سلامة موسى الكاتب والمفكر التنويري في النهضة العربية المعاصرة

سلامة موسى الكاتب والمفكر التنويري في النهضة العربية المعاصرة

شاكر فريد حسن
سلامة موسى (1887-1958) من أعلام الفكر التنوري والعَلماني في النهضة العربية المعاصرة ومن مؤسسي المشروع الثقافي المعرفي النهضوي وحاملي راية اليقظة الفكرية الداعين إلى المساواة والعدل الاجتماعي والدمقراطية وحرية الفكر والرأي والتعبير والكفاح من اجل بناء المجتمع المدني الدمقراطي والحضاري الذي يضمن حرية وكرامة الإنسان.

عانى سلامه موسى كثيرا من الاضطهاد بسبب افكاره ألانتقادية والتحررية وسعيه الدؤوب إلى تحرير الذهنية العربية وإنهاض الأمة من غفوتها وسباتها وبؤسها وساهم في تقريب الثقافة الانسانية والتقدمية العالمية إلى قلوب وعقول الناس وآمن بقدرة العقل البشري في مواجهة العجز الفردي والاجتماعي والفكري والتخلص من الفساد والاستبداد والظلم وإصلاح المجتمع، وتمرس في بدايات حياته الفكرية على الكتابة وكان على صلة بالمقتطف والهلال ورئيس تحرير مجلة "المستقبل" و" الهلال"، ومن خلال صلاته وعلاقاته بيعقوب صروف وفارس نمر وجرجي زيدان اكتسب الخبرة والتجربة الكتابية واتجه إلى تبسيط المعلومات وإخراجها بأسلوب شفاف وبسيط وواضح المعاني وسهل الفهم ومليء بالشحنات العاطفية، وتعتبر كتبه "التثقيف الذاتي" و "طريق المجد للشباب" و"الأدب للشعب" و"أحاديث إلى الشباب" و "فن الحب والحياة" "وهؤلاء علموني" و "مقالات ممنوعة" من أكثر الكتب انتشارا بين قطاعات الشباب والقراء في العالم العربي.
وانصب اهتمام سلامة موسى على التعريف بأهمية النهضة الادبية الاوروبية ورأى في الأدب العربي الذي انتشر في أوروبا من خلال الأندلس الفضل الكبير في انبثاق الثورة الرومانسية في الأدب الأوروبي، كما انه يرى ان اللغة العربية التي عرفها عند تفتحه الذهني ترسف في أغلال قديمة ولهذا اتخذ منها موقفا معاديا ووقف بحزم ضد أصحاب العقلية السلفية الذين كانوا برأيه عقبة كأداء في سبيل تطوير اللغة العربية، ونعى كل من حاول تقليد ومحاكاة أسلوب الجاحظ على ما فيه من رشاقة وجمال، وخاض المساجلات العنيفة مع مصطفى صادق الرافعي ورشيد رضا واتهماه بالكفر والزندقة والخروج على المألوف من الأعراف، وهذه التهم كانت تجد من يصدقها بسبب الجمود العقائدي الذي ساد مصر قبل اليقظة والوثبة الفكرية، واتخذ لغة عصرية وجديدة تتفق مع ثقافة الكواكبي التي غزت العالم العربي آنذاك ودعا إلى استخدام الكلمات المجازية التي تتلاءم مع روح المجتمع العلمي واشتق الكثير من التعابير اللغوية العلمية واستخدمها في كتاباته.
وكان سلامة موسى داعية للأدب الشعبي الملتزم بقضية التغيير ومؤمنا بدوره العظيم ووظيفته الاجتماعية في خدمة الشعب والحياة والمجتمع والتقدم والثورة الوطنية والاجتماعية وسخر من مقولتي "الأدب للأدب " و "الفن للفن" لان غاية الثقافة التفاعل مع الحياة وسيرورتها وغاية المثقف تحويل همومه الذاتية إلى هموم انسانية وعالمية، وواجبه تسخير قلمه وفكره في المعارك الشعبية والجماهيرية ضد القهر والفقر والظلم والاضطهاد القومي والطبقي.
وينتصر سلامة للعقل وينطلق في نتاجه الفكري والاجتماعي والثقافي والنقدي من منظور علمي والتزام صريح وواع بقضايا الواقع الاجتماعي، وانتقد بجرأة وشدة مساوئ السلطتين السياسية والدينية وحارب مظاهر التخلف وطالب بتحرير المرأة التي كانت تعيش في ظلمات كثيفة من الجهل والعبودية ومساواتها بالرجل وضرورة إشراكها في الحياة السياسية والاجتماعية.
وصفوة القول ان سلامة موسى من الشخصيات المهمة والغنية في الحياة الفكرية والثقافية العربية الحديثة وهو انسان مثقف وعميق ومفكر شفاف أدهش الناس بحلمه الجميل واصالته الملتزمة بالانسان وجمع بين النبرة الفلسفية وسطوع الفكرة وعفوية التناول وشغلته الهموم الشعبية المختلفة واهتم بالطبقات الشعبية الفقيرة والبائسة ولم يغمض عينيه عن القضايا الاجتماعية وحارب المفاهيم السلبية في المجتمع ودعا إلى بناء العلاقات الانسانية على قواعد وأسس سليمة خالية من المسلكيات الخاطئة وحض على الحب والمودة والتكاتف والتكافل الاجتماعي وتحطيم قيود القهر والظلم، وعالج مختلف القضايا والموضوعات الاجتماعية والأدبية والفكرية ملتزما بمنطلقات الفكر العلمي ووضوح رؤياه.