اعظم ادوارها : هروبها من مصر

اعظم ادوارها : هروبها من مصر

كانت تؤدي ادوارا مختلفة على مسرح التمثير وعلى مسرح الحياة.. ولكن الدور الذي مثلته عند خروجها من مصر.. كان اخطر ادوارها على الاطلاق!

في سنة 1934 – العام الذي ولدت فيه آخر ساعة – كانت بديعة مصابتي تجلس على باب صالتها بشارع عماد الدين.. واضعة ساقا على ساق، و"الشيشة" لا تغادر فيها! وبين الحين والحين، يأتي خادم من المقهى البلدي الذي يبعد بضعة امتار، فينفض رماد "الشيشة".. ويغير قطع الفحم الصغيرة المبعثرة باخرى في لون جهنم!
في هذه الايام كانت بديعة مصابتي – او ملكة الليل – قد وصلت الى الغاية التي تتمناها كل راقصة او مغنية.. ولم يكن ينقصها سوى شيء واحد فقط هو ان ترى الناس يصفقون لها خارج الصالة، ولذلك قررت ان تنتج فيلما تلعب بطولته.
واستشارت مخرجا ايطاليا اسمه "ماريو فوليي".. فاقترح عليها اولا ان تجري عملية جراحية عند جراح مصري في الاسكندرية ليصلح من شكل صدرها الذي بدأ يتهاوى مع بداية خريف حياتها..
ووافقت.. ودفعت للجراح مائة وثلاثين جنيها.. وخرجت من عنده مرفوعة الصدر.. ورهنت (فيلتين) تملكهما بثمانية الاف جنيه وانتجت الفيلم.!
وفي ليلة العرض الاولى.. وفي الاحتفال بها في منزلها شربت كأسا من النبيذ امام اصدقائها على انها في صحة النجاح.. وكانت تعلم ان ما في الكأس ليس نبيذا وانما "صبغة يود".. شربتها مكافأة لها على الفشل الذي قوبل به الفيلم!
"ملكة الليل" التي كانت حديث الناس منذ 20 عاما.. بدأت فقيرة معدمة في فرق الفن المتجولة في قوى الصعيد.. الى ان التقت بنجيب الريحاني في القاهرة.. وتعاقد معها، ثم هربت منه الى الشام، وفي الشام تعاقد معها مرة اخرى على عقدين: عقد التمثيل وعقد الزواج!
وباعت بديعة مصوغاتها واشترت بثمنها صالة صغرة في عماد الدين، لم تكن تتسع لاكثر من عشرين مائدة.. لكن ملكة الليل عرفت كيف تعصر العشرين مائدة ونستخرج منها مائتي جنيه في الشهر ربحا صافيا!
واتسمت الصالة مع هذا النجاح لخمسين مائدة، وزاد عدد افراد الاوركسترا من ثلاثة الى عشرين ووصلت ارباح بديعة عام 1938 الى اربعمائة جنيه في الشهر.. ثم الف جنيه ثم الفي جنيه في الشهر الواحد وفجأة اختفت بديعة تماما.. هربت من مصر.. حصلت على جواز سفر لسيدة تشبهها اسمها مدام الياس – طبعا لم يكن لها وجود بالمرة – سبقه التماس الى وزارة الداخلية بالموافقة على اقامة مدام الياس هذه في مصر مدة خمسة عشر يوما.. وبعد مضي هذه المدة عاد جواز السفر الى الداخلية يطلب تأشيرة الخروج.. واستطاعات ملكة الليل ان تغير من الاراضي المصرية بالثروة التي اصابت صحة الضرائب بالذهول! وادت بديعة الدور الذي تستحق عليه الاوسكار!
ان ملكة الليل تجلس الان في احد الكازينوهات في عالية بلبنان، وهي تضع ساقا على ساق وماتزال الشيشة في فمها!.