حمامات بغداد الشعبية      ساونا      القرون الماضية

حمامات بغداد الشعبية ساونا القرون الماضية

اعداد/ محمد الذهبي
للحمامات الشعبية في بغداد تاريخ حافل بالمفارقات والحكايات والأمثال، كما أنها كانت تحتل جانباً مهماً من الحياة البغدادية ولها سلوك وقواعد لا يمكن للزبون تخطيها.. فقد ذكر ابن جبير عن إحدى رحلاته إلى بغداد انه يوجد بين الشرقية والغربية نحو ألفي حمام أكثرها مطلية بالقار.

فيخيل للناظر أنها رخام اسود. والظاهر أن سبب كثرة الحمامات القديمة في بغداد هو أن البيت البغدادي للمتوسطة من الناس لا يبنى فيه حمام إلا ما ندر فكان البغداديون يذهبون إلى الحمامات الشعبية في أسواق بغداد. ومن الطقوس التي تصاحبها أنهم كانوا يأخذون معهم سلة الملابس ويضعون معها البرتقال والنومي حلو والرمان والتفاح ليتناولوه أثناء الاستحمام.. وكان في كل حمام (مدلكجي وحلاق وقهوجي يقدم الشاي والحامض والدارسين).. ومن عاداتهم الإكثار من الذهاب إلى الحمامات في فصل الشتاء ولا سيما في المناسبات والأفراح والأعياد فتبقى مزدحمة.
وقد تميزت الحمامات الشعبية جميعها بالطراز البغدادي ذي الأقواس والقباب والدهاليز، وكانت توقد ممرات الحمامات المظلمة بـ(القناديل والشموع) قبل إشاعة الإنارة (الكهرباء) ، وكان لكل حمام بغدادي في سقفه فتحات زجاجية ملونة بالأخضر، والاصفر، والاحمر بغية تسرب الضوء الى داخل الحمام.. ومن أشهر وأقدم الحمامات الشعبية في بغداد بعضها ما زال يشاهد والبعض الآخر انقرض لطول عمره، اذ حلت محله العمارات والمخازن التجارية ومن هذه الحمامات (حمام حيدر، وجلبي، والراعي، والشامي، والسيد يحيى، والقاضي، وحمام علي، وآل جميل، وآل المفتي، واليتيم، والحاج رسول، والحيدر خانة، وحمام تاجه، والخيزرانة، والخستخانة، والشفاء، وحمام الشيخ شكر وعيفان وعويد، والكهية، وايوب، وحمام المالح، وكجو، والشورجة، وفضوة عرب، والكمرك، وحمام شامي، والكريمات، والسراي.. الخ).
واليوم قل ذهاب الأسر والعوائل البغدادية الى حمامات السوق، وراحوا يغتسلون في دورهم السكنية العصرية، فقد انشأ في كل بيت حمام.. وكانت الحمامات الشعبية تسخن وتشعل بالتبن وفضلات الحيوانات، وكان في كل حمام (طمة) وقد زالت (الطمة) بعد ان اصبحت الحمامات تسخن بـ(النفط) وكان باعة الشلغم يضعون في نيران الطمة الشلغم والشوندر بغية شوائه وبيعه للمستحمين بعد خروجهم من الحمام ويقولون (الشلغم درمان الصدر يبعد الزكام ويدفئ الجسم في الشتاء). وهناك لمحة طريفة تقول: الحمامات في بغداد كثيرة منها قديم ومنا حديث، شيد على الطراز القديم، ولدخول الحمامات تقاليد ما يزال بعضها وقد أندرس البعض الآخر كانت الحمامات تتألف من (منـزع) وهي باحة كبيرة يتوسطها حوض وعلى حواشيها (دكات) يجلس عليها الرواد ينزعوا ملابسهم ثم يدخلون إلى باحة اخرى ومنها إلى باحة كبيرة التي على جانب منها حوض كبير وعميق. يدخل الرجل الى المنـزع ويأتي اليه عامل خاص يفرش له ازاراً (بشتمال) على الدكة ويعطيه ازاراً آخر ليأتزر به بعد ان يخلع ملابسه، وبعد ان يكمل نزع ملابسه يأتيه العامل بـ(قبقاب) ملابسه ، إذا أراد أن لا يدخل الحمام حافياً، وبعد أن يغتسل يترك ليدخل الباحة الكبيرة إلى الوسطى وهنا يصفق ليأتي إليه العامل بإزارين احدهما يتزر به والآخر يضعه على كتفه، ثم يجلس في مكانه ليقول له صاحب الحمام وهو جالس من بعيد على التخت العالي عند باب الحمام (نعيماً) فيجبه (انعم الله عليك) وهنا يأتيه العامل بإناء فيه ماء ليشربه ويجلس قليلاً ينشف نفسه ويشرب قدحاً من (دارسين) وإذا أراد أن يحلق ففي الحمام حلاق ولكن عليه ان يحلق قبل ان يدخل الحمام للغسيل. والحمام القديم كانت له (طمة) تقع فوقه أي المكان الذي يجلب منه الماء ويسخن وفي كل طمة بئر وعليها (كرد) يجره بغل لجلب الماء من البئر وسكبه في مخزن الحمام الكبير والحمامات عادة تكون خاصة للرجال وللنساء أو يوماً للرجال ويوما للنساء.
وهناك فرق كبير بين هذه الحمامات وبين حمامات الساونا التي تخضع لترتيب تقني حراري كهربائي يتحكم فيه اختصاصيون للزبون الذي يرغب بالتخلص من وزنه الزائد على عكس الحمام الحجري. ويقول صاحب حمام الكولات حسين فارس: اننا نتابع وبجدية نظافة الحمام نفسه من صيانة سنوية وخاصة في فصل الصيف. وتحديداً عند شهر آب من كل عام وتجديد الوزرات (المناشف) والصبغ وغيرها من مهمات تسهيل الراحة للزبون ولدينا مشكلة الآن في الحصول على مادة النفط وأيضا ضعف ما يصل من الماء بالنسبة لإسالة الماء والكهرباء الهم الأكبر اعتماد المولدات التي تكلفنا غالياً لكنها مهنة ورثناها ولا نستطيع العمل من دونها مهما كانت الظروف كذلك الهدر بالماء من قبل الزبون والاعتراض احياناً على الاسعار، علماً أن سعرنا جيد ويصل إلى ألفي دينار وفي حالة التدليك المساج ثلاثة آلاف دينار مع المشاكل الآنفة الذكر. ولكن لدينا علاقات مع فنانين ورياضيين مثل الفنان رعد الناصري والمذيع الراحل رشدي عبدالصاحب والمطرب الراحل حسين سعيدة واللاعبين مثل رعد حمودي وفلاح حسن ولاعب كمال الأجسام محمود زيدان والملاكم إسماعيل خليل وغيرهم.
هل نسيت شيئاً "أبو علي"؟
-كان الزبون يستخدم (القبقاب) الخشبي العازل للحرارة وقد انقرض تقريباً للأصوات التي تصدرها القباقيب وتعويضها بالبلاستيك. وايضاً (الطاسة الصفر) كونها أيضا تصدر صوتاً قوياً عوضناها بالبلاستيك. ونسمح بدخول الحمام من عمر 12 سنة فما فوق وليس اقل من هذا العمر وبمصاحبة والده أو شقيقه لزاماً، وأخيرا حين يتحدث أكثر من واحد يثبت احدهم ويقول: (حمام نسوان) ولم يقل حمام رجال وهذه لنا وليست علينا والله اعلم.