حفريات  الخطاب الديني عند أركون

حفريات الخطاب الديني عند أركون

علاء هاشم مناف
لقد حرص محمد اركون على المتابعة الميتافيزقية للنص الديني الإسلامي، كذلك الالتزام بالصيرورة الفلسفية للخطاب الديني الإسلامي والتحول الى رسم ستراتيجية التغيير لمواقع التفكير السلفي، والى تحديد"الميتافيزيقية الفردية"

والمراهنة على عملية التفكير الإنساني في عملية التغيير للنصوص الدينية مثل: الإنسان الموجود النصي لإمتلاكه خلاصة التغيير في شروط ترتبط بالتناول للكثير من الاسئلة المتعلقة بالنص الديني في الإسلام.
وقد إفتتح "نصر حامد أبو زيد" منظومته الفكرية بالتأكيد على الأفكار والمفاهيم المتعلقة بالمنطق الهرمينوطيقي والذي ترجمه على أنه جهد عقلي ذاتي لتفسير النص الديني الإسلامي وإخضاعه الى جملة من التصورات والمفاهيم الفكرية والهرمينوطيقية والمرتبطة بتراث تفسيري للنص الديني وعلاقة المنطق الهرمينوطيقي بالإنسان.
وعلاقة الوجود الإنساني بالوجود المتجلي من خلال منطق اللغة كما في كتابه" فلسفة التأويل" وهي دراسة في تأويل القرآن عند "محي الدين بن عربي" حيث يشير نصر حامد ابو زيد : "وهو بالمثل يتكوّن من ظاهرة وباطن، وحد ومطلع وهي مراتب ومستويات تتماثل مع مراتب الوجود ومستوياته ولا ينفصل تأويل الوجود عن تأويل النص والنفاذ الى مستوياته المتعددة التي لا يفهمها إلا الإنسان الكامل الذي تحقق بباطن الوجود وتجاوز ظاهره"
والحلم الذي يسعي له نصر حامد ابو زيد هو إعادة النظر في التراث الإسلامي من خلال علاقة المفسر بالنص الديني الإسلامي وما تشكله هذه القضية على المستوي الوجودي ، ويركز ابو زيد على فكرة "التفسير الهرمينوطيقي" ولكن عملية التفرقة ترفع من شأن التفسير و نقض الطرف عن القيمة الهرمينوطيقية على أساس سلفية الأول وموضوعية وذاتية الثاني وإشكالىته الموضوعية.

أصحاب التصور السلفي الذين يقولون:
أن المعرفة الدينية لا تدخل في إطار الصيرورة التاريخية.

وأن جيل الصحابة والتابعين قد جاءوا بالمعرفة الدينية والدنيوية كاملة بشكل تام، فيما يتصل بالوحي ومعناه وأن التمسك بتلك المعرفة الدينية هو الذي يعصمنا من الزلل، وقد إنتهي الأمر بهم الى حالة العزل المعرفي للنص الديني عن غيره من الحلقات الابستيمولوجية.
وهذا أدي بدوره الى إنكار تطور الصيرورة الابستيمولوجية وقد كان إبن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية من أكثر ممثلي هذا الإتجاه..
وقد ركز ابو زيد على التجاوز للتفرقة بين "التفسير الهرمينوطيقي " و"الايمان بصيرورة التغيير" في العلاقة التي تربط المفسر بالنص الديني وعلاقته بالمنطق التاريخي الذي يفصله عن المكوّن الزمني للنص، من هنا يلتقي "محمد اركون" مع "نصر حامد ابو زيد" في الوصول الى منعطف تاريخي والى موضوعية مطلقة في فهم النص وإخضاعه الى الصيرورة التاريخية بعيداً عن معني ذاتية المفسر التي تقوم بالغاء الوجود الموضوعي للنص الديني.
وفي هذه الحالة يتم إخضاع النص الديني ليتشكل بما يمثله تصور المفسّر السلفي، وهذا يعد خرقاً للموضوعية على الحسابات الذاتية وبالتالى في المحصلة النهائية يتم الإلغاء للوجود التاريخي للنص ويوضع في حساب المفسّر الإصولي السلفي.
وقد تجاوزا الاثنان "محمد اركون ونصر حامد ابو زيد" الاطار التفسيري المباشر وإتجها الى دراسة التأويل في الفلسفة الإسلامية ، خصوصاً المنهج "الهرمينوطيقي" للنص الديني وعلاقته بالاستشراق ومنحه الفهم والتميز للنصوص دون أن يتم إجتثاثه من أصله" الهرمينوطيقي" لقد كان للتفكير الذاتي الذي رافق تطور العلوم الإنسانية والذي كان تحت حكم نموذج العلوم الطبيعية وهذا ما بينته إطلالة عجلي على تاريخ الكلمة "Gelst eswisscnaft" "العلم الإنساني" ومن هذا فقد إكتسبت الكلمة معناها المألوف إذا جاءت بصيغة الجمع فقط، فالعلوم الإنسانية معرّفة بعلوم الروح: Geisteswissens chaften التي تدرك ذاتها بوضوح من خلال المقياس الابستيمولوجي والتي تتشكل بمفهوم الروح "Geist" التي يترجمها الاصولي السلفي "علم الروح داخل النص الديني" ولكن داخل الصيرورة التاريخية للفكر الديني الذي ينطبق عليه المنطق الإستقرائي وهو المنهج الأساس لعلم التجريب الذي اكده "هيوم" وهو الأشد من الناحية الابستيمولوجية وما يعنيه الجانب الاخلاقي.
إن تأسيس منطق التشابهات ، والانتظامات والامتثال دائما للحس القانوني الابستيمولوجي وهو الذي يحدد تقييم إمكانية التنبؤ بالحلقات الابستيمولوجية المفقودة داخل النصوص أو في ميدان التغيير داخل المعطيات التي يتأسس عليها ذلك الإنهمام لبلوغ حالة الصيرورة داخل المتشابهات ، وهي قضية يصعب الحصول علهيا إلا من خلال منهج سليم يؤكد المعطيات الابستيمولوجية، وهذا الموضوع يشمل الظواهر الأخلاقية والسسيولوجية ذلك باستخدام المنهج الاستقرائي الذي تحرر من كل الإفتراضات الميتافيزيقية وهذا الشأن يبقي مستقلاً تمام الاستقلال عن الكيفية التي يفكر فيها أصحاب المنهج السلفي للنص الديني، وعندما يتحقق المنحي الابستيمولوجي في القراءة تتحول هذه القراءة الى حوار يرتبط بالفهم العقلاني موضوعياً ، فهو يثري الفكر من الناحية العامة ويطور الوعي بالنص الديني بشكل خاص وللعديد من المفاهيم المتعلقة بالمضامين الابداعية لتشكل إجتهادات فكرية متقدمة بالنسبة للتراث الديني القديم والحديث.
لكن المشكلة المتعلقة بالنص الديني يحاول أصحاب "النظرية السلفية" طرحها بعيداً عن المعرفة الابستيمولوجية الإنسانية ومناقشتها على بساط البحث، فالمقياس عندهم حتى في إطار الفكر الديني وليس الدين تعتبر التجربة الفكرية الإجتهادية للنص الديني يجب أن تكون تجربة تاريخية لا ترتقي الى مستوى الإجراء الإستقرائي للعلوم الدينية والتأريخية بأسرها بل تكون التجربة جزءاً من محاور الدين الثابتة وليس التجربة الاجتهادية لمنظومة الفكر الديني.
وهذا يقودنا الى الكليات التجريبية على موضوع يتعلّق بالجزء من البحث التاريخي الإجتهادي لا يأخذ الدين باعتباره كلاً متكاملاً، وبالتالى تصبح القضية الفردية الجزئية هي التي تحدد تشكيلة تلك القوانين،
لا الاعتماد على المنطق الاجتهادي للفكر الديني، فالمحاولات كانت عند " محمد اركون ونصر حامد ابو زيد " هو تأسيس منطق تاريخي للنص الديني من الناحية الفكرية الاجتهادية ومن الناحية الفلسفية والعقائدية واللغوية وكانت النسبة هو الكشف عن الطبيعة الايديولوجية للتصورات الأزلية مسلطين الضوء على تاريخية هذا النص الديني عن طريق تفكيك البنية التي استقرت في تشكيلات الوعي الديني حتى اتخذت النص الديني الفكري شكل "العقيدة المنزّلة .
وفي هذه العملية التفكيكية يكشف التحليل الاجتهادي الفكري طبيعة ذلك السياق الخطابي الذي فرضته آليات طارئة على النص الديني بوصفه حقيقة منطقية واقعة".وكان للمنطق الفكري "لأركون" والمتعلق بالفكر الإسلامي أو ما يقال عنه التحديد في اللغات الغربية بالإسلاميات "islamologie" وقد ركز "آركون" على المنظومة الفكرية للنص الديني والمتعلق بالابستيمولوجيا النصية للفكر الديني والذي يناقش فيه اركون "علم الاجتماع والتاريخ والانثربولوجيا ، والالسنيات، والسيميائيات" إضافة الى الابستيمولوجيا النصية، وعلم الاديان المقارن، وعلم إجتماع الأديان والفلسفة، وكان تأثير المستشرقين في الثورة الابستيمولوجية على "اركون وأبو زيد" فيما يعرف بتجاوز الحداثة الكلاسيكية أو الوصفية لكي يكون الدخول في تفاصيل مرحلة التحديث الحداثي أو مرحلة ما بعد الحداثة أي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وهذا كله مرتبط أصلاً بخطاب النهضة في أوروبا . والقراءة الجديدة للخطاب التراثي العربي للفكر الديني عند "آركون وأبو زيد" هو دراسة جديدة تتعلق بنقد الخطاب للتراث العربي الإسلامي في البعد الفكري للدين، وأن خطاب النهضة العربي وجد تأثره بالخطاب النهضوي الأوروبي، والاشكالىة تكمن هنا عند "أركون وابو زيد" في القراءة التي تأخذ المنحى الفكري والتي فلسفها خطاب النهضة باتجاه حركية الفكر العربي الإسلامي وتشريعاته وأصوله ، وإنعكاس ذلك على المنطق الفلسفي والعلوم الابستيمولوجية ونتج عن ذلك:
نقد العقل الغربي.
نقد العرقية الاوروبية.
نقد الانحراف في العقل التنويري عن مساره الصحيح.
نقد العقل الميتافيزيقي الغربي.
التعرية الاركيولوجية لجذور الحضارة الاوروبية.
وقد تميز أركون:
بالتحليل التاريخي.
وبالتحليل السسيولوجي.
وبالدراسة الألسنية.
ودراسة الاديان ، وكل هذه الدراسات والتحالىل كان يجريها أركون على منظومة التراث العربي الإسلامي.
وقد استفاد اركون من فلسفة فوكو ومصطلحاته الابستيمية. وإستفاد كذلك من "بيير بورديو" في الفلسفة السسيولوجية.
وقد ركز "محمد اركون" على دراسة النصوص المؤسسة للتراث الإسلامي "القرآن الكريم" " الحديث ، الفقه، التفسير، علم الكلام" .
ثم يأتي دور التحليل التاريخي والسسيولوجي ، والانثربويولوجي لإضاءة تفاصيل النص والكشف عن منطقه التاريخي، كذلك الحفر الاركيولوجي عن معاني الكلمات.
وإن كلا الباحثين "محمد أركون ونصر حامد أبو زيد " تأثرا بالاستشراق ولكن ليس بالمعني الوضعي للمفهوم الاستشراقي ، لأن المستشرق لا يناقش النص من الناحية النقدية في البحث والتنقيب عن المشكلات والإشكالىات، بل يكتفي بالبحث السطحي تاركاً اركيولوجيا الأشياء الى أصحاب الشأن، والمنهج الذي جاء به "محمد اركون" هو منهج ابستيمولوجي من منظور نقدي يعري فيه الاستشراق الموضوعي لأنه أي الاستشراق يمثل الصدى الباهت والخافت لإرتباطه بانتاجية الوعي "الارثوذكسي" وتراثه التكراري والانتقائي والنفعي دون خاصية نقدية ودون منطق إستقرائي حتى في صيغة المفهومين "الأرثوذكسية" بشكل عام.