رسالة الى تولستوي من مفتي الديار المصرية الشيخ محمد عبده

رسالة الى تولستوي من مفتي الديار المصرية الشيخ محمد عبده

هناك رسالة تقبع بمتحف تولستوي تحت رقم المخطوطة ( 52040) وهي بالعربية وبجانبها الرسالة الأصلية باللغة الإنكليزية مؤرخة في الثاني من شهر أبريل / نيسان من عام 1904م أي أكثـر من مائة عام من عمر الزمن .

المخطوطة العربية كانت من مفتي الديار المصرية الشيخ / محمد عبده .
وهي موجهة إلى الأديب الروسي ( تولستوي ) .
ونعود إلى البداية، فقد كان الأديب الروسي (تولستوي ) والأمام / محمد عبده يعيشان في نفس العصر فتولستوي عاش بين الفترتين ( 1828م – 1910م ) وكان الأمام أيضا يعيش بين الفترتين نفسهما ( 1849م- 1905م )
وقد كان الاثنان كل منهما ( كاتباً ) يقدر مكانة الكلمة ويعتبرها وثيقة أدميتنا حتى ولو كان تولستوي نبيلاً إقطاعيا
والآخر – الشيخ الأمام – داعية إسلاميا فكلهما كان يمجد الكلمة بعلمه وعمله .
إلى جانب سمة أخرى يتشابه فيها الأمام المفكر والأديب المفكر وهي ( صدق الشعور )
فأعمال تولستوي الروائية لن تكون فناً خالدً ما لم تكن تعبيراً جميلاً عن شعور صادق .
وهو نفس ما نجده عند الأمام المفكر الديني فلكي تكون فكرته مقبولة ويقتنع بها الآخرن فلابد أن يكون هو صادقاً في نفسه .....
أمور كثيرة وسمات مختلفة يطول هنا شرحها بين الأمام / محمد عبده والأديب الروسي تولستوي ....
ومن المهم أن نعلم بأن الذي أوصل الرسالة من الأمام هو صديق للأمام وصديق لتولستوي في نفس المقام
وهو ( س.ك. كوكريل ) وقد طلب منه الأمام ذلك .
أيضا أحب أن أضيف بان من ترجم رسالة الأمام إلى الإنكليزية هي المستشرقة ( آن بلنت ) زوجة
( ولفريد بلنت ) صديق الأمام ...
وبعد كل ما تقدم فلنستعرض سوية رسالة الأمام / محمد عبده إلى تولستوي :
"" أيها الحكيم الجليل مسيو تولستوي لم نحظ بمعرفة شخصك , ولكننا لم نحرم التعارف بروحك , سطع علينا نورً من أفكارك , وأشرقت في آفاقنا شموس من آرائك ألفت بين نفوس العقلاء ونفسك , هداك الله إلى معرفة الفطرة التي فطر الناس عليها , ووفقك إلى الغاية التي هدى البشر إليها , فأدركت أن الإنسان جاء إلى هذا الوجود
لينبت بالعلم ويثمر بالعمل , ولأن تكون ثمرته تعباً ترتاح به نفسه , وسعياً يبقى ويرقى بها جنسه .
شعرت بالشقاء الذي نزل بالناس لما انحرفوا عن سنة الفطرة , استعملوا قواهم التي لم يمنحوها ليسعدوا بها فيما كدر راحتهم , وزعزع طمأنينتهم , نظرت نظرة في الدين , فرقت حجب التقاليد , وصلت بها إلى حقيقة التوحيد ورفعت صوتك تدعو الناس إلى ما هداك الله إليه , وتقدمت أمامهم بالعمل لتحمل نفوسهم عليه .
فكما كنت بقومك هادياً للعقول , كنت بعلمك حاثاً للعزائم والهمم .
وكما كانت آراؤك ضياءً يهتدي به الضالون , كان مثالك في العمل إماما اهتدى به المسترشدون .
وكما كان وجودك توبيخاً من الله للأغنياء , كان مدداً من عنايته للفقراء .
هذا وأن نفوسنا لشيقة إلى ما يتجدد من آثار قلمك , فيما تستقبل من أيام عمرك والسلام .
( محمد عبده مفتي الديار المصرية 2 أبريل 1904م ) .
طبعاً الرسالة تثير قضايا عدة لن نناقشها هنا ...
ولكن سنشير إلى أن تولستوي قام بالرد على الأمام محمد عبده برسالة جميلة شفافة ً وهي أيضاً بجانب رسالة الشيخ في المتحف .
ولولا إطالتي عليكم لأوردتها لكم كاملة ولكنني أكتفي برسالة الأمام حتى وقتً آخر