لمحة عن حياة روزا لوكسمبورغ

لمحة عن حياة روزا لوكسمبورغ

توني كليف
"لقد أخطأت روزا... لكن على الرغم من كل أخطائها، فقد كانت- وستظل بالنسبة لنا- نسرا محلقا. ولن يحفظ الشيوعيون في كل أنحاء العالم ذكراها باعتزاز فحسب، بل إن سيرة حياتها ومؤلفاتها الكاملة... ستكون أيضا دليلا لتدريب أجيال من الشيوعيين في كل أنحاء العالم".

لينين – الاعمال الكاملة.
الطبعة الفرنسية، الجزء 33، ص 212 –
دار التقدم –موسكو 1975.
في الخامس من آذار عام 1871، ولدت روزا لوكسمبورغ في بلدة بولونية صغيرة تابعة لمقاطعة "زاموسك". ومنذ ريعان شبابها، أبدت نشاطا ملحوظا في الحركة الاشتراكية. حيث انتسبت إلى حزب ثوري يدعى " البروليتاريا " تأسس عام 1882- أي قبل ما يقارب 21 عاما من ظهور الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي (البلاشفة و المناشفة). وكان حزب "البروليتاريا" من حيث المبادئ و المناهج ومنذ بداياته أكثر تطورا بدرجات من الحركة الثورية في روسيا. فبينما كانت الحركة الثورية في روسيا ما تزال مقتصرة على أعمال إرهابية تنفذها قلة من المثقفين المغامرين، استطاع حزب البروليتاريا تنظيم وقيادة آلاف العمال في الإضرابات، مع أنه تلقى ضربة قاصمة عام 1886 وذلك بإعدام أربعة من كبار قادته وسجن 23 آخرين لمدة طويلة مع الأشغال الشاقة ونفي ما يربو على مئتين آخرين ولم ينج من البطش سوى حلقات صغيرة ومن بينها تلك، التي انتسبت إلى إحداها روزا لكسمبورغ وهي في سن السادسة عشرة. بعدها وفي عام 1889 بدأ البوليس مطاردتها، مما أرغمها على مغادرة بولونيا اعتقادا من رفاقها في أنها تستطيع أن تقدم عملا مفيدا خارج بولونيا أكثر مما لو كانت في السجن.
انتقلت روزا ابنة الثامنة عشرة إلى سويسرا إلى مدينة زوريخ، التي كانت مركز الهجرة الأكثر أهمية للبولونيين والروس. وهناك انتسبت للجامعة ودرست العلوم الطبيعية والرياضيات والاقتصاد. كما لعبت دورا هاما في الحركة العمالية المحلية وفي زخم الحياة الفكرية للمهاجرين الثوريين.
لم يمض اكثر من عامين حتى أصبحت روزا لكسمبورغ معروفة كمنظرة للحزب الاشتراكي الثوري البولوني. كما أصبحت المحرر الرئيس لصحيفة الحزب المسماة سبرافا رابوتنتسا (1) الصادرة في باريس. في عام 1894 جرى تغيير اسم حزب البروليتاريا فاصبح الحزب الاشتراكي الديمقراطي لمملكة بولونيا، وبعد فترة وجيزة ضم اسم الحزب ليتوانيا. وقد تابعت روزا لوكسمبورغ عملها كمنظرة للحزب (الحزب الاشتراكي الديمقراطي لمملكة بولونيا و ليتوانيا) (2) حتى نهاية حياتها. وفي آب عام 1893، قامت روزا بتمثيل حزبها في مؤتمر الأممية الاشتراكية وهنالك كان على الشابة، التي لا يتجاوز عمرها الثانية والعشرين أن تناظر مع شخصيات متمرسة مشهورة من حزب بلوني آخر، كان يدعى " الحزب الاشتراكي البولوني"(3)، الذي كان يضع استقلال بولونيا بندا رئيسا في برنامجه، وطالب باعتراف جميع سياسيي الأممية الاشتراكية الكبار به. وخلف تبني فكرة الحركة القومية في بولونيا يكمن ثقل موروث لدرجة أن ماركس وانجلز أبديا أيضا اهتماما بها ووضعها بندا رئيسا في سياساتهم. بالرغم من كل هذا اندفعت روزا لكسمبورغ بشجاعة وبحدة لتتهم " الحزب الاشتراكي البولوني" بالنزعات القومية السافرة والميل إلى تحييد العمال عن طريق النضال الطبقي، وتجرأت لاتخاذ موقف مغاير عن موقف القادة التقليديين وعارضت الشعار الداعي لاستقلال بولونيا. (لمزيد من الإيضاح انظر موقف روزا لوكسمبورغ من المسألة القومية، الباب السادس من هذا الكراس).
أكثر أعداؤها من الإساءة إليها والبعض منهم مثل ويلهلم ليبكنخت المتمرس والصديق لكل من ماركس و انجلز، ذهب بعيدا واتهمها بأنها عميلة للبوليس السري القيصري. وعلى الرغم من ذلك ثبتت روزا على موقفها.
نضجت روزا لوكسمبورغ فكريا بسرعة فائقة. وانجذبت نحو الحركة العمالية الأممية في ألمانيا حيث شقت طريقها في عام 1898.
باشرت روزا الكتابة هنالك بجدية ومواكبة، وبعد قليل من الزمن أصبحت أحد المحررين الرئيسيين لأهم مجلة نظرية ماركسية سميت انذاك؛ الأزمنة الحديثة (4). وكانت على الدوام مستقلة في أحكامها ونقدها، لدرجة أن الشخصية المهيبة لكارل كاوتسكي، رئيس تحرير المجلة، والذي أعتاد أن يسموه "بابا الماركسية"، لم تستطع أن تحرفها عن آرائها.
أصبحت الحركة العمالية في ألمانيا جزءا لا يتجزأ من روح وقلب روزا لوكسمبورغ، حيث كانت محررا منتظما بشكل دائم في عدد من الصحف الاشتراكية، وفي بعض الأحيان كانت ترأس تحريرها وخاطبت العديد من اللقاءات الجماهيرية ولعبت دورا فعالا في كل المهمات التي دعتها الحركة لإنجازها. وخلال ذلك كله كانت خطبها ومقالاتها من الأعمال الإبداعية الأصيلة، التي كانت تتحكم فيها للمنطق أكثر من العاطفة، إذ كانت دائما تفتح أمام قرائها أفاقا أوسع و أكبر من التي كانوا يعرفونها قبل ذلك.
في ذلك الوقت انشقت الحركة في ألمانيا إلى جناحين رئيسيين، أحدهما إصلاحي والآخر ثوري، اخذ يتنامى بقوة وسرعة. كانت ألمانيا تتمتع بتطور متواصل منذ حلول أزمة 1873. وكان مستوى حياة الشغيلة فيها يتحسن باستمرار لكن ببطء وكانت التنظيمات العمالية والتعاونية تنمو بقوة.
أمام هذه الأرضية السياسية، كانت القيادة البيروقراطية لهذه الحركات سوية، مع التمثيل البرلماني المتزايد للحزب الاشتراكي الديمقراطي، تتحرك بعيدا عن الثورة، مخلفة قوة كبيرة لأولئك الذين يتبنون الانتقال التدريجي أو الإصلاحية كمبدأ.
كان الناطق الرئيس باسم هذا الجناح ادوارد برنشتاين، الذي يعتبر أحد تلامذة انجلز. وفيما بين عامي 1896 و 1898 كتب سلسلة من المقالات في مجلة الأزمنة الحديثة حول "مشاكل الاشتراكية"، هاجم فيها بشكل متصاعد المبادئ الماركسية، الأمر الذي أدى إلى اندلاع نقاشات طويلة وحادة.
في اثر ذلك، هبت روزا لوكسمبورغ، التي كانت قد دخلت حديثا الحركة العمالية الألمانية، لتدافع عن الماركسية. وبتألق وحيوية بدأت الهجوم ضد الانتشار السرطاني للإصلاحية في كراسها "إصلاح اجتماعي أم ثورة " (لمزيد من الإطلاع و الإيضاح حول نقد الإصلاحية، انظر الفصل الثاني)
بعد ذلك بقليل وفي عام 1899، قام "الاشتراكي" الفرنسي ميليران بدخول الحكومة الائتلافية مع حزب رأسمالي. تابعت روزا لوكسمبورغ هذه التجربة عن أقرب وحللتها في سلسلة من المقالات الرائعة، التي تبحث في حالة الحركة العمالية الفرنسية بشكل عام ومسالة الحكومات الائتلافية بشكل خاص(أنظر الفصل الثاني). وبعد الإخفاق التام لمكدونالد في بريطانيا ولجمهورية فيمار في ألمانيا والجبهة الشعبية في فرنسا في الثلاثينيات، وبعد إخفاق الحكومات الائتلافية ما بعد الحرب العالمية الثانية في نفس البلد، بات واضحا أن دروس روزا لوكسمبورغ لا تتصف بأهمية تاريخية فقط.
بين عام 1903و1904، دخلت روزا لوكسمبورغ في جدل مع لينين، الذي لم تكن على وفاق معه بخصوص المسألة القومية (انظر الفصل السادس) ومفهوم بناء الحزب والعلاقة بين الحزب والنشاطات الجماهيرية (انظر الفصل الخامس). في عام 1904 حكم على روزا بالسجن لمدة ثلاث أشهر، بعد أن قامت بتوجيه إهانة للقيصر، لكنها لم تمض فيه سوى شهر واحد فقط.
في عام 1905 ومع اندلاع الثورة الروسية الأولى، قامت روزا بكتابة سلسلة من المقالات والكراسات للحزب البولوني، طورت بها مفهوم الثورة الدائمة، التي طورها بشكل مستقل كل من تروتسكي وبارفوس والتي عارضها عدد من ماركسيي تلك الفترة. وفي الوقت الذي كان فيه كل من البلاشفة والمناشفة – رغم الانقسام الحاد بينهما – يعتقدون ان الثورة الروسية ستتحول إلى ثورة بورجوازية ديمقراطية، كانت روزا لوكسمبورغ تناقش في أن الثورة ستتطور إلى أكثر من مرحلة البرجوازية الديمقراطية و إنها إما أن تنتهي بسلطة العمال و إما ان تمنى بالفشل التام. وقد كان شعارها هو الديكتاتورية الثورية البروليتاريا المعتمدة على القاعدة الفلاحية(*) على أية حال يجب التنويه هنا إلى أن روزا لوكسمبورغ لم تكتف فقط بالتفكير وبالكتابة والحديث عن الثورة. حيث كان شعارها الأساسي في الحياة: "في البدء كان الفعل". وبالرغم من أنها كانت معتلة الصحة في تلك الفترة.فإنها كانت تتسلل الى بولونيا الروسية كلما رأت نفسها قادرة على ذلك.
بعد أن مضى أوج (ذروة) الثورة، كانت الجماهير ما تزال نشيطة إلا أنها كانت مترددة، بينما كان رد فعل ما حدث يرفع رأسها. أصبحت كل الاجتماعات ممنوعة بينما استمر العمال بعقد اجتماعاتهم في معاملهم ومصانعهم. وحينها توقفت جميع صحف العمال من الصدور، ماعدا صحيفة حزب روزا، التي بقيت تصدر يوميا الرغم من أنها كانت تطبع بشكل سري.
في 4 آذار عام 1906 اعتقلت روزا واحتجزت حريتها وحكم عليها بالسجن لمدة أربعة أشهر، أمضت الجزء الأول منها في السجن والجزء الأخير في قلعة محصنة، وبعد انتهاء هذه الفترة أطلق سراحها وسحبت الجنسية الألمانية منها وطردت خارج البلاد على الرغم من اعتلال صحتها.
أنعشت ثورة روسيا لعام 1905 فكرة كانت روزا لوكسمبورغ قد طرحتها قبل بضع سنوات خلت، ألا وهي أن الإضرابات الجماهيرية السياسية منها والاقتصادية تشكل عنصرا أساسيا في نضال العمال الثوري من أجل السلطة وهي التي تميز الثورة الاشتراكية عن الثوراث السابقة. والآن (أي بعد الثورة الروسية) طورت هذه الفكرة معتمدة على تجربة تاريخية جديدة. (أنظر الفصل الثالث).
اتهمت روزا لوكسمبورغ، بسبب تحدثها العلني عن هذه الحقيقة في اجتماع عام، بـ"التحريض على العنف " وقضت شهرين آخرين في السجن. شاركت روزا في مؤتمر الأممية الاشتراكية، الذي عقد في مدينة شتوتغارت عام 1907. تحدثت روزا في المؤتمر باسم الحزبين البولوني والروسي، مطورة موقفا ثابتا من الحرب الامبريالية والتسلط العسكري.(انظر الفصل الرابع) بين عامي 1905 و 1910 حصل خلاف بين روزا لكسمبورغ والقيادة المركزية لحزب الاشتراكيين الديمقراطيين،الذي كان كاوتسكي الناطق النظري باسمه. وفي عام 1907 أبدت روزا تخوفها من أن قياديي الحزب، على الرغم من اعتناقهم الماركسية سيحجمون أمام حالة تطلب عملا حاسما.
بلغت ذروة هذا الخلاف عام 1910،ووصلت إلى الشرخ الكامل بين روزا لوكسمبورغ وكارل كاوتسكي بسبب الخلاف حول مسالة طريق العمال إلى السلطة.ومنذ ذلك الوقت انقسم الحزب الاشتراكي الديمقراطي الى ثلاثة أجنحة- الإصلاحي الذي تبنى بالتدرج السياسات الامبريالية، والثاني الوسط الماركسي وكان يقوده كاوتسكي (كانت روزا تسميه بقائد المستنقع)، الذي حافظ على الشعارات الراديكالية، إلا أنه عمليا أخذ يقترب أكثر فأكثر من الطرق البرلمانية لإدارة الصراع، أما الجناح الثالث فكان يدعى بالجناح الثوري، التي كانت روزا فيه الملهمة الرئيسية. في عام 1913، أصدرت روزا لوكسمبورغ أهم عمل نظري، هو "التراكم الرأسمالي أو "مساهمة في تفسير الاقتصاد الإمبريالي". يعتبر هذا العمل في نزوته العلمية و أسلوبه البراق وجنوحه للتحليل والاستقلال أهم مساهمة أصيلة في توضيح الاقتصاد الامبريالي من وجهة نظر ماركسية ظهرت بعد رأس المال لماركس. وبما يحتويه من معارف ثمينة ووضوح نوعي وقدرة عالية على التحليل واستقلال ثقافي، يعتبر هذا الكتاب، كما أشار ميهرنغ " المؤرخ لسيرة حياة ماركس"،من أقرب الأعمال الماركسية التي ظهرت إلى كتاب رأس المال.اذ أعطيت أهمية نظرية و سياسية كبيرة فيه لمسألة:مدى تأثير انتشار الامبريالية على تلك البلدان، التي تحمل في طياتها التناقضات الداخلية لتمزيق الرأسمالية، وكذلك على ثبات النظام الرأسمالي.(لمزيد من الاطلاع، انظر الفصل الثامن).
في عشرين شباط عام 1914، اعتقلت روزا لكسمبورغ بسبب تحريضها الجنود على التمرد. كان السبب المباشر إلقاءها خطابا أعلنت فيه: " إذا كانوا يتوقعون منا أن نقتل الفرنسيين أو إخواننا الآخرين، دعونا نخبرهم: أن لا و لا بأية حال".
تحولت روزا أثناء محاكمتها في قاعة المحكمة من موقف الدفاع إلى موقف الهجوم. وتعد كلمتها التي نشرت فيما بعد تحت عنوان " السلطة العسكرية وموقف الطبقة العاملة من الحرب" إحدى أهم الإدانات الاشتراكية الثورية للنظام الامبريالي. وحكمت بالسجن لمدة سنة، لكنها لم تحتجز على الفور. وبعد مغادرتها قاعة المحكمة ذهبت مباشرة إلى تجمع جماهيري حيث كررت فيه أقوالها بخصوص الدعاية الثورية ضد الحرب. اندفع جميع زعماء الحزب الاشتراكي عند نشوب الحرب العالمية إلى الانضمام إلى التيار الوطني. وفي 4 آب 1914، قررت المجموعة البرلمانية لحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني التصويت إلى جانب تأييد قرار الحرب، الذي طرحته الحكومة القيصرية على التصويت. من اصل 111 عضوا برلمانيا أبدى 15 عضوا رغبة بسيطة ليصوتوا ضد قرار الحرب إلا أنهم خضعوا لإرادة الحزب، بعد أن رفض طلبهم في ان يصوتوا ضد قرار الحرب. وفي الرابع من آب صوتت المجموعة الاشتراكية الديمقراطية مع قرار الحرب بالإجماع.
بعد شهور قليلة و في 2 كانون الأول بالضبط خرق كارل ليبكنخت الانضباط الحزبي مستجيبا لصوت ضميره وصوت ضد قرار الحرب. وكان صدور هذا القرار من قبل قيادة الحزب بمثابة ضربة قاسية لروزا لوكسمبورغ، وعلى الرغم من ذلك لم تدع أي مجال لوصول اليأس إليها. وفي اليوم نفسه 4 آب، الذي حشد فيه مندوبو الحزب البرلمانيون إلى جانب لواء الإمبراطور، اجتمعت مجموعة صغيرة من الاشتراكيين في شقة سكنية صغيرة، كانت تقطنها روزا وقررت المضي في النضال ضد الحرب. شكلت هذه المجموعة بزعامة روزا لوكسمبورغ، كارل ليبكنخت، فرانز مهرنغ وكلارا زيتكين ما سمي بعصبة سبارتكوس. بقيت روزا خلال أربع سنوات من داخل السجن بشكل رئيس تتابع قيادتها وتحريضها وتنظيمها للثوريين رافعة لواء الاشتراكية الأممية.(لمزيد من التفاصيل عن سياستها المناوئة للحرب، أنظر الفصل الرابع).
أبعد نشوب الحرب العالمية الأولى روزا لوكسبورغ عن الحركة العمالية البولونية، غير أنها كانت تشعر بارتياح كبير من حقيقة ان حزبها البولوني بقي مخلصا لمفاهيم الاشتراكية الأممية. أكدت ثورة شباط لعام 1917 الروسية صحة سياسة روزا لوكسمبورغ الثورية المعارضة للحرب ووجوب الصراع للإطاحة بالحكومات الامبريالية. بذلت روزا جهدا كبيرا لمتابعة الأحداث على الرغم من وجودها آنذاك في السجن دارسة إياها بتمعن كي تستخلص الدروس للمستقبل. وبدون تردد، أعلنت أن نصر شباط ليس هو نهاية النضال، بل بدايته، وأن سلطة العمال هي الوحيدة التي تستطيع تحقيق السلام.
وجهت روزا من وراء السجن نداءً إلى الشغيلة والجنود الألمان، داعية إياهم للحذو حذو إخوتهم الروس للإطاحة باليونكر والرأسماليين وسواهم، وانهم في هذا، في الوقت الذي يخدمون فيه الثورة الروسية، يجنبون أنفسهم الموت تحت أنقاض الإمبريالية الرأسمالية. رحبت روزا لوكسمبورغ بحماس شديد بنشوب الثورة الروسية في أكتوبر من العام نفسه، مسدية أشد الإطراء لها. ولكنها لم تعتقد بأن قبول كل شيء يصدر عن البلاشفة بدون نقد يخدم الحركة العمالية. وتنبأت بأن تحريفات عدة ستعطل الثورة الروسية، ان بقيت في عزلة، و أشارت إلى ان حركة التغيير في روسيا السوفيتية يعتريها بعض التشويه، وعلى الأخص، بطريقة معالجتها للمسألة الديمقراطية.(انظر الفصل السابع) وفي الثامن من تشرين الثاني عام 1918، تمكنت الثورة الألمانية من تحرير روزا لوكسمبورغ من السجن. زجت روزا نفسها بعد ذلك بحماس وقوة في العمل لصالح الثورة. لكن لسوء الطالع، كانت القوى المضادة للثورة قوية جدا. حيث أقدمت قيادة الجناح اليميني للحزب الاشتراكي الديمقراطي وجنرالات الجيش القيصري العتيد على توحيد قواهم ليقمعوا الطبقة العاملة الثورية.
استشهد أثناء الأحداث آلاف العمال، وفي 15 كانون الثاني عام 1919 ُقتل ليبكنخت وفي اليوم نفسه حطم أخمص بندقية أحد الجنود جمجمة روزا لوكسمبورغ. فقدت الحركة العمالية الأممية بموت روزا لوكسمبورغ واحدا من أنبل قادتها. "كانت روزا العقل الأبرع من بين الورثة العمليين لماركس وانجلز". كما قال ميهرنغ. وهي بالذات من قدم كل شيء في حياتها كما في مماتها في سبيل تحرير الإنسانية.

المصدر: توني كليف: روزا لوكسمبورغ
ترجمة يوسف إبراهيم