(ألوان أخرى).. مقالات وقصة لأورهان باموق

(ألوان أخرى).. مقالات وقصة لأورهان باموق

راجعها: جون مولان
ترجمة: نجاح الجبيلي
عن الغارديان
هل يمكن أن تفسد مكانة الكاتب الأدبية بالفوز بجائزة نوبل؟ حين فاز أورهان باموق بجائزة نوبل للأدب عام 2006 اعتقد على نطاق واسع أن الأكاديمية السويدية قد اعترفت بمكانته كناطق عن حرية الكاتب. وبرهن هذا على أنه شخص جيد أكثر من كونه كاتباً جيداً.

لقد اتهم باموق وهو الكاتب الأفضل مبيعاً في بلده، " بالتشويه العلني للهوية التركية" وطلب المدعي العام بالحكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة أعوام. وجريمته المفترضة جاءت في مقابلة له مع صحيفة سويسرية إذ قال أن مليون أرمني و 30000 الف كردي قد تم قتلهم في تركيا بعد الحرب العالمية الأولى. كان هذا الكلام للجمهور الأوربي عما يعد موضوعاً محرماً بالنسبة للأتراك قد زاد من حدة الغضب عليه.

في قطعة من الكلام الرقيق المميز في هذه المجموعة الجديدة " ألوان أخرى- مقالات وقصة " يقول باموق أنه يعيش في بلد " يقدّر باشواته وقديسيه وشرطته في كل فرصة، لكنه يرفض أن يقدّر كتـّابه حتى يقضوا سنوات في المحاكم والسجون". وما أن قدم للمحاكمة حتى هنأه أصدقاؤه الأدباء لأنه أصبح أخيراً " كاتبا تركياً حقيقياً". بالتأكيد أن رواياته سياسية. فروايتاه الأخيرتان " اسمي أحمر" و " ثلج" تتأملان تباعاً في التناقضات بين الأفكار الغربية والإسلامية حول مسؤوليات الفنان وافتتان الشباب التركي بالأصولية. ومع ذلك فهما عملان يلعبان على الشكل أيضاً، ومثلهما مثل العديد من روايات باموق، تحتويان على قصص خادعة في الاكتشاف. وله مكانة أقل مما يستحق كونه كاتباً لروايات محنكة تفرض نفسها بقوة.
إن الرواية كجنس أدبي هي التي قدمت لباموق دائماً الإمكانيات المتاحة للتمرد. يعلن عثمان راوي روايته " حياة جديدة" وهو لا يدرك ما نوع القصة التي يرويها. "إن هذه اللعبة العصرية المسماة الرواية التي هي الاكتشاف الأعظم في الحضارة الغربية، ليس لها علاقة بمسألة ثقافتنا" ويعلن باموق بصوته في واحدة من العديد من المقالات عن دوستويفسكي في هذه المجموعة:" مع الموسيقى الأوركسترالية، تعد الرواية الفن الأعظم للمدنية الأوربية". إن الروايات العظيمة تحرر قراءها من التزاماتهم المشتركة وتمسك بانتباههم الأساس. وهو يتذكر قراءة رواية ستندال " صومعة بارما" وكيف " بدا لي وكأنه كان يهمس لي كل حكمته في أذني، فقط لي". وهو يبتهج بالترجمة التركية لواحدة من أغرب الروايات " ترسترام شاندي" التي سيربك نثرها الملتوي المباح " المحافظين الدينيين وأصحاب التقليد والقوميين الذين لا يستطيعون أن يتقبلوا نكتة، واليعاقبة الكئيبين".
وحين كان شاباً فإن هذا المؤلف المتغربن المشهور لم يرحل في الواقع، بل رحل من خلال الأدب." في تلك الأيام اعتقدت أن الفرد قد يستطيع فهم أوربا بصورة أفضل بالتأمل في كتبها العظيمة". لكن هذه الكتب ليست بالضرورة مهرباً خالصاً من التناقض. إن الاحتفال المتحمس لباموق بكتابات آندريه جيد يعزى إلى عرقية المؤلف الذي يحبه. " أستطيع فقط أن أعبر عما تعني أوربا لي إذا ما مزجت الاحتقار بالإعجاب، والكره بالحب، والاشمئزاز بالانجذاب". إن حس الوجود بين حضارتين كان راسخاً منذ الطفولة. وفي إحدى الصور القلمية الحيوية الكئيبة التي يستذكرها هو التحاقه بوالديه في جنيف ودخوله مدرسة محلية. ولكونه لا يعرف الفرنسية، على الرغم من أن أمه مواظبة على تعليمه، فإنه وأخاه " سيتجولان بين زحام الأطفال وهم يلعبون حتى وجدنا كل منا الآخر وأمسكنا بالأيدي". وسوف يتعرف القراء من أحدث كتاب له " أسطنبول: الذكرى والمدينة" بسحره بحالة العيش بين قارتين حضاريتين. وهناك تلميحات إضافية أخرى لأسطنبول في هذه المجموعة، وهي كما في تلك المذكرات عبارة عن استذكارات فاجعة لأماكن اختفت وناس راحلين.
الشرق أحياناً بعيد جداً. الشخصيات الرئيسة في رواية " اسمي أحمر" هم الرسامون وفي قطعة عن تكوين الرواية يوضح باموق كيف كان عليه بمساعدة الوصي على " قصر توبكابي" أن يعلم نفسه كيف يعجب بالمنمنمات الإسلامية المتقنة التي أضجرته في السابق. وهو صريح على نحو فاتن بشأن الخلفية الشخصية لرواياته. وهو يعترف في مقالة " ملاحظة عن العدالة الشعرية" " بأن رواياته تحتوي على الانتقامات لما عاناه في صغره. صبي يدعى حسن ضربه وآذاه. لهذا فإن كل الذين يسمون "حسن" هم أشرار. وكان يكره الذهاب إلى الحلاق. لهذا فإن الحلاقين سيئون جداً. وقد أدرج كل الشخصيات من عائلته الذين وجدوا طريقهم إلى رواية " اسمي أحمر"، ويضيف، كإجراء جيد غير حذر، " أردت أن تكون كلاسيكية؛ أردت البلد كله أن يقرأها ويجد نفسه منعكساً فيها".
كل شيء هنا جاء بصيغة الأنا. والقصة القصيرة المنشورة حديثاً في المجموعة " إطلالة من نافذة" تسجل عبر عيني طفل رحلة أبيه الغامضة إلى باريس من بيته في أسطنبول. وهي تصف على نحو جميل الإدراك الجزئي لطفل للاضطراب الصامت حوله نتيجة إحساسات المراهقة. إنها خيالية شكلياً: لا يوجد كاتب يوميات مراهق استطاع أن يتذكر كل تفاصيلها المضبوطة وظروفها وحوارها الوصفي الكامل. ومع ذلك فإن الخطوط العامة للمشهد تتناظر تماماً مع حقائق الحياة الخاصة لباموق. (اكتشفنا سابقاً في قطعة مبكرة بأن أبا باموق قام بالضبط بتلك الرحلة حين كان المؤلف في السابعة). لا توجد فجوة ممكن تخيلها بين المؤلف والسارد. فالحياة بالنسبة لباموق تصبح ذات معنى (مهمة) حين تجد لها نموذجاً في القصص.