أسرار مكتبة مكنزي تتكشف!

أسرار مكتبة مكنزي تتكشف!

زين النقشندي
كنت على اتصال وثيق بالحاج أمين المميز، أحد دبلوماسيينا المتمرسين والكاتب الذي أرخ لبغداد فشاع صيته في كل مكان، وكانت زياراتي الأسبوعية له تستغرق ساعات يملى علي خلالها ما لم ينشره في مقالاته وبحوثه أو عبر كتبه العديدة،

حتى قال لي مرة أن مصطفى علي كان راوية الرصافي وأنت ستكون راوية المميز، وأذكر أنني كنت أعد بحثاً عن نعمان الاعظمي شيخ كتبيي ومجلدي بغداد فاستعنت بما لديه من معلومات عن كتبيي ذلك الزمان فروى لي أسرار مكتبة مكنزي التي تقع منتصف شارع الرشيد ومازالت قائمة باسمها الأجنبي رغم تعليمات أمانة بغداد باستبدال الأسماء الأجنبية بعربية أصيلة.
قال لي الحاج أمين المميز رحمه الله: بعد الاحتلال الإنكليزي لبغداد عام 1917 شغلت القشلة من قبل بعض دوائر الحكومة الوطنية، وكانت إحدى الغرف الواقعة على يسار مدخل القشلة يشغل من قبل مكتبة صغيرة تتعاطى بيع الكتب والمجلات والصحف الإنكليزية كتب على مدخلها كلمة بوك شوب (Book Shop) ولما توسعت المكتبة انتقلت إلى البناية العائدة إلى شركة بيت اللنج في شارع الرشيد وصارت تستورد كافة أنواع الكتب حتى المطبوعات غير الإنكليزية وكان يشغل جزء من هذه المكتبة بالاتفاق مع صاحبها، شخص يهودي يدعى المستر جستن، يتعاطى بيع الأحذية الأجنبية وخاصة الإنكليزية منها وهو بغدادي خال الدكتور البير الياس الذي ابعد عن العراق وأسقطت عنه الجنسية العراقية إبان حوادث التجسس الصهيوني في بغداد أوائل الخمسينات، أما خاله المستر جستن فقد غادر بغداد قبل ذلك بمدة طويلة والغي محله في مكتبة مكنزي، وكان المستر جستن هذا قصير القامة، اصفر الشعر، ابيض الوجه، ازرق العينين وهو اقرب إلى الجنس الإنكليزي منه إلى الجنس اليهودي الذي يمتاز بالأنف المحدب والشعر الأسود والعيون السوداء.
وكان محل جستن هذا ملتقى كثير من الشخصيات السياسية والوزراء السابقين ورجال المال والصحفيين والتجار والمتقاعدين وبعض المحامين من حدب وصوب يقصدون هذا المحل لتبادل الأخبار وتناقل الشائعات الرائجة في البلد حول الأوضاع السياسية والاقتصادية وغيرها، وكان جستن ينقل الأخبار والشائعات يوماً بيوم لمرجعه وعندما كنت اقصد مكتبة مكنزي للبحث عن كتاب أو مجلة- والحديث مازال للأستاذ المرحوم المميز- أو لاقتناء حذاء من محل جستن أشاهد المحل مكتظاً بالشخصيات أعلاه وقد شاهدت مراراً حكمت سليمان السياسي العراقي المعروف يتردد على ذلك المحل كما تتردد على ذلك المحل كما تتردد عليه أيضا شخصيات معروفة اذكر منها الوزير السابق جميل الوادي والصحفي عادل عوني والمحامي عيسى طه وغيرهم ممن لا أتذكرهم الآن، وبعد مغادرة المستر مكنزي العراق أودعت المكتبة إلى مساعده العراقي السيد كريم الذي بقي يدير المكتبة حتى وفاته كما اذكر وصار يعرف بين أصدقائه وزبائن المكتبة (كريم مكنزي).