ماذا حصل بين الزهاوي والرصافي

ماذا حصل بين الزهاوي والرصافي

حسين علي محمد
عندمَا يَجمع الصحفيين والادباء والشعراء مجلسٌ واحد فيطيب الحديث وتصدح الألسن بما يحلو ويفوح،ففي احد ايام شتاء 1956 كان اجتماع قد ضم كلامن الاساتذة محمد هادي الدفتر صحفي وكاتب موسوعة العراق الشمالي والجنوبي

وامين احمد (ابو اكرم) صاحب جريدة الاراء وعبد الله حسن جريدة النهار وجمال داود الاسواق التجارية ومكي عزيز "شاعر" جريدة النذير وعبد القادر رشيد الناصري "شاعر" وعلي الفراتي "شاعر" وكاتب هذه السطور فاخذوا يتجاذبون أطراف الحديث عن السياسة والشعر والشعراء والادب والأدباء وصياغة الكلمة الصادقة والهادفة ان كانت شعرا او مقالة وكيف يستفاد منها المتلقي وتخللت الجلسة الطرائف والنكات فقال الاستاذ ابو اكرم الحكاية الآتية:
في احد الايام ذهب الاستاذ معروف الرصافي صباحا الى حمام الرافدين ليستحم وهذا الحمام يقع في شارع الرشيد قرب جامع الحيدر خانة وهو يمتاز مع ثلاثة حمامات في بغداد وهما حمام ايوب بالكرخ وحمام الكولات بالنهضة واخر في الكاظمية وهذه الحمامات يؤمها اناس من بغداد والالوية (المحافظات) وذلك لنظافتها ولوجود صومعة (دجة) داخلية يستعمل ويحرق تحتها الفحم وجذوع النخل لتكون درجة حرارتها عالية مشبع بالبخار فيرتادونها للنظافة والصحة واعادة النشاط ليوم جديد ودخل الرصافي الحمام ومعه (المدلكجي) وعندما وصل الى (الدجة) وجد الزهاوي ممدا فوقها ومعه المدلكجي فقال كلمة (كل) فرفع الزهاوي رأسه وعندما عرفه قال (وكل) ودارت بينهما معركة كان سلاحها (الطوس) جمع (طاسة) وفضت المعركة من قبل الشخصين وبعدها تفرق الاصدقاء الكبار فاخذ الزهاوي يجلس في مقهى سلمان التي عرفت فيما بعد بمقهى الزهاوي في مدخل شارع حسان بن ثابت واما الرصافي فاخذ من مقهى عارف اغا في الحيدر خانة مقرا له وبقيا على هذه الحالة شهوراً ستة يقول ابو اكرم بقينا في حيرة من امرنا واصاب الحركة الثقافية الفتور وكيف لمُ شملهما وهم أساتذتنا وكبار قومنا فذهبت أنا والأستاذ محمد هادي الدفتر وكاكة حمادي الناهي صاحب جريدة الكشكولة الى صديقهما الوفي معالي الاستاذ علي ممتاز الدفتري وزير المعارف آنذاك ووجدناه يعرف بما جرى وفي احد الأيام دعانا معاليه للغداء في داره العامرة في الوزيرية فوجدنا الزهاوي والرصافي وثلة من الوزراء والاعيان وكان السيد محمد الصدر من بين الحضور وبعد الغداء يقول ابو اكرم اخذ بعض خبثاء اللسان من الحضور ليعرفوا معنى الكلمتين (كل وكل) التي تجاوز الجفاء بينهما الستة اشهر فأراد الاستاذ الدفتري الاكتفاء بالصلح وطمر الماضي وقد سمع الشاعران لغط الجالسين وإحراج الدفتري فقال الرصافي أنا قلت
وكل امرئ من دهره ما تعودا
قال الزهاوي وانا قلت بعدما سمعت كلامه
وكل إناء بالذي فيه ينضح
فتعانقا مرة ثانية واعيد مجلسهما ومن يستمع الى القول الفصح وهكذا كانت المجالس مجالس محبة وإخاء ولا تزال الدنيا بخير حيث توجد مجالس في بيوت عامرة ولكنها قليلة فكثر الله أمثالهما.