من اوراق الراحل عبد الرزاق الحسني اسرار القصر الملكي

من اوراق الراحل عبد الرزاق الحسني اسرار القصر الملكي

كان (شريف مكة) الحسين بن علي في اسطنبول عضواً في مجلس الدولة العثماني ، وبمعيته عائلته وأولاده الثلاثة علي وفيصل وعبدالله . وفي هذه المدينة زوج ابنه الشريف علياً ابنة عمه عبدالاله بن محمد الشريفة نفيسة ..

كما تزوج كل من فيصل وعبد الله ابنتي عمهما الشريف ناصر بن علي كان عقد فيصل على الشريفة خزيمة عام 1906 ، وعبدالله على الشريفة مصباح ... وبمرور الأيام أخذت بوادر الجفوة تبرز بين الأمراء وزوجاتهم.
أدرك الوالد (الحسين) هذه الحالة السائدة بين الاخوة الثلاثة مع زوجاتهم، وحين رشح الامير فيصل لعرش العراق نصحه والده أن يتوجه لوحده منفرداً دون زوجته وبناته الثلاث، عزة وراجحة ورفيعة والامير غازي حيث أبقاهم الحسين عنده وقال لفيصل (( يا ولدي هذا العراق لا يؤتمن فقد غرر بعمك الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام حيث دعوه ثم قتلوه...فاذهب إليها أنت وحدك والأيام شواهد على ما سيحدث فيما بعد)) جاء فيصل إلى العراق وأخذ بتوسيع علاقاته بأعلام القطر وأعيانه وبيوتاته من اجل توطيد دعائم العرش وفي نفسه أن يبحث عن أسرة للتصاهر معها تعززه وتدعم مكانته.. فتوجه إلى الشخصيات المتنفذة في القطر التي يرتاح إليها ، وبعد تجواله في مدنها ومعرفته الكثير عن تاريخ العوائل والتيارات التي تتحكم في طبيعة العلاقات داخل المجتمع العراقي صرف النظر عن المصاهرة مع إعلام الموصل وبغداد والبصرة الحافلة بالشخصيات اللامعة والبيوتات العريقة واتجه ميله إلى الشخصيات الهاشمية من أشراف سادات الفرات الأوسط ومنهم السيد هادي المكوطر والسيد نور السيد عزيز الياسري ، والسيد علوان الياسري ، والسيد محسن أبو طبيخ والسيد كاطع العوادي الذي كان أقربهم اليه وغيرهم من الاشراف العلويين الشيعة.
لاسيما أن البيت الهاشمي في الحجاز كان حريصاً على هذه الناحية لأنهم من الاشراف (السادة) وكي يستمر تقاليدهم المتوارثة يجب ان تكون قرائنهم من الاشراف الاكفاء أيضاً.
ان اوثق ما جاء عن هذا الموضوع هو ما ادلى به تحسين قدري رئيس التشريفات والمرافق الاقدم للملك فيصل، للصحفي المعروف السيد جواد هبة الدين في بغداد سنة 1959 الذي توجه له بسؤاله عن الوسيط في زيجة الملك فيصل قائلا :
(أن أحد أعيان الفرات العلويين والمقربين إلى الملك قدم له ابنته بناء على اتفاق مسبق بينهما، ياباشا هل لك ان تفصح عن هذه الشخصية الفراتية الغامضة ، وبذلك تكشف السر وراء هذه القصة التي يعتبرها العديد من الناس أنها مجرد خيال وليس لها صحة من الواقع) أجاب تحسين بعد تردد: (دعنا منهم، فكلهم ذهبوا إلى رحاب الله) ثم تابع موضحاً بقوله:
تزوج فيصل الله يرحمه نهاية سنة 1921 بعقد شرعي فقد دعي نائب القاضي الشرعي في بغداد الشيخ شكر الله عن المذهب الجعفري لإجراء العقد وكان رستم الشاهد الأول وأنا كذلك معه كنا شاهدي العقد ولم يحضر غيرنا من موظفي البلاط.
(لكن ياباشا أين ورقة العقد فلم نجد لها أثراً في وثائق البلاط في المكتبة الوطنية وليس للعقد أي سجل في المحكمة الشرعية)أجاب تحسين: (ما اعرف شنو صار بعدين) ، فهي أوراق شخصية تعود لجلالة الملك، واستمر قائلاً: لماذا أنجبت زوجته هذه له بنتاً أسماها الأمير (بدور) ولما علم بعض المتزلفين اخبروا الملك حسين بن علي بالأمر فأبرق له مهنئاً بزواج ابنه الملك فيصل ، وأن زوجته أنجبت له بنتاً أسماها (بدور) فما كان من الحسين إلا أن قدم البرقية الى بنت أخيه الشريفة حزيمة التي هالها الموقف وقررت السفر إلى بغداد مع أطفالها الأربعة، وقد لعب ساسة بغداد وعلى رأسهم عبد المحسن السعدون وياسين الهاشمي وآخرون، هم ناجي السويدي وتوفيق السويدي ورشيد عالي في مقابلتهم مع فيصل، دور المشاغب بإثارة قضية مجيء عائلته وكيف سوف يتصرف بين زوجتيه، وليس في المراسيم الملكية المعتادة ملكتان في القطر لذا لا بد من الاقتصار على واحدة .
ومن حيث ان الشريفة حزيمة هي بنت عم جلالته وأم لأطفاله الأربعة فمن الافضل تطليق هذه الزوجة الثانية وإعطاؤها إكرامية مع تخصيص مرتب لابنتها (الأميرة بدور).
وقبيل وصول الملكة حزيمة إلى بغداد مطلع عام 1923 طلب فيصل من رئيس ديوانه رستم حيدر مخاطباً اياه بقوله (أنت حلال المشاكل أطلب منك أن تنهي لي المشكلة بالتي هي أحسن).
ويستمر تحسين قدري بكلامه بعد تأمل طويل،(فقام رستم بدعوة الشيخ الجليل والد زوجة الملك، وقابلناه سوياً وأخبرناه ان زوجة الملك الاولى مقبلة الى العراق وانها رسمياً هي الملكة ولا محل لا بنتكم في القصر الملكي، ولهذا تم تطليقها من جلالته وأنا نبلغك بذلك وطال الحديث وتشعب .. وتحرج الموقف، وتطميناً لوالدها.. عرضت على الشيخ ما أمر به جلالته وعلى حد قوله (بأننا سنكافئك) فأجاب الشيخ ممتعضاً وبكل كبرياء: أنا في غنى عن المكافأة والمسألة اعتبارية تمس بيتنا.. وختم النقاش بأن طلب الشيخ من رستم وتحسين كتمان هذه الزيجة وحلفه ألا تباح إلى أي بشر..، ولهذا تم كتمانها بشكل لم يتطرق إليه أحد من المقربين الى الملك فيصل وحياته العائلية وخاصة المس بيل التي كانت من العلاقة بالملك كالزوجة الأخرى والمفضلة عنده، فهي لم تتطرق في رسائلها الى والدها وزوجته بأية إشارة إلى هذا الموضوع احتراما ًلمشاعر ورغبة فيصل.)
سئل السيد جواد مستفهماً من تحسين : ياباشا لو كانت هذه البنت التي تزوجها جلالته كريمة أحد ساسة بغداد الكبار من فهل كنتم بهذا النحو القاسي تفسخون العقد؟ فرد تحسين قائلاً:(ياسيد جواد .. دعنا من الكلام الكل ذهبوا وماتوا وهناك الحساب والقصاص والعدل ، أما بدور فكانت تأتي الى قصر الزهور عند الملكة عالية زوجة الملك غازي لأنها تعتبر شرعاً (أخت غازي ) من ابيه وكانت تكرمها بسخاء قبل ان تعود الى امها التي ماتت كمداً بعد سنوات من طلاقها،وقبل وفاة فيصل كانت بدور تزور أباها بين حين وآخر، وكان يعطف عليها كثيراً وبعد وفاته في 8 أيلول (سبتمبر) 1933 لم تدرج ضمن أبنائه وبناته في القسمة الشرعية، وحرمت من تركة أبيها كلياً فانتقم لها القدر بأن توالت النكبات على البيت المالك بما هو معروف لدى الجميع)، ويستمر تحسين في سرد ما يعرفه عن بدور بقوله: (إن اخر علمي عنها،ٍ بعد أن علمت الملكة عالية من بدور بحالة البؤس التي تعيشها بعد وفاة أمها وجدها الشيخ ثم خالها الذي كان قد تبناها فأبقتها عالية في قصر الزهور باعتبارها إحدى وصيفاتها وعاشت مع الخدم وعلى غرارهم حتى مقتل الملك غازي) توفيت بدور في مدينة كربلاء وقد تجاوزت الثمانين عاماً قضتها في ذل العيش وهي ابنة ملك!
جريدة الاتحاد 22/6/1985

جريدة الاتحاد 22/6/1985