ابراهيم الوائلي.. رحلة العمر الطويل بين الشعر.. الصحافة.. والاذاعة

ابراهيم الوائلي.. رحلة العمر الطويل بين الشعر.. الصحافة.. والاذاعة

عاش الاستاذ ابراهيم الوائلي نمط الحياة الذي اراده هو لنفسه واقتنع به لا كما اريد له..
ولد في بيئة فلاحية وكان طبيعيا أن يكون كاهله ولداته فلاحا الا أنه تمرد.. وولد لاب كان رجلا دينا فاحب ابوه ان يكون مثله وان يحذو الا انه تمرد..

واريد له أن يبتعد عن احداث الثلاثينات والاربعينات حبا في السلامة فلم يؤثرها وتمرد..
واريد له ان يبتعد عن ساحة الشعر فما رضي بذلك فتمرد..
هذا هو ابو عبد الاله النحوي واللغوي والناقد والشاعر والاستاذ في فم الدراسات العليا بكلية الاداب- جامعة بغداد.
بدأ حديثه بقوله:
عاصرت احداثا كثيرة وقطعت حياة ليس فيها ما يحصد الا ذكريات الطفولة والصبا لانهما قضيت بين النخيل والاشجار وعلى شط العرب، فقد ولدت في بداية الحرب العالمية الاولى في جزيرة الصقر التابعة لناحية شط العرب على الضفة الشرقية مقابل كرمة علي كان اخوالي فلاحين وامي بنت فلاح سقت النخل بيديها مع أبيها وقد ادركت ذلك النخل الذي سقته امي وجنيت منه الرطب.
لم يكن عمره ليعينه على تذكر احداث هذهالحقبة الا أنه يعي سفره الى الكوفة مع أهله بسفينة شراعية ومن الكوفة الى النجف الاشرف ليمكث فيها اشهرا يعود بعدها من حيث اتى.. الا أنه يحدد زمان سفرته الاولى هذه بانها كانت بعد ثورة النجف عام 1918 باشهر وقبل ثورة العشرين.
حتى احداث ثورة العشرين لا يتذكر استاذنا الوائلي منها شيئا سوى ان الانكليز قبضوا على ابيه وعلى الشيخ محمد الاعم جد الدكتور عبد الامير الاعم في الرميثة بتهمة التحريض على الثورة الا أن الانكليز اطلقوا سراحه بعد حين.

الحمد لله الذي تحمدا
يقول الاستاذ الوائلي:
لم تكن في القرية مدرسة ولا البصرة قريبة منا لتسهيل الدراسة فيها لذلك كلف والدي أحد قراء القرآن وكان أسمه عمران الحلو، ففتح كتابا ملأ في القرية وادخلني فيه وطلب من الاباء ان يغتنموا الدراسة لتعليم ابنائهم ختمت القرآن الكريم في ستة اشهر وعملت في الزفة وطيف بي في القرية والاطفال ينشدون الارجوزة المشهورة.
الحمد لله الذي تحمدا حمدا كثير ليس يحصى عددا وانتهت هذه المرحلة التي تمثل اول مهدي بالتعلم.. بعدها رحل الوائلي صحبه ابيه الى النجف الاشرف وفيها تلمذ لابيه ودرس على يده من كتب النحو الاجروميى وقطر الندى والفية ابن مالك بشرح ابن الناظم والمغني ومن المنطق دري كتاب الحاشية للعلا عبد الله والمطول ومختصره للتفتازاني ومن الفقه حصيلة غير قليلة.
وكان الوائلي خلال هذه الحقبة رقيقا لوالده في حله وترحاله بين النجف والبصرة والغراف.
في اوائل الثلاثينات فتحت في القرية مدرسة ابتدائية وقبلته فيها الطلب في الصف الخامس الابتدائي الا أن واده سرعان ما اخرجه منها لانه كان يريد له ان يكون رجل دين لا موظفا في احدى دوائر الدولة.
وعاود حلقات الدراسة في النجف فكان يحضر البحث الخارجي تحت منبر الشيخ كاشف الغطاء هو ومحمد شرارة وحسين مروة وظل بين البصرة والنجف حتى عام 1940.
يقول استاذنا الوائلي:
شهدت في البصرة البؤس والفقر والحرمان وعرفت مآسي الفلاحين وما كانوا يلقونة انذاك من اضطهاد الملايين وكنت ارى بعيني الكثير منهم يبيتون بلا عشاء لا يستر اجسادهم حتى في الشتاء الا القليل والنادر منهم من كان يستطيع شراء بعض الملابس المستعملة للنكات يتقي بها برد الشتاء.هذه الحياة التعسة اثرت في تكويني وفي كثير من حياتي الادبية وموضوعاتي في الشعر.
في الثلاثينات اتصل الوائلي في النجق وبحكم البيئة بكثير من الادباء والشعراء من خلال جمعية الرابطة التي تاسست عام 1933 وجمعية منتدى النشر التي تاسست بعدها بقليل التي انتمى اليها في ذلك الوقت بطلب من ادارتها.
اثناء هذه الحقبة اقبل الوائلي على دراسة العروض وحفظ الشعر حتى أنه حفظ اغلب شعر المتنبي واكثر من نصف حماسة ابي تمام.
يقول الوائلي:
فبدأت انظم الشعر في تلك الفترة ولكن يتكلف حتى اذا ما توفى الملك فيصل الاول ذهبت لان انشد شيئا في تابينه في الحفل الذي اقيم في النجف وقتذاك فانشدت مرثاتي وكانت على هيئة رباعيات ومطلعها:
كم لهذا الزمان من عشرات
ولكم للمنون من فتكات
فكانت اول قصيدة عرفت لي في محافل النجف واذكر انها استحسنت.
الوائلي الصحفي
ولما ادركت الوائلي حرفة الشعر والادب ادركته حرفة الصحافة فبدأ لا يدري الا انه سرعان ما درى ذلك ووهي.. اول اتصاله بالصحافة كان عام 1934 حين نشر في جريدة الراعي التي كان يصدرها الاستاذ القاص جعفر الخليلي قصيدة في وصف الطبيعة مطلعها:
نغمات الطيور في الاوكار
علمتني روائع الاشعار
ثم تلت هذه القصيدة ست قصائد اخرى وكان أحد هذا النشر بداية معرفته بالاستاذ الخليلي واحتفت الراعي بعد اربعين عددا اذا اغلقت لجراتها في نقد الحكم وقتذاك بعدها بقليل اصدر الخليلي الهاتف فكان ان توثقت علاقته بالصحافة.
يقول الاستاذ الوائلي:
وصدرت الهاتف فكنت انشر فيها باستمرار وكانت جريدة ادبية اسبوعية تصدر صباح كل جمعة وكثر كتابها وشعراؤها اذكر منهم ذنون ايوب، عبد المجيد لطفي، محمد شرارة، حسين مروة، احمد الصافي النجفي، محمد جمال الهاشمي، والشاعر المعروف مرتضى فرج الله..
اما كتابها من لبنان فاذكر منهم اسكندر حريق وفرحان حمادة ونايف نصر والطبيب رشيد معتوق.
حررت في جريدة الهاتف من سنة 1935 حتى اواخر 1939 وكان الخليلي صاحبها يسافر الى لبنان في الصيف فاكون انا محله في تنظيم الجريدة وتبويبها والاشراف عليها واحيانا كتابة الافتتاحية الى ان يعود الخليلي من لبنان.
وانتقل الخليلي الى بغداد فامسك الوائلي من النشر في جريدته التي اصدرها في بغداد وانظم الى مجلة الغري التي كان يصدرها وقتذاك شيخ العراقيين واشرف على اصدار اعدادها الاولى عام 1939 وسرعان ما تركها الا أنه نشر فيها فيما بعد بعض القصائد والمقالات.
الوائلي والاذاعة:
صيف عام 1940 طلبت الاذاعة من استاذنا الوائلي ان يشارك في بعض نشاطاتها ضمن دائرة اهتماماته وتخصصه فنظم قصيدة وارسلها فطلب اليه الحضور لانشادها فحضر وانشدها وكانت تلك اول صلة له بالاذاعة.
يقول: وفي الليلة الثانية كنت اجلس في مقهى بجانب الكرخ فجاء الجواهري يسال عني وعرفته وعرفني وكان هذا اول مهدي به.. فاخذ القصيدة التي انشدتها في دار الاذاعة ونشرها في اليوم الثاني في جريدة الراي العام بعد ان كتب لها مقدمة رائعة.. ومن الظريف ان الاجر الذي دفعته الاذاعة لي لقاء تلك القصيدة كان ديناراً واحدا.
كانت هذه القصيدة فاتحة علاقة بالاذاعة امتدت ما يقارب السنتين واقتصرت على الشعر فقط، فقد ساهم في مهرجان الطيران العسكري ومهرجان الجيش عام 1940 وفي مناسبات أخرى.. وكان ما ينشده من دار الاذاعة ينشر في الصحف مما اعان على أن يكون معروفا في اوساط بغداد الصحفية والادبية.
يقول الوائلي:
وفي ذلك الوقت صادفني في بغداد كثير من المعارف ممن لنا علاقات بهم فرجحوا لي ان امارس مهنة التدريس ووافقت وصدر لي امر التعيين في بداية السنة الدراسية لعام 1940-1941 وعينت مدرسا للغة العربية في مدرسة اعدادية اهلية وعندها اشار على الاصدقاء ان أطرح العمة والجبة واستبدلهما بالسترة والبنطلون فاستعنت بخبرة صديقي الدكتور المخزومي في الانتقاء والشراء فطرحتهما الى حيث لا رجعة وباشرت التدريس واذكر ان واحد من المغتشين مشرف تربوي كان قد زارني واستحسن في مادتي واسلوبي فسألني عن راتبي وكان اثني عشر دينار فعجب وكتب الى وزارة المعارف وقتذاك بطلب زيادته.
ولم تنقطع صلة الوائلي بالاذاعة ولا بالهاتف والغري في النجف ولا بصحف بغداد خلال عمله في التدريس بل استمر في انشر على ان صلته بالجواهري وبجريته الراي العام قد توقفت خلال هذه الفترة.

ثورة مايس
يقول الوائلي:
وفي ثورة مايس كنت في بغداد فشاركت فيها مشاركة غير قليلة بماأستطيع من الشعر والعمل، ففي اول يوم اذعت قصيدة من دار الاذاعة نددت فيها الاحتلال وبالانكليز ثم اردفتها بقصائد اخرى وانتهيت الى كتائب الشباب التي كان يرأسها الشهيد يونس السبعاوي وزير الاقتصاد في وزارة الثورة وكنا نجتمع في مكتبه في مقر وزارته بفندق ريجت بالاس واذكر من الحاضرين الدكتور عبد الكريم كنونة وحسن الدجيلي وعباس كاشف الغطاء واخرين من الشباب.. في الليل كنا نقوم بما يشبه الحراسة والتفتيش وكانت مهمتي في هذا الامر بجانب الكرخ.
وطلب الي ان أسافر الى النجف الاشرف لاحرض اهلها على المشاركة في الثورة وطلب الى الصحف في بغداد ان تمهد لذلك ثم سافرت عن طريق كربلاء وعند مدخل المدينة كانت هناك نقطة عسكرية تقوم بمهام الحراسة والتفتيش فطلبوا مني هويتي ولمك تكن معي وكادوا يعتقلوني لولا تدخل المرحوم المحامي محمد عبد الحسين صاحب جريدة الاستقلال النجفية التي كانت تصدر اثناء ثورة العشرين اذ عرفهم بي.
وفي كربلاء اتصلت بمتصرف اللواء شاكر حميد فسهل لي مهمتي ثم غادرته الى النجف وكان لنا ما اردنا وعدت الى بغداد فطلب الي ان اسهم في الاذاعة فاستجبت واخذت انشد بعض القصائد واحدى كل ليلة.
كان مدير الاذاعة وقتذاك الاستاذ سلمان الصفواني وكان الدكتور صفاء خلوصي ولم يكن دكتورا وقتذاك مشرفا على ادبيات الاذاعة وكانت الاذاعة في ذلك الوقت في بيت الاستاذ المرحوم كمال ابرهيم عند بداية شارع عمر بن عبد العزيز قرب ما تسمى الان بساحة عتنر.. فكنت اتي الى مديرية الدعاية وتاتيني سيارة شركة طبارة وعبود للسكاير واركب مع السكاير حتلا لا يعرفني احد فاذهب الى بيت الاستاذ كمال ابرهيم واذيع ولم يكن في هذه الاذاعة سوى الصديقين حسين الكيلاني وعبد اللطيف الكمالي.
في يوم 24 مايس 1941 بلغني ان اربعة من وزراء الثورة قد تركوا بغداد فارسلت الى كربلا ء لزيارة السيد علوان الياسري لاطلاعه على هذا الحدث باعتباره عضو مجلس الاعيان الذي ترأس جلسة المجلس التي تم فيها خلع عبد الاله من وصاية عرش العراق وتنصيب الشريف شرف وصيا مكانه فبدت على وجه السيد الياسري الخيبة وبقيت في كربلاء تلك الليلة وفيها سمعت المذيع يعلن دخول عبد الاله الى بغداد بدبابة انكليزية.
الوائلي الاستاذ
صيف عام 1945 قدم الاستاذ الوائلي طلبا الى جامعة القاهرة فؤاد الاول سابقا للدراسة فيها والحصول على الليسانس في اللغة العربية فقبل في كلية العلوم فغادر بغداد بصحبة الاستاذين عبد الحميد الراضي وعبد الرضا صادق اللذين قبلا هما الاخران معه فمكث فيها اربع سنوات حصل بعدها على الليسانس بدرجة جيد جدا فالتحق على الفور بقسم الدراسات العليا وبعد فترة حصل على الماجستير عن رسالته الشعر السياسي في القرن التاسع عشر كجزء من متطلبات الماجستير والتي طبعت مرتين.
يتحدث الاستاذ الوائلي عن حياته في القاهرة فيقول:
اثناء وجودي في القاهرة اتصلت بالكثير من الادباء والصحفيين ولا سيما المرحوم الاستاذ احمد حسن الزيات الذي نشر لي قصائد كثيرة في مجلة الرسالة قد تكون معظم ما نظمته هناك.. في القاهرة نشرت كذلك في مجلة الفجر الجديد التي كان يصدرها احمد رشدي صالح وفي الفكر الجديد التي كان يصدرها السيد قطب وكان من اصدقائي الاعزاء قبل ان يدخل في محيط الاخوان المسلمين وكانت لي صلة طيبة بحزب الوفد المصري وقد نشروا لي في صحفهم بعض المقالات ضد معاهدة بروتسموث كجريدة البلاد وصوت الامة وجريدة الكتلة التي كان يصدرها مكرم عبيد.
وكانت لي صلة طيبة بالدكتور زكي مبارك وقد دارت بيني وبينه مساجلات على صفحات جريدة البلاغ.
مؤلفات الوائلي:
لم ينشر الوائلي من شعره اي ديوان رغم كون معظم شعره منشورا في الصحف ويقول أنه قد جمعه وهو ينتظر من ينشره.
له ثلاثة مولفات الشعر السياسي في القرن التاسع عشر وقد طبع مرتين وثورة العشرين في الشعر العراقي واضطراب الكلم عند الزهاوي وله من البحوث حرب طرابلس واثرها في الشعر العراقي والشعر العراقي في القرن التاسع عشر ومنزلته من الشعر في مصر والشام ولغة الشعر العراقي في القرن التاسع عشر ومن لفيط الى البازجي وهو بحث قومي والتجديد في الادب معناه وتطوره عدا هذا مقالات كثيرة في التراجم والنقد ولديه الان دراسات وبحوث معيئة للنشر ومنها التراث العربي وأثره في شعراء القرن الماضي.
درس الاستاذ الوائلي في كلية الاداب جامعة بغداد وفي كلية الشريعة والمستنصرية واستقر به المقام الان في قسم الدراسات العليا في كلية الاداب بجامعة بغداد كاستاذ حصل على لقب الاستاذية منذ زمن بعيد ورغم بحوثه ومؤلفاته في الادب الا انه كما يبدو من خلال اشرافه على اطاريح دارسي الماجستير والدكتوراه لغوي ونحوي ولا اشك في ان بيئته الدارسية قد امدته بالكثير ورسخت فيه أهتماما في هذين الحقلين من حقول العربية.
مجلة الف باء
حزيران 1982