لمحات جديدة عن حياة بيكاسو

لمحات جديدة عن حياة بيكاسو

ترجمة : المدى
في صيف 1946 ، كان بيكاسو يحس بالضجر من باريس ، وقرر التوجه جنوبــا ً وبرفقته صديقته الجميلة الشابة ، فرانسواز جيلو ، التي اخذها لتسكن في منزل صديقة قديمة لــه . وقرية مانيربي، تقع على قمة جبل، شرق أفنيون، ولضيق فرانسواز بالمكان،

دعاها عدد من الاصدقاء للبقاء في انتيب على سواحل البحر الابيض المتوسط، وهناك احـس بيكاســو بمتعة الحياة ، لكنه سرعان ما انتقل منها الى فالوريس حيث صناعة الفخار والخزف ، وبدأ محاولاته في زخرفة السيراميك التي كانت ضعيفة في البداية ، لكنه مع مرور الايام اتقن ثلك الحرفة بل احدث ثورة فيها حتى اصبحت المدينة الشهيرة بتلك الصناعة . وفي فالوريس عاش بيكاسو وصديقته في مأوى يكاد لايرى من الطرق ، إذ يحجبه عنها مرآب كبير للسيارات ، تسكــن فوقه امرأة عجوز ترسم ايضا ً وتكره بيكاسو . استقر بيكاسو هناك في الجزء الخلفي من المرآب ، مجاراة لحيـاة الشيوعيين ، وكان الاطفال معه ودمى في كل ركن ، ولكنه لم يصنع اي دمية لأبنته بالوما .
وقد رسم الفنان العديد من اللوحات تمثلها وشقيقها كلود ، وايضا ً لفرانواز ، بمضي الساعات في مناقشة صديقه ماتيس عن اللوحات التـي رسمهــا الاخيـر لأبنته مارغريتص، قائلا ً : لقد
اخبرني ماتيس عن مدى تأثره باللوحات التي رسمها لبالوما وكلود .
ولضيق المكان انتقل بيكاسو الى لافورناس ، مصنع قديم للعطور، تفوح منه روائح الياسمين وزهور البرتقال ، وسرعان ما امتلأ المكان بلوحاته والوانه واصباغه وقطعه النحتية .
وعلق على ذلك متحدثا ً مع جان كوكتو ؛ انا ملك الخِرق ؛ مشيرا ً بذلك الى قيامه بجمع المهملات مما يحيط به ، ماسورات المجاري المكسورة والدمـى التالفة والاحذية القديمة ، محولا اياها الى نحتية تثير الاعجاب .
وفي فورناس كانت تزوره باستمرار سوزان رامي ، زوجة صاحب معمل الخزف ، وبرفقتهـا الشابة الجميلة جاكلين روكو ( فتاة في الــ 27 لها عينان واسعتان كعينيه ) ، وسرعان مابدأت
علاقة بينه وبينها .
وكانت سوزان ايضا ً مسؤولة عن احوال زوجة بيكاسـو الســابقة أ ُولغا ( راقصة الباليه الروسية ) التي تركها 20 عاما ً ولم يطلقها قط .
اولغا اختارت العيش في مصحة مـن اجل مضايقة زوجها بإستمرار ، الذي تحبه وتكرهه في آن واحد ، حياة اولغا كانت تدور حـول دولاب كبير مليء بالملابــس القديمة ، تزدحم ادراجه
بالرسائل وقصاصات الصحف ، ومزّين بصور ابنها باولو ، الذي كرهها اكثر مما فعل والده .
وفي عام 1952 ، تركت فرانسواز عاشقها الذي بلغ السبعين بحثا ً عن من هو بسّنها بعد ان تحول الحب بينهما الى حقد وضغينة .
وبعد ذلك لم يلتزم بيكاسو بأي علاقة طويلة المدى مالم يتأكد من خضوع الطرف الآخر له ، وسرعان ما انشأ علاقات جديدة مع أخريات ، منهن جنيفيف لابورت ، فتاة رومانسية 25 سنة ،
اعتقدت انها شاعرة والتي اصبحت بعد قليل تحت رعاية كوكتو ، وبعض تلك العلاقات لم تدم غير اشهر او اسابيع فقط .
كان لجاكلين روكو ميزة قرب منزلها من بيكاسو ، خاصة ً بعد تركها لزوجها الضابـط فــي اواسط افريقيا لتعيش مع ابنتها ، وهي قد احبت بيكاسو فعلا ً واطاعت مايمليه عليهـا ، ولكنـه
لم يجد فيها مايصبو اليه ، ولذلك سرعان مانجده يلجأ الى علاقات مع غيرها سريعــة وقصيرة الامد، ومنهن الارملة توتوثي وكومتيسي دي لازرم التي لازمها بضعة أشهر، ثم سرعــان ماظهرت امامه روزبتار الابنة المتبناة لتوتوثي غجريـة الشكل وكأنها خرجت تــوا ً من قصائد فردريكو غارسيا لوركا.
وعلى الرغم من تلك العلاقات المتشابكة، كانت جاكلين في انتظاره دوما ً، وقد عاد بيكاسو في نهاية صيف الى فالوريس ، الى جاكلين ، وحياتهما التي تكتنفها المعــارك والمشاحنات ،
ولكن جاكلين لم تتركه قط ، بقيت معه حتى وفاته بعد 19 عاما ً لاحقة .
عاد بيكاسو الى باريس مع جاكلين ليعقب ذلك محلة متميزة بالفن ، ليعيشـا فـي ستوديو غراندز اوغستين التي اشتهرت لأنه رسم الغورنيكا فيها بعد عدة اعوام .
وفي زيارة بيكاسو الى متحف اللوفر ، دُهش للشبه الواضح بين جاكلين وشخوص لوحـات ديلاكروا التي رسمها في الجزائر وبدأ يستغل ذلك التشابه ليس كمفتاح للوحاته عنها فقط ، بـل للقفز عن المكان الى سلسلة من التغييرات
وفي تلك الايام ، توفيت اولغا في كان ، وبيكاسو يواصل نشاطه ، بدأ برسم سلسلة متنوعة للسخرية من فيلازكوز ، وفي تلك اللوحات عاد بمشاعره الى اسبانيا وهـو بعدئذ اهــدى تلك
اللوحات الى برشلونة عام 1968 .
كان بيكاسو آنذاك اشهر الرسامين وغدا التواصل معه صعبا ً ، ومع ذلك كان سعيدا بالهدايا التي ترد اليه من المعجبين به من شتى انحاء العالم ، إن اللوحات المتسلسلــة التـي رسمها
بيكاسو عن جاكلين اكدت علاقتهما خاصة ً بعد عودته اليها .
كان طولهما واحدا ً – 5 أقدام و 4 إنجات ، ولهما نفس السعة في الاعين ، وقد استغل الرسام المحدقة القوة الاندلسية في رسم تلك اللوحات وكان في لوحاته القديمة لها يمنحها رقبـة طويلة
بعكس القصيرة لها ، وفي تلك الاعمال نجد احيانا ً حبه لها او كراهيته ِ او غضبه ِ منها .
وفي خضوع جاكلين له نجد شيئا ً من سمات الرهبنة ، وفيما بعد واثر وفاة بيكاسو لم تستطــع جاكلين مواجهة الحياة وحيدة . كان بيكاسو يكره الموت وخوفا ً من احساسه بالحزن لموت عصفـور كان يربيه في قفص ، اسرعت جاكلين في الحال لشراء مثيل له قبل ان يستيقظ من النوم .
وقد تواصل بيكاسو مع وطنه اسبانيا عبر عدد من الرسامين ومنهـم خوان ميرو وسلفادور دالي ولكنه لم يغفر للأخير قوله مرة ً ، انه سيخطف بيكاسو ونقله الـى اسبانيا ، واضافة ً الى
الرسامين المعروفين ، كان يستمتع برؤية عدد من الفنانين الشباب ، وتلك الصداقات كانت تعني الكثير له لأنها ربطته باسبانيا وقد احبت جاكلين بدورها اسبانيا وتعلمـت لغتها ، واصرت على
تعلم العزف على الغيتار ، لتغني له الاغاني الاسبانية الكاتالونية بالـذات ، كما اهتمت باستمرار بضيوفه القادمين من هناك والذين يأتون لزيارته ويبقون عنده عدة اسابيع ، ويصر بيكاسو على
التحدث هو وابنه معهم بالاسبانية.

عن : الصنداي تايمز
الكتاب: حياة بيكاسو – 3 اجزاء
كتابة: جون ريتشارسون
عن دار راندوم للطبع