(رحــــلات مــع شــارلــــي) .. محاولة أخيرة قبل الرحيل الأبدي لجون شتاينبك

(رحــــلات مــع شــارلــــي) .. محاولة أخيرة قبل الرحيل الأبدي لجون شتاينبك

كتابة/ جارلس ماكغراث
تناولت مجلة الايكونومست اللندنية بعددها الصادر في 11 يوليو/ تموز 2012 كتاب الكاتب الأميركي جون شتاينبك رحلات مع شارلي الصادر عن دار نشر فايكنغ عام 1962 كواحد من الكتب التي لا تزال تثير جدلا واسعا بين الأوساط الثقافية المهتمة بآثار هذا الكاتب، حيث ركزت الصحيفة على سؤالين هما:

لماذا كتب شتاينبك هذا الكتاب؟ وهل الرحلة الطويلة التي قام بها حقيقية مع أنه كان يحتضر ويعد اللحظات للقاء الموت؟

الايكونومست أشارت إلى أن الروائي الأشهر أمضى في الواقع ليلة واحدة في شاحنته الصغيرة التي راح يجول فيها الأراضي الأمريكية، أما بقية لياليه فقد أمضاها متنقلا بين الفنادق صحبة زوجته كما قال بعض أفراد أسرته وليس وحده وكلبه شارلي.ولأهمية هذا الكتاب ومؤلفه الحائز على جائزة نوبل للآداب جون شتاينبك الذي لا يزال يشكل محورا للعديد من الدراسات النقدية في أمريكا والعالم نظرا لما يتمتع به من إسلوب فريد في الكتابة، وتناوله العميق للشخصية الأمريكية وتحليلها خاصة عندما يتناول الزنوج الأمريكان الذين دافع عنهم دفاعا مستميتا ظهر في عديد رواياته وكتاباته الأخرى، فهو يسوق في كتابه مشاهداته لهذا الحقد اليومي الذي يتعرض له الجنوب العنصري من البلاد خاصة الأطفال منهم الذين يدرسون في مدارس البيض.
(المترجم)

في خريف عام 1960 قرر الروائي الكبير جون شتاينبك الذي أحس بدنو أجله القاء نظرة الوداع على أمريكا التي أحبها بجنون، فجهز شاحنته الصغيرة بثلاثة أرباع الطن من المواد التموينية والحاجات الأساسية الأخرى منطلقا من منزله الكائن في نيويورك مع كلبه الفرنسي شارلي للسياحة عبر البلاد، وكانت الفكرة أنه سيتوجه وحده في هذه الرحلة والتخييم في المناطق التي سيتوقف عندها والتحدث إلى السكان المحليين الذين سيلتقيهم هناك، ومع أنه قطع أكثر من 300 كيلومتر الى الغرب الأمريكي فالبقاء في العربة أمر غير مقبول بالنسبة اليه لذلك فقد تردد على الموتيلات بكثرة لانعدام الفنادق الفاخرة في تلك الأماكن، وكثيرا ما أعجبه أن يقيم خيمته في المزارع الواقعة بالقرب من مانشستر أو نيوهمبشاير.
وعندما توقف أمام فندق سبالدينغ وهو من الفنادق الفخمة جدا اضطر لاقتراض بدلة وربطة عنق لتناول الطعام في إحدى صالاته، جولاته تلك رافقته فيها زوجته إيلين وقضى بعض لياليها معها في العربة التي يقول عنها إنها تشعره بالراحة حتى وهما نائمان فيها أو بعض ممن كان يلتقيهم داخلها وهو يسوح أنحاء أمريكا.
كان من الصعب متابعة خط سير رحلة شتاينبك كما يقول جارلس ماكغراث والذين حاولوا - ممن تناولوا الكتابة عنه- وضع جدول زمني لها اعتمدوا على سيره الذاتية وخطاباته ورسائله لتحديد الأمكنة التي زارها مع أنها جاءت متناقضة مع مخطوطته الأصلية رحلات مع شارلي الموجودة حاليا في المكتبة الوطنية ويمكن لأساليب البحث أن تظهر ما إذا كانت هناك شكوك حولها فبعد خمسين سنة على حدوثها يحاول الكثير ممن شغلتهم أحداثها إعادة النظر فيها وكأنها أسطورة لقصة تعاد قرءتها في كل مرة.
الباحثة والمقيمة في المركز الوطني في ساليناس بكاليفورنيا سوزان شللنجلو قالت في مقابلة هاتفية معها: (أي كاتب لديه الحق في تشكيل ما يراه مناسبا حول هذه القصة، مع أن شتاينبك حين جعلها مبهمة في تفاصيلها لم يجعل منها كذبة كما يتصور البعض، هو يتحدث عن بعض الشخصيات التي التقاها في رحلته حتى النادلة كانت لها حكايات معه)، أما جاي بارني مؤلف سيرة حياة شتاينبك الصادرة عام 1995 عن دار نشر بنجوين يقول: (لقد شعرت بالدهشة أن إلين قد رافقته في الكثير من هذه الرحلات، لقد أمضيت عدة ساعات في لقاء معها لم تذكر لي أنها رافقته) أما ما يتعلق بدقة الكتاب وما جاء فيه يعود بارني ليقول:(افترض دائما أن هذا الكتاب عمل من وحي الخيال، شتاينبك كان كاتب خيال ورحلاته قد تكون مجرد تشكيل لأحداث لم يعشها حقيقة وفيها الكثير من التلفيق) وقد أجمع بعض من أصدقاء شتاينبك وبعد أن لمسوا مدى تردي حالته الصحية على تشجيعه بالقيام بهذه الرحلات الترويحية من أجل استعادة حيويته ونشاطه، هذا ما صرح به بيل باريش الذي نشر الكثير من اللقاءات مع المقربين من دائرة الكاتب، لكنه يعتريه الشك في مقدرته على إجراء مقابلات مع الناس العاديين الذين وكما ورد بكتابه أنه التقاهم بسبب عناده حتى مع المشاهير الذين يتمنى الناس الاقتراب منهم والتحدث اليهم، لكن الكثيرمما كتبه عن بلاده لا يزال يؤخذ على محمل الجد لأنه نافذ البصيرة وكان يتمنى كتابته قبل مرضه بفترة طويلة، ومع أنه بدا أكثر قتامة وهو يلقي نظرته الأخيرة عليه إلا أنه كان وداعا حميميا لرحلة استغرقت منه قطع مسافة ما يقرب من 10000 ميل وفقا لما قاله نجله الأكبر قبل أن يودع الحياة بعد عودته بأيام.

ترجمة/ أحمد فاضل
عن صحيفة/ نيويورك تايمز