المدارس اليهودية في الحلة

المدارس اليهودية في الحلة

علي كامل حمزة السرحان
ترجع حركة أنشاء المدارس الخاصة بالأقلية اليهودية في ولايات ومدن العراق إلى سنة 1832م، حيث بدأ اليهود آنذاك بتأسيس عدد من المدارس التقليدية الأولية في ولايات العراق الثلاث (بغداد، الموصل، البصرة، وفي سنة 1864 أتخذ التعليم الخاص بيهود العراق منعطفاً جديداً تمثل بقيام (جمعية الاتحاد الإسرائيلي)) المسماة بـ (الاليانس) بفتح مدارس حديثة في ولايات ومدن العراق ومنها مدينة الحلة

أنواع المدارس اليهودية:-

أ-مدارس المدراش:
تعد تلك المدارس من أقدم مدارس اليهود، وهي مجموعة من المدارس الأولية التي كانت أقرب إلى الكتاتيب منها إلى المدارس الابتدائية الحديثة من ناحية مناهجها الدراسية الدينية التي كانت تقتصر على تدريس الكتاب المقدس وتعليم الكتابة والقراءة باللغتين العربية والعبرية وبعض المعلومات الأولية في الحساب، وكان عدد معلميها لا يزيد على معلم واحد أو أثنين لكل مدرسة، وكان يوجد في لواء الحلة مدرستين (مدراش) احدهما في مركز مدينة الحلة والأخرى في ناحية الكفل وهي كالأتي:-
1-مدرسة مدينة الكفل: وهي مدرسة أولية شبيهة بـ(الكتاب) ألحقت بمعبد مرقد النبي (حزقيال) وكان حاخامي المعبد يقومون بتدريس الطلبة التلمود والقراءة والكتابة باللغتين العربية والعبرية، وكانت المدرسة تعتمد في مصاريفها على تبرعات بعض الأثرياء من يهود الحلة الذين يقومون بزيارة المعبد والمرقد في المناسبات الدينية .
وكان ليهود الحلة مكتبة عامرة بأمهات الكتب العبرية في مدينة الكفل، وكان التقليد السائد هو كلما توفى صاحب مكتبة من يهود الحلة يوصي بوقف كتبه إلى مكتبة النبي (حزقيال)، وبذلك تكونت ليهود الحلة مكتبة عامرة بأهم وأندر الكتب اليهودية العبرية في مدينة الكفل
2-مدرسة مدينة الحلة): وهي مدرسة أولية لا يختلف منهج الدراسة فيها عن المنهج الأولي لسابقتها مدرسة الكفل، ومصدر تمويلها معونات بعض أثرياء اليهود في مدينة الحلة).
لقد كان المعلمون اليهود يجيدون اللغات الأجنبية مثل اللغة الفرنسية والانكليزية، قراءة وكتابة، وقد تعلم على أيديهم الكثير من رجال الدولة في الحلة.

ب-مدارس الاتحاد الإسرائيلي (الأليانس):-
اضطلعت جمعية الاتحاد الإسرائيلي في باريس و(الجمعية اليهودية في لندن) و(اللجنة اليهودية في بغداد) بمهمة تأسيس مدارس الاتحاد الإسرائيلي (الأليانس) وإدارتها والإشراف عليها)، وقد اعتمدت مدارس الاتحاد في مناهجها الدراسية أول الأمر على المناهج الحديثة للمدارس الابتدائية الأوربية.
كانت اللغة الفرنسية هي لغة التدريس الأساسية في مدارس الاتحاد في بادئ الأمر، ومن ثم أدخلت تدريس اللغات العربية والعبرية والتركية والانكليزية إلى مناهجها، إلى جانب مواد دراسية أخرى كالنحو والصرف والإنشاء والجغرافية والتاريخ والحساب وعلم الفيزياء والكيمياء.
وضمت هيئة التدريس في مدارس الاتحاد الإسرائيلي (الاليانس) عدداً من المدرسين الفرنسيين والانكليز الذين كانوا يقومون بتدريس اللغتين الفرنسية والانكليزية والعلوم الحديثة لطلبة مدارس الاتحاد، واستعانت جمعية الاتحاد الإسرائيلي بأبناء البلاد من الأقلية اليهودية في تدريس اللغتين العربية والعبرية والفرنسية في بعض الأحيان، فضلاً عن استعانتها بأبناء البلاد من المسلمين في تدريس المواد الاجتماعية من تاريخ وجغرافية واللغة العربية)، على أن أدارة المدرسة كانت تناط بصورة مستمرة بأحد الفرنسيين الذي كان يعين من قبل المركز العام لجمعية الاتحاد الإسرائيلي في باريس).
وفي أطار الخطة التي أعدتها جمعية الاتحاد الإسرائيلي في عملية إنشاء المدارس في العراق، فقد أخذت على عاتقها دفع جميع مصاريف التأسيس، ومن ثم اتخاذ التدابير اللازمة لإشراك أبناء الأقلية اليهودية المحلية بتلك المصاريف والنفقات بصورة تدريجية، ولم تكن الدراسة مجانية في مدارس الاتحاد، إلا أن الطلاب الذين لا يتمكنون من دفع أجور الدراسة كانوا يعفون منها لمدة معينة، في حين يأخذ من الطلبة الآخرين من ذوات الدخل المرتفع (الأغنياء) ضعف الأجر المعتاد.
وقد أنشأت جمعية الاتحاد الإسرائيلي وفق خطتها مجموعة من المدارس في بعض المدن العراقية الكبرى والرئيسية مثل بغداد والموصل والبصرة والحلة وغيرها من المدن العراقية الأخرى، ففي مدينة الحلة أسست جمعية الاتحاد الإسرائيلي مدرستها الابتدائية الحديثة سنة 1907، وتم فتح المدرسة عن طريق الدكتور (ويغرام A.WIGRAM ) احد أعضاء البعثة التبشيرية التي أرسلها رئيس أساقفة ( كنتر بيري) في لندن إلى الأشوريين في العراق حيث ضمت البعثة خمسة قساوسة، وقد نصح (ويغرام) جمعية الاتحاد الإسرائيلي بتأسيس مدرسة لها في مدينة الحلة لما تحمله المدينة من تسامح ديني، وكان أول مدير لها مسيو (نهامه) ، وقد بلغ عدد طلابها سنة 1910 (175) طالباً ، وقد أنخرط للدراسة فيها الكثير من أبناء الأقلية اليهودية، والبعض من أبناء الحلة المسلمين.
وكانت تدير تلك المدرسة الحديثة في مدينة الحلة نخبة مثقفة من أبناء الأقلية اليهودية، ومن طلابها الذين سطع نجمهم على الساحة الثقافية في العراق (أحمد نسيم سوسة وأنور شاؤول) ، وكان يطلق على المدرسة أسم (الاسكول) ، وأشهر مدرائها (نسيم ملول) وهو احد ابرز أقطاب الحركة الصهيونية العالمية، أحضرته جمعية الاتحاد الإسرائيلي من القدس إلى الحلة لتنشيط الحركة الصهيونية في المدينة سنة 1927، ولكن أقيل بعد سنة ونصف من ذلك لفشله في استقطاب اكبر عدد ممكن من يهود الحلة إلى الحركة الصهيونية.
وقامت جمعية الاتحاد الإسرائيلي بتأسيس مدرسة ابتدائية لتعليم الفتيات في مدينة الحلة سنة 1911، وقد انتظمت بها الكثير من بنات الأقلية اليهودية.
وفي أعقاب الانتداب البريطاني على العراق تألفت لجنة للمدارس التابعة للأقلية اليهودية،مهمتها الإشراف على مدارس الأقلية، وقد تطورت بعد ذلك صلاحيات وواجبات لجنة المدارس بحيث أخذت على عاتقها أدارة مدارس الأقلية، ولذلك تحول أسمها من لجنة (مشارفة المدارس الإسرائيلية) إلى (لجنة المدارس الإسرائيلية) بعد إعلان الانتداب على العراق سنة 1920.
كان المعلمون اليهود في مدرسة (الاسكول) في لواء الحلة يقدمون خدماتهم لسلطات الانتداب البريطاني، من خلال تعليم بعض رجالهم اللغة العربية من اجل تسهيل مهمة رجال سلطة الانتداب البريطاني في كيفية التعامل مع أبناء الشعب العراقي، وقد كتب لنا بهذا الصدد (سند رسن باشا) في مذكراته بأنه تعلم وأتقن اللغة العربية على يد معلم يهودي من أهل الحلة، وبفضل ذلك المعلم اليهودي أجتاز (سندرسن باشا) أختبار في اللغة العربية الذي أجرته سلطات الانتداب البريطاني، وحصل على مكافأة مالية قدرها (مائة وخمسون روبية) من إدارة سلطة الانتداب البريطاني لأجادته اللغة العربية بصورة جيدة وسريعة.
أما أهم الواردات المالية التي تعتمد عليها مدارس جمعية الاتحاد الإسرائيلي (الاليانس) في تسيير أمورها الدراسية: هي مخصصات المجلس الجسماني الإسرائيلي ، وواردات الأجور الدراسية، وواردات أوقاف المدارس من محلات تجارية وأسواق وخانات وأراضي زراعية، فضلاً عن المعونة السنوية لوزارة المعارف العراقية لمدارس الطوائف والمدارس الأهلية .
أن مورد الأجور الدراسية في مدارس جمعية الاتحاد الإسرائيلي (الأليانس) كان بسيطاً بالقياس إلى مخصصات المجلس الجسماني الإسرائيلي التي كانت تشكل المورد الرئيسي الذي تعتمد عليه مدارس الجمعية في تسيير أمورها الدراسية.
وتعد سنة 1942 نقطة تحول سلبي في مسار مدارس تلك الجمعية، إذ وقف صندوق الطائفة اليهودية عاجزاً عن دفع المخصصات اللازمة لتمشية الأمور الدراسية بسبب النقص الحاصل في واردات الصندوق فضلاً عن مظاهر الأزمة الغذائية التي حدثت في أعقاب اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939-1945)) وأدى ذلك العجز إلى ارتباك كبير في تسيير الأمور الدراسية في جميع مدارس جمعية الاتحاد الإسرائيلي (الأليانس)، إذ تراكمت للمعلمين رواتب من ثلاثة إلى ستة أشهر، وقد تمت معالجة ذلك العجز من خلال الزيادات المتتالية التي فرضتها مدارس الجمعية على الأجور والخدمات المدرسية التي فرضت على الطلبة، ففي السنة الدراسية (1944-1945) فرضت الجمعية مبلغ نصف دينار سنوياً في المدارس الابتدائية وثلاثة أرباع الدينار في المتوسطة ودينار في الإعدادية كأجور أضافية، ثم أدخلت تعديلات على تلك المبالغ حتى أصبحت ديناراً واحداً في الثانوية وخمسة دنانير في الابتدائية.
وبلغ ما تجمع لدى مدارس الجمعية من الأجور الإضافية للسنة الدراسية (1944-1945) (3761) ديناراً وللسنة الدراسية (1948-1949) (4114) ديناراً، فضلا عن الزيادة في الأجور الدراسية، وبذلك تم التغلب على الصعوبات والعراقيل التي وقفت حجر عثرة في تسيير الأمور الدراسية بشكلها الطبيعي.
أما فيما يخص المعونة السنوية لوزارة المعارف العراقية لمدارس الطوائف والمدارس الأهلية، فقد كانت بسيطة مقارنة مع مخصصات المجلس الجسماني والأجور الدراسية والإضافية السنوية، فقد كان مبلغ المعونة السنوية لمدرسة الاتحاد الإسرائيلي في لواء الحلة للسنة الدراسية (1944-1945) (60) ديناراً، فيما وصل مبلغ المعونة للسنة الدراسية (1945-1946) (80) ديناراً)، بينما ارتفع مقدار المعونة السنوية للسنة الدراسية (1946-1947) إلى (90) ديناراً،وقد استمر ارتفاع مبلغ المعونة من قبل وزارة المعارف العراقية لمدرسة الاتحاد الإسرائيلي في مدينة الحلة (الاسكول) حتى وصل في السنة الدراسية (1947-1948) إلى (110) ديناراً،وبقي مبلغ المعونة ذاته للسنتين الدراسيتين (1948-1949) و (1949-1950).
إن ارتفاع مبلغ المعونة التي تقدمها وزارة المعارف العراقية إلى مدارس الطوائف والأهلية بعد سنوات الحرب العالمية الثانية يرجع إلى تحسن صادرات العراق وارتفاع مستوى التخصيص المالي لوزارة المعارف العراقية في الميزانية العامة ، والتي بدورها تدعم مدارس الطوائف والمدارس الأهلية من اجل النهوض بمستوى التعليم بشكل عام، والتخفيف من الأعباء المالية المنوطة بإدارة مدارس الطوائف والمدارس الأهلية.
ولو قارنا بين المعونة السنوية التي تقدمها وزارة المعارف العراقية إلى مدرسة الاتحاد الإسرائيلي في الحلة مع عدد المدارس الرسمية في لواء الحلة خلال السنة الدراسي (1943-1944) لوجدنا مبلغ المعونة لا باس فيه، فقد كان عدد المدارس الابتدائية في مراكز مدن لواء الحلة (12) مدرسة للذكور (5) مدارس للآناث، بينما بلغ عدد المدارس الابتدائية الرسمية في القرى والأرياف (26) مدرسة للذكور والإناث، أي إن مجموع المدارس الابتدائية الرسمية للذكور والإناث قي عموم لواء الحلة قد بلغ (43) مدرسة، وبمعنى آخر يجب أن تقدم وزارة المعارف العراقية للمدارس الرسمية في لواء الحلة مبلغ مقداره (2580) ديناراً على اعتبار إن المنحة السنوية للمدرسة الواحدة (60) ديناراً.