الادب النسوي في الحلة - الرعيل الاول..مقبولة الحلي

الادب النسوي في الحلة - الرعيل الاول..مقبولة الحلي

طه فرحان الربيعي
اذا صاحت الدجاجة صياح الديك فاذبحوها قالها الفرزدق في امرأة قالت شعراً.
رأيان في مقدمة
المقدمة:
لو رسمنا للأدب بكل صنوفه وقمنا بتوزيع نسبة النساء الأديبات الى الرجال الأدباء لوجدنا الفارق العددي والكمي الهائل بين الجنسين.
فالى أي عوامل نعزو ذلك؟؟

اقتصادية، ثقافية، سياسية، او عوامل اخرى وكلها في ظننا متشابكة وممتدة ادت الى هذا الفارق الهائل المخيف واعتقد ان كل عامل من هذه العوامل يحتاج الى وقفة ودراسة وتحليل. واجمع اغلب الأدباء الذين طرحت عليهم هذا السؤال (قلة عدد الأديبات) على العوامل المذكورة مع اختلاف في الطرح والتناول.

الرأي الاول:
رأي الأستاذ الدكتور عجيل نعيم الياسري:
(لا يشكل الاستثناء إزاحة للقاعدة العامة: حقيقة الإبداع عند النساء أمر لا يناقش وما اختلافها عن الرجل بالمعطيات الا القليل...
إذن: لم تختلف النساء عموماً قياساً لعموم الرجال في ميادين شتى؟: خاصة في غزارة الإنتاج في الفنون الأدبية: رواية، قصة، نقد، شعر، مسرح... لان المرأة تحمل عيوباً نفسية وثقافة منقوصة عن ذاتها فهي كائن عاجز جسدياً، ومكفوف (جنسياً) ودورها (وعاء استقبال). فهي التي ينفق عليها وهي التابعة ودورها الامتناع (ثقافتها) ثقافة (إظهار) الجسد (بضاعة). عالمها مشحون بالخوف والتوقع (غير جادة) مزاجية (استلطاف) (تكاثر) بالأولاد تخضع لثقافة سماوية لا جدل معها وثقافة إقطاعية (حريم) عليها ان تقدم المتعة بكل صنوفها (للرجل تحديداً). الثقافة الإبداعية عند المرأة ليست مكملاً انثوياً: أي ثقافة جسدية عالية تعني الموت (خسارة الحياة بكل معنى الكلمة). العقم الفكري عند المرأة حقيقة ملموسة (خلق مقومات العقم الذهني) حتى تكون جسداً خالصاً لسيدها لا غير نزوع هواني لا ينقطع عند الرجل للمرأة جسداً. المرأة تعني وجهاً اخر للشهوة (المتقدة) عند الرجل. الموروث الثقافي يهئ المرأة للاستمتاع بها. فهي ليست قائدة ولا رائدة ولا قاضية ولا مستشارة وليست ممن يطلب العون منها. ثقافة المخزون الذهني عند المرأة (مانع خراساني) عن أي انطلاق الا في متعة الجسد وإمتاع الغير. فهي خاطبة ود الرجل ورضاه لا تنتقده ولا تقول ما يزعجه... الإصغاء، القبول، التأييد من أساسيات بقائها (امرأة).
المرأة مصابة دائماً (بعصاب الهجر) هواجسها لا تنتهي قلقة (خائرة) تلفها الحيرة حول مصيرها كل ذلك من عوامل الصد الفاعلة في الأداء الفكري والإبداعي. الضغط (النرجسي) حول جسدها شامل وعنيف مما يفقدها التلقائية في حرية التعبير والتفكير. دورها ان يطلبها الرجل بقوة... وذلك يضعف ذهنها في الدائرة الاوسع.
المرأة تختلف عن الرجل في الكتابة الإبداعية بسبب غياب مقومات الكتابة الإبداعية وهما (الجرأة والأداة)، فالجرأة مكفوفة والأداة (منقوصة) الرجل أكثر اقداما أكثر انصرافاً لطلب المعرفة محرر من جسده. المرأة حبيسة (هوام الجسد) وهي اقل مقاومة خارج ميدان الذات. الرجل أكثر انطلاقا ًفي معظم محطات عمله، ثقافته الاجتماعية أوسع، وتعلمه اسبق الاتساع الثقافي والحركة الخارجية لديه واسعة، مكنه ذلك من خزن التجربة وامتلاك ناصية المعرفة).

الرأي الثاني:
رأي الأستاذ الباحث والأديب ناجح المعموري
(لابد لمن يريد الحديث عن دور المرأة في الحركة الثقافية والأدبية حصراً ان يؤشر سببين جوهريين الموضوعي والذاتي حيث التشكلات الاجتماعية الضاغطة باتجاه الإبقاء على المرأة معطلة وحتى والتي استطاعت حيازة تأهيل تعليمي وثقافي ظلت وبنسب كبيرة مرتبطة بالمنهاج الدراسة التقليدية التي لا تؤهل المرأة لممارسة دورها الثقافي الا في حدود ضيقة لا تتجاوز العمل الوظيفي اليومي هذا بالإضافة الى السبب الاخر هو العامل الذاتي الذي كثيراً ما كان ضامراً الا في حدود استثناءات قليلة ولذا نجد الأسماء النسوية المشتغلة في مجال الأدب والإبداع قليلة بالقياس لعدد الذكور الممارسين لذلك نجد ان الحركات النسوية المهتمة “بالجنة” ركزت على الامكانات العالية المتوفرة لدى المرأة في الضرب في مجالات عديدة العلوم الانسانية والعلميات... الخ ومازالت الحركات النسوية تناضل لمساواة النوع النسوي مع نظيره الذكري.
وبالامكان الإشارة الى عناصر اخرى تابعة للموضوعي ساهمت في تحجيم دور المرأة في مجال الأدب ومنها ضيق مساحة الحرية التي لا تسمح لها بالتعبير عن مواقفها وارائها بالإضافة الى التابعات الاخرى الدينية والسياسية والتي أعاقت ايضاً نشاط الرجل واعتقد ان التركيبات المجتمعية عوقت دور المرأة لكن لابد من الإشارة الى ان الحركات السياسية الديمقراطية واليسارية هي التي شجعت المرأة لدخول هذا المجال وما ظهر من أسماء نسوية في العراق ثقافياً وادبياً مقترنة بالفعاليات السياسية كما أجد بان الأصوات النسوية التي ظهرت في الوطن العربي كانت متمردة كلياً كرد فعل على ما أشرت ومنها على سبيل المثال ليلى بعلبكي وغادة السمان ولميعة عباس عمارة كما لعبت المرأة دوراً مركزياً في التجديد والتحديث مثال ذلك نازك الملائكة وكان لها دور بارز في حركة الإصلاح الاجتماعي والنهوض مثل أمينة السعيد.
واخيراً اعتقد بان مساحة المرأة ستظل محكومة بما ذكرت وان اتسع لها المجال كما هو حاصل الان لكن نوع ما أنتجت ظل هامشياً وغير لافت للانتباه.

اسماء ونماذج شعرية

“مقبولة الحلي”
(1929م-1979م)
هي مقبولة عبدالله نجم الربيعي هذا من ناحية أبيها، اما أمها فهي سعدة حسين عبو الطائي
شيء عن أسرتها:
أبوها خريج جامعة اسطنبول في الابعينيات وشغل مناصب عدة إدارية أبان العهد الملكي منها: رئيس محكمة تمييز بغداد، ومسؤول عن العشائر وأنسابها في وزارة الداخلية. في الحلة وفي محلته (السنية) عرف باسم (عبدالله أفندي)، وفي بغداد كانوا ينادونه (عبدالله الحلاوي) ومن هنا ألصق (الحلي) بشاعرتنا الراحلة (مقبولة).
اما أمها فهي تنتمي الى قبيلة (طي) المعروفة بوجاهتها وكرمها في (الشامية) وكانت ذات شخصية قوية ومؤثرة ومما رواه لي اقرابنا بانهم زاروها في بغداد- المنصور، لتتوسط لهم باعادة احد اقرباؤنا المفصولين سياسياً (فاضل حميدي- شيوعي) ومن حسن الصدف ان يكون رئيس الوزراء (طاهر يحيى) جيرانها فأمرت (خادمها) الذهاب الى بيت رئيس الوزراء ويوافيها عند مجيئه، وفعلاً جاء (طاهر يحيى) وبعد تبادل الأحاديث التي يحب ان يسمعها من الحاجة (سعدة) طلبت منه إلغاء الفصل السياسي لأحد أقاربها وكان لها ما طلبت فسرعان ما أمر بإعادته الى وظيفته فوراً.

اما أخواتها فهن:
زكية: مديرة مدرسة/ متوفية
نبيهة: مديرة مدرسة/ متوفية
بهية: خريجة ثانوية/ ربة بيت/ متوفية
في هذه الأسرة الراقية نشأت وترعرعت (الحاجة مقبولة) (كما كان يسميها أقاربنا) البيت المملوء بالعلم والأدب والرصانة والوجاهة.
أكملت دراستها الابتدائية والثانوية في بغداد، والتحقت بكلية الملكة عالية فرع اللغة العربية، وتخرجت عام 1953، وعينت مدرسة لهذه المادة حتى وفاتها.
اما زوجها فهو: محمود إبراهيم الصالح الربيعي/ خريج قانون/ من مصر وشغل عدة مناصب أبان العهد الملكي ومنها: مدير أملاك بغداد، رئيس ملاحظين في الشؤون الاجتماعية.
وكانت الراحلة تسكن في بغداد- الاعظمية وقد اخبرني احد أقاربنا ان الراحلة اختارت لقب (الحلي) اعتزازاً بمدينة الحلة فقد كانت تقول (مدينة الحلة مدينة الشعر والأدب) اشتهرت الراحلة مع زوجها بالكرم والضيافة واستقبال الضيوف فقد كان بيتها (فندقاً) لأقاربها (الربيعي) وحباً بها واحتراماً لها ولمدينة الحلة فقد اختار الدكتور طارق احمد الربيعي أخصائي الأطفال المشهور لقب (الحلي) بدل (الربيعي) حيث أكمل دراسته في كلية الطب- بغداد في بيتها
وكانت الراحلة تحط ركابها عند صديقتها (الراحلة) (كوكب الشرق- أم كلثوم) حين كانت تزور مصر.

محل ولادتها وديوانها (الحب الكبير):
أخبرتني الأخت العزيزة والقريبة الفاضلة سميرة احمد الحلي ان ولادة الشاعرة الراحلة (مقبولة) في (بدرة وجصان) حيث كان أبوها موظفاً هناك... أما ديوانها فطبعته في بيروت أرسلته الشاعرة ولكن الفاضلة (سميرة) لا تعلم بيد من أرسلته والى أية جهة، وقريبتنا الفاضلة (سميرة) كانت تربطها مع الراحلة- إضافة الى صلة القرابة - صداقة ومودة مع (الحاجة مقبولة)(4).

أبيات متفرقة من شعرها:
* من أوائل قصائدها (نجوى الربيع) المنشورة في عام 1948 وفيها وصف لرومانسية شهر نيسان
وافاك نيسان مزهواً بنعماه/ يتبه كبراً بما الرحمن أولاه
وينشر العطر من جناته عبقاً/ وتمنح السحر يمناه ويسراه
انظر الى الأرض بالأعراف منتشياً/ يروي أحاديث نيسان ونجواه
* ولا تمر مرثية الجسر دون ان تذكرها شعراً:
لا تسألي بغداد عما جرى/ في (جسرك) المعهود لا تسألي
هي الدماء الحمر مسكوبة/ تبوح بالذكرى المجيد العلي
* مساجلة (حافظ جميل) (ياتين):
يا تبن لو علمت ما جد من/ حوادث أشفقت يا تين
ولو رأيت اليوم من ساقني/ هذا الأسى لقلت: مسكين
* من قصيدة (انتظر ولقاء):
وعنك سألت فلا الأمسيات/ أجابت ولا نسمات الضحى
ولا خطوة الفجر لما استفاق/ ولا نسمة الصبح لما صحا

“القراءة”
ما قيل في شعرها:
ينقل لنا الدكتور العزيز صباح نوري المرزوك رأيين في شعر الراحلة: (6)
أ- (يتميز شعر مقبولة بالصنعة وتقليد الأوائل اسلوباً ومضموناً ويدعو الى معان سليمة وكثيراً ما تخرج هذه المعاني بحنين جارف يتخذ صورة التغزل. مقبولة شاعرة محاكاة تقليدية فترسم لمضامين وأشكال من تأثرت بهم من الشعراء وهي تتبع خطى التقليديين والجادين من حيث بناء الصورة الشعرية وتراكيبها اللغوية وديباجة صافية) (عن: سلمان هادي الطعمة/ شاعرات عراقيات معاصرات/ت2/ دمشق 1995/ ص181).
ب- (مقبولة وتر حساس متفرد بنغمته الشجية وانته في قيثارة الشعر العراقي اذا اهتز هز نياط القلوب ولامس بأناته الشجية الرقة العميقة الا أنة خلايا الأرواح وأطربت شعرها الوجداني الحار والصادق والبسيط وما أثاره من إلهام ومساجلات شعرية للشعراء الكبار: عدنان فرهاد وصالح جواد الطعمة وكاظم جواد وعلي الحلي) (عن حارث طه الراوي/ ذكرى الشاعرة مقبولة الحلي/ جريدة القادسية/ بغداد/ السبت/ 20/3/1979).
الرأيان فيهما تناقض واضح- صحيح، ان لكل دارس نظرته الخاصة المستقلة في (النص) النظرة التي تبرمجها ثقافته ولكن ليس من حقه ان يصدر أحكاماً قاطعة يلزم بها الآخرين فالنقد عملية: عقلية- فكرية، (فكل من يمارس النقد يصدر أحكاماً. والنقد هو بالتعريف إصدار حكم، حكم بالصحة او بعدمها وان يكون هذا الحكم قاسياً او غير قاس فهذه مسألة تقبل النقاش) على حد قول الاستاذ محمد عابد الجابري. فكيف يكون صاحب الصنعة ومقلد الأوائل ومتبع خطى التقليديين وتراً حساساً منفرداً بنغمته..؟ هكذا آراء متاثرة بآراء النقاد الأوائل أي: آراء واحكام وجمل (جاهزة) نحن نؤمن: ان لكل عصر قوانينه النقدية التي هي بالاساس حاجة ونتاج في آن واحد من لدن انسان العصر ذاك؟
فالنص هو ابن بيئته ولد من اشتباك عدة عوامل... فكما هو (النص) يجسد (زمنه) فأننا نطمح ان يجتاز الحواجز كي يبقى خالداً.
نحن مع الرأي الاول (أ) ولكن السؤال الملح هنا: لماذا لم تكتب الراحلة شعرا حرا او تتأثر بالرواد (السياب، نازك..) علما انها كانت معاصرة للحركة وروادها؟ وانها (لم تكن بمعزل عن القضايا الوطنية
والقومية). فلم هذه العزلة عن الحركة الشعرية الجديدة؟ اعزو ذلك لنشأتها البيتية اولاً ولتأثرها وحبها العميقين للتراث ثانيا، فقد مرت بناء اجواء البيت الذي نشأت فيه وهذا ليس نقصاً بتجربتها الشعرية، فما زال الكثير من الشعراء يكتبون- ولا أقول يؤمنون- بالشكل الكلاسيكي. (نظام الشطرين).
الراحلة (مقبولة) قدمت شعراً صافياً صادقاً، فهي لم تكن صدى لأي شاعر فهي (نحلة) تنقلت بين زهور الشعر و(أمتصت) من (رحيقه) فأنتجت لنا (عسلا) بمذاق خاص بها.
وتجربتها الشعرية تحتاج الى دراسة وافية وتتبع حثيث لما قدمته من نتاج وفير، يوفر للدارس البحث والتنقيب. فطرقها اغلب ابواب الشعر يدل دلالة قاطعة على سعة ثقافتها وامتلاكها ناصية اللغة.