انت الان في سنة 1923 بعد شنة من اعلان الاستقلال

انت الان في سنة 1923 بعد شنة من اعلان الاستقلال

نحن الان في سنة 1923.. آخر سنة من سنوات الرخاء الذي جاء بعد الحرب مباشرة، انه يوم 15 مارس.. اول عيد من اعياد الاستقلال.
ان مصر اليوم ترفض على سلالم التاريخ فقد مضى عام كامل على اعلان الاستقلال، وسيمضي عام كامل ثم يجتمع اول مجلس نيابي في عهد الدستور.

في 15 مارس سنة 1923 يسمى اليوم عيد الاستقلال، ولكن هذا الاسم لن يعيش طويلا فان سعد زغلول سيتولى الوزارة ويفقد مجلس النواب بعد عام ويسمى اليوم (عيد الدستور) نحن الان في 15 مارس سنة 1923.
توفيق نسيم باشا رئيس الوزراء قدم استقالته لان الانجليز رفضوا ان يسمى مئات مصر في الدستور ملك مصر والسودان.
اللورد اللنبي يفاوض عدل يكن ولكن عدل رفض الوزارة وكذلك ثروت ورشدى.
سعد زغلول يسمى اللجنة التي وضعت الدستور بلجنة الاشقياء.
انه معتقل في جبل طارق.. والمساعي مبذولة لفك اعتقاله وهناك جريدة انجليزية صغيرة اسمها الديلي هيرالد تطالب باطلاق سراحه وقد وصفتها الصحف المعادية لسعد بانها جريدة حقيرة يصدرها الشيوعيون في لندن! ولكن صحف سعد تؤكد انها جريدة كبيرة وانها تطبع اكثر من 40 الف نسخة في اليوم!
ونشرت جريدة الديلي وسبانش لسان حال المحافظين ومقطوعينها نصف مليون نسخة مقالا بعنوان "سجن النعيم" قالت فيه:
"من الخطأ ان يظن البعض ان سعد زغلول في محنة فالواقع انه يعامل معاملة استثنائية كاسير دولة.
وهو ليس قوى البنية فلذا يعتني بصحته اعتناء عظيما وله ان يقرا ويطالع جميع الكتب التي يحتاج اليها ومع ذلك لا ينهج اتجاها حقيقيا بقراءة الادب!
وهو يجيد لعب البوكر وقد استطاع ان يكتسب كل النقود التي كانت في جيوب حراسه!
وليست هذه هي المرة الاولى التي كسب فيها سعد زغلول اموال حراسه.. فقد سبق ان ربح اموالا كثيرة من كل مكان نفاه اليه الانجليز!".
والشاب مكرم عبيد معتقل في سيشل، انه يحب فتاة في مصر، ويكتب لها خطايا كل يوم من نار!
ان الفتاة اسمها عايدة.. وهي ابنة الاستاذ مرقص حنا وهو معتقل الان في قشلاق قصر النيل ومحكوم عليه بالاعدام..
ومع مكرم في سبشل القاضي الشاب مصطفى النحاس بك وفتح الله بركات بك وعاطف بركات بك وسينوت حنا بك.
ان مصطفى بك متشائم او هو يتحدث دائما عن شقيقته واولادها الصغار الذين تركهم بلا معين في شقته الصغيرة يحي شبرا ان ايجار الشقة مرتفع جدا. فهو ثلاثة جنيهات في الشهر.
في مصطفى بك يمضي الوقت في الغناء مع مكرم، انهما يغنيان الاغنية الشعبية، يا عزيز عيني وانا بدي اروح بلدي!
بلدي يا بلدي والسلطة اخذت ولدي!

***
واغنى الصحف اليوم هي جريدة السياسة وهي تدفع مرتبات ضخمة للمحررين انهم يدفعون لرئيس التحرير الشاب محمد حسين هيكل 80 جنيها في الشهر! والمدير الذي يحرك المحررين هو طبيب اطفال اسمه الدكتور حافظ عفيفي.
انها توزع 25 الف نسخة في اليوم، وهناك منافسة شديدة بين جريدتي المقطم والاهرام على احتلال المكان الثاني!
المخبر الشاب محمود ابو الفتح يبحث عن عمل!
الشاب فكري اباظة يكتب مقالات حماسية في جريدة الاهرام نصفها علامات تعجب ونصفها علامات استفهام والباقي افكار جديدة!
محمد التابعي كتب مقالته الاولى في مجلة سفتكس الانجليزية، انه لم يكتب بعد باللغة العربية، ان مقاله الاول كان نقدا لرواية عادة الكاميليا التي اخرجتها فرقة رمسيس، انه يقول عن يوسف وهبي انه "واد لحمه" ولقد اكتشف فتاة صغيرة قامت بدور صغير جدا.
ان اسمها فاطمة رشدي والتابعي يتنبأ لها بمستقبل كبير!
ان التابعي اليوم يستعد للحصول على شهادة الليسانس، وامنيته ان يعين في وظيفة بالسلك السياسي بمرتب 15 جنيها في الشهر!
يقول التابعي انه في تلك الايام كان كثير الحياء وكان يجعل من مجالس الفتيات!
ومصطفى وعلى امين كانا في التاسعة! كان مصطفى امين يصدر مجلة بالبلوطه اسمها "الحقوق" وكان على امين يصدر مجلة منافسة اسمها الاسد.
انهما تليمذان في السنة الثانية بمدرسة المنيرة الابتدائية!
ببنطلونات قصيرة، ويقرآن بشغف روايات اللص الشريف وجونسون والفرسان الثلاثة!
اكتشف على امين اليوم ان اللورد كتشنر قد غرق، ونشر الخير في الصفحة الاولى من مجلة الاسد بعناوين ضخمة!
وبعد اعداد المجلة للطبع وبعد توزيعها ظهر ان كتشنر غرق منذ 9 سنوات!
وفي 15 مارس سنة 1923 كان توفيق الحكيم طالبا في السنة الثالثة بمدرسة الحقوق.
وكان يزوغ من محاضرات المدرس علي ماهر في القانون الدولي حتى يحضر بروفات روايته العريس وخاتم سليمان، في فرقة عكاشة!
وكان زملاء توفيق الحكيم ينصحونه بان يحضر محاضرات "علي بك" لانه محاضر ممتاز، وكان توفيق يعد بالحضور عند انتهاء البروفات.. وكلنها لم تنته إلا بعد انتهاء العام الدراسي.
كان زملاؤه في مدرسة الحقوق محمد الوكيل ومصطفى مرعي وسليمان غنام، وحسن يس.
وبقى حسن في سنة ثالثة حتى كتابة هذه السطور.
انه يفكر في الزواج! ان معظم زملائه في المدرسة متزوجون، فلماذا لا يتزوج هو ايضاً.
انه اليوم بدأ يقلب هذه الفكــــــــــــــــرة في رأسه.. واســــــــــتطاع ان ينقذها بعد 23 سنة!
***
وتهمس الدوائر الدبلوماسية بان الغازي مصطفى كمال غرام فتاة حسناء اسمها لطيفة، وتتوقع ان يقضي هذا الغرام على نفوذه ويؤثر في تفكيره!
بل يقال ان مصطفى كمال يفكر في ان يرتدي القبعة في الصيف!
لقد قامت قيامة الازهر على هذا الزعيم المسلم لانه يريد ان يضع على راسه قبعة الكفرة والنصارى!
وتتحدث لندن عن الشاب الخجول ابن ملك الانجليز الذي خطب فتاة غنية جميلة.
لقد تردد الملك طويلا على عقد قران ابنه لانه يتلعثم كثيرا ولا يستطيع ان ينطق جملة كاملة الا اذا تلعثم في اثنائها ثلاث مرات
انه الدوق يورك ولقد نشرت جريدة "ايفنتج نيوز" اه سيقدم لعروسه قلادة مصرية قديمة وجدها اللورد كزنار فون في قصر توت غنخ امون!
وقامت قيامة الصحف المصرية على هذه الهدية وقالت انها هدية مسروقة من مصر وطالبت باعادتها.
ان العريس هو الان جورج السادس ملك انجلترا الحالي وزوجته هي ملكة انجلترا!
وقد استطاع بعد مجهود شاق ان يتخلص من تأتأته وفأفأته واصبح يحادث شعبه في الراديو عدة مرات كل عام.
لقد عرض على الانسة ام كلثوم في مارس 1950 الف جنيه لتغني في حفلة زفاف فاعتذرت لارتباطها بالغناء في الاذاعة!
فماذا كان اجر ام كلثوم سنة 1923!
تقول ام كلثوم انها كانت تتقاضى 20 جنيها بما في ذلك مصاريف السفر وبدل الانتقال من الستيلاوين الى القاهرة!
وكان هذا هو اجرها الاسمي اما اجرها الفعلي فكان 50 قرشا لها كانت تصرف الباقي في سكة الحديد والاقامة في القاهرة عدة ايام استعدادا للحفلة!
كانت تركب القطار في الدرجة الثالثة وتقيم في ملحق فندق جيردون هاوس. وكانت هي ووالدها وشقيقها يقيمون في حجرة واحدة اجرها ثلاثون قرشا بما في ذلك ثمن الافطار لثلاثة اشخاص!
وكانت ام كلثوم لا تعرف القاهرة ولذلك كانت تذهب الى المطعم المجاور للفندق لتناول الطعام وتدفع في كل مرة جنيها كاملا!
وبعد سنوات اكتشفت ام كلثوم ان هذا المطعم هو مطعم اصحاب الملايين وان اسمه سان جيمس!
وكان يتبقى معها بعد اجر الطعام والفندق 50 قرشا كانت تشتري بها فاكهة من الستبيلاوين تقدمها الى اسرتها على اعتبار انها فاكهة مصر!
وكانت امنية ام كلثوم في ذاك الوقت ان تركب الترام وتدخل حديقة الحيواناتّ
***
ومحمد عبد الوهاب يتقاضى الان 25 الف جنيه عن كل فيلم يظهر فيه! فماذا كان في سنة 1923؟
كان مطربا صغيرا في فرقة علي الكسار وكان مرتبه ستة جنيهات في بعض الاشهر ولا شيء في كثير من الشهور!
ان امنية محمد عبد الوهاب ان يعين في وظيفة دائمة في مصلحة المساحة بمرتب شهري قدره ستة جنيهات، لقد تحدث في هذه المسألة المهمة مع مدير مصلحة المساحة محمود شاكر بك (باشا الان) فوعده بالنظر في الامر.
انه سيغني الليلة على مسرح الكسار اغنية "عذبيني، فمهجتي في يديك.. وانصفيني، فالقلب عبد لديك!"
وهو مطرب كبير الان.. لقد دفعت له شركة الاسطوانات جنيهين ثم اسطوانة "ويلاه! ما حيلتي. ويلاه ما عملي.. ضياع الرشاد، وضاقت في الهوى سبلي!".
وهو يعتقد ان اجمل فتاة في العالم هي فاطمة قدري! ان عمرها في سنة 1950 حوالي الستين.
وهو يقيم في نصف بيت بباب الشعرية يبلغ ايجاره الشهري 150 قرشا.
وهو يدفع لاسرته كل شهر 4 جنيهات ويحتفظ في جيبه بالفي مليم!
انه سعيد بهذه الالاف! فهو يذهب كل اسبوع الى "الملط" بائع الكباب بباب الخلق وياكل وحده رطل كباب ثمنه ستة قروش!
ان زملاءه يحسدونه! فهو يملك بدلة سموكن ثمنها خمسة جنيهات دفعها بالتقسيط، وبدلة رمادية ثمنها ثلاثة جنيهات!
ان امنيته اليوم هو ان ياكل كل يوم رطل كباب ورطل الكباب يسيطر على تفكيره فالفتاة الجميلة في نظره هي التي يتكون جسمها البض من الف رطل كباب!
لقد تقدم منذ ايام الى امتحان عقده معهد الموسيقى للملحنين، فسقط عبد الوهاب ونجح صقر علي!
اه لم ييأس.. لقد وعده شاكر بك مدير المساحة بالنظر في امر تعيينه في وضيفة كاتب مصلحة المساحة بمرتب شهري قدره ستة جنيهات!
ترى؟ هل تفتح له السماء ابوابها ويرى ليلة القدر ويحصل على الوظيفة وعلى ارطال الكباب!

***
ولنعد الان الى سنة 1950 ان مصر لا تزال ترقص على سلالم التاريخ!
ولكي نرى ماذا سيحدث بعد 27 سنة لطلبة السنة الثالثة بكلية الحقوق والمطرب الصغير الذي يحلم اليوم برطل كباب، والاسماء اللامعة التي هي حديث الناس في سنة 1950!!
ماذا سيحدث لكل هؤلاء سنة 1977؟