مصاعب هتلر سنة 1944

مصاعب هتلر سنة 1944

في اوائل عام 1942، وقف هتلر يتحدث الى رجاله وقواده العسكريين، فقال لهم:
- ان هذا العام سيحمل مع نهايته نهاية الحلفاء!
ومضت الأيام والاسابيع والشهور، ولم ينته الحلفاء.
وراح الشعب الالماني يسأل: متى تنتهي الحرب؟
واصبح الالمان يرددون هذا السؤال اكثـر مما يرددون هتاف: هايل هتلر!

واضطر جويلز الى ان يخطب في جميع محطات الراديو ويقول:
- لا تضيعوا الوقت في السؤال متى يأتي يوم النصر.. بل اعملوا في سبيل الحصول على النصر والواقع ان الشعب الالماني كان يثق بزعيمه ثقة عمياء، لانه حقق له كل ما وعد به حتى سنة 1942 وقد اثبت ذلك الجنرال "كارل هو شوفر" مدير معهد الخطط الالمانية يقينا، ودلل على ذلك بالارقام.
كان برنامج هتلر ولكن...
كان برنامج هتلر يتلخص فيما يلي:
1- الاستيلاء على اوربا.. وقد فعل .
2- انتزاع الزعامة السياسية من بريطانيا وامريكا مع خسارة اقل عدد ممكن من الجنود .. وقد نجح.
3- التسلط على مصر والشرق.. وفعلا دخل رومل حدود مصر وهزم جيوش الحلفاء في الصحراء، وبدأت مفوضيات الحلفاء في مصر تحرق اوراقها استعداداً للهجرة من وادي النيل، ولكن حدث شيء ما ، لم يكن في الحسبان.. بل حدثت اشياء لم يحسب حسابها زعيم المانيا وهي:
اولا- اساء تقدير نفسية الانجليز، ومدى تحملهم للضربات القاصمة.
ففي عام 1941، كان هتلر يجلس على قمة العالم.. إذ احتل بولندا والنرويج وهولندا وبلجيكا ولكسبورج وفرنسا في لمح البصر!
وقبلت هنغاريا ورومانيا وبلغاريا الحكم النازي دون مقاومة.
ووقفت روسيا على الحياد طبقا للاتفاق الروسي الالماني.
وكان من المتوقع لكل شخص عدا "المتفائل تشرشل" ان بريطانيا لا بد ان تفاوض في طلب الصلح، بعد ان اصبحت جزيرة منعزلة، وليس فيها من الجنود إلا نصف مليون جندي فقدوا جميع معداتهم واسلحتهم في دنكرك.
واراد هتلر ان يعجل طلب الصلح، فراح يدمر مدن بريطانيا واحدة بعد اخرى بطريقة منظمة.
ولكن تشرشل خيب الآمال، فراح يخطب ويخطب.. واذا بالجزيرة الصغيرة تتحمل الهجمات الجوية الهائلة والوحدة القاتلة في صبر وجلد واحتمال!
ثانيا- لم يحسب هتلر حساب قانون الاعارة والتأجير، فقد اثر هذا القانون في برنامجه اكثر مما اثرت انتصارات ويقل العظيمة في الصحراء.
كان من المعروف ان امريكا امة تجارية يحكمها تجار.. والتجار العقلاء لهم شعار معروف وهو "الشكك ممنوع".
وكانت محطة برلين تحاول ان تثير الرعب في قلوب الامريكان، وتقول لهم كل ليلة: "لا تضعوا انوفكم فيما يجري في اوربا، فان في استطاعة هتلر اذا ضغط على احد ازرار مكتبه ان يثير حربا داخلية في الولايات المتحدة".
ولكن حرب الاعصاب هذه لم تمنع صدور قانون الاعارة والتأجير، فارسل تجار امريكا الى بريطانيا وهي على شفا الافلاس المالي جميع البضائع التي تحتاج اليها.
ثالثا- اساء هتلر فهم نفسية الروس، واخطأ في تقدير استعدادهم الحربي.
فقد شعر هتلر ان الاستيلاء على العالم لا يكون إلا بالتقسيط، فراح يعمل للحصول على نصر حربي سريع في روسيا في نفس الوقت الذي بدأ رجاله يحملون اوربا الى ترسانة المانية، وبدأ طياروه يحولون بريطانيا الى رماد..
وبهذه الخطة يضع هتلر تحت يده صناعة اوربا، وحبوب روسيا وزيوتها.
وفي فجر 22 يونيو سنة 1941 هاجمت الجيوش الالمانية روسيا، بقوات هائلة ليس لها مثيل في التاريخ.
كان شعار هتلر الدائم "لا تبدأ حرباً قبل ان تتأكد من ان نفسية عدوك ستنهار بعد الضربة الاولى".
ولقد حققت الحوادث صحة هذه الفلسفة.. فلماذا لا تتحقق مع روسيا؟
بدأ في اول الامر ان ما حدث في اوربا سيحدث في بلاد ستالين، فتراجع الجيش الاحمر امام قوات المانية الساحقة.
ولم يتصور هتلر ولا العالم ان الروس قد صحوا باوكرانيا وروسيا البيضاء بناء على خطة موضوعة بحق وحقيق!
كان من المعتقد ان تلك الخطة الموضوعة ككل الخطط الموضوعة التي يدعيها ل جيش مهزوم انسحب من المعركة!
وهكذا لم يستطع الالمان انهاء حربهم مع روسيا في ستة اسابيع!
وبدلا من ان تدخل الحبوب الروسية بطون الجنود الالمان، دخل الرصاص الروسي في قلوبهم واجسامهم.
رابعا- اعتقد هتلر ان دخول اليابان الحرب سيشعل الولايات المتحدة عن تموين الحلفاء بادوات الحرب.. ولكن روزفلت وتشرشل قررا ان يقوما اولا بالقضاء على المانيا ثم اليابان!

ماذا يشغل رأس هتلر
والان ونحن في سنة 1944 ، نتساءل عن برنامج هتلر، وعن موقف معهد الخطط الحربية بمدينة فينا؟
ان سر قوة هتلر هي تعمقه في علم النفس ودرايته بنفسية "ابن البلد" الالماني.
فماذا يشغل رأس هتلر في رأس سنة 1944؟
إنه ولا شك يفكر في "ابن البلد" الالماني إنه يتصوره الان وهو يحس مرارة الهزائم المتكررة بعد ان ذاق حلاوة الانتصارات في فرنسا، وفي دنكرك، وفي الصحراء.
انه يتصور "ابن البلد الالمانيط راقداً في فراشه لا ينام في انتظار طائرات الحلفاء التي تغير على بلاده ليلة بعد اخرى، وفي انتظار صحف الصباح ليقرأ فيها عمود الوفيات.. ذلك العمود الذي يحمل كل يوم اسماء مئات الجنود الذين قتلوا في روسيا.
ان هتلر يتصور ابن بلده وهو يتساءل عن سر الروس، وكيف يحاربون حتى الان، مع ان الفوهرر قد وعدنا بالقضاء عليهم في ستة اسابيع؟
ابن البلد الالماني يفكر الان في ايام سنة 1918، ويقارن بينها وبين هذه الايام.
هذا هو بعض ما يشغل رأس هتلر.
لاينام الليل
وهناك عوامل اخرى تجعل الزعيم الالماني لا ينام الليل.. وهي:
1- ان يفقد الالمان ثقتهم في زعيمهم وايمانهم بنظره البعيد.
فلقد اثبتت الحوادث ان سلاح الكذب هو احسن الاسلحة الالمانية واقواها. فبهذا السلاح استولى هتلر على الالمان والنمساويين واهل تشيكوسلوفاكيا واستطاع بهذا السلاح ان يقضي على الحقيقة، ولكنه عجز عن القضاء على الواقع.
فها هي روسيا لا تزال تحارب، وابن البلد الالماني يشعر الآن بانها لن تهزم بعد ستة اعوام!
قال لهم جوريخ: لن تقترب طائرة بريطانية من برلين.. ولكن ها هي برلين تصبح اكواما من الرماد!
لقد بهتت الاكاذيب الالمانية واصبح الالمان يشكون في اقوال زعيمهم!
إن نفسية الشعب هي اقوى اسلحته.. فنفسية اهل لندن هي التي انقذت بريطانيا من التسليم 1940 وهي التي اذكت الشجاعة في قلوب الجنود الروس.
وهي التي ستؤثر في قوة الالمانيا العسكرية.. خصوصا بعد ان لمس شعبها النصر.
كان هتلر يقول للشعب ان الملابس كافية للجنود الالمان في روسيا، وبعد ايام كان الجنود النازيون يدخلون كل بيت ويطالبون بفرو السيدات ومعاطفهن لارسالها للجنود حتى لا يموتوا من البرد!
2- بدأت النيران تهرب من السفينة فلم يعد اعضاء الحزب يخلصون لبلادهم. فالمعتقلون اليهود والبولنديون وحتى الانجليز يستطيعون الان الهرب، من السجون الالمانية بالمال!
اصبح الان، ولاول مرة في استطاعة جواسيس الحلفاء شراء المعلومات والاخبار والاسرار!
وازدهرت في برلين السوق السوداء. وازداد عدد التجار الذين يعملون فيها دون خشية عقوبة الاعدام.. وثبت في عدة قضايا ان اعضاء حزب النازي يتاجرون في هذه السوق.
3- ضعفت قوة الانتاج الالمانية، في نفس الوقت التي زادت فيه قوة انتاج امريكا وانجلترا وروسيا.
واصبح من العسير ان يقف 80 مليون الماني امام 190 مليون روسي و130 مليون امريكي و46 مليون انجليزي.
لقد استطاع هتلر في وقت من الاوقات ان يجند 12 مليون رجل.. ولكن حرب الروسيا والهجمات الجوية مزقت تلك القوة الضخمة.
4- ظن هتلر ان في استطاعته استخدام عمال اوربا في المصانع الالمانية بدلا من العمال الالمانيين، ولكن التجربة قد فشلت تماما، فأوقف حركة ارسال عمال اروبا الى المانيا.
5- كان من المفروض ان تقبل شعوب اوروبا المحتلة الامر الواقع وترضخ للحكم النازي، ولكن حوادث الاعتداءات قد كثرت اخيرا حتى اضطر الى مضاعفة قوات جيوش الاحتلال.
6- رفضت الفتيات في اوربا التعاون مع الجنود الالمان رغم نصائح حكومات كويسلنج لهن بالترفيه عن الزوار العظام!
وقد اعدمت اخيراً فتاة بولندية لانها صفعت جندياً المانيا وركلته حين حاول مغازلتها!
ولكن هذه العقوبة الصارمة لم تؤثر في قلوب البولنديات، فاستمر الاضراب! اوصبح الجندي الالماني يفضل الذهاب الى ميدان القتال على الذهاب الى بولندا!.
هذه هي المشاكل التي تشغل هتلر الان ... فاذا لم يجد لها حلا في الثلاثة الاشهر القادمة، فان الحرب سنتهتي قبل ديسمبر سنة 1944.

ذات صلة