الوطنية (سنة 1945- غير مطبوع).
3. كتاب (مبادئ النظريات الموسيقية – بغداد 1945)،
4. كتاب (تاريخ الموسيقى – بغداد 1952) غير مطبوع.،
5. قاموس المفردات الموسيقية (إنجليزي – فرنسي – عربي، سنة 1956) غير مطبوع،
6. كتاب (مدوّنات التراتيل الطقسية الكلدانية – سنة 1956) غير مطبوع.
7.كتاب الأناشيد الوطنية والقومية، الذي ضمَّ عدداً كبيراً من الأناشيد التي قام بتلحينها وتقديمها فترة الثلاثينيات – الخمسينيات، من بينها (نشيد موطني، وطني أنت لي).
ثانياً: المؤلفات الموسيقية:
1. الروندو الشرق Rondo Oriental (للكمان والبيانو، ثم للأوركسترا السمفونية 1936)،
2.اللحن العربي Melodie Arabe (للكمان والبيانو، 1938(
3. تأملات موسيقية (للفرقة الهوائية والفرقة السمفونية 1941) في خمس مصنفات،
4. مجموعة من القطع الموسيقية المؤلفة خصيصاً لأجواق الموسيقى الهوائية،
5.لحنَّ عدداً من التراتيل الكنسية، وخصوصاً لحن بأربعة أصوات (هارموني) لترتيلة (طاس وَن حيث رَيش – إنحدر ملاك من السماء) الخاصة بقيامة المخلص.
6.لحَّن ترتيلة (هاورد نورانَي) بلحنٍ ذي أربعة أصوات (هارموني(.
7.كان مرجعاً يُعتمَد عليه في التدقيق اللغوي والنغمي في تراتيل كنيسة الكلدان، وقد تتلمذ موسيقياً على يده بعضٌ من القساوسة، في المقدمة منهم الأب (المطران) أفرام بدَي، الذي تعلَّم منه مبادئ الموسيقى (نظريات، قراءة وكتابة، عزف على الأرغن الهوائي(.
ثالثاً: عائلة الموسيقار الفنان الراحل حنـا بطرس:
تزوَّج سنة 1929 مِن (مريم داؤد مرتا – من الموصل – تحمل دبلوم المدرسة الأميركية للبنات في الموصل – American School for Girlsبتربية الأطفال)، رُزِقا في بغداد بأربعة أولاد هم: بطرس (1930 توفي في لندن عام 1997) بكالوريوس تجارة واقتصاد، دبلوم موسيقى (ترمبيت) عالٍ من معهد الفنون الجميلة؛ صباح (1931، مقيم منذ سنوات في كندا) طبيب اختصاص في الأشعة، دبلوم موسيقى (كلارنيت) عالٍ من معهد الفنون الجميلة؛ باسم (1934، مقيم في نيوزيلندا منذ عام 2000) خريج إعدادية التجارة بالفرع الإنكليزي، دبلوم موسيقى (تشيللو) عالٍ من معهد الفنون الجميلة، شهادات عليا فخرية في علوم الموسيقى؛ سمير (1938، توفي في بغداد عام 1989) خريج الدراسة الإعدادية، دراسة أربع سنوات موسيقى (بيانو) في معهد الفنون الجميلة.
رابعاً: وفاته :
انتقل حنا بطرس إلى رحمته تعالى متأثراً بإصابته بالجلطة القلبية، عام 1958، عن عمر ناهز الثانية والستين، ودُفِن في مقبرة الكلدان عند ساحة الطيران ببغداد.