عبد الوهاب مرجان بين حزبي الجادرجي ونوري السعيد

عبد الوهاب مرجان بين حزبي الجادرجي ونوري السعيد

حسن احمد المعموري
اولاً: دوره في الحزب الوطني الديمقراطي 1946م
بعد نضج الوعي الوطني والقومي لدى عبد الوهاب مرجان قرر الدخول في معترك الحياة السياسية، ولاسيما انه اصبح ذا مكانة اجتماعية معروفة ليس في لواء الحلة حسب بل على مستوى اوسع نتيجة لعمله قاضياً ومحامياً علاوة على انه من أسرة معروفة.

كان عبد الوهاب مرجان من المؤمنين حقاً بالحياة الحزبية والديمقراطية وذلك لانه تأثر بشكل او بآخر بوالده عبد الرزاق مرجان الذي كان مساهماً في العمل السياسي في حزب الاخاء الوطني، وانه علق على باب داره في الحلة لافتة كتب عليها اسم الحزب المذكور، وكان بيت والده مقراً لادارة الاجتماعات الحزبية.
كانت آخر وزارة عراقية تألفت اثناء الحرب العالمية الثانية هي وزارة حمدي الباجةجي الثانية التي شكلت في 29 آب 1944، وفي عهدها انتهت الحرب، وفي 27 كانون الاول 1945 القى عبد الاله الوصي على عرش العراق خطاباً على الاعيان والنواب في بهو امانة العاصمة عد جزءاً متمماً لخطاب العرش الذي القاه الوصي على النواب والاعيان في اول كانون الاول 1945م.
اكد الوصي في ذلك الخطاب ان الدولة العراقية ملكية ديمقراطية حرة مستقلة متمسكة بالسياسة الخارجية التي وضعها الملك فيصل الاول في جميع النواحي وذكر بان تلك هي الاركان الاساسية الوطنية والقومية التي لا غنى لاي حزب او هيأة سياسية عن اتخاذها قواعد ثابتة لمناهجها التفصيلية التي وضعتها لخدمة البلاد فان الاحزاب والهيئات الوطنية التي لم يصح بقاء البلاد خالية منها ستتقدم للامة بخططها ومنهاجها في معركة الانتخابات.
وبناءً على تلك السياسة التي نوه عنها الوصي في خطابه المذكور قدمت وزارة حمدي الباجةجي الثانية استقالتها في 29 كانون الثاني 1946م وتألفت بعدها وزارة توفيق السويدي الثانية في 23 شباط 1946، الذي اصبح فيها سعد صالح وزيراً للداخلية، وفي 5 آذار 1946 اعلن توفيق السويدي منهاج وزارته الجديدة وقد وعد بنقل حالة البلاد الى الوضع الجديد الذي تقتضيه ظروف السلم وفسح المجال لتأسيس الاحزاب السياسية وتحقيق اهداف خطاب الوصي الذي القاه في 27 كانون اول 1945. وفقاً للسياسة التي انتهجتها حكومة توفيق السويدي والتي اجازت تأسيس الاحزاب عام 1946. قدم كلٍ من كامل الجادرجي. ومحمد حديد وعبد الكريم الارزي ويوسف الحاج ياس، وحسين جميل وعبد الوهاب مرجان وعبود الشالجي وصادق كمونة طلباً الى وزارة الداخلية بتأسيس حزب سياسي باسم الحزب الوطني الديمقراطي وقدموا مع الطلب منهاج الحزب.
لقد اختار عبد الوهاب مرجان الانضمام الى الحزب الوطني الديمقراطي لانه كان يعتقد انه منسجماً مع افكاره التي تمقت الشيوعية ومن سار في ركابها. ولا يريد دخول المبادئ اليسارية المتطرفة في هذا التنظيم، بل كانت اهداف هذا الحزب وتوجهاته اقرب الى ميول عبد الوهاب مرجان وتطلعاته. لذا وجد في هذا الحزب ما يلبي تطلعاته الفكرية فأنظم اليه. فضلاً عن ان الحزب كان يضم نخبة من السياسيين المعروفين والذين لديهم باع طويل في السياسة العراقية امثال كامل الجادرجي وحسين جميل ومحمد حديد وغيرهم. وعلى اية حال كان دخول عبد الوهاب في هذا الحزب تعد التجربة الاولى له في مجال الاحزاب السياسية.
ويلاحظ على الهيأة المؤسسة انها ضمت بالاضافة الى جماعة الاهالي السابقة شخصيات اقطاعية وبرجوازية كبيرة من امثال عبد الوهاب مرجان وعبود الشالجي ولهذا وصف بعضهم الحزب بانه يمثل يمين الحركة الديمقراطية. وضم ايضاً بين اعضائه عدداً من ذوي الثقافة العالية ومن الذين يعتنقون المبادئ الاشتراكية بصورة حقيقية والذين مارسوا الحياة الحزبية مدة طويلة وكانوا متفرغين للعمل الحزبي.
ووصف الحسني هذا الحزب بانه ذو النظرة الاصلاحية الاجتماعية ينبثق من جماعة الاهالي القديمة لعام 1936 ويستمد قوته على الاكثر من اثرياء المدن ومن الشبان المتحمسين (ويوجه هجومه على الدول الغربية، وان خصومته للشيوعية لم تحل دون تأييده للسياسة الروسية).
ان ابرز قادة الحزب الوطني الديمقراطي كامل الجادرجي الذي وصف بانه الاقطاعي ذو المبادئ الاصلاحية الراسخة الذي كان يتمتع باحترام الفئة المثقفة في العراق.
تأتي البداية الحقيقية التي مهدت لقيام الحزب الوطني الديمقراطي مع تجدد نشاط جماعة الاهالي المذكورة عام 1942م وقيامها باصدار جريدة صوت الاهالي وما رافقتها من انشقاقات ابرزت طبيعة الخلاف السياسي بين كتلها كي ترسم بذلك الملامح الرئيسة لتشكيل هذا الحزب فيما بعد.
لقد جمع الحزب عند تأسيسه خليطاً من التيارات السياسية والفكرية وهو مفتوحُ على جميع الشخصيات الوطنية التقدمية ومنهم عبد الوهاب مرجان ويمثل مجالاً للعمل الواجهي بالنسبة لمعظم الاحزاب وساعد في ذلك ماتضمنه الحزب من الاتجاهات والميول الوطنية والاصلاحية والديمقراطية والاشتراكية.
لقد لخص منهاج الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان عبد الوهاب مرجان احد مؤسسيه ومن واضعي اهدافه ومنهاجه في القيام باصلاح عام في كافة نواحي حياة العراق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفق تصميم منسق شامل لجميع تلك النواحي ويعمل على تحقيق تطور البلاد من وضعها المتأخر الى دولة ديمقراطية عصرية.
وقد وضع الحزب اهدافاً اعتبرها طريقاً لمسيرته المقبلة في السياسة الخارجية، منها اكمال استقلال العراق، واقامة العلاقات بين العراق وبريطانيا على اساس الصداقة والمنافع المتبادلة والتساوي في الحقوق والواجبات بحيث تنسجم مع ميثاق الامم المتحدة. وتحقيق اتحاد البلاد العربية بجميع الامور المشتركة بينها في ادارة موحدة او نظام مشترك مع احتفاظ كل دولة منها بادارة شؤونها المحلية والعمل على استقلال البلاد العربية المحرومة من استقلالها، ومقاومة تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين او انشاء دولة يهودية فيها.
ربما كان لعبد الوهاب مرجان دور كبير وبارز في وضع الخطوط العريضة لمنهاج هذا الحزب ولاسيما في الجانب البرلماني حيث اكد هذا المنهاج على تحقيق حياة ديمقراطية نيابية برلمانية تستلزم مسؤولية الوزارة امام مجلس نيابي منتخب، وتطبيق نظام الانتخابات المباشر وانماء الحياة السياسية الحزبية وتأييد الحريات الديمقراطية كالحرية الفردية وحرية الكلام والنشر والصحافة والاجتماع والاعتقاد وتوطيدها. واكد على اصلاح الجهاز الحكومي بحيث يصبح قادراً على القيام بواجباته واصلاح الجيش اصلاحاً يجعل منه جيشاً عصرياً مدرباً وقادراً على القيام بواجباته.
ولا يفرق الحزب بين العراقيين ولا يميز بينهم ويجعلهم جميعاً متساويين في الحقوق والواجبات وان العراق ميدان للتعاون الحر على اساس المصلحة المشتركة بين العرب والاكراد وغيرهم من العناصر التي يتكون منها العراقيون.
وقد اولى عبد الوهاب مرجان ومؤسسو الحزب الناحية الاقتصادية اهمية في منهاجهم، حيث وضعوا تصميماً منسقاً عاماً لاصلاح حالة البلاد من جميع وجوهها والعمل على تطبيق هذا التصميم وفق خطة منظمة خلال مدة معينة، وانهم ينظرون الى السبب الرئيس في تأخر الحياة الاقتصادية الى قلة الانتاج وسوء توزيع ثمراتهِ، وبمعالجة العامل الاقتصادي يتم معالجة الفقر والجهل والمرض.
وكان عبد الوهاب مرجان من المؤمنين حقاً بازدهار الحالة الاقتصادية في العراق، ومن اجل انعاش الانتاج وزيادته وضعوا هدفاً اخر في انشاء مشاريع الري والتصريف وتصنيع الزراعة وادخال الآلة الزراعية التجريبية في مختلف انحاء العراق ومعالجة مشكلة الاراضي، وتوزيع الاراضي الاميرية الصرفة على اساس الملكية الصغيرة وتحديد الملكية الكبيرة وتوطين افراد العشائر الرحالة (البدو).
وكان برنامج الحزب يرمي الى وضع منهج تأسيس المشاريع الخدمية وتطبيقها، وان تقوم الدولة بتجهيز الماء والكهرباء للمواطنين وبناء مشاريع النقل باختلاف انواعها، وتعمل على استثمار المعادن ومصافي النفط بحيث تنحصر فائدتها للصالح العام، وتقوم الدولة على انعاش الحركة الصناعية من خلال مراقبة الرأسمال الوطني وتوجيهه والبدء ببعض المشاريع الصناعية لشركات يساهم فيها الجمهور.
وكذلك تقوم الدولة بمراقبة المصارف والاسواق المالية وتوجيهها وتأسيس مصرف وطني مركزي لاصدار العملة وتأسيس مصارف تجارية وصناعية وزراعية للقيام بالاعمال الضرورية للاقتصاد الوطني.
وقد اولى منهاج الحزب الوطني الديمقراطي الصحة اهمية كبيرة لما لها من اثر على زيادة نفوس العراق حيث اكد على ان هناك علاقة كبيرة بين سوء التغذية والامراض وعليه ركز على العناية بالتغذية، وتوسيع المعاهد الصحية، والاكثار من طلابها، وتوزيع الاطباء في جميع مدن العراق، وانشاء مستشفيات حكومية وانشاء مراكز للعناية بالطفولة والامومة.
وأكد عبد الوهاب مرجان بصفته رجل قانون على بعض فقرات منهاج الحزب التي تتعلق بتطبيق مبدأ الضمان الاجتماعي تطبيقاً يتناسب ووضع العراق الاقتصادي ليضمن لكل فرد حداً ادنى من المعيشة، وزيادة مساهمة الاهلين في ادارة شؤونهم المحلية واصلاح البلديات وتنظيم المدن وفق تصاميم عامة لضمان السكن وانشاء قرى عصرية للفلاحين في الريف وسعادة الاسرة وتحرير المرأة.
اما من الناحية الثقافية اكد منهاج الحزب على تعميم التعليم الابتدائي المجاني خلال عدد معين من السنين، وانشاء المدارس بحيث تكون كافية لاستيعاب جميع اطفال العراق، ومكافحة الامية وتوسيع التعليم الثانوي وجعله مجانياً، والاهتمام بالتعليم المهني والزراعي وتوسيع التعليم العالي وتأسيس الجامعة العراقية.
وقد اكد الحزب على تهيئة فرص متساوية في التعليم على اساس الكفاية ونشر الثقافة والعناية بالمعلم وتحسين شروط خدمته وعمله وايجاد سكنى له في القرى والاماكن النائية ورفع مستواه.
وبعد ان تلقى كامل الجادرجي وزملاؤه كتاب وزارة الداخلية المرقم 4590 في 2 نيسان 1946 الذي سمح لهم بتأسيس الحزب الوطني الديمقراطي. أعلن الجادرجي عن عقد اجتماع عام في 26 نيسان 1946م لانتخاب اول لجنة ادارية مركزية. وتم الاجتماع الذي حضره اعضاء الحزب في داخل بغداد وخارجها والذي يصل عددهم الى 760 عضواً في مدرسة التفيض في بغداد.
وقد ظهر تأثير الجناح اليساري واضحاً فقد كان هناك عدد ممن رشح نفسه لعضوية اللجنة المركزية قد تأثر باتجاهات هذا الجناح حين اعلن ستة من هؤلاء وهم (كامل الحاج مكي، وسليم طه التكريتي، وعبد الحسين الغالب، وحسن عباس الكرباسي، والمحامي زكي عبد الكريم، والمحامي طالب جميل) تنازلهم عن ترشيح انفسهم الى زكي عبد الوهاب وطلبوا من مؤيديهم ومن يروم انتخابهم ان ينتخبوه بدلاً عنهم، الامر الذي خلخل موازين الانتخابات.
وقد برز لاول مرة خلاف على بعض الاشخاص الذين يكونون قيادة الحزب العليا وقد رشحت الهيأة المؤسسة اعضاءها ليكونوا اللجنة الادارية المركزية، وبعد اجراء الانتخابات وفرز الاصوات فاز بعضوية اللجنة الادارية المركزية كامل الجادرجي وحصل على 760 صوتاً وحسين جميل وحصل 750 صوتاً، ومحمد حديد وحصل 739 صوتاً، وصادق كمونة وحصل على 733 صوتاً، وعبد الكريم الازري وحصل على 697 صوتاً فيما حصل عبود الشالجي على 525 صوتاً. وقد اصيب بعض اعضاء الهيأة المؤسسة بدهشة لفوز زكي عبد الوهاب وحصوله على 462 صوتاً، وغضبوا لخسارة عبد الوهاب مرجان الذي حصل على 301 صوتاً ابعدته عن اللجنة المركزية وقربت زكي عبد الوهاب. وهي مفاجأة مرة لعبد الوهاب لم يكن يتوقعها، كما كانت مفاجأة للآخرين الامر الذي سبب صدمة له.
وقد تعرض الحزب الوطني الديمقراطي الى عدة انشقاقات وازمات وكانت اولها هي خروج اربعة من اعضائه المؤسسين ضمت في البداية عبد الوهاب مرجان وعبود الشالجي وصادق كمونة وعبد الكريم الارزي والذين لم تربطهم ادنى رابطة بجماعة الاهالي.
وقد اختلفت الاراء حول سبب انسحاب عبد الوهاب مرجان من الحزب الوطني الديمقراطي حيث يعزي عبد الكريم الارزي هذه الاستقالة الى تسامح الحزب في قبول الشيوعيين وعدم اتخاذ الاجراءات الوقائية السريعة لتصفية العناصر اليسارية المتطرفة من التنظيم، واعلان موقف صريح من الماركسية، وتضمين المنهج ما يوضح الفروق بين المبادئ التي قام عليها الحزب والمبادئ اليسارية الاخرى. مما يتعارض مع اهدافهم ومبادئ الحزب ومن ثم عدم قدرة الجادرجي في صدهم وضعفه في مجابهتهم وانه حاول واقرانه المنسحبين مرات عدة وتباعاً تصحيح المسار وانهم حذروا كامل الجادرجي وطالبوه بعدم قبول الشيوعيين في الحزب والا ستكون النتيجة انسحابهم من الحزب وبالفعل كان ذلك.
ويرى عماد عبد الوهاب مرجان ان الاستقالة جاءت (لاسباب طائفية) رداً على نشاط حسين جميل الحزبي الذي وصف بالنشاط الطائفي. وهذا الكلام هو تأكيد لما قاله محمد صادق السعيد عضو اللجنة المركزية للحزب الوطني الديمقراطي لعام 1946م.
اما حسين جميل فقد نفى هذه التهمة واشار الى عدم صحتها وقال بان المنسحبين من الحزب لم يوجههم في العمل أي تفكير طائفي ولا حتى بالنسبة للقياديين الآخرين، ودلل على عدم صحة الامر بقوله ان عبد الكريم الارزي كان نائباً لرئيس الحزب عند استقالته، وبان صادق كمونة والشالجي كانا عضوي اللجنة المركزية، اما بالنسبة لعبد الوهاب مرجان فقد كان خروجه لأسباب تكمن بعدم نجاحه في انتخابات اللجنة المركزية، ولخص الاسباب بانها (ايديولوجية) وذلك لاختلاف القيادة مع المنسحبين حول العمل والمواقف التي يجب اتخاذها تجاه احداث معينة.
ويرى محمود حسان مرجان ان المناورات والاتجاهات التي ظهرت واضحة جلية بعد تأسيس الحزب الوطني الديمقراطي والتي كانت خروجاً للحزب من المنهج السليم والمفاهيم الديمقراطية والتي فوجئ بها عبد الوهاب مرجان وبعض رفاقه المؤسسين، كذلك شعر بان اتجاه الحزب حمل نفساً تكتلياً ضد اتجاهه القومي.
ويذهب حنا بطاطو الى "ان اكثرية تبلغ 760 عضواً من الذين حضروا الاجتماع هزمت عبد الوهاب مرجان الذي كان من المرشحين الاقوياء وانتخب بدلاً منه يسارياً هو المحامي زكي عبد الوهاب وهذا مما ادى الى انسحاب مرجان من الحزب.
بينما يرى عبد الرزاق الحسني، ان هزيمة عبد الوهاب مرجان اثناء عملية الانتخابات للجنة المركزية للحزب الوطني الديمقراطي جعلته يغضب لهذه النتيجة ويعلن انسحابه من الحزب.
وبعد استعراض الاراء السالفة وجد الباحث ان سبب استقالة عبد الوهاب مرجان من الحزب الوطني الديمقراطي ترجع الى اختلافات سياسية فكرية اذ لم يكن عبود الشالجي وصادق كمونة وعبد الوهاب مرجان من جماعة الاهالي. مما ولَّد نفساً تكتلياً ضدهم اثناء عملية الانتخابات، فضلاً عن عدم فوزه في اللجنة المركزية التي كان يحسب لها حسابات مستقبلية.
ثانياً: دوره في تأسيس حزب الاتحاد الدستوري 1949م
عندما شكل نوري السعيد وزارته العاشرة في 6 كانون الثاني 1949م استصدر ارادة ملكية بتعطيل جلسات مجلس الامة شهراً واحداً اعتباراً من اليوم الثامن من الشهر ذاته، بعدها اعلن السعيد انه وضع ميثاقاً وطنياً لجمع الصفوف وتوحيد الكلمة ليسير المشتغلون بالسياسة بالبلاد الى اوجه الرقي والسعادة ودعي ذلك الميثاق (الميثاق الدستوري).
لقد اكد ذلك الميثاق من حيث الظاهر على تعزيز القانون الاساسي (الدستور) وجعله مرجع الامة حكومةً وشعباً، ومحاربة الاعمال المخالفة له. وكذلك محاربة الاعمال غير المشروعة التي ترمي الى اضعاف الحكومة العراقية او اسقاطها. ومكافحة الرشوة في دوائر الدولة والقضاء عليها، وحماية العمال والفلاحين وتحسين مستوى معاشهم، وشجيع سياسة تأسيس الشركات التعاونية والملكية الصغيرة في الاراضي الاميرية.
رمى الميثاق ايضاً الى مكافحة الشيوعية وابعاد خطرها عن العراق بخاصة والوطن العربي بعامه ومكافحة الصهيونية والعصابات والعناصر التي ترمي الى الهدم والتخريب في البلاد. والعمل على توثيق روابط الاخاء والتقدم بين الدول والشعوب العربية ودعم الجامعة العربية وتقويتها. ورمى الميثاق ايضاً الى جمع الكلمة على سياسة خارجية تتضمن استقلال العراق التام وتؤمن سيادته الوطنية.
وقد جرت مراسلات حول الميثاق بين نوري السعيد وحزب الاستقلال. لكن تلك المراسلات لم تؤدي الى نتيجة في سبيل الاتفاق مما ادى الى فشلها.
وبعد فشل نوري السعيد في اقناع حزب الاستقلال على العمل سوية وفق الميثاق المذكور، اتجه السعيد الى صالح جبر وفاوضه على ان يؤسسا حزباً جديداً باسم "حزب الاتحاد الدستوري" ولكن هذه المفاوضات قد فشلت هي الاخرى.
ولم يلبث ان قرر نوري السعيد ان يؤلف حزباً يضم مختلف الاراء الوطنية ، فألف مع مجموعة من زملائه وهم عبد الوهاب مرجان، ومحمود علي محمد، وموسى الشابندر، وجميل الاورفلي، وسعيد عمر، ومجيد عباس، واحمد العامر، وخليل كنه، حزب الاتحاد الدستوري حيث اجازته وزارة الداخلية في 24 تشرين الثاني 1949، واصدر الحزب جريدة ناطقة باسمه هي "جريدة الاتحاد الدستوري".
واشار كامل الجادرجي ان حزب الاتحاد الدستوري قد تألف من عناصر مختلفة تضم عدداً كبيراً من الاقطاعيين ومنهم عبد الوهاب مرجان واصحاب المصالح الكبيرة والمستثمرين والانتهازيين الذين اعدوا انفسهم لتسلم المناصب الكبيرة ومحترفي تصيد النيابات من المتعلمين وغيرهم من هم على هذه الشاكلة.
وقد ذكر جورج هرس (Gorgel Harris) ان هذا الحزب اسس لكي يحفظ التوازن بين الاحزاب اليمينية واليسارية وربما لاغراء الساسة القدماء بالدخول فيه.
لقد عقد الحزب مؤتمره الاول في 23 كانون الاول 1949م وانتخب اعضاء اللجنة العليا واللجنة المركزية فاصبح نوري السعيد رئيساً وعبد الوهاب مرجان نائباً للرئيس وخليل كنه سكرتيراً وجميل الاورفلي محاسباً ومحمد حسن كبة اميناً للصندوق.
وقد القى نوري السعيد خطاباً في المؤتمر زعم فيه ان هذا الحزب لم يؤسس لمصلحة شخص او اشخاص محدودين بل لمصلحة الشعب العراقي اجمع وانه لا يهدف الى خدمة جهة او جهات معينة بل الى خدمة الوطن العراقي خاصة والوطن العربي عامة.
وتضمن منهاج حزب الاتحاد الدستوري احدى عشرة مادة مفصلة الى مواضع فرعية ومنها اصلاح عام في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفق منهج علمي شامل يعمل بالتجديد النامي ومسايرة التطور ومحاربة الطبقية والطائفية بأنواعها.
وركز منهاج الحزب الذي وضع بعض مواده عبد الوهاب مرجان على توثيق روابط الاخاء والتفاهم بين الدول العربية ودعم المشروعات التي ترمي الى تعزيز الصلات بين الدول العربية وتكفل تقدمها.
ودعا منهج الحزب الى تبديل معاهدة التحالف العراقية البريطانية 1930 بحيث يؤمن ذلك استقلال العراق ويصون سيادته الوطنية، وكذلك دعا الى مواصلة الجهاد لنصرة فلسطين وانقاذها ومكافحة الصهيونية لدرء اخطارها عن البلاد العربية.
لقد اكد منهج حزب الاتحاد الدستوري الذي كان عبد الوهاب مرجان احد مؤسسيه الى تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع الامم الاخرى والدول المجاورة ودعم السلم العالمي وتحقيق مبادئ ميثاق الامم المتحدة.
اما في السياسة الداخلية فقد اكد الحزب على تعزيز القانون الاساسي وجعله مرجع الامة حكومة وشعباً في جميع الشؤون وحماية احكامه، وشجب الاعمال غير المشروعة، ومكافحة (المبادئ الهدامة).
واكد عبد الوهاب مرجان في منهاج حزبه بصفته رجلاً قانونياً على تعزيز استقلال القضاء تعزيزاً يكفل المساواة بين الافراد ويصون الحريات العامة والحقوق ضمن حدود القانون، وحرص الحزب على رفع مستوى الحكام (القضاة) الثقافي واختيار العناصر الصالحة وابعاد العناصر الضعيفة.
ولم يغفل منهاج الحزب الجيش فقد دعا الى الاهتمام به والعمل على تنوع تسليحه ورفع مستوى افراده الثقافي والمسلكي واذكاء الروح الوطنية والقومية فيه، وانشاء الثكنات العسكرية، والعناية بمدارس الجيش والتدريب العسكري . وتأسيس معامل لانتاج الاسلحة في العراق والعناية بالمتقاعدين والمسرحين من افراد الجيش وتوزيع الاراضي الزراعية عليهم.
واكد منهاج الحزب على اصلاح الجهاز الحكومي واحلال الثقة بين الحكومة والشعب وذلك عن طريق اصلاح الجهاز الاداري، وان الحزب عمل جاهداً على مكافحة الرشوة في جميع دوائر الدولة ومؤسساتها مكافحة فعالة والقضاء على تفشي الرشوة بين الموظفين والتي تعتبر من اعظم أسباب تردي جهاز الحكومة.
وقد دعا عبد الوهاب مرجان من خلال منهاج حزب الاتحاد الدستوري على اصلاح قانون الانتخاب اصلاحاً يكفل للناخبين حريتهم، وعمل منهج الحزب على العناية بحالة العشائر الاجتماعية والاقتصادية والقضاء على حالة البداوة وانشاء القرى العصرية.
واكد عبد الوهاب مرجان بصفته نائباً لرئيس لحزب على تعديل قوانين الخدمة، والملاك، والانضباط والتقاعد تعديلاً يؤمن حسن انتقاء العناصر الطيبة، مع اقصاء العناصر غير الكفوءة والضعيفة.
اما في السياسة الاقتصادية التي كان عبد الوهاب مرجان واحداً من الذين رسموا خطوطها العريضة من خلال منهاج الحزب والتي تركز على مكافحة البطالة والفقر، وتطبيق قوانين الملكية الصغيرة في الاراضي الاميرية التي تستصلح، وتوزيع الاراضي على ساكنيها من افراد العشائر، وتحديد حد اعلى لحيازة الاراضي وتحسين الانتاج الزراعي، وتشجيع استعمال الآلات الميكانيكية والعمل على احياء الاراضي الجديدة. وانشاء مشاريع ري كبرى واقامة السدود والخزانات واستثمار الشلالات استثماراً علمياً صحيحاً.
وفي مجال سياسة الحزب في التربية اكد الحزب على تعميم التعليم الابتدائي وجعله اجبارياً ومجانياً وعلى مكافحة الامية ، ونشر الثقافة العامة على ان لا يتعارض مع التقاليد العربية الثقافية، وكذلك يعمل الحزب على العناية بالمثل الروحية السامية وتنمية الوعي القومي وغرس الرجولة والتضحية ويعني ببث روح الدين الاسلامي السمح وتدريس القرآن الكريم واصلاح المناهج المدرسية اصلاحاً يكفل تحقيق ما تقدم.
وفي مجال الصحة التي طالما اكد عليها عبد الوهاب مرجان فقد عني الحزب بالصحة العامة ويرفع المستوى الخلقي ومعالجة سوء التغذية، وتعميم الوقاية ضد الامراض السارية والاكثار من المعاهد الصحية وتوسيعها والاهتمام بالاطباء والعناية بالامومة وتأسيس المستشفيات والمستوصفات الثابتة والسيارة.
وأولى الحزب شديد عنايته بالاكثار من النسل، وشجع الزواج والعناية بالاسرة باعتبار انها اساس الامة وخليتها الاولى والعناية باشراك الاهلين في شؤونهم المحلية وبذلك عن طريق المساهمة في الانتخابات البلدية والادارية، وتنظيم قانون الاحوال الشخصية وتوحيده لكفالة سعادة الاسرة.
وعمل على العناية بالادب وسائر الفنون الجميلة ونشر التراث القومي باسلوب مُحَبَّب لدى الناشئة، واستخدام ذلك كله في تحقيق نهضة شاملة للامة. وقد انتقد البعض برنامج ذلك الحزب وعدها (اقوالاً بلا أفعال) الهدف منها الدعاية والترويج فقد قال كامل الجادرجي بهذا الصدد :"...نستطيع ان نقول بجزم ان الاشخاص الذين كلفوا من قبل نوري السعيد بوضع منهج الحزب لم يكونوا يفكرون قط بالدستور ولا بالديمقراطية الا بقدر ما يكون هذان آلة طيعة بيد نوري السعيد لتمشية النظام القائم". ويبدو ان كامل الجادرجي كان متحاملاً على بعض اعضاء حزب الاتحاد الدستوري ومنهم عبد الوهاب مرجان لانه كان على خلاف سابق مع كامل الجادرجي يرجع الى انسحاب عبد الوهاب من الحزب الوطني الديمقراطي عام 1946م.
وكان عبد الوهاب مرجان نائب رئيس حزب الاتحاد الدستوري يحضر وبشكل مستمر مؤتمرات الحزب في بغداد والالوية كالحلة وكربلاء فقد اقام الحزب مهرجاناً في كربلاء بتاريخ 20 مايس 1952، وفي خطابه بهذا المهرجان قال: "ان اهداف حزبنا كما تعلمون حضراتكم ترمي الى تحقيق الاصلاح والاعمار والنهوض بهذا البلد كي يساير البلاد الراقية ولقد انتهجت الحكومة مدعمة بتأييد مجلس الامة والشعب سياسة رشيدة لتحقيق رسالتها رسالة الاعمار والانشاء. مستهدفة ان يكون الاصلاح والاعمار عاماً وشاملاً لجميع انحاء العراق".
وفي اشارة من عبد الوهاب مرجان حول الازمة المالية التي مرَّ بها البلد قال :"لقد تحمل حزبكم المسؤولية والبلاد تئن من الازمة المالية" لان خزينة الدولة مثقلة بالديون المتراكمة، ومع ان المال هو عصب الحياة فقد كان الشغل الشاغل للساسة انذاك ما كانت تعانيه البلاد من الويلات وما منيت به الخزينة والثروة القومية من اضرار فادحة، الامر الذي لم يمكن الدولة القيام بواجباتها الاساسية كالخدمات الصحية والثقافية والاجتماعية واحياء المشاريع الزراعية وانشاء المشاريع الصناعية.
واوضح بان الحكومة وعلى رأسها حزب الاتحاد الدستوري قد اتخذت اجراءات سريعة وفعالة لانعاش الحالة الاقتصادية ومكافحة البطالة والترفيه عن العمال وذوي الدخل القليل ثم حصلت الحكومة على المال اللازم بعد تعديل امتيازات النفط للقيام بالمشاريع العمرانية الرئيسة سواء ما كان منها صناعياً او زراعياً او عمرانياً ومنهاج مجلس الاعمار حافل بتلك الاعمال.
وقال عبد الوهاب مرجان في خطابٍ له عام 1952 "لقد عالج الحزب مشاكل البلاد المستعصية فحلت مشكلة اراضي العمارة والمنتفك وشرعت قانون استثمار الاراضي الاميرية الصرفة لتوزيعها على الفلاحين.
ويُذكر ان الحزب قد تعرض الى انتقادات حتى من بعض اعضائه فذكر جميل الاورفلي المحاسب في حزب الاتحاد الدستور "لقد تبين منذ البداية ان جماعة معينة من اللجنة المركزية اصبحت تستحوذ على نوري السعيد وتسيطر عليه وتسير الحزب وفق هواها، وقد ظهر ان نوري السعيد لا يؤمن بمبادئ الاحزاب بقدر ايمانه وتعلقه بالارتباطات الشخصية "وان تلك الارتباطات هي التي كانت مسيطرة على مقررات اللجنة المركزية فكانت المراكز الوزارية تقسم بين جماعة معينة اصبحت الركائز الاساسية عند تشكيل كل وزارة من وزارات نوري السعيد".
ولابد من الاشارة الى ان حزب الاتحاد الدستوري حينما تم تأسيسه فتح له فرع في مدينة الحلة عام 1950م وقد شهدت دار عبد الوهاب مرجان يوم الافتتاح استضافة وفود المدن العراقية الاخرى المشاركة وشخصيات من حزب الاتحاد الدستوري في الحلة ومنهم ابراهيم الهزاع شيخ المعامرة ومحسن الجريان شيخ البو سلطان، فكان يوم الافتتاح يمثل تظاهرة وطنية وشعبية.
لقد استمر عبد الوهاب مرجان بالعمل في صفوف حزب الاتحاد الدستوري كنائباً لرئيسه نوري السعيد لغاية حل الاحزاب السياسية من قبل نوري السعيد نفسه في تشرين الثاني عام 1954م، الا ان الحزب لم يطبق القواعد النظرية التي جاءت في منهاجه وبهذا اظهر عجزه او اعراضه عن تحقيق الاهداف التي اختطها لنفسه وبذلك كان وجوده لدعم السلطة الحاكمة لا لتحقيق مطالب الجماهير في اصلاح الاوضاع السياسية والاقتصادية.

عن رسالة ( عبد الوهاب مرجان ودوره السياسي ) ، جامعة بابل 2007