بمناسبة ذكرى رحيله..ذكريات طريفة عن الحياة الصحفية للمرحوم روفائيل بطي

بمناسبة ذكرى رحيله..ذكريات طريفة عن الحياة الصحفية للمرحوم روفائيل بطي

سليم بصون/ صحفي راحل
رفائيل الصحفي
كان المرحوم الأستاذ رفائيل بطي علما بارزا من إعلام الصحافة والأدب في العراق العزيز ، وقد امتدت به الشهرة في هذين الميدانين المتلازمين إلى إرجاء بعيدة من الوطن العربي الكبير . وجميل في عيد الصحافة العراقية ان أتطرق إلى جوانب عديدة من الذكريات الطريفة عن هذا الصحفي والأديب البارز ،

فحياته الصحفية والأدبية والسياسية معروفة لكثيرين ، وأصبح ماله وما عليه فيها في ذمة التاريخ ،، على ان جوانب من حياته وشؤونه الخاصة في ميدانه الصحفي قد لا يعرفه إلا القلة من المحيطين به .
رفائيل وليس روفائيل !
كان المرحوم رفائيل بطي يكتب اسمه "رفائيل " وليس "روفائيل" بزيادة " واو" ويريد من سواه ان يكتبه أيضا .وقد كان يغتاظ إذا ظهر اسمه بزيادة "الواو" ويعتبر ذلك من الأخطاء الشائكة الفاحشة .
وكما كان المرحوم يعتبر كتابة اسم رفائيل " بالواو الزائدة خطأ فقد كانت جموع وصيغ لغوية غير قليلة يعتبرها خطأ ان لم تكتب على الوجه الصحيح الذي يراه هو ، وقد شاركه آخرون أيضا في ذلك الوجه .ومن ذلك كلمة "المدير" فهو يجمعه "المديرون " وليس المدراء و"الكاتب"ويجمعه "الكاتبون " وليس "الكتاب" بل انه كثيرا ما يفضل الجمع المذكر السالم على جمع التكسير حتى بالنسبة للجموع الصحيحة !..
سينما الحياة !..
في السنوات الأخيرة من حياته افرد المرحوم "رفائيل بطي" بابا خاصا في جريدته "البلاد " تحت عنوان " سينما الحياة" يكتب فيه بتوقيع "راء". وكان الباب يتضمن ثلاث مقطوعات بطريقة كلاسيكية روتينية لا تتغير ، أولاها سياسية وثانيتها اقتصادية وثالثتها أدبية . كان في الأولى . يتحدث عن نبأ أو رأي سياسي وفي الثانية عن خبر أو رأي اقتصادي ، وفي الثالثة عن لقطة أو نقد أو وجهة نظر أدبية ، وكان المرحوم في نقد انه وخاز نغاز لماز ، لا يشتم شتما مكشوفا وإنما يوخز وخزا عميقا .
إعجاب بعفيفة اسكندر !!
كان الأستاذ رفائيل بطي حاضرا في احدى الليالي حفلة احد الذوات المسؤولين والسياسين التقليديين . وكان بين حضور الحفلة ـ وغنت فيها ـ الفنانة المعروفة عفيفة اسكندر ..وقد أعجب الأستاذ أيما إعجاب بمجلسها وحديثها كما أعجب بأغانيها .. وبجمالها أيضا . وقد حضر إلى مكتب الجريدة في الصباح التالي وحدثني بأمر هذه الحفلة وإعجابه بعفيفة اسكندر وطلب إلي ان احصل له على صورة لها لنشرها في الجريدة . وقد اتصلت بالزميل والصديق الكريم الأستاذ صادق الأزدي صاحب مجلة "قرندل " آنذاك وطلبت إليه ان يزودني بصورة عفيفة باعتبار ان الصديق صادق كان له أرشيف من الكلائش للصور السياسية والأدبية والفنية أفضل من أية صحيفة في ذلك الوقت وفعلا زودني الأزدي بثلاث صور من احدث صور عفيفة لم تنشر من قبل .وقد اختار الأستاذ رفائيل أحداها وصنفا لها لكليشهة وظهرت في اليوم الثاني مطبوعة في باب "سينما الحياة" مع تعليق لطيف كتبه الأستاذ بنفسه تغنى فيه بالفنانة معجبا ومشيدا بها . وهذه هي المرة الأولى والأخيرة التي نشر فيها المرحوم رفائيل بطي صورة لفنانة عراقية أثناء اشتغالي معه . ـ والمقصود بالفن هنا شقى الغناء والرقص فقط ـ!..
طريقة للاستغناء !..
كان للمرحوم رفائيل بطي طريقة غريبة في الاستغناء عن المحرر الذي لا يرغب في استمراره على العمل ، فعندما يعتزم الاستغناء عنه يبدأ بتقريبه منه وأزجاله النصائح له في حياته الصحفية ، وحين تزف لحظة الاستغناء يدعوه إلى مكتبه ويطلب إليه "الشاي"ان كان الوقت شتاء "والبارد" ان كان الوقت صيفا ثم يحدثه عن الصحافة وهي مهنة البحث عن المتاعب ويتوجه إليه بما يرسم خطوط واضحة في قابل أيامه ثم يحدثه عن جريدته ووضعها المالي وان له ان يعمل في أي صحيفة تبرز مواهبه ، ثم يبلغ الأستاذ محرره النبأ الخطير ، نبأ الاستغناء عنه !. .فحين كان المرحوم يستدعي احد المحررين إلى غرفته ويرفق الاستدعاء بالنداء على "الشاي" أو "البارد" له كان بقية المحررين يعرفون ان المحرر المذكور سيترك مكتب صاحب الجريدة ليودعهم !..على ان من الضرورة بمكان ان اذكر ان المرحوم رفائيل بطي ما كان يستغني عن المحرر أو المخبر الذي يستفيد منه بهذه السهولة ، وإنما يكون استغناءه عن القاصر أو الذي تنتفي الحاجة إليه أو يأتي عملا يراه هو مبررا للاستغناء عنه !.. على ان المرحوم كثيرا ما احتفظ بمحررين ومخبرين ظلوا يعملون معه سنين طويلة ، لم تفرق بينهم أسباب العمل ، وإنما حوادث الأيام !.
منهاج يومي
كان للمرحوم منهاج يومي يسير عليه وينفذ مواده . فحين يعود إلى داره ليلا ويركن إلى مكتبه أو يجنح إلى الراحة ، يكتب على شريحة ورق أو أكثر النقاط التي تؤلف منهاجه اليومي ويضيف عليها في صبيحة نفس اليوم ما يخطر بباله أو ما يريد ان ينجزه من إعمال . فيذكر انه سيزور الوزير الفلاني ثم يقصد إلى المكتبة الفلانية ثم يجتمع بفلان ويتصل تلفونيا بعلان ثم يكتب المقال أو "اللقطة " الفلانية ، أو يلاحق الخبر أو الإشاعة الفلانية ، في غضون ذلك يتصل من داره بإدارة الجريدة لكي يستوضح ويطلع ، وبين الساعة العاشرة أو الحادية عشرة يبدأ دوامه في مكتبه ، ثم يشرع في كتابة بعض ما حصل عليه من إخبار محلية مما يسمى بأخبار الدرجة الأولى وبعض ما يعن له من أراء وأفكار أما المقالة أو الآراء ـ إذا كان لديه ما يريد ان يكتبه منها ـ فكثيرا ما يكون وقت الكتابة لها دوامه في المساء!..
المنهاج الذي ينفذه !!.
على ان المنهج اليومي الوحيد الذي لم ينفذه ، هو المنهاج الذي ظل في جيبه ، حين شعر صباح 10 نيسان 1956 بضيق وألم ـ وكان لا يشكو من شيء في الليل الفائت ـ ثم اتصلت السيدة عقيلته ـ التي انتقلت إلى جوار ربها قبل بضعة أشهر ـ بالجريدة تبلغ من فيها بأنها غير مرتاحة إلى حالة الأستاذ وما ان كانت الساعة العاشرة حتى صعد " أبو بديع" إلى الطابق الثاني وارتاح إلى فراشه ، ثم كانت راحة أبدية ، هرع بعدها الناس إلى الدار ليشاركوا في تشييعه . رحمه الله.
ملحق جريدة (كل شيء)
سنة 1964