تعال معي الى البيت الابيض

تعال معي الى البيت الابيض

تعال معي الى المنزل نمرة 1600 شارع بنسلفانيا بواشنجتن، سوف تجد نفسك امام منزل ابيض اللون، منخفض البناء، لا يميزه عن المنازل الاخرى إلا بوابته الفخمة..

في هذا المنزل يقطن اقوى رجل في الارض، يقطن الرجل الذي وصفه توماس جيفرسون، وهو من رؤساء الولايات المتحدة السابقين، فقال عنه، وهو يتحدث عن "شقائه الفاخر": "انني لاتساءل كيف يوجد في العالم مجانين يحلم الواحد منهم بان يتولى في يوم من الايام منصب رئيس الولايات المتحدة.."

تعال نتساءل عن سبب تسمة البناء بالبيت الابيض.. ان الدليل يروى لك كيف احرق الادميرال الانجليزي جورك كوكيرن هذا القصر في عام 1814، وكيف لم يبق منه بعد الحريق في جدارته السوداء.. وكيف ان هذه الجدران قد طليت بعد ذلك باللون الابيض حتى يختفي نهائيا كل اثر فيها اللون الاسود..
فسمى هذا القصر منذ ذلك الوقت بالبيت الابيض..
***
تعالى ندخل الى حديقة البيت الابيض... ليس هناك من يحول بينك وبين دخول الحديقة.. ان اي انسان في وسعه ان يدخل الحديقة ويتوغل حتى باب المنزل.... بل ان الباب المؤدي الى الدورين الارضي والاول مفتوح باستمرار للجمهور.. ولكن الوصول الى (القاعة الحمراء) او (القاعة الخضراء) او (القاعة الزرقاء) يحتاج الى ترخيص..
وهكذا يوفقون بين رغبة كل امريكي في رؤية المنزل الذي يعيش فيه رئيسه، وبين الحياة الخاصة التي يحب الرئيس ان يعيشها في منزله!
... تعال نمر بداخل البيت.. انه يشمل عشرين غرفة للنوم، وقاعة للالعاب الرياضية الداخلية (الجمياز) وحوضا للاستحمام.. ان امريكا تحب الاحصاء.. وها هو الدليل يقول لك انه لو كان هذا المنزل ملكا لاي امريكي اخر لدفع عنه ضرائب لا تقل مقدارها عن 78 الفا من الجنيهات كل عام..
هل تريد ان تسمع الى احصاءات اخرى طريفة عن رئيس الولايات المتحدة..
اذن فأسمع!
ان رئيس الولايات المتحدة يتقاضى في كل عام خمسة الاف جنيه مقابل نفقات رحلاته.. وله حق ركوب القطارات الخاصة...
وتدفع الحكومة له نفقات غسيل ملابسه وكيها، وهي تبلغ نحو الف جنيه في العام الواحد..
وفي البيت الابيض حلاق خاص يمر الرئيس بحجرته، في صباح كل يوم، وتدفع له الدولة مرتبه، كما تدفع له ما يستعمله من الصابون والعطور.
وتدفع الحكومة ايضا ثمن الجرائد والمجلات التي يقرؤها الرئيس، وهي التي تطبع له بطاقات الزيارة..
وتعالج الدولة لرئيس الولايات المتحدة جسمه واسنانه بالمجان عدا انفاقها على طبيب مقيم بالبيت الابيض لايبارحه البتة.
واذا زار الرئيس اي بلد في الولايات المتحدة ونزل في اي فندق من الفنادق فان الدولة هي ايضا التي تتولى دفع الحساب!
وتزين حجرات البيت الابيض بما لا يقل عن 700 زهرة كل يوم تؤخذ جميعها تقريبا من حدائق البيت التي يشرف عليها عدد كبير من البستانيين يتقاضى رئيسهم مرتبا يبلغ نحو 500 جنيه في العام!
ولرئيس الولايات المتحدة حق استخدام اي بارجة من بوارج الاسطول الامريكي وفي استعارة اي جواد من جياد الجيش..
وهو – زيارة على ذلك كله – له مخصصاته وهي لا تقل عن 15 الف جنيه في العام!
***
تعال الان نمر بالدور الارضي... انه يزخر بالزائرين، وهم جميعا من الفضولين الذين لم يأت بهم الى هنا الا حب الاستطلاع، ان كل امريكي يعتبر رئيس لولايات المتحدة رئيسه شخصياً، وهو يعرف انه ممثله وممثل الشعب الامريكي كله..
وانه رمز الدولة. ولذلك يهتمون جميعا بمعرفة كيف يعيش الرئيس، وفيم يفكر وكيف ياكل واي الاصناف يفضل.. وكيف نقص له (باقة) قميصه وما هو لون بيجامته؟!
وهذا الفضول مما يزعج الرئيس ويقضي عليه مضجعه دون شك بل انه يقصر حياته فعلا.. بما لا يقل عن خمس سنوات في المتوسط. وقد مات ثلاثة من رؤساء الولايات المتحدة في اثناء ادائهم واجبهم، هم، ويلسون وهاردنج وروزفلت.. وقتل منهم ثلاثة ايضا هم: لنكولن وجارفيلد وماك كيتلي.
ولكن كيف يسمحون لك ان تتجول في البيت بهذا الشكل دون حراس يتبعونك ويراقبونك اذا كان بعض الرؤساء قد قتلوا بايدي المجرمين السياسيين؟
ان الدليل يبسم لك، وانت تلقى عليه هذا السؤال، فيشير من طرف خفي الى شاب وجيه حسن الملبس يشع الذكاء من عينيه وقد وقف – كأي زائر آخر – ينظر الى بعض الصور الموضوعة على الحائط كانه لم يرها من قبل.. ولكنه في الحقيقة لا ينظر الى الصور المرفوعة.. بل هو يراقب الزائرين..
ان له زملاء.. وقد انتشروا جميعا بين الزائرين والزائرات يراقبونهم ويتطلعون باهتمام الى وجوههم، يحاولون ان يقرأوا ما انطوت عليه زيارتهم للبيت الابيض من الاغراض. انهم يكونون فرقة (البوليس السري) الخاصة بالبيت الابيض وجميعهم من الرياضيين الاشداء الذين يجيدون الرماية سواء باليد اليمنى او باليد اليسرى. واهم واجباتهم المحافظة على حياة رئيس الولايات المتحدة. وان الامريكيين يعتبرون حياة الرئيس ملكا للشعب الامريكي وليست ملكا لصاحبها، وبعض الامريكيين المتعصبين او احدهم قد يفكر يوما في القضاء على حياة الرئيس اذا اعتقد انه انحرف عن مبادئه!
ولذلك فان مهمة الحرس السري في البيت الابيض ليست بالمهمة السهلة، وخاصة بسبب هذا العدد الوافر من خطابات التهديد بالقتل الذي يتلقاه الرئيس كل يوم في بريده الخاص، ان رجال الحرس السري، في هدوئهم البرئ، كثيرا ما يطردون من البيت بعض الزائرين الذين لا بدل شكلهم او مظهرهم على انهم يبينون نية الاجرام.. ولكن الفراسة والتجارب الطويلة والعلوم النفسية التي تلقوها عن هي التي تنذرهم وتدفعهم الى المحطة الشديدة وهم يحملون سلاحهم باستمرار، واكنهم لا يظهرونه حتى لا يكشف عن حقيقة شخصيتهم.
وقد حدث ذات ليلة من ليالي الصيف، حيث اشتد الحر، ان رأى احد هؤلاء الحراس منظرا عجيبا، حتى لقد ظن ان الحر قد اثر في اعصابه، وفكر في ان يذهب لكي يتناول بعض المرطبات ظنا منه ان الحر هو الذي سبب له تخيلاته واوهامه، ولكن المنظر العجيب عاد الى المثول امام عينيه. فكاد الرجل يجن حقيقة.
ذلك ان ملاكا حقيقيا يرتدي الملابس البيضاء الناصعة، وينتعل حذاء ابيض اللون، ويحمل اجنحة تحت ابطيه.. كان يتقدم منه في الظلام..! ولما وصل الملاك امام الحارس كان هذا الاخير يرتعش من الخوف بشكل واضح، ولكن خوفه لم يمنعه من ان يضع يده في جيبه على فبضة مسدسه.. وقال الملاك:
- ان لدي رسالة من الله احملها للرئيس.. ويجب ان اراه في الحال..!
وتمكن الحارس بكل صعوبة من ان يقول بصوت مضطرب متلعثم:
- ان الرئيس ليس هنا..! وانصرف الملاك يائساً!
وليس هذا "الملاك" هو الزائر الوحيد البيت الابيض.. ان البيت يعج كل يوم بمن يطلبون مقابلة الرئيس لامور يقولون انها ذات اهمية عظمى للدولة.. بل للعالم! ولكنهم مع ذلك لا يقابلونه! اذ منهم من يقول انه توصل الى اختراع اشعة الموت، او وقف على سر الحركة الدائمة، او اخترع آلة في وسعها ان توطد اركان السلام في العالم!
وخدم البيت الابيض معظمهم من الزنوج، وهذا تقليد قديم جرى عليه رؤساء الولايات المتحدة وبعض اصحاب الملايين من الامريكيين، ويتراوح عددهم بين 20 و 30 خادماً.. وهم يعيشون في جناح خاص من البيت.. واكثرهم يقضي حياته كلها فيه فلا يبارحه الا اذا اعتزل العمل بسبب الشيخوخة او المرض..
***
تعال الان قبل ان نغادر البيت الابيض لنمر بهذا المتحف الصغير الذي يطلق عليه متحف ملكات البيت الابيض. انه يضم صور زوجات جميع الرؤساء الذين تعاقبوا على مقعد الرياسة ان العارفين باسرار البيت يقولون ان كل زوجة من هؤلاء تركت طابعها الخاص بالبيت الابيض، وانه كلما حلت به سيدة اولى جديدة، طلبت ادخال اصلاحات جديدة..
هذه هي صورة مسز روزفلت – السيدة التي مكثت بالبيت الابيض اكثر من اي سيدة اخرى.. انهم يذكرون عنها انها هي التي جددت مطابخه تجديدا شاملا..
وهذه هي صورة مسز ادمس زوجة الرئيس جون ادمس، الذي خلف واشنطن – اول رئيس للولايات المتحدة – انهم يذكرون عنها انها كانت (تنشر) الملابس المغسولة في احد الصالونات.. ولكن ما هذه الصورة الجميلة الملونة المعلقة الى جانب صور السيدات؟ انها ليست صورة سيدة ولكنها صورة ببغاء.. ان هذه الببغاء كانت من ملكات البيت الابيض، اذ يقول الدليل ان جيفر ستون الذي تولى الرئاسة من 1801 الى 1809 كان أعزبا، ولذلك خلا البيت الابيض في عهده من سيدة اولى. وقد استعاض الرئيس عن السيدة الاولى بهذه الببغاء لكي تؤنسه في وحدته.
لا شك انه عرف اي طائر يختار لكي يستعيض به عن زوجته..
وهذه صورة مسز فيلمور التي حلت بالبيت الابيض من 1850 الى 1853 انهم يذكرون عنها انها اول سيدة امرت باعداد حجرة استحمام بالبيت الابيض.
وهذه صورة مسز هاير السيدة الاولى من 1877 الى 1881 وقد اشتهرت بانها حرمت ادخال الخمور الى البيت الابيض حتى اطلق عليها "مسز ليموناده"!
وهذه صورة مسز نابلر زوجة الرئيس الذي تولى الحكم من 1849 وكان من عادتها ان تدخن (البيبة) في البيت الابيض امام الزائرين..
وهذه صورة مسز كليفلند، زوجة الرئيس كليفلند الذي انتخب مرتين.. وكان أعزبا.. ولما اراد ان يتزوج لم ترق في نظره غير وصيفته فتزوجها.. ولم يغضب الشعب لهذا الزواج.. بل احب السيدة الاولى.. التي كانت في الاصل.. وصيفة!
ولا تدهش.. فنحن في امريكا!
"ف.ج"