إيلور وأزمة المثقف

إيلور وأزمة المثقف

علي حسين
ذات ليلة من ليالي الحرب العالمية الثانية، أطفأ بول ايلور اشهر شعراء فرنسا أنوار منزله، حيث تتصاعد الغارات الجوية، وجلس يكتب، يدون تأملاته ويتساءل: اين المثقف من كل هذا؟ كان ذلك عام 1941. من هم المثقفون؟ وما هو دورهم؟

وما الذي يمكن ان يقوموا به، هذه الأسئلة يحاول الاجابة عليها «آلان مينك» في كتاب صدر قبل سنوات بعنوان « تاريخ سياسي للمثقفين».
يقول الكاتب الفرنسي « آلان مينك»: «وُلد المثقف الحديث بنظري في القرن الثامن عشر عندما نجا بنفسه من هيمنة السلطة السياسية ومن سطوة الكنيسة، لقد أصبح المجتمع هو المحيط الذي يعيش فيه. وغدت المواجهة بينه وبين السلطة هي التي تحدد هويته ومجال إبداعه. لقد أصبح المثقف يتأمّل بالعالم المحيط به وغدت الكلمات أفعالا والأفكار أسلحة والنظريات مدافع ».
وتحت عنوان: «الحزب الأول « يكتب مينك «: «لايزال حزب المثقفين في تاريخنا أقوى وعلى الدرجة نفسها من التضامن مما كان عليه في الماضي «.
ويحدد المؤلف القول ان قوة المثقفين مصدرها الرئيسي هو أنهم يشكّلون «كتلة متضامنة يوحّدها طموح مشترك» و»تؤكد ذاتها جماعيا على المسرح السياسي والمسرح الوطني».
الورقة الرابحة الأساسية لدى المثقفين يتم تحديدها بـ»تأثيرهم على الرأي العام». وينقل المؤلف في هذا السياق جملة كان فولتير قد كتبها لصديقه دالامبير عام 1767 وجاء فيها: «الرأي العام هو الذي يحكم العالم وعليكم أن تحكموا الرأي العام».
يقول تشارلز فريمان في كتابه « اغلاق العقل الغربي « ان سبب تدهور اوربا في القرون الوسطى كان انعزال المثقفين الذين آثروا الانزواء تاركين الامور بيد رجال الدين « ويضيف « ان الحصانة الحقيقية للمجتمعات في تنشيط دور المثقفين، لذلك انغلق الغرب لقرون طوال قبل ان يعود اليه المثقفون يبعثون به الحياة من جديد «.
حاول سارتر في كتابه «دفاعاً عن المثقفين»، الذي صدر عام 1965، أن يعطي تعريفاً للمثقف:» أن ما يجعل من فرد ما مثقفاً هو قدرته على تجاوز الحقل الضيق لاختصاصه.، المثقف هو الشخص الذي يتدخل في ما لا يعنيه، ويمتلك القدرة على الجهر بالحقيقة «، يمكن أن نسأل: هل تشكل دعوة سارتر إلى مثقف سياسي، أم أنها كانت استجابة منطقية لقضايا عصره الملتهبة المستمرة حتى اليوم؟ سواء أكانت العلاقة قوية أم واهية، فإنها بالتأكيد انعكاس لذلك الالتزام الأخلاقي الذي لا وجود للمثقف من دونه. وقد نسأل أيضاً: ما دور المثقف في مجتمع لا ثقافة فيه ولا يميل إلى إنتاج المثقفين الحقيقيين؟ أو ما وظيفة المثقفين في مجتمعات تجتهد سلطاتها في تدمير العقل وتبديد الحقيقة؟ لا جواب إلا في ملحمة الصحيح، التي أعارها سارتر عقله وقلمه وشخصه.
يحيلنا هربرت ماركيوز، الذي دعاه البعض بملهم ثورات الطلبة إلى فكرة المثقف الملتزم، الذي ينقض المصلحة الأنانية بمثال أخلاقي مرغوب: « على المثقف، كي يكون كما يجب أن يكون، أن يواجه المجتمع المسيطر ببديل اجتماعي متحرّر من السيطرة، يتيح للإنسان، مهما كان لونه ووضعه ومعتقده، حياة مبرّأة من القمع والحرمان. إن دور المثقف الملتزم هو في توزيع الحقيقة على البشر كي يبصروا ما يـجب التخلي عنه وما يجب الأخذ به».
ربما لم يكن بول ايلور يريد حقا الوصول الى تعريف للمثقف، ربما ماكان يريده هو ان تنتهي تلك الحرب التي تغرقه في الظلام، ليكمل قصيدته التي تقول:

تحت الشمس في اعلى السماء حيث تتحرر من ظلك
تصبح وحدك كل الناس وتغدو حقيقتك لا نهائية
متى يصبح المثقف كل الناس؟ سؤال يحتاج لاكثـر من علامة استفهام