الوضع الرقمي.. وداعاً للتواصل التقليدي

الوضع الرقمي.. وداعاً للتواصل التقليدي

كان الباحثان الفرنسيان، في المسائل المتعلقة بالثورة الرقمية ونتائجها الراهنة، جان فرانسوا فوجيل وبرونو باتينو، قد قدّما في عام 2005، كتاباً عن الثورة الرقمية وآثارها، تحت عنوان: «الصحافة دون غوتنبرغ». وهما يمداننا اليوم، بكتاب جديد عن «الوضع الرقمي»،

يؤكّدان فيه، أن كل شيء تغيّر خلال أقل من عشر سنوات. ذلك بمعنى أنه جرى النظر أوّلاً إلى شبكة الإنترنت، على أنها بمثابة وسيلة إعلام جديدة،» أما حالياً، فكمجال اجتماعي».
تتمثل إحدى الأفكار الأساسية التي يؤكدها المؤلفان، في القول إن العالم دخل في ظل ما يعرف بـ«الثورة الرقمية»، إلى عصر الاتصال المستمر، المستدام. الأمر الذي يدفعهما إلى طرح السؤال التالي: هل جرى الانتقال من الوضع الإنساني إلى الوضع الرقمي؟ وهنا يريدان بـ«الوضع» بمعنى «مجموعة الشروط» التي تحكم العيش.
وما يحكم العيش، حالياً، يتمثل إلى حد كبير، كما يشرحان، في كون أن الدينامية التي تحكم آلية عمل العالم تعتمد بالدرجة الأولى، على تبادل المعلومات والرسائل بين مستخدمي الإنترنت، عبر الإيميل. ويبينان أن العالم الرقمي يحتوي بالتأكيد على وسائل إعلام، و..كما أن «شبكة التواصل الاجتماعي غيّرت من طبيعتها». وبهذا المعنى «لم تعد شبكة الإنترنت» كما كانت عليه قبل سنوات قليلة.
ذلك أن الشبكة المعنية لم تعد مجرد قناة لنقل الرسائل والمعلومات من مستخدم إلى آخر، ولكنها أصبحت هي نفسها وسيلة إعلام. وتقوم بالتالي بالدور نفسه، المعهود للكتاب والصحيفة والسينما والإذاعة والتلفزيون. ويعيد المؤلفان حيوية شبكة الإنترنت إلى نشاط مستخدمي الشبكة، الذين يجيدون التواصل في ما بينهم، كما يجيدون التواصل مع محركات البحث، والتشارك بـالصور والأشرطة المرئية المصوّرة والرسائل من كل صنف ونوع.
ويرى المؤلفان أن «يوتيوب»، غيّر الحدود التقليدية بين النص والصورة. و«تويتر» جعل، عبر رسائله القصير، من الزمن الحقيقي بمثابة الزمن الطبيعي الرقمي. أما «فيسبوك»، فسهّل تسيير مسائل الحياة الاجتماعية بوساطة أدوات اصطناعية.
ويؤكد المؤلفان بأشكال مختلفة، أن الحياة الاجتماعية، الموجودة بالتعريف، منذ تشكّل المجتمعات الإنسانية، غيّرت مع شبكة الإنترنت من إيقاعها ومن اتساع رقعتها. وكل مستخدم للإنترنت يستطيع أن يتواصل مباشرة مع آلاف الأصدقاء في مختلف أنحاء العالم. ويستطيع كل «إنترنيتي» أن يعبّر عن آرائه، بما يجده أمامه من مئات بل آلاف الصفحات، بكلمة واحدة:
«أحب». أو أن يكتفي بـتصفّح ما يراه أمامه، ثم أن يوزع ما أعجبه، أو لا يفعل. ويشدد المؤلفان على أن هويتنا الرقمية، تتشكل عبر نقاط اهتماماتنا في المجال الرقمي. ولكن، بكل الحالات، يؤكدان أيضاً، أن الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصاد والثقافة ونقل المعارف وتعميق المعرفة هي كلها ميادين أصابها الكثير من الخلل، بفعل جعل هذه النشاطات كلها رقمية.
ثم هذه اللغة الرقمية، اجتاحت حياة البشر، وفي كل لحظة. فهل أصبح «العالم الافتراضي» يشكل تهديداً لكل شيء؟ مؤلفا الكتاب يشرحان أن شبكة الإنترنت ليست عالماً افتراضياً ربما يتعارض مع العالم الحقيقي. وأيضاً هو «ليس عالماً موازياً أو مرآة للواقع». إنه بالأحرى «المجال» الذي يبحث فيه كُثر عن فرصة عمل أو عن علاقة عاطفية، أو بكل بساطة عن شراء ما يحتاجون إليه بـثمن زهيد. بهذا المعنى تمثل شبكة الإنترنت مجالاً واقعياً له فعله على الواقع.
عن / بيان الكتب