انتفاضة السليمانية بزعامة الشيخ محمود الحفيد  1930 1931-

انتفاضة السليمانية بزعامة الشيخ محمود الحفيد 1930 1931-

د. سروة اسعد صابر
إن أحداث 6 أيلول في السليمانية أدت بالحركة الكردية الى السير في خط مواجهة للسياستين العراقية والبريطانية ورفع دعوات ومطالب كردية أخرى تدعو الى الاستقلال بعيدا عن سلطة وسيطرة الحكومة العراقية.

فمنذ 6 أيلول والقمع الحكومي لها واعتقال الشيخ قادر الحفيد وزعماء آخرين، فان مسار الانتفاضة أصبح موجها ضد الحكومة العراقية التي اعتبرت مسؤولية عن عملية إراقة دماء غير ضرورية في ذلك اليوم وكان عدد من أهالي الضحايا في السليمانية قد زاروا الشيخ محمود في مقره بإيران، واشتكوا من تفاقم الاوضاع وطالبوا بالثأر لذويهم وحثوا الشيخ على النهوض، موضحين أن الكرد ينتظرون فرصة كهذه لإنصاف حقوقهم.. ويبدو أن الحكومة العراقية قد خشيت أن تترك هذه الأحداث ردود فعل لدى الشيخ محمود فبعث وزير الداخلية في 10 أيلول رسالة تحذير إلى الشيخ لافتا نظره فيها إلى حادثة السليمانية ويرجوه بأن لا يتأثر بدعايات الغير وان يتجنب ما يمس السكينة والأمن العام وان يحافظ على اتفاقه السابق مع الحكومة العراقية الموقع في كانون الثاني 1927. ومن جهة أخرى أشارت وزارة الدفاع في كتاب لها إلى أن وزير الداخلية بتاريخ 11 أيلول 1930 إلى تغييب الضباط الثلاثة محمود وحميد جودت وكامل حسن وقد أصدرت السلطات العسكرية أمرا بالقبض عليهم.
وحول تحركات الشيخ محمود فقد ذكر تقرير بريطاني أن الشيخ ترك بيران يوم 15 ايلول ودخل العراق بخلاف بنود اتفاق عام 1927 ولكن التقرير يشير أيضا إلى انه ومنذ ذلك الاتفاق فان خرق هذه البنود كان يتم من قبل الشيخ وكان يتم التغاضي عنه لان الظروف السياسية كانت مستقرة.
إلا أن التحذير لم يحد من حركة وتنقل الشيخ الذي استمر في التوجه نحو قلادزة متعذرا بقيامه بزيارة سلمية لغرض تقديم التعازي لزعماء بشدر، وفي 24 ايلول كان الشيخ بالقرب من قلادزة. وكان الشيخ محمود قد بعث في 17 أيلول رسالة احتجاج إلى المندوب السامي البريطاني يحتج فيها على قيام الجيش العراقي بارتكاب المجازر والفظائع في السليمانية بحق الكرد بشكل لم يسبق له مثيل في كردستان وخاطب الشيخ المندوب السامي، مؤكدا: مع استحالة تعايش الكرد والعرب سوية بعد ذلك وان صبر الكرد نفذ بسبب هذه الفظائع المرتكبة بحقهم من قبل العرب وفي النهاية طالب الشيخ باسم الكرد تحريرهم وفصلهم عن العرب ووضعهم تحت الحماية البريطانية. وقام المندوب بدوره بإرسال نسخة من الرسالة الى رئيس الوزراء نوري السعيد مقترحا عليه عدم الإجابة عليها إلى حين عودة الشيخ الى مقره في بيران.
طلب المندوب السامي من نوري السعيد اطلاعه على الرد قبل إرساله إلى الشيخ واقترح أيضا أن يتضمن الرد، من بين أشياء أخرى التأكيد على تآخي الشعب العربي والكردي وكذلك ابعاد مسألة الاستقلال الكردي عن افكار الشيخ محمود والإشارة إلى أن رفاه الشعب الكردي مرتبط برفاه وازدهار العراق ككل والتعاون مع الحكومة العراقية وليس ضدها.
وفي 3 تشرين الاول 1930 وبينما كان الشيخ محمود في إحدى القرى في منطقة بشدر بعث رسالة يطلب إجراء لقاء مع المفتش الإداري للواء السليمانية ولكن طلبه هذا رفض وفي اليوم نفسه قدم كل من بابكر اغا وعباس محمود اغا من زعماء بشدر التماسا مماثلا ولكنه رفض هو الآخر أيضا.
وحسبما ورد في تقرير المفتش الاداري في السليمانية في 2 تشرين الاول 1930 عن تحركات الشيخ محمود فقد كانت الانباء لدى المفتش الاداري، بأن الشيخ محمود سيعود الى مقره في بيران وتظاهر للمتفش بأن الأزمة تم تجاوزها، وخاصة بعد لجوء الجانب الكردي إلى الاستعانة برفع العرائض والاحتجاجات إلى العصبة والتي جرى تسلمها من الجهات المختصة، مما أعطى إلى الجانب البريطاني نظرة تفاؤلية إلى الأمور.
وأشار التقرير ذاته إلى إرسال محمود رسالة ثانية إلى المندوب السامي عن طريق المفتش الإداري في السليمانية، وكان يحوي طلبا ثانيا عن اجراء لقاء مع ضابط بريطاني لافتا الانتباه إلى وحدة الكرد في العراق، ومقدما مطالب أخرى كذلك علق التقرير على وجود معلومات عن لقاء بين الشيخ محمود ورؤساء بشدر من النوع الذي يخفف من مخاوف اندلاع اضطرابات سريعة، وأضاف التقرير ان دعوة الشيخ الى التسليح المباشر بين عشائر بشدر قد قوبل برفض تلك العشائر البدء بخلق اضطرابات ولكنهم من جهة اخرى قالوا بأنهم سيشاركون في حالة ما اذا قامت قبائل اخرى بالبدء بالقتال، وقد جاء التفسير البريطاني لهذا الموقف بأنه موقف حذر مألوف لبابكر اغا بشدري.
وعلى العموم فقد حصل الشيخ محمود بالنتيجة بعد جولته التي قام بها في مناطق ثشدر على التأييد الرسمي من قبل اغلب زعماء القبائل الأقوياء هناك.
اما بخصوص الرسالة الثانية التي بعثها الشيخ محمود الى المندوب السامي أشار فيها مرة خرى الى احداث 6 ايلول، مبينا انه وبعد الجرائم والاضطرابات التي حدثت في السليمانية على يد العرب والتي قتل فيها الناس بالرشاشات وأبيد فيها الكرد وحرقوا فان التعاون والتضامن بين القوميتين سيكون مستحيلا، وان الكرد بعد هذا اقسموا بشرفهم القومي أن يحصلوا على حقوقهم الشرعية، لذلك يطالبون بصوت واحد تشكيل دولة كردية من زاخو الى مابعد خانقين، تحت الانتداب البريطاني وتطرق الشيخ الى مطالبته فيما سبق باجراء لقاء مع احد الموظفين المسؤولين البريطانيين لشرح قضايا الكرد ومشاكلهم ولتجنب الحوادث المؤسفة ولكن لم يتم الاستجابة لطلبه هذا.وبناءً عليه طلب الشيخ في رسالته المذكورة من المندوب السامي ارسال مسؤول بريطاني الى قضاء شارباذير للالتقاء به وبزعماء عشائريين في مكان يرونه هم (البريطانيين) مناسبا لمناقشة التفاصيل مضيفا بأن لقاء من هذا النوع لن يخلو من منافع تخدم المصلحة والسلام العام موضحا بأن اية اقتراحات حول تلك الاوضاع ستؤخذ بنظر الاعتبار ما امكن.
وفي الوقت نفسه قدمت مضبطة وقعت من قبل شيخ محمود وسبعة وعشرين زعيما ثشدريا تضمنت مطاليب مماثلة لتلك التي وردت في مضبطة النواب الكرد التي قدمت الى عصبة الامم بتاريخ 10 تشرين الاول، مثل خلو المعاهدة الجديدة من الاشارة الى حقوق الكرد ومطالبة الاخيرين من زاخو الى خانقين بحقوقهم التي تم الرد عليها بالقتل والسجن والنفي، كذلك عدم إمكان أن تعيش القوميتان (العرب والكرد) متحدتين.
وتلخصت مطالبهم بـ:
1.ان تخلى كوردستان بحدودها الطبيعية من زاخو الى خانقين من ادارة العرب الملكية. والعسكرية وان تسلم الى الكورد.
2-الى ان يرد قرار نهائي من عصبة الامم يجب ان تؤسس حكومة كردية تحت انتداب بريطانيا وحسب رغائب الأهالي.
3.إطلاق سراح المعتقلين الكرد على الفور.
4-أن يسلم الضباط الكرد وموظفو الكرد الملكيون المستخدمون الآن في الإدارة العربية إلى الإدارة الكردية بالسرعة الممكنة.
وبعد اطلاع المفتش الإداري للواء السليمانية على هذه المطالب اقترح:
1-وجوب عدم النظر الآن في مسألة إرسال موظف بريطاني لمقابلة الشيخ محمود.
2-أن يساق معتقلو الكرد إلى المحاكمة بدون تأخير.
3-إرسال إنذار إلى الشيخ محمود وفي حالة عدم الامتثال له يجب على الحكومة أن ترسل حملة عسكرية الى شاربازير.
أثبتت هذه الرسائل والمطلب الكردية وخاصة ما يتعلق منها بالشيخ محمود عدم انسحاب الشيخ عن ساحة الأحداث كما كان متوقعا ففي تقرير مؤرخ في تشرين الاول 1930 اوضح الجانب البريطاني بأن رحلة عودة الشيخ إلى مقره في ثيران لا يمكن وصفها بانسحاب او هزيمة سريعة له كما كان متصورا لدى المفتش الإداري وعدم عودته إليه يجعله في موقف مخالف للاتفاق الذي دعاه إلى مغادرة العراق.
وعلى أية حال وضعت التطورات الجديدة هذه الكرد من جهة، والموقف العراقي من جهة اخرى امام تحديات، تمثل الكردي منها بإصرار الكرد على التمسك بمطالبهم مع انتقاد مستمر وشديد لسلوك الجيش والشرطة العراقية تجاههم في يوم 6 أيلول.
ففيما يتعلق بالعرائض التي بادر الكرد بتقديمها للعصبة ذهب الجانب البريطاني إلى القول بضرورة تجنب تقديم توصيات حول الخطوط العريضة للسياسة المستقبلية المعتمدة على رد العصبة عليها (العرائض(.
واتضح أيضا بأن تحركات الشيخ محمود ونشاطه المستمر آنذاك اوجب الانتباه لديهم ولاحظ الجانب البريطاني ايضا عدم استعداد العشائر الكبيرة للقيام بالمبادرة الاولى في اية انتفاضة رغم انه حذر من بروز معارضة او ردود فعل كردية اذا ماتم شن حملة عسكرية قمعية مرتقبة.
وعليه اقترحت ثلاث خيارات بخصوص التعامل مع الشيخ محمود:
1.ألّا يتم عمل شيء.
2-أن تنظم قوة عسكرية لمهاجمة الشيخ.
3-منح الشيخ فرصة إجراء لقاء.
فبالنسبة للخيار الأول علق الجانب البريطاني بانه تمت تجربته وظهر عدم نجاحه وحول الخيار الثاني فقد وجد بأنه خطر من حيث تأخر الفصل اي قرب حلول فصل الشتاء ومن حيث خطورة انهاض قادة العشائر في وقت هم يميلون فيه إلى المحافظة على الهدوء أو أن يقوم الشيخ نفسه عندها بالرد بشن حرب الانصار اما الخيار الثالث فقد وجد وكخطوة اولى، ضرورة ان يلبى طلب بابكر اغا وعباس محمود اغا في منح فرصة للقاء معهما وعندها يكون من الممكن توجيههم لغرض استخدام نفوذهم اكثر مع الشيخ محمود في حملة اما على قبول العودة الى ثيران او الاستقرار في قرية قريبة من السليمانية حيث يمكن ان يكون هناك تحت مراقبة اكثر وعند ذاك سيتم اخباره بانه سيكون مسؤولا عن اي اضطراب قد تشهده السليمانية وكان يؤمل ايضا اقناع الشيخ واتباعه بانتظار قرار العصبة حول شؤون الكرد وعدم تجاهل سلطتها والتي حسبما ذهب اليه الجانب البريطاني ستساند اية خطوة قد تتخذ من قبل الحكومتين العراقية والبريطانية مضيفا بأن اي عمل متسرع قد يتخذ من الكرد لن يلحق الضرر إلا بقضيتهم.
ومن جهة أخرى أرسل وكيل وزير الداخلية رسالة إلى وزارة الخارجية حول إبعاد الشيخ محمود إلى خارج الحدود العراقية، وأوضحت الرسالة بأنه وبالرغم من الإنذارات المتكررة الموجهة إلى الشيخ من المندوب السامي ووزارة الداخلية ووكيل متصرف لواء السليمانية بالخلود إلى السكينة وعدم الإخلال بشروط اتفاقية عام 1927 إلا أن هناك معلومات وإشارات دللت انه مازال باقيا في الأراضي العراقية ويتجول بين العشائر الكردية باثا دعاياته.. وطلبت الرسالة من السلطات المختصة لزوم تشديد الأوامر لحث الشيخ على مغادرة الأراضي العراقية وإجراء ما يلزم من عمليات استطلاع جوي بالاتفاق مع القوات الجوية في قاعدة الهنيدي في معسكر الرشيد في بغداد بالإضافة إلى محاولة التنسيق مع المفوضية الإيرانية في بغداد ومفاتحتها بهذا الشأن لاتخاذ ما يلزم من التدابير لإبعاد الشيخ عن الحدود العراقية حالما يدخل الأراضي الإيرانية ثانية.
اما الحكومة العراقية فقد أرسلت إنذارا الى الشيخ محمود بوجوب ترك العراق واتضح بعد ذلك عدم مثوله لهذا التحذير، وكان وزير الداخلية جميل المدفعي قد بعث برسالة إلى الشيخ محمود في 20 تشرين الأول 1930 دعاه فيها إلى عدم المضي في تحركاته تلك التي وجدها معادية للحكومة العراقية، مذكرا إياه ببنود اتفاقية عام 1927 التي نصت على سكن الشيخ محمود وعائلته في قرية خارج الحدود العراقية وألا يتدخلوا في ادارة الحكومة العراقية في لواء السليمانية أو غيرها وتجنب الأمور السياسية المتعلقة بالعراق وقد دعاه الوزير الى ضرورة العودة الى مكانه خارج حدود العراق وتسليم الضباط الكرد الثلاثة الذين فروا من الجيش العراقي والتحقوا به، وذكر الوزير الشيخ بحركاته وتجواله في جهات لواء السليمانية وإنها تهدف إلى إثارة الاضطرابات وان الحكومة ستتخذ التدابير ضده وإتباعه مع مصادرة أملاكه إذا لم يعد إلى مقره في بيران.
والى جانب ذلك بعث المندوب السامي إلى الشيخ محمود طلبا بمغادرة الأراضي العراقية والإيفاء بشروط اتفاقية 1927 التي تضمنت شرطا بعدم دخوله الى العراق دون موافقة الحكومة وعدم التدخل في ادارة الحكومة العراقية للواء السليمانية او غيرها بأية طريقة وعدم تشجيع الغير على ذلك وتجنب الامور السياسية الخاصة بالعراق، واشار المندوب السامي الى تجاهل الشيخ لانذاراته وانذارات وزير الداخلية في كتابيهما السابقين المؤرخين 20 ايلول 1930 وكذلك مخالفة لامر وكيل متصرف السليمانية الذي دعاه في رسالة له في 18 ايلول الى مغادرة العراق وفي النهاية حذره من العواقب التي قد تنجم عن هذه المخالفات.
ومن جهة أخرى استطاع الشيخ محمود ان يحصل على تأييد لا يستهان به وخاصة من فئة المثقفين في السليمانية الذين استهجنوا إجراءات الجيش والشرطة في 6 أيلول وساهمت لجنة الدفاع عن الشعب الكردي، في حشد التأييد للشيخ محمود في حركته هذه.
وكذلك أرسلت العديد من الالتماسات الكردية الى عصبة الأمم من قبل زعماء كرد وشخصيات دينية في الالوية الكردية حتى شملت بعض الزعماء الكرد في ايران وكانت تدعوا الى انشاء دولة كردية برئاسة الشيخ محمود، وتعكس تأييدهم له، وقد وصل تأثير ذلك الى الكرد في لواء الموصل ايضا حيث ابلغ المساعد الاداري في الموصل المندوب السامي بأن معظم رؤساء القبائل في لواء الموصل أعطوا مساندتهم لقضية الشيخ محمود..
وعلى أية حال.. فبعد حصول الشيخ محمود على التأييد السياسي في السليمانية ومنطقة ثشدر، اخذ انصاره منذ تشرين الاول 1930 بشن هجمات ضد قوات الحكومة العراقية بسرعة لمعالجة تحركات الشيخ محمود، فمنذ 22 تشرين الاول والى 27 منه تم توزيع ثلاثة ألوية من الجيش في السليمانية ثم تم تعزيزها بقوات أخرى تقدر بخمسة ألوية وستمائة من قوات الشرطة المتحركة والتي تم تسليحها لمواجهة هذه الحركة وتوضح بأن الثلاثة أرباع الجيش العراقي قد تمركز في لواء السليمانية.
ومن جهة أخرى وجهت الحكومة نداءً الى اهالي السليمانية ذكرت فيه ان الشيخ محمود قد نقض العهد وان كل من يلحق به يعرض نفسه للعقاب الشديد.
وفي الرابع من تشرين الثاني 1930 طلب رئيس الوزراء من المندوب السامي البريطاني في العراق التعاون، بالإيعاز إلى القوة الجوية الملكية البريطانية بالتهيؤ لإلقاء القنابل على المنتفضين قرب ثنجوين وان يرسل احد الضباط البريطانيين لتولي قيادة حامية السليمانية وسرية من الجيش الليفي. وفي حقيقة الأمر، فان السلطات البريطانية في البداية لم تكن راغبة في اتخاذ خطوات فعالة ضد الشيخ محمود وأتباعه، وان المندوب السامي المؤقت في العراق بروك بيهام كان قد علل هذا الموقف على أساس عدة اعتبارات منها انه وبعد توقيع معاهدة 1930 مع العراق كان من سياسة السلطات البريطانية ترك مسؤولية حفظ الأمن الداخلي وخاصة في كردستان بنحو أساس للحكومة العراقية وألا تتدخل القوات البريطانية إلا إذا ساءت الأمور فتساند حينئذ القوات الحكومية، وبان ذلك كان جزءا من سياسة بريطانيا لإعداد العراق للاستقلال إضافة إلى انه لم يكن من السهولة على السلطات البريطانية أن تقرر الإجراءات التي ينبغي اتخاذها ضد الشيخ محمود في البداية على أساس أن تحركاته كانت متاخمة للحدود الايرانية عن عمد لاجل التمكن من العبو الى داخل ايران عندما يضطر إلى ذلك وان سلسلة الجبال الوعرة كانت تجعل استخدام الطائرات عديم الفائدة أثناء تحركات الشيخ محمود في المناطق الحدودية.وفيما يخص العمليات العسكرية فقد عسكرت قوة عراقية على مقربة من بايانان على ضفاف نهر سيويل في ايلول تشرين الثاني، وفي 14 منه تعرضت لهجوم القوة الكردية، ثم تحركت قوات عسكرية بمعاونة سرب من طائرات القوة الجوية الملكية الى قرى مثل مرانة وسوينك وبيرة بسبب ورود اخبار عن وجود الشيخ محمود فيها مع بعض اتباعه ورغم عدم عثورهم على احد منهم فقد احرقت بيتان من بيوت الأهالي ممن كانوا أتباع الشيخ، وفي حقيقة الأمر فان قوات الشيخ محمود اتبعت أسلوب حرب العصابات، فلم تدخل في مواجهة مع القطعات العسكرية، بل كانت تشن غارات ليلية على مخافر الشرطة ومعسكرات الجيش وعليه انسحبت قطعات عسكرية إلى السليمانية في 18 منه.
وفي 23 تشرين الثاني قامت كيبة من قوات الشيخ محمود مؤلفة من مئتي شخص بمهاجمة ثنجوين وأرسلت الحكومة العراقية اثر ذلك كتيبة من القوات العراقية بالتعاون مع سلاح الجو البريطاني للاستيلاء على ثنجوين ثم قام أتباع الشيخ بعدها بنقل نشاطهم إلى سورداش فأرسلت الحكومة كتيبة عسكرية اهرى الى هناك للتعامل معهم.. وحدثت اشتباكات صغيرة وفي إحداها بتاريخ 3 كانون الاول فقدت القوات العراقية بعض القتلى والجرحى.
وفي 8 كانون الاول هاجمت قوات الشيخ موضعا قرب قرية حاجياوة فهرعت القوات العراقية لانجاد مخفر شرطة سورداش على مسافة 36 ميلا شمال غربي السليمانية وفي 17 منه وبناء على طلب وزارة الدفاع العراقية قامت القوة الجوية الملكية البريطانية بتسعة طلعات لغرض الاستطلاع.
وبهذا الشكل اتضح بأن الحركة بلغت سرعتها القصوى والخطيرة في المناطق التي كانت تحدث فيها العمليات العسكرية وكان الشيخ محمود وانصاره يعرفون المنطقة بشكل جيد مما مكنهم من شن حربهم وتفادي القوات الزاحفة في اغلب الأحيان.
وعودة إلى تطورات الانتفاضة على الساحة الكردية، فقد اعلم متصرف السليمانية الحكومة في رسالة له بتاريخ 9 كانون الثاني 1931، عن اهم تطورات الانتفاضة، ذاكرا أن الشيخ محمود قد احتل بمئة فارس منطقة باغي كون وان عددا من أتباعه يبلغون نحو مئة شخص قد تمركزوا في قرى شه شيك، به سيفا، زه رون، امورا وميرزاكور واماكن اخرى على نهر زلم، ووجد انه من المستحسن جدا القيام بعملية جوية ضد هذه القرى حيث يمكن رؤيتها وانه بخلاف ذلك فان الوضع سيستمر في التدهور.
وفي رسالة أخرى له يقترح إرسال طائرات على قرى ومناطق مثل شه شيك والضفة اليسرى من نهر زلم واضاف بان الشيخ قد عاد باتجاه خورمال وباني شار.
استطاع الشيخ واتباعته الاستيلاء على خورمال وتم اسر (سبعة وعشرين) من قوة الحراسة كذلك تم الهجوم من قبل المنتفضين على مركز شرطة شاندر الذي كان يحوي المنتفضين.
عن كتاب كردستان الجنوبية
السليمانية 2006