شخصية محمد بهجة الاثري ..من شعره

شخصية محمد بهجة الاثري ..من شعره

د. حسام محيي الدين الآلوسي
كان العلامة محمد بهجة الاثري صديقاً للعائلة الالوسية ، وابناً باراً بها ولها ، وامر صلته بها معروف الى ان توفاه الاجل. تعرفت عليه وانا شاب ، طالب في كلية الاداب من خلال زيارته لصديق عمره الخال المرحوم جمال الدين الالوسي، حيث توطدت بينهما الصداقة قبل 2 مايس 1941وبعدها ، وفي سنة 1967 ظهر كتابي

«حوار بين الفلاسفة والمتكلمين» وهو اول مؤلفاتي المطبوعة بعد اطروحتي، واهديت نسخة منه الى المرحوم الاثري فكتب الي رسالة بخط يده الجميل الاخاذ كلاماً كان له اكبر الاثر في ثقتي بنفسي جاء فيها : سعدت بهديتك النفيسة وطرفتك الثمينة كتابك «مشكلة الوجود بين الفلاسفة والمتكلمين» فاشكرك اعمق الشكر واحمد اريحيتك ، وارجو لك اجزل حظوظ الخير والتوفيق. واحب – الي ذلك- وقدر قرأت الكتاب بأناة ان افضي اليك باعجاب باكورة ثمارك الشهية هذه التي تبشر بالعلم الغزير والخير الكثير في ايامك المديدة ان شاء الله.
وتشهد بانك في بداية شوطك قد بلغت نهاية غيرك.."والرسالة طويله كلهامن هذا النوع من التثمين العالي والواعي وفي حينها نشرت جريدة "البلد" نص الرسالة مع صورة بالزنكوغراف لعنوان كتابي وتحت العنوان "بين الاثري والالوسي". واستمرت لقاءاتي به في بيت الخال او عند زيارتنا له في بيته في المناسبات والاعياد.
وقبل سنتين اوثلاث قال بالتلفون: اريدك ان تترك كل ارتباطاتك يوم السبت لكي تحضرفي لجنة التاريخ والحضارة في المجمع العلمي،اذ لايمكن ان تكون خارج نشاطات المجمع، وهكذا فعلت استميرت احضر اجتماعاتها وكانت اللجنة تضم صفوة من رجال الفكر والعلم والمجمع "انذاك" الدكتور صالح احمد العلي رئيس المجمع والدكتور احمد مطلوب ، والدكتور علي المياح ، والمرحوم خالد العسلي ولم يكن عضواً في المجمع انما انا وهو اعضاء في اللجنة فقط كخبراء خارجين ،فلما استجدت لجنة الفلسفة صرت عضو فيها وكان المرحوم قد انقطع عن حضور المجمع اخيراً لما الم به المرض.
وفي عام 1968 وكنت معاراً لجامعة بنغازي ، نزل هو والخال جمال الالوسي ضيوفاً عندنا انا والدكتور هاشم صالح ، وكنا نسكن مشتركاً في شقة تطل على البحر في بنغازي ، وكانا قد عادا من مؤتمر في الجزائر بمناسبة مرور الف عام على جامع البوني وتجديده في مدينة عنابة الجزائرية.
الذكريات كثيرة، انما اكتفي بهذه المقدمة التي لا بد منها حيث ربما استفهم مستفهم عن مشاركتي سواء في اربعينة او فيما اكتبه عنه،لما بيننا من فورات عديدة، بعضها السن / والتخصص وربما موارد الفكر ونزاعات العقل . لكن يبقى ما يجمعنا اكثر مما يفرقنا ، حب العلم ، والخلق الحميد ، ومحبة الانسان للانسان، وحب الخير ، والجد في دروب الحياة والصفاء في السر والعلن ومن ثمة الانتماء الى العائلة الالوسية ، انا كواحد من ابنائها في المنبت والنسب ، وهو كواحد من ابنائها في التربي على قيمها والوفاء بلا حدود.
ان ما سافعله في هذا البحث يقع في قسمين:
القسم الاول : تقديم عدة مفارقات تستحق الوقوف عندها ، استخرجتها من سجل حياته العلمية والمجمعية والاجتماعية وسواها مما سجله بيده ، ووضعه الصديق اللامع حميد المطبعي تحت تصرفي، وهي مفارقات تلقي الضوء على شعره كا ان شعره يلقي الضوء عليها وكلاهما لامناص منه لتحديد سمات شخصيته وهي عنوان هذه الدراسة المتواضعة حقاً.
القسم الثاني : الاستعانة بشعره لتحديد سمات شخصيته البارزة. والتي يمكن ان يفصح عنها الحرف ، ولم اقل سمات شخصيته فقط ، حيث يبقى الانسان الفرد غير مكتشف من الدراسين مهما حاولوا سبر اغواره ، ومهما اعانهم شعره او مذكراته او ماشئت.

القسم الاول : مفارقات في منحنى حياة الاثري:
لاحظت وانا اتعمق وبامعان شريط حياته باحداثها الجزئية والتي كتبها بنفسه ولايمكن تفصيلها هنا اقول لاحظت جملة مفارقات او قل انتقالات في مسيرته من الضد الى الضد وطبعاً نحو الاكمل والازهى.
واول هذه المفارقات : انتقاله من صبي بل وشاب ناشئ في جو اللغة التركية والمدارس التركية الى مدافع عن العروبة واللغة العربية بل واحد من اكابر اعلام لغة الضاد والدفاع عنها وعن العروبة.
وثاني المفارقات: انه اريد له في اول حياته ان يسلك العسكرية لكن مصادفة سعيدة انتقلت به الى ان يكون رجلاً مدنياً مهنته واهدافه العلم وصنعتة الانسان في رحاب المحبة والسلم.
وثالث المفارقات: انتقاله من "اثري" يقف عند حدود "اثر" الرسول في الحديث والسنة وهذا اصل تسميته بالاثري الى مجدد في الشريعة وناقم على التقليد.
ورابع المفارقات : ركونه بعد ان اتخذ طريق الصراع والكفاح والمجابهة ديدناً له في بداية حياته الى حياة الهدوء والابتعاد عن عن الصراعات في اواخر حياته.
وقد ساعدته في هذه الانتقالات جملة من الصدف السعيدة وسمها ماشئت واهمها تتلمذه على الالوسيين ، ومرضه عندما دخل الحربية ثم سجنه بعد فشل حركة مايس 1941 ، ثم اضطراره الى شؤونه الخاصة والى التاليف والشعر بعد عام 1963الى 1978وربما كانت اهم صدفه السعيدة انه الاثري خلقا وتكويناً ومؤهلات.
وكل هذا وذاك يحتاج الى تسليط بعض النور للتوضيح لهذه المفارقات من جهة وللاستعانة به لفهم شعره ودلالات شعره على شخصيته.
هو من بيت من بيوتات تعمل بالتجارة وتمتلك العقار ، اصل العائلة من ديار بكر بن وائل واستقرت في قلعة اربيل واليها نسب ثم امت بغداد قرب المستنصرية ولها املاك هناك، وامتدت تجارتها بالخيل الى الهند. ولد محمد وكان هذا اسمه عام 1902م/1320هـ، وسمته امه بهجة فجمع الاسمين واحب له والده حلبة العلم لا التجارة واضطرب انتماؤه الدراسي بعد مرحلة الكتاب والمدرسة الابتدائية بين مسلكين، مسلك عسكري واخر مدني ، فبعد الابتدائية انتقل الى الرشدية العسكرية ، فمرض لشدة التدريب فتركها مداوماً في محكمة الاستئناف يتدرب على الانشاء التركي ، ثم دخل المدرسة السلطانية ولبث بها الى الاحتلال البريطاني لبغداد ، في اذار 1917 . وكانت هذه المدرسة باللغة التركية وتعلم الى جانبها الفارسية والفرنسية ، ولما عطلها الانجليز دخل الاليانس الخاصة باليهود وتقبل عدداً من المسلمين ، وتعلم في المدرسة ،العبرية والفرنسية والانكليزية والرياضيات ولكنه تركها في السنة الاولى بسبب ماجرى فيها من خصومات بين الطلبة اليهود والمسلمين، ولما بدا لوالده ضعف ولده في العربية بدأ به رحلة دراسة العلوم العربية والاسلامية وهو في السنة الثامنة عشرة من عمره ، حيث تهيأ له اساتذة اعلام واخصهم الالوسيين علي علاء الدين المتوفي 1312هـ/1924م حيث الى جانب ما درس عليها من علوم خصوصاً العلوم الاسلامية زرع فيه حب العربية والعروبة والاسلام الصحيح ، ومقاومة البدع وبداية قرض الشعر، والنزوع الى البحث والتاليف والتحقيق ودخل في معارك ادبية على صدر الصحف مع الزهاوي مفضلاً عليه احمد شوقي في سبعة وعشرين مقالاً وكذلك مع الرصافي في قضية " الحجاب" حيث كان الرصافي يشكو حالة المرأة المسلمة.
لم ازر في الاقوام مظلومة
احق بالرحمة من مسلمة
مظلومة حتى بميراثها
محجوبة حتى عن المكرمة
كما دخل في معارك سياسية في الصحف واهمها مع نوري السعيد وكان رئيسياً للوزراء ، قال المرحوم " واخذ ثاره من بعد فشل حركة مايس 1941.
حياته حافلة بين التدريس في المدرسة الثانوية او الخدمة في الاوقاف بعد ان اوفده سنة 1936 ياسين الهاشمي رئيس الوزراء الى مصر لدراسة اوضاع الاوقاف والازهر ثم بعد انقلاب بكر صدقي سافر الى دمشق وعاد بعد انقلاب بكر صدقي ،ليعمل مفتشاً اخصائياً بوزارة المعارف.
وشارك بشعره ومواقفه في حركة 2 مايس 1941 واعتقل لمدة ثلاث سنوات في سجن الفاو وسامراء والعمارة مع "400" من خيرة رجال الفكر والسياسة والمجتمع وعلماء الدين والشيوخ الوطنيين ، وخرج من السجن في 27 ايلول 1944 وفي اعتقاله وبشهادته هو، قرأ الكثير من العلوم ودرس الفارسية والانجيلزية والالمانية ، وقرء مع بعض المثقفين في المعتقل النحو والمنطق وبعد اطلاق سراحه ،واصل الكتابة في الصحف شعراً ومقالات وخص فلسطين بجهدا كثيرا ، وعين في 18/2/1947 عضواً في لجنة التاليف والنشر، وعضواً في اول مجمع علمي بعد ان تحولت هذه اللجنة الى هذا الاسم سنة 1947 فنائباً للرئيس سنة 1949 وسنة 1955 واشرف على تحرير مجلة المجمع سبع سنوات ومشاركاً في جهود المجمع، والمصطلحات العلمية والفقهية والحضارية سنة 1963 حيث صرف من المجمع ثم اعيد اليه في نيسان 1979 ولما قامت ثورة 14 تموز 1958 عينه مجلس السيادة مديراً عاماً للاوقاف الى سنة 1963 ليتفرغ بعدها للتاليف والتحقيق وقرض الشعر وحتى بعد عودته الى المجمع سنة 1979 ، وهذه مفارقة اخرى، وكان اجتماعياً ومجتمعياً، وعلى العكس ما حصل في اواخر عمره فقد كان مبادراً في خدمة المجتمع والطبقات المسحوقة وقضايا الامة فأسس سنة 1928 جمعية شباب المسلمين ، واصدرت الجمعية مجلة العلم الاسلامي، وبعد سنتين فرق الانجليز اعضائها بعد نشاط هائل، واسس جمعية المنسوجات الوطنية سنة 1930 وانتخب عضواً في جميعة الدفاع عن فلسطين. في اواخر حياته ، ومن خلال كتاب حميد المطبعي كتاباً عنه ضمن موسوعة المفكرين والادباء قال له حميد المطبعي : ينبغي ان تخوض معارك تجدد فيها شبابك الثقافي.
فاجابه الاثري: اي المعارك ومع من ؟ اجابه حميد: معاراك في تصحيح بعض المعادلات الثقافية في الوطن العربي ، اجابه الاثري : انا حملي ثقيل اولاً حمل الصحة المتداعية ، ثانياً واجب الاسرة والاحفاد ، وثالثاً لي ارتباطات بخمسة مجاميع علمية ولغوية وكل منها يجب ان اواصله بقدر المستطاع وان اسافر واحاضر واناقش وان ادرس ما يقدم الي من دراسات اللجان كل هذا كفاح وجهاد.
اما انا فاقول: ان الاثري وللاسباب اعلاه ولامور اخرى تتعلق بمصير الامال فردية ووطنية وحال الوطن والامة وحال الكرة الارضية اثر خدمة تنتج شيء ملموس وفي سواها كحاطب ليل او كمن يبذر في بحر او يخط في رمل.
القسم الثاني: سمات شخصية الاثري من خلال شعره:
شعر الاثري كثير وقد طبع الجزء الاول منه "ملاحم وازهار" مع مقدمة جيدة كتبها الاستاذ الشاعر عزيز اباظة، ثم طبع شعره المجمع العلمي العراقي في جزئين الثاني صغيراً جداً والاول يقع في "545" صفحة مع المقدمات ، وكما اشار بحق الدكتور احمد مطلوب في بحثه "الانسان والشاعر" فان ترتيب قصائد الديوان لم ترتب زمنياً لصعوبة ذلك لان بعضها غير مؤرخ وهذا لايساعد الدارس لشعره على اعطاء صورة واضحة عن تطور شاعريته، علما بان موضوعاتها قد تحدد الزمن الذي تلية فيه وهو امر لا نحب ان ان نقوم به في دراستنا هذه ، لذلك لان تطور شاعريته ليس هو المقصود في هذا البحث . وطالما وضع في قصائدهما يكفي للاستنتاجات المطلوبة حول شخصيته وحول المفارقات السابقة
واحب ان انبه ان هذه الدراسة ليست منصبة لدراسة شعره دراسة كاملة ولا لخصائص هذا الشعر الفنية بل هي تهدف الى الاستدلال بشعره على شخصه وفكر ومعتقدته وهويته القومية والاسلامية والانسانية ، كانسان فوق العصبيات والمشاحنات المذهبية وكانسان غنى للانسان.
ويقتضي المقام مع ذلك لربما الانصاف الا نترك الامر سائباً ، بالنسبة لخصائص شعره الفنية بقدر مايقتضي المقام والتسجيل الصادق الذي هو وثيقة ستمضي عبر السنين والى ما شاء الله.
لكننا لانحتاج الى ذكاء كبير وتذوق فني كبير ودراية عميقة للقول بان اية نظرة الى قصائد الاثري توصل الانسان الى انه امام شعر يمتلك اعلى المواصفات الفنية بالشعر العامودي الرائع ، لغة ، سبكاً وتوصيلاً ، واداء ، ومن كل وجه..
الان وقد قدمت هذه الملاحاظات والاحترازات اقول : حاولت ان اجمع مايعطيه شعر الاثري من ما يجلي حدود شخصيته فوجدته يرتكز في ستة اقطاب او مراكز وهي على التوالي وربما من حيث الاهمية والاثر على مجمل شخصيته ولنبدأ باولها:
الاثري المؤمن: يظهر شعر الاثري الذي بين ايدينا مؤمناً بالله كمسلم يجد الله ظاهراً في الطبيعة كما في انفسنا وكل شيء في الكون مظهراً له . ويشعر الاثري بهذا شعوراً قوياً يكاد يدينه من حدود التوحيد بين الله والاشياء دون وحدة وجود ، كما نعرفها عند اصحابها من صوفية وفلاسفة ، وهو يشعر بحب للذات الالهية، تصرفه عن سواها الا من خلالها.
وهذا شعره شاهد على ذلك حيث يقول في قصيدة"الله منجاة وتسبيح "، وهي اول قصائد الديوان:
قلبي ..بغيرك لم يرن شفافه
يارب فاجنب حبي الاخطارا
عن كل وجه قد صرفت عبادتي
وعبدت وجهك وحده مختارا
وتستمر القصيدة ليفصح في نهايتها
انه لا يكابد شكا بل هوى
يارب انت اكابد من هوى
ادري وفيم اشبب الاشعارا
وهوى ضميري انت فيما اجتلى
وبما اغنى في هواة هزازا
فنيت بانوار الجلال سريرتي
شوقاً وتسبيحاً له وسرارا
لقد سبح في السموات العلى
والارض ما يبدو وما يتوارى
وفي قصيدة بعنوان " انوار وتجليات" يقول في نفس المعنى مؤكد ان العقل والحس المباشر يقودان الى الله
رب حارث في كنهك الافكار
كلما فكرت عراها انبهارُ
كيف تسمو الى اكتناهك خلق
هن عن فهم خلقهن قصارُ
بهرتها هذي الطبيعة والحسـن
وهذه الايات والانوار
كيف فاضت وكيف نارت ومن
اين استفاض الابداع والابتكار
وقول في تجليات الجلال والجمال :
طف بهذا الوجود لحظاً ونغماً
وتضل الجمال مضي وحسا
صور الحسن فيه لا تتناهى
ما لعين تسرى اليهن مرسى
صاغها البارئ المصور ايا
يتجلى فيها جلالا وقدسا
ونكتفي بهذه الابيات منها في قصيدته "سبحات واشراق" بقوله:
يارب ادرك خافقي وقد التظى
بالحب ان يفنى من الاحراق
قد ذبت في نور الجمال فانه عن نور ذاتك شف في الافاق
والاثري مؤمن مسلم وليس مؤمناً دون انتماء لدين محدد على نمط ما نجد عند المذاهب الفلسفية المعروفة باسم THESIM .فهو مسلم وجد هاديه وقائده في دروب الحياة في دين محمد "ص" وشخصيته واخلاقه. وهذه الدعوة خالدة ودين الاسلام هو دين البشرية منذ كانت . وسنكتفي بمقتبسات قليلة:
يقول في قصيدة "مولد النور" عام 1935 ومطلعها:
هو الحب يغرني بمد محمد
فتغشى الجناني اي هيبة سيد
يشرفني اني اقول مديحه
واني بما قد سن للناس معتقد
وهي طويلة جداً ، يقول:
تلفت ابغي السر في كبريائه لعلي الى السر الحقيقي اهتدي
فادركت ان السر بالخالق قائم
وايقنت ان الخلق في دين احمد
وفي ختامها
اذا اعتاد همس القول في الحق شاعر
فاني غير الجهر لم اتعود
بحسبي اني في اعتقادي مسلم واني بخير الخلق في الخلق مهتد
وما ضرني ان فاتني هدي مذهب
اذا كان هدي بالنبي محمد
ويعلن في قصيدة"الرسول الاعظم" 1359هـ ان دين البشرية واحد هو الاسلام وانهم امة واحدة
ما الناس لولا البغي الا امة
والدين لولا الجهل الا واحد
ما احسن التوحيد يجمع شملهم
فيعود وهو مطمن وموحد
ويقول
البعثة الكبرى حياة للورى
ابد الزمان ونعمة تتجدد
ان الالى زعموك سيد قومه
كذبوا فانك للبرية سيد
شمس وهل تخص ناحية بها وشعاعها في كل افق عسجد
وسوف نرى ان ايمانه بالاسلام هو ايمان بالعروبة ايضاً و هي المحجات الثلاث الله الاسلام والعروبة. وسنفصل المحجة الثالثة بعد قليل في بند خاص لكن ماينبغي الاشارة اليه هو ان هذا الايمان بالله والرسالة المحمدية يشكل وحدة روحية هي مفتاح شعر الاثري.
2.الاثري المتفني بالعروبية واللغة العربية:
ليس ادل على هذا من انك بمجرد ان تذكر اسم محمد بهجة الاثري يتبادل الى ذهنك وسمعك الاثري اللغوي العالم بعلم اللغة وربما كان هذا الحب للعربية والتمكن فيها هو السر في اختيار خمسة مجامع عربية كبرى له عضواً عاملاً ويغلب على نفسي ان هذا الاختيار له ليس بسبب انه عالم ديني فحسب ذلك لانه في امور الجهاد الفقهي والمتعلق بالمعاملات الحياتية ليس له هذا البروز الذي له في امور اللغة العربية وفقها واسرارها كحجة لايبارى.
والاثري عالم اللغة لايبخل علينا بما يسبق حكمنا ،وهو يحيي لغة القران اللغة العربية سنة 1965 في قصيدة "الفصحى سيد اللغات"
سلام ومن حييت اي رؤوم علي لها في الحمد دين غريمي
سلام على ام اللغات على المدى سلام اخيذ بالجمال هيوم
الى ان يقول:
بيانك؟ ام نبع من الكون كوثر ترقرق عذباً ام رحيق كروم
تجاوز اعناق الدهور وحسنه يزيد على الايام حسن رسوم
سقى كل لماح البيان زلالة مصفى وروى طبع كل حكيم
وهناك قصائد رائعة ويحار الباحث المتذوق ماذا يختار فهذه قصيدته "الفصحى رباط الوحدة الكبرى" 1988: فيها لمسة ذاتية وعبارة حد الوله بالغة العربية بداية مطلعها:
احببتها حب نفسي والهوى غرد وحبه الروح والريحان والرغد
عريقة المولد الميمون اولها
مع الخليقة والارض له الابد
ويستمر الثناء عليها ليفصح بعد ذلك عن مشاعره الذاتية الحميمة:
يادين قلبي منها والهوى قدر
وخافقي ببهاء الحسن متحد
اني خشعت لصوت الله ثم لها لها
ومنه كوثرها واللطف والغيد
هام الفؤاد بها حب ولا عجب
هي الحياة اولى من وصلها صفد
وفي قصيدته لغة القران 1984 نجده يتغى بوصفها وماثرها ويرد على الطاعنين او المستهينين بها ، ونجد في القصيدة علاقته الحميمة بها وهو مرادنا من القصيدة كلها:
ونعيمي في حب ليلاي اسمى
ما تنيل العلاقة العصماء
طرب دائم ووصل مقيم
والتذاذات خافق وارتواء
ولي ليلى عهد مع العمر باق
والغواني عهودهن هواء
اصطفاني لها الذي نوع الخلق
واعلى من شأن الاصطفاء
قد تعلقت منذ صباي في ليلاي
وصح الهوى ودام الولاء
وفي قصيدة "اللغة المهندسة المنغمة" يقول:
عشقناها وعشنا في هواها
نشاوى لانلذ سوى طلاها
ثم يقول:
تعالى الله انشأها فسوى واعطاها الضلاعة واصطفاها
اقلت يا لعلي ما اقلت
كلام الله فاستعلى علاها.
فهنا احب الاثري اللغة العربية من خلال الاسلام الدين الذي نزل بالعربية لكن تعمقه فيها واطلعه على اسرارها جعله اسير سحرها ، مخلص لها معظم جهده وليس ها هنا التناقض بين قولنا ان اتجاهه الروحي هو مفتاح شعره وشخصيته وبين حكمنا الاخير ، ذلك انه وجد ان خيرمايمكن ان يخدم به الاسلام بالاضافة الى سلوكه كمسلم ودفاعه عن الاسلام وقضايا الامة العربية هو خدمة اللغة العربية خصوصا وقد تهيأت له هذه الفرصة من خلال المجامع العلمية العديدة التي هو عضو بها بما لم يتهيأ لاحد سواء وهي الميدان الابرز لخدمة اللغة العربية.
وهنا نأتي الى قضية "العروبة " فهو يرى ان الاسنان عربي وعالمي في ان واحد ، عربي من حيث ان جاء به وهو الرسول "ص" عربي والذين حملوا الرسالة هم عرب وهو في الوقت نفسه عالمي للبشرية جمعاء ، والاثري يرى تكاملاً بين العروبة والاسلام.
وهذا شعره ناطق بذلك فهو يقرن الدين بالعروبة وبالعكس يقول في نفس القصيدة السابقة:
هوى "العروبة" في توحيد دولتها ودولة اللغة الفصحى هي السند
لسان ارفع تنزيل واكمله شاد الحضارة واستذرى به الخلد
وفي قصيدة الامة العربية في مواجهة العواصف سنة 1368هـ يقول:
يارسول الله خير المرسلين يامنيل العرب غايات الفخار
قم تامل حالهم بالعالمين كيف بعد العز ذل في الاسار
هدموا ماشدت من دنيا ودين فقضى الله عليهم بالبوار
ويختم قصيدة"في القيد تزأر" 1936م بقوله:
لعمر العلى ، لن يبلغ "العرب" العلى وهم فرق شتى وشمل مدمر
الا فسلوكها وحدة عربية
لها من هدى الاسلام روح ومظهر
ويخاطب دمشق في ذكرى جلاء فرنسا 1947 مصوراً العروبة والاسلام كجناحين لها:
ان العروبة والاسلام مافتئا
هنا في واديك في عز وتمكين
هما جناحاك مد الله ظلهما
على البرية من دنيا ومن ديني
وفي قصيدة مصر والعراق 1931 فيقول
سيروا والسابقون الى العلا
احرى ان سمشوا بنا اطلاقا
نحو الهدايا من بناء محمد
زمر على فرقانها تتلاقا
4.خصال وخصال : شعوره بالحرية ورفضه للظلم وعدم الموالات لسلطان غير سلطان الحق ورفضه للتزلف والمدح من الصفات الانسانية العالية ولندعه يحدثنا يقول في قصيدة "خاتم لرسل الله"
يامن تجلى على الدنيا سنن وشذى
ورحمة وهدى للعرب والعجم
طابت بدينك دنياي التي حسنت
وراق طبعي في راؤوقه ودمي
فلا اسامر الا النبل في كل
ولا اراود في فعل سوى الكرم
اجل بنورك في فعلي وفي كلمي
وما يعتري الحق من اظلم ومن ظلمي
.الاثري : يبدو من الغربة والحذر والتشاؤم والعقلانية بالنظرة الى المذاهب والطقوس العامية والحياة لم اجد عنواناً واحداً قصيراً لكل هذا الذي يستشعر قارء ديوان الاثري ومن يعرف شخصه وجزئيات مواقفه من امور الممارسات غير المعتدلة عند بعض المتذبذبين وخصوصاً ما يشيع العمة والناس العاديين من ممارسات وربما خرافات واوهام لايراها جوهر التدين وبرغم اقباله على الحياة والكفاح حتى السجن والفصل الا ان المطلع على ديوانه وحياته يجد عنده قربا من الناس ونظرة فاحصة الى طباعهم تذكر بالمتنبي وابي علاء المعري.
وربما تكون هذه اهم السمات لشخصيته الى جانب روحانية وتغذيه بالحرية والشمم والاباء.
مجلة المورد ايلول 1999