جوليت المتهمة في قتل عدنان المالكي

جوليت المتهمة في قتل عدنان المالكي

تمضي جولييت سعادة الان ايامها في احد سجون سوريا، في انتظار محاكمتها بتهمة التحريض على قتل عدنان المالكي نائب رئيس اركان حرب الجيش ان قصتها مع زوجها انطون سعادة الذي اعدم منذ سنوات، بدأت في الارجنتين عام 1929، لقد قابلتها مندوبة الجيل في دمشق.. وهي تروي لك القصة..

ادى التحقيق في مقتل عدنان المالكي الى اعتقال ارملة انطون سعادة مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي، قالت السلطات السورية ان الحادث حلقة في مؤامرة كبرى، ولم تعرف بعد العلاقة التي تربط بين ارملة انطون سعادة وبين الحادث او دورها في المؤامرة.
ولكنها اعتقلت بصفتها الامينة الاولى لهذا الحزب الذي ينتمي اليه القاتل يونس عبد الرحيم.
لقد قابلت الامينة الاولى جولييت سعادة يوم زارت سوريا منذ بضعة شهور.. سعيت اليها لانها اول امراة في البلاد العربية تتزعم حزبا سياسيا للرجال – وان انتمي اليه عدد لابأس به من النساء.. قادتني اليها فتاة تعمل مدرسة.
استقبلتنا في ثوب اسود يعبر عن حدادها منذ مقتل زوجها في صيف 1949.
الرئيس الهارب
لم تكن الامينة الاولى وحدها.. كان معها رجل بدين قصير القامة، قدمتني اليه باسم رئيس الحزب جورج عبد المسيح – الذي هرب الان من سوريا.. صافحني فشعرت بخشونة يده كما لو كانت قطعة من الطين نضب منها الماء. وقدمتني ايضا الى صحفي شاب كان بصحبتهما ثم دخلنا الى غرفة بها مكتب.. وتضييق بالكتب والمنشورات التي ملأت الارفف وتراكمت على الارض في اركان الغرفة.
تجاذبنا الحديث.. فكان صوتها رقيقا هادئا خافتا ولكنه يبلغ اذان المستمعين.
قلت: كيف استطعت ان تخلفي زوجك في زعامة حزبه؟
فقالت على الفور: لم يترك زوجي الزعيم شخصا يخلفه، ثم اضافت وكأنها تستعيد تحكمها في عواطفها التي افلتت برهة منها، لقد وضع زوجي دستوراً ينص على انتخاب رئيس للحزب كل سنتين وله مجلس اعلى من الامناء.
فسألتها: في اي ظروف قابلت زوجك؟
وخيل الى انني بهذا السؤال فتحت باب اعز ذكرى لديها، فاخذت تحدثني وكانها تعيش ايامها من جديد فتركت لها حبل الحديث ولم اتدخل الا لاوصل اطرافه.
اللقاء الاول
قالت: قابلته في بيونس ايرس (عاصمة الارجنتين) سنة 1939 في زيارة خصوصية، وكنت قد ولدت في طرابلس الشام الذي كان يتبع لبنان وقتئذ، ثم تغربت مع ابي واقمنا في الارجنتين منذ الحرب العالمية الاولى، وقد تلقيت تعليمي في مدارس اسبانية، ولكنني كنت اشعر وانا في المهجر انني فاقدة الشخصية.. تعطشت نفسي الى البحث عما يعيد الى هذه الشخصية، فاخذت انقب لاعثر على القضية التي يجب ان اعيش لها.. وفي ذلك الوقت زار انطون بيونس ايرس.. جامعا لينشر رسالته في المهجر.
حياته هو!
"تزوجنا في سنة 1941.. واستقر بنا المقام في بيونس ايرس لمدة ثماني سنوات.
"وفي سنة 1947 عدنا الى بلدته ضهور الشوير بلبنان واستقبلنا انصاره، ورغم استقلال البلاد فانه بدأ دعوته!
" وكان من جراء هذه الدعوة ان اصدرت الحكومة اللبنانية امرأ بالقبض عليه بتهمه تهديد الكيان اللبناني".
وعلى اثر صدور هذا الامر والقبض عليه، هرب الى جبال لبنان واعتصم بها.." واستمرت الارملة تروي الحوادث المتعافية.. قالت: وكان لهذه الحوادث تأثيرها في نفسي، فاصبحت اعتبر نفسي جنديا في ساحة القتال.
ثم روت تفاصيل انتقال انطون سعادة الى سوريا.
كيف عرفت؟
ثم قالت: عرفت ان زوجي أعدم في الساعة الثالثة صباحا يوم 8 تموز (يوليو) كنت في دير صيدناية.
وفي اليوم التالي ارسلت الى رئيسة المدير خادمة فتحت الباب وقالت لي: "لقد قتلوا زوجك". فانقلبت الدنيا في وجهي ليلا حالك الظلام. وشعرت ان سلسلة من الحديد تطوق عنقي وصممت على ان القي بنفسي من نافذة الدير لالحق بزوجي، ثم عاد الى صوابي واخذت افكر..
الاغتيال السياسي
واستمرت في حديثها قائلة: وبقيت في الدير 38 يوماً ولم ابارحه الا يوم اعدم حسني الزعيم وعدت الى دمشق.
ومرت الايام وقتل رياض الصلح.. قتله قومي اجتماعي ثم انتحر واسمه ميشل ديك وكان في الاربعين من عمره.
قتل رياض الصلح بعد سنة من اصدار حكم الاعدام على زوجي.
***
وبقي حديث ارملة انطون سعادة مطويا في مذكرتي.. فلم تكن هناك مناسبة لنشره وقتئذ.. ثم قتل العقيد عدنان المالكي.. قتله قومي اجتماعي ثم انتحر.. واعتقلت السلطات السورية عددا من اعضاء الحزب السوري القومي الاجتماعي ومن بينهم الامينة الاولى ارملة انطون سعادة.. وكانت المناسبة لنشر الحديث.. وارجو ان تكون الامينة الاولى بريئة من هذه الجريمة فهي تعلم تمام العلم ان قتل صاحب المبدأ والفكرة، لا يعني قتل المبدأ والفكرة نفسيهما. فكلاهما حي خالد وان مات صاحبهما.