زكي مبارك.. ثلاث دكاترة في رجل واحد

زكي مبارك.. ثلاث دكاترة في رجل واحد

اعداد/ منارات
شاعر وكاتب بارز، تأثر شعره بالصوفية التي قام بتدريسها بعد ذلك في العديد من أقسام الفلسفة واللغة العربية في الجامعات المصرية.
وُلد زكى عبدالسلام مبارك في 5 أغسطس 1892 بقرية سنتريس بمحافظة المنوفية، قضى أيام طفولته في (الكُتاب) يحفظ القرآن وفى (الغيط) يعمل مع الفلاحين وفى (السامر) يستمع إلى المداحين وعشق المواويل.. ومن هنا ولدت في وجدانه ملكة الشعر.

حفظ القرآن الكريم في طفولته، ثم حفظ ما يزيد على ثلاثين ألف بيت من الشعر العربي، والتحق بالأزهر في عام 1908، وهناك لقب بشاعر الأزهر، وبعدها حصل على ليسانس الآداب في عام 1921، ثم حصل على ثلاث درجات دكتوراه متتالية لقب بعدها بالدكاترة زكي مبارك.. كانت الأولى عام 1924 في "أخلاقيات الإمام الغزالي" من جامعة السوربون الفرنسية، والثانية من الجامعة نفسها في 25 أبريل عام 1931 عن "النثر الفني في القرن الرابع الهجري"، والثالثة من الجامعة المصرية (القاهرة حالياً) عن "الفلسفة الإسلامية والصوفية في الإسلام" في عام 1937، والتي تطرق فيها إلى أصل كلمة "صوفية".
اشترك زكى مبارك في ثورة 1919 وكان يتميز بقصائده وبلاغته المثيرة للحماس وقامت السلطات البريطانية بالقبض عليه في ديسمبر عام 1919.
تولى زكي مبارك مسؤولية المحرر الأدبي لجريدة البلاغ في عام 1923، ورأس تحرير جريدة الأفكار، لكنه لم ينل حظه من المناصب في مصر لكثرة معاركه الأدبية مع أفذاذ عصره من أمثال: د. طه حسين، وعباس محمود العقاد، وإسماعيل القباني، وإبراهيم عبدالقادر المازني، وغيرهم، كما أنه فضل الابتعاد عن التيارات الحزبية وممالأة القصر والنفوذ البريطاني،، وله دواوين شعرية شديدة الرومانسية، وأشهرها مدامع العشاق، كما كان ينشر إبداعاته النثرية والشعرية في المجلات والصحف، وآخر مقالاته التي داوم على نشرها "الحديث ذو شجون"، ومن بين مؤلفاته:
العشاق الثلاثة ، عبقرية الشريف الرضي ، ألحان الخلود، الموازنة بين الشعراء، وغيرها.
ثم عمل في الجامعة، وفي تفتيش وزارة المعارف، وقد قابل الكثير من المثبطات المجهضات، ولكنه كان يقف في مواجهتها شامخاً، وفي عام 1937م رُشِّح للعمل في بغداد لتدريس اللغة العربية في دار المعلمين العالية التي وصلها يوم 23 تشرين الأول (أكتوبر) 1937م بعد أن مر بفلسطين وبيروت ودمشق. وقد سعد في العراق بمعرفة وصداقة كثير من أعلامه، وعلي الرغم مما لقي في العراق من تكريم إلا انه ظل يحس بالظلم في مصر وهو يعبر عن ظلمه اصدق تعبير بقوله " إن راتبي في وزارة المعارف ضئيل، وأنا أكمله بالمكافأة التي آخذها من البلاغ أجرا علي مقالات لا يكتب مثلها كاتب ولو غمس يديه في الحبر الأسود… إن بني آدم خائنون تؤلف خمسة وأربعين كتاباً منها اثنان بالفرنسية وتنشر ألف مقالة في البلاغ وتصير دكاترة ومع هذا تبقي مفتشاً بوزارة المعارف" وقد منحته دولة العراق وسام الرافدين في عام 1947.
كتب زكي مبارك 45 كتاباً منهم كتابين باللغة الفرنسية عندما كان في فرنسا. كان موضوع كتابه "أخلاقيات" يرتكز على كيفية أن يكون المجتمع الإسلامي كما رآه الإمام الغزالي. كما ألف رواية واحدة سميت "دموع العشاق" والذي اتبع في كتابتها الأسلوب الفني المعروف وهو المقدمة والحبكة والذروة والنهاية وكانت تتعامل الرواية مع أسرار الحب.
وفى اليوم 23 يناير 1952، سقط زكى مبارك في شارع عماد الدين فشج رأسه شجاً كبيراً ليموت بعد ساعات قليلة، وبعد ثلاثة أيام احترقت القاهرة (26 يناير 52) لينشغل كل الناس في الهم السياسي.

كتبه
كتاب "النثر الفني في القرن الرابع الهجري"، وهو رسالة دكتوراه زكي مبارك من السوربون
كتاب "ذكريات باريس"، زكي مبارك
كتاب "البدائع"، زكي مبارك
كتاب "مدامع العشاق"، زكي مبارك
كتاب "أحمد شوقي"، زكي مبارك
كتاب "حافظ ابراهيم"، زكي مبارك
كتاب "جناية أحمد أمين على الأدب العربي"، زكي مبارك
رواية "ليلى المريضة في العراق"، زكي مبارك
رواية "العشاق الثلاثة"، زكي مبارك
كتاب "المدائح النبوية في الأدب العربي"، زكي مبارك
كتاب "زكي مبارك، سيرة ذاتية"

افتتن الدكتور زكي مبارك (أو الدكاترة مثلما أحب) بمذهب فرنسيّ لخصه الدكتور محمد رجب البيومي في كتابه الجميل (من أعلام العصر: كيف عرفتُ هؤلاء، الطبعة الأولى 1996م، ص 89 و90) وروى حواراً دار بينهما قال فيه مبارك:
* إن أفكاري تتبدلُ بتبدل الزمان، لقد وُجد في فرنسا مذهبٌ يدعو إلى تسجيل الأديب كلّ خواطره كما تفد إلى ذهنه بدون ترتيب؛ ليعطي القارئ صورة صحيحة لما يجري بين أطباق الدم واللحم..!
** عبّر عن رؤيةٍ قد تفتقد (الرويّة) دون أن تختلف مع حقيقة النفس الطامحة - الجامحة التي يمتزج تركيبُها باختلاط الهواجس بالأنفاس (وهذا تعبير يستعيره صاحبكم من أستاذه الكبير عبد الرحمن البطحي الذي يدين له بكثير غيره)..!
** ليكن الأمر كذلك في نصٍّ وجدانيّ، غير أن (مباركاً) تجاوز ذلك حين أكّد لتلميذه البيومي:
* أنا أمدح حين أرضى، وأهجو حين أسخط، والذي يثبت على رأي واحد حَجرٌ في جبل لا يُحسُّ بتقلب الزمان وعصف الرياح..!
لم يُنصَفْ (مبارك) - وهو صاحب ثلاث درجات دكتوراه - فما شفعتْ له في التدريس بالجامعة، وأُبعد عن (التفتيش) بوزارة المعارف المصرية - كما كانت تسمى -، ورأى نفسه (شهيدَ الحق) - ولم يكن كذلك -، ورغم أنه بدل أفكاره - مثلما أشار - إلا أنه آمن بمواقفه الحادة التي حارب دونها فخاصم الجميع، واستعدى الجميع، وهو ما لا يدخل في ثبات الموقف بعيداً عن دلالات (العصا والجزرة) التي لا يُقرُّها عالمٌ أو حتى متعلم..!