الاعلان في الصحف العراقية القديمة

الاعلان في الصحف العراقية القديمة

خالد حبيب الراوي
لم يكن للاعلان قيمة فنية او موضوعية في الستين سنة الاولى من تاريخ الصحافة العراقية.. اذ لم تكن هناك بضائع تطمح الى الترويج او اوضاع تقتضي التثبيت عن طريق الحملات الاعلانية. كان الاعلان (زائدة) في الصحيفة ويعامل باهمال متعمد.. وكان المعلنون يتصورون ان الاعلان تعبير عن وجود بضاعات كاسدة او كفاءات مصطنعة، اما اصحاب الصحف فكانوا بدورهم يتهيبون من اعطاء مساحات اكبر ومواقع اهم للاعلانات.. اذ يتخيلون ان القراء سيرجمونهم وتنطبع لديهم فكرة سيئة عن صحيفتهم: (صحيفة تباع وتشترى وليست لها مبادئ).


في ذلك الوقت كانت صحافتنا (غير الرسمية) صحافة افراد لهم معتقدات يصدرون من اجلها صحفهم.
واول صحيفة عراقية تجاوزت هذه المفاهيم الخاطئة، كانت جريدة البلاد في الثلاثينيات من هذا القرن وغلب عليها الطابع الانكليزي في نشر الاعلانات.
ومن المفيد ان نسترجع كيف كان الاعلان ينشر ويذاع في عراقنا القديم قبل ايجاد الصحافة بالاف السنين. كان الاعلان يتم بان يذهب المعلن وينفخ البوق في الشوارع.. والمعلن هنا هو صاحب المحكمة التي امرته بان يعلن شعبيا عن فقدان ختم يحمل توقيعا لاحد التجار.. وهذا الاعلان الرسمي هو أمر تقليدي لسحب شرعية الختم.
وفي ازمان الحكم العربية والاسلامية امتدت هذه الطريقة في الاعلان ولكن بدون بوق اذ استعيض عنه بدون الطبل وكان المنادي يصيح بصوته معلنا..
وتذكرنا حكاية الدجاجة التي وجدها احد الاشخاص فانطلق ينادي بصوت مرتفع (منو ضايعله..) ثم يضيف بصوت منخفض لا يسمعه سواه (...دجاجة) بالرغبة الدائمة لدى الناس بالاعلان عن الاشياء التي يعثرون عليها حتى ولو كانت لديهم نية سرقتها.
وفي الوقت الحاضر ما زالت القرى والمدن الصغيرة البعيدة، تستخدم طريقة المناداة عند فقدان شيء او العثور على شيء كما انها تستعمل السماعات المكبرة للصوت في الجوامع للاعلان عن الاحداث الاجتماعية المهمة والاشياء التي تفقد او يعثر عليها.
لقد كانت جريدة الزوراء التي صدرت عام 1869 تخصص العمود او العمودين الاخيرين في نهاية صفحاتها العربية والتركية واللغة التركية في نفس العدد..وكانت نصوص الاعلانات تؤكد كونها اعلانات لكي تكون لها صفة شرعية وكانت مصاغة بلغة ركيكة: « بناء على ختام مدة متعهدي قونطو راتو الدهن والتبن العايد للعساكر الملوكية الموجودة في المركز، وان ربط ذلك مجددا بالقونطوراتو واجراء مناقصة امر لازم.. فالذين يرغبون لذلك يلزم ان يراجعوا مجلس الاوردي الهمايوني في كل يوم من الساعة الرابعة الى العاشرة لاجل بيانه جرى الابتدار لاعلانه (الزوراء العدد 366).
«بناء على وابور (مسكنه) سيتحرك من الصقلاوية الى مسكنه في اليوم الخامس عشر من شهر نيسان الاتي سنة التسعين فيلزم على التجار الذين عندهم حمولة والذين يرومون السفر بالوابور المزبور ان يراجعوا الادارة قبل الوعدة المذكورة بمدد اربعة ايام ولاجل بيان الحال تحرر الاعلان (العدد431).
ومن الاعلانات الاهلية التي نشرتها جريدة الزوراء:» في الليلة السابعة عشرة من حزيران الحاضر سرقت اشيائي من دكاني، فاذا ظهر سند او ورقة ممهورة بهذا المهر، فلا يكون لها حكم ولا اعتبار، ولاجل البيان تحرر الاعلان/ امضاء ترزي عبد القادر» العدد 459.
وبعد اعلان الدستور ظهرت مجموعة كبيرة من الصحف والمجلات في بغداد.
وقد نشرت جريدة صدى بابل في عام 1909 اعلانات باللغة الانكليزية، ثم نشرت اعلانا مصورا عن مكائن (بلكسطون للسقي والطحن) ثم اعلانا مصورا ثانيا عن نظارات.
وفي هذه الفترة طرأ تغير على طرق صياغة ومضمون الاعلانات، وان كان نسبيا.
نشرت جريدة صدى بابل الاعلان التالي في 31 كانون الاول عام 1909: «ان المكتبة التي كان افتتحها المرسلون البروتستانت في بغداد بالسوق المعروفة بسوق الازر لبيع الكتب العلمية واللغوية والادبية والتعليمية المدرسية قد اقفلت الان وتحولت الى دار الطبابة (اجزاخانه) البروتستانية الواقع في دار الحاج ابراهيم الزيبق المعهودة، فمن رغب في أي كتاب علمي او لغوي او ادبي او مدرسي فليطلبه من الاجزاخانه المذكورة فيجد ما يسره من حسن المعاملة/ داودفتو الصيدلي».
واستمر نشر الاعلانات باللغة التركية في هذه الفترة، بجانب الاعلانات باللغة العربية، وان كانت نسبة الاعلانات باللغة العربية اكبر بكثير.
وبعد احتلال القوات البريطانية لبغداد طراً تحول نوعي في مضامين الاعلانات، لكن بعض الاعلانات ظلت تعبر عن احتياجات التقاليد الادارية القديمة والعادات الاجتماعية السائدة.
ومن الاعلانات الجديدة نقرأ الاعلان التالي: (ضاع بزون ابيض منقط احمر بين شارع النهر وبين شارع الجديد والذي يجده ويأتي به الى الدار المرقمة 375 في شارع رأس القرية يعطى مكافأة جيدة) (جريدة العراق العدد 18-1920) كذلك ظهرت اعلانات عن فقد كلاب: وكان معلنو هذا النمط من البريطانيين ، لان أي عراقي لم يكن يتعب نفسه في البحث عن كلب او قط ضائع لاسيما ان الطرقات كانت تعج بآلاف الكلاب والقطط السائبة.
ومن الاعلانات التي ظهرت في هذه الحقبة النماذج التالية: «نعلن هنا لاجل اطلاع عموم الاهلين انه يمكن فتح المسارح (التياتروات) داخل بغداد الى الساعة 11 ونصف زواليه ليلا.. ويجب على الذين يسيرون في الشوارع ان يحملوا ضياء بين نصف الليل والفجر (الكابتن س. و. دولدن نائب الحاكم العسكري في بغداد) (العراق العدد 40 عام 1920).
«وجد في مزرعة الحكومة احد عشر حمارا لاشخاص مجهولين فسكت وربطت بموجب امر معاون حاكم سياسي بغداد والكاظمين...فكل من يدعي بانها عائدة له يجب ان يقدم عريضة بذلك الى معاون حاكم سياسي بغداد والكاظمين قبل انقضاء ثلاثة اشهر من تاريخه، واذا لايطالب بها بهذه المدة فحينئذ تبيعها الحكومة (العراق العداد 29).
اما الاعلانات الاهلية التي ظهرت في هذه الفترة فقد اتخذت لها وجهة تماشي الوضع الجديد. . فنقرأ تحت عنوان (تحت حماية الشرف)...مع صورة لورقة سيكاير الاعلان التالي: «اتعهد للمشترين الكرام، على ان ورق الساكير هذا هو الابيض النقي لايحصل منه ضرر لا الى العين ولا الى الصدر.. ويشهد على ذلك ان الكاغد يحرق التوتون وما يطفي السيغارة ورماده ابيض وله لذة طيبة في الشرب.. وارجوكم ان تلاحظوا الاسم وعلامة الاذن.. يوجد في الشورجة ...في جميع الدكاكين في بغداد –الياهو عبودي عيده –كل من يتجاسر ويقلد كاغدنا هذا فهو مسؤول لدى الحكومة العظمى ويعاقب بموجب المادة 294 من قانون الجزاء.. الوكلاء في البصرة ابراهام زليخه وفي كرمنشاه حسقيل عزره كوهين» (جريدة العراق العدد الاول).
وهذا اعلان عن (معمل الحدايد البغدادي): (قد فتحت معملا لاصلاح جميع انواع الالات من مكائن الري والزراعة والسيارات والمراكب باسرع وقت وباجرة متهاودة.. والمحل في محلة الحاج فتحي في العوينة.. صاحب المعمل يوسف زاره).

ومن الاعلانات الفنية نقرأ ما يلي:
«سينما اولمبيا-شارع الجديد، قرب مركز القيادة العامة ، تعرض على ستائرها رواية متسلسلة بعنوان لاتنين (ريدر) وهي من افضل الروايات التي انتجتها قريحة المؤلفين، تتألف من ثلاثين فصلاً، اخرجها معمل باته المشهور.. وتعرض في هذه السينما في ثمانية بروغرامات البروغرام الاول يبتدئ نهار السبت في 12 حزيران وينتهي نهار الثلاثاء في 15 عامة.. ويتخلل هذه الروايات مناظر طبيعية واخرى مضحكة وغيرها..
فلابد ان يبادر الجميع الى مشاهدة وقائع هذه الرواية العجيبة والاستفادة من عبرها...)..!
ومن الاعلانات الغربية نقرأ الاعلان الذي نشر في 13 ايلول عام 1920: «طبيب العيون مارني الحائز على ثلاثة نياشين من الملوك.. مستعد لتصليح العين الحولاء وقش الماء البيضاء وشافه الفص النافر والشعرة الغريبة (والجفن لايشنكص ابدا)..ورفع اللكه.. وذلك كله بمدة خمس دقائق بدون ألم ..ويباشر جميع امراض العين والجسم في بيته الموجود في درب العاقولية بالحيدر خانه).

ج . الاتحاد 1986