استجلاء موقف صالح جبر من احداث 1941

استجلاء موقف صالح جبر من احداث 1941

فاطمة صادق السعدي
باشر عمله في اللواء حتى عام 1941، فقد أضطر الوصي على عرش العراق الأمير عبد الإله الى مغادرة بغداد متوجها إلى الديوانية للتخلص من ضغط رئيس الوزراء رشيد عالي الكيلاني والعقداء الأربعة، وذلك في30 كانون الثاني عام 1941، قاصدا دار آمر الفرقة الرابعة، أمير اللواء الركن ابراهيم الراوي. فاتصل هاتفيا من الديوانية بصالح جبر، الذي كان مجازا في بغداد ، وطلب منه الحضور إلى الديوانية.

وقد ذهب لمقابلة الوصي في الديوانية، فتولى إعداد جواب الوصي إلى رشيد عالي الكيلاني الذي بعث استقالته برقيا يوم الجمعة 31 كانون الثاني 1941. يذكر ابراهيم الراوي، انه بعد ورود برقية الاستقالة من رشيد عالي الكيلاني، "رجوت الوصي، أن يلطف الجواب، وقد أملى عـلى صالح جبـر الجواب فكتبه." فأرسل الوصي برقية مقتضبة كتبها صالح جبر.
عاد الوصي إلى بغداد عصر يوم الثالث من شباط 1941، وصدر بلاغ رسمي بعودته لتبديد الشكوك حول بقائه في الديوانية . قرر الوصي بعد ذلك ترك بغداد للمرة الثانية، فتوجه إلى دار عمته صالحة التي تعيش في دار قديمة على الضفة الشرقية لنهر دجلة. وهناك هيأ الوصي نفسه للتنكر والهرب، ثم توجه إلى المفوضية الأمريكية وركب سيارة الوزير المفوض بول نابنشوPaul K. nabenshue ووصل إلى الحبانية، ومنها إلى البصرة، بطائرة حربية. وكان برفقته علي جودت الأيوبي ومرافقه اللواء عبيد عبد الله المضايفي، ثم التحق بهم جميل المدفعي . وأقاموا جميعا في فندق شط العرب، وانضم إليهم متصرف البصرة صالح جبر، وقد عقدوا في الحال جلسة مشاورات لتأليف حكومة مؤقتة. فقد سعى صالح جبر، إلى جمع ضباط الحامية وتقديمهم للوصي عبد الإله، وتحريضهم على عدم الامتثال لأوامر حكومة رشيد عالي الكيلاني في بغداد . لكنهم رفضوا ذلك لالتزامهم بالأوامر والقيم العسكرية، التي اخلصوا لها بحكم القوانين والتقاليد العسكرية .
يذكر أمر حامية البصرة العقيد رشيد جودة، في تقريره الذي بعثه إلى رئاسة أركان الجيش في 6 نيسان عام 1941 أن المتصرف صالح جبر، أتصل به هاتفياً وطلب منه الحضور، وأن يصطحب معه قائد منطقة شط العرب أمير اللواء أحمد رشدي، وعند دخوله إلى فندق شط العرب ؛ شاهد علي جودت الأيوبي، والمتصرف صالح جبر، وضابط الاستخبارات البريطاني الكابتن ملتك Miltik ، وعندما عاد مع المتصرف بسيارته، حدثه عن خطته ووعد البريطانيين بمعاونة الوصي . ويضيف كان المتصرف أثناء ذلك يطلب بالتوالي متصرفي الديوانية والمنتفك والحلة وكر بلاء والكوت والعمارة. وبعد الانتهاء من الحديث قال المتصرف "أن جميع الألوية معنا، وهم يؤيدون سمو الوصي ، وسيقومون بمظاهرة شعبية ضد هذه التصرفات" ثم أمر الوصي، المتصرف أن يقرأ على الضباط البيان الذي كتبه الوصي.
في خضم هذه الوقائع ، كان من الطبيعي ان يزداد قلق حكومة رشيد عالي الكيلاني ، التي علمت بما حدث في البصرة ، فأمرت بموجب البرقية المرسلة من رئاسة الأركان العامة للجيش العراقي ، الى أمر حامية البصرة بإلقاء القبض على صالح جبر، وإرساله إلى بغداد تحت حراسة مشددة، وجاء في البرقية "هذه أوامر الجيش نهائية وقطعية" . كما أرسلت برقية الى صالح جبر ورد فيها "نظرا على تأمركم على سلامة الدولة، قررنا عزلكم وإرسالكم إلى بغداد مخفورين" . واقتيد صالح جبر الى بغداد في مقصورة قطار خـاصة بحراسة ضابط برتبة رئيس (نقيب) فبقي موقوفا عشرة أيام إنتهت بفصله من الخدمة والسماح له بالذهاب إلى إيران حسب رغبته .
يذكر مؤرخ العراق البارز السيد عبد الرزاق الحسني، ان حكومة الدفاع الوطني كانت مصممة على إجراء محاكمة للسيد صالح جبر، بتهمة التآمر على سلامة الدولة فتوسط السيد علوان الياسري، والحاج عبد الواحد الحاج سكر، لدى رشيد عالي الكيلاني، و نجحا في تخليصه من المحاكمة، إذ لم يكن في الاستطاعة رد طلب الزعيمين في تلك الظروف . ويذكر ناجي شوكت في مذكراته "أما متصرف اللواء صالح جبر فبعد ان تحقق انحيازه نحو عبد الإله عزل من منصبه وسيق إلى العاصمة بحراسة أحد الضباط – وفصل من الخدمة لمدة خمس سنوات، وبعد أن أوقف نحو عشرة أيام، سمح له بالسفر إلى إيران، بعد أن توسطت أنا لدى رشيد عالي الكيلاني بأمره 00"
صدر قرار مجلس الوزراء في الجلسة المنعقدة في 17 نيسان 1941، بفصل صالح جبر متصرف البصرة من الخدمة لمدة خمس سنوات، ابتداء من 4 نيسان1941 ، بعد الظهر، ومنح راتبا تقاعديا قدره 26.230 دينارا .
من اجل استكمال الصورة و معرفة أحداثها يذكر سكرتير صالح جبر أن الأخير عندما كان متصرف البصرة ، وقت وصول الوصي عبد الإله الى البصرة، جاءته مكالمة هاتفية بأن يعطي أوامره بإلقاء القبض على الوصي عبد الإله ونوري السعيد وجميل المدفعي حال وصولهم الى البصرة، لكن صالح جبر، لم يلتق بهم نهائيا، وعند الغداء طوق الجيش بيت صالح جبر في البصرة، ونقل إلى بغداد في قطار خاص يصطحبه رجل يدعى (سيد كاظم ). وسجن في سجن (العبخانة) ، فطلب صالح جبر من سيد كاظم ان يذهب ويتصل بعبد المحسن أبو طبيخ وعبد الواحد الحاج سكر وهما من كبار شيوخ العشائر العراقية، لإيجاد مخرج لهذا الموقف، وفعلا ذهب سيد كاظم للشخصين المشار إليهما وشرح وضع صالح جبر، فوعداه خيرا وطلبا منه العودة وطمأنة صالح جبر. وعند عودة سيد كاظم الى سجن (العبخانة) لم تسمح له الشرطة بالدخول والتحدث مع صالح جبر، الأمر الذي دعا سيد كاظم الى مناداة صالح جبر قائلا بصوت عال "ذهبت إلى زيارة الأمامين الكاظميين ودعوت لك"، ويضيف سكرتيره الشخصي "ان صالح جبر قد فهم فحوى كلامه"، واضاف قائلا"عندما عدت إلى البيت وجدت صالح جبر قد أفرج عنه ، وسافر بعدها إلى سورية مستقلا إحدى سيارات النقل الكبيرة(النيرن).
ان من الأهمية بمكان ان نشير الى لقاء صالح جبر مع السفير البريطاني في طهران عام 1941 السير ريدر بولارد Sir R. Bullard ، الذي تحدث عن أراء صالح جبر، بشأن إقامة حكومة في البصرة، لمساندة الوصي عبد الإله، ومحاولة توحيد موقف المعارضين، لحكم الكيلاني في بغداد ولاسيما العشائر القاطنة في المنطقة الجنوبية من العراق . ويبدو أن صالح جبر، قد سعى لربط نشاطه الجديد بتكوين ( الحكومة الشرعية ) في البصرة "فأن الأصدقاء من العراقيين سيشعرون بالاكتئاب وسيقعون ضحايا للدعاية الألمانية "، لاسيما وأن صالح جبر قد أخبر بولارد بأنه أثناء وجوده في بغداد، أخبره وزير الخارجية العراقي موسى الشابندر، بأنه قد طبعت ثلاثة ملايين دينار عراقي في ألمانيا، لأسناد حكومة الكيلاني. ويضيف السير بولارد ، انه قد أيد وجهة نظر صالح جبر هذه، وقد أيدتها الخارجية البريطانية أيضا . وقد ربط بين أهمية تكوين الحكومة الشرعية في البصرة والمصالح البريطانية في إيران، فأيد فكرة صالح جبر في إمكانية عقد اتفاقية مع القائد العام في البصرة، للثورة ضد حكومة بغداد ، اعتمادا على عشائر المنتفك وغيرها من العشائر التي يتمتع فيها بنفوذ، وقد نقلت هذه الفكرة إلى القائد البريطاني في البصرة في 20مايس 1941. ونورد ماجاء في مضمون البرقيتين اللتين بعثهماالسفير البريطاني في إيران السير ريدر بولارد إلى وزارة الخارجية البريطانية : " استدعاني متصرف البصرة السابق صالح جبر يوم 17 مايس وتحدث حول الآتي : ينبغي ان يسعى الوصي من دون أي تأخير لتأليف حكومة شرعية يكون مقرها في البصرة. ان هذا الأجراء يشكل أساسا للم شمل جميع العناصر غير النزاعة للتمرد التي تشمل تقريبا جميع أفراد الـعشائر، وسينضم إلى مثل هذه الحكومة. أما إذا لم يتم اتخاذ العمل السياسي السريع من اجل ذلك فأن الدعاية الألمانية ستستقطب المزيد من المؤيدين . أن مدينة البصرة حتى هذه اللحظة ، تتلقى الأوامر، بشكل واضح ، من بغداد ، وسيقوم بوضع مخططه تحريريا في 18 مايس ، لإرساله إلى وزارة الخارجية والوصي..
"ان صالح جبر سوف ينشط ويتعاون إذا ما سمع أنباء واضحة عن تشكيل حكومة شرعية.." لم يستبعد السير ريدر بولا رد في برقيته الأخرى إمكانية عقده اتفاقية ، مع صالح جبر ، فقد ورد في نص البرقية "ان صالح جبر يصرح الآن بأنه في حال اتجاه الوصي الى رفض تشكيل حكومة في العراق أو التردد في تشكيلها فأنه [أي صالح جبر] يقترح عقد اتفاقية مع القائد العام البريطاني لمنطقة البصرة ، للقيام بثورة ضد حكومة بغداد ، اعتمادا على عشائر المنتفق والديوانية وغيرها من القبائل ممن تتمتع بنفوذ بين أفرادها. وقد نقل هذا التصريح إلى القائد العام لمنطقة البصرة بواسطة مبعوث موثوق ومعروف للسلطات البريطانية في الشرق الأوسط ، وسيكون المبعوث موجودا في البصرة يوم 20 مايس . مرة أخرى أشير بإلحاح إلى ما يمكن أن تتلقاه المصالح البريطانية في إيران، من منافع بتشكيل حكومة عراقية شرعية في البصرة من دون إبطاء". و بعد عودة الوصي عبد الإله، وانتهاء الأزمة ، التي تناولتها الصحافة يوميا.
أعـرب الوصي عن رغبته في أن يكافئ صالح جبر على الخدمات الـتي أسداها له اثناء لجوئه إلى البصرة ، وقد وجد عقبات في تعيينه بمنصب رئيس الديوان الملكي إذ أعترض وزير المالية إبراهيم كمال في أواخر أيام وزارة جميل المدفعي الخامسة التي استقالت في السابع من شهر تشرين الاول 1941، بحجة أن هذا المنصب لا يختلف عن أي منصب وزاري اخر ، وانه غير مستعد للتعاون مع وزارة يكون صالح جبر اخر أعضائها. ثم أعرب الوصي عن رغبته في تعينه مديرا عاما للكمارك والمكوس، فاعترض وزير المالية على الرغم من اعترافه بكفاءة صالح جبر ونزاهته ، حسب تعبير الحسني .